أسباب فشل قمة هانوي

Spread the love

كتبت باتريسيا كيم مقالة في مجلة “فورين بوليسي” الأميركية تناولت فيها أسباب فشل قمة هانوي بين الرئيسين الأميركي دونالد ترامب والكوري الشمالي كيم جونغ أون. والآتي نص ترجمة المقال:

هذا الأسبوع، خرج الرئيس الأميركي دونالد ترامب والزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون من مفاوضاتهما في العاصمة الفيتنامية هانوي خالييَّ الوفاض. وكان فشلهما في التوقيع على اتفاق أمرًا صادمًا، نظرًا لأن معظم التكهنات قبل القمة قد ركزت على ما سيكون في الاتفاق، وليس على ما إذا كان سيتم التوقيع على اتفاق أصلاً. لا شك أن القمة الفاشلة جعلت المفاوضات أكثر صعوبة في المستقبل. لكن الجانبين لديهما الآن الوقت للرجوع ووضع الأسس لمسار دبلوماسي مستدام، وهو أمر ضروري بالنظر إلى الطريق الطويل.

وطبقاً للرئيس ترامب فإن قمة هانوي قد انهارت في نهاية المطاف لأن الكوريين الشماليين أرادوا رفع جميع العقوبات الحالية في مقابل تفكيك موقع التجارب النووية في يونغبيون. وبعد بضع ساعات، عقد وزير الشؤون الخارجية في كوريا الشمالية، ري يونغ هو، مؤتمراً صحافياً وقال إن الجانب الطوري لم يطلب سوى تخفيف جزئي للعقوبات وليس كاملاً. وحدد أنه من أصل مجموع عقوبات الأمم المتحدة الإحدى عشرة، أرادوا رفع العقوبات الخمسة التي فُرضت في الفترة بين عامي 2016 و2017 – وخاصة الأجزاء التي لها تأثير على “معيشة الناس” و”الاقتصاد المدني”.

على الرغم من أن رواية ري يونغ هو دقيقة من الناحية التقنية، إلا أن العقوبات الخمسة التي حددها في الواقع هي في صميم حملة الضغط الاقتصادي على كوريا الشمالية. وتشمل هذه العقوبات تدابير للحد من واردات كوريا الشمالية من النفط الخام والواردات النفطية المكررة؛ وفرض حظر على تصدير الفحم والحديد والرصاص والمأكولات البحرية والمنسوجات، وحظر على المشاريع المشتركة مع الشركاء الكوريين الشماليين؛ ومنع العمال الكوريين الشماليين من العمل في الخارج.

من غير الواضح لماذا اعتقد كيم أن ترامب سيكون مستعدًا لقبول مثل هذا الطلب المبالغ فيه، خاصة بالنظر إلى الهشاشة السياسية لإدارة ترامب في الداخل. لكن من الواضح أن كيم فقد ماء وجهه بعد أن خاض مقامرة سياسية كبيرة وفشل في الفوز بأي تنازلات اقتصادية. نتيجة لذلك، من المحتمل أن تكون لديه مرونة أقل في التقدم قدماً لسببين.

أولاً، من المرجح أن تقوي القمة الفاشلة المتشددين في بيونغ يانغ الذين لا يشعرون بالراحة تجاه محور كيم الاستراتيجي نحو التنمية الاقتصادية والتواصل مع العالم الخارجي. ويمكنهم الآن أن يشيروا إلى ما حدث في هانوي لتعزيز الحجة القائلة بأنه بغض النظر عن صداقة ترامب المعلنة مع كيم، لا ينبغي الوثوق بالولايات المتحدة والقوى الأجنبية الأخرى.

سوف يكون كيم مقيّدًا بكلماته الخاصة. وقبل شهرين فقط، أعلن في خطابه بمناسبة السنة الجديدة أنه إذا استمرت الولايات المتحدة في فرض عقوبات بناء على “خطأ في تقدير صبر شعبنا”، فسيجد “طريقة جديدة” للدفاع عن “المصالح العليا” لدولته. بعد أن تعهد علانية بمثل هذا التعهد لشعبه، وبعد إحراقه في هانوي، من المحتمل جداً أن يجد كيم أنه من الصعب سياسياً العودة إلى طاولة المفاوضات بموقف معتدل. في الواقع، أنهى ري مؤتمره الصحافي بإعلانه أن “الموقف المبدئي” لكوريا الشمالية لن يتغير أبداً، حتى في المفاوضات اللاحقة.

بالإضافة إلى ذلك، لم يكن هناك أي مؤشر في هانوي على أن الجانبين قد اتفقا على الخطوات أو المواعيد المقبلة للاجتماعات على مستوى العمل. بوجود فجوة واسعة في المواقف التفاوضية وعدم تحديد مواعيد نهائية ملحة مثل عقد قمة للعمل، من الممكن جداً أن تتوقف المحادثات. في الواقع، تعثرت المفاوضات حتى بعد القمة السابقة عندما حصلت كوريا الشمالية على تنازلات مهمة – بما في ذلك الجلوس في أول قمة على الإطلاق مع رئيس أميركي وتعليق المناورات العسكرية بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية – لالتزامها الغامض بنزع السلاح النووي في شبه الجزيرة الكورية والموافقة على إعادة رفات الجنود الأميركيين الذين قتلوا خلال الحرب الكورية.

من الواضح أن الخطر الأكبر في مرحلة ما بعد هانوي هو أنه إذا استمرت المحادثات على مستوى العمل في تحقيق الأهداف المسدودة، فسيفقد كلا الطرفين الصبر والنيات الحسنة. يمكن لكوريا الشمالية أن تستأنف التجارب النووية أو الصاروخية أو تشارك في بعض التصرفات الصارخة لتسجيل موقف. في هذه الحالة، ليس من غير الواقعي رؤية عودة، التهديد بـ”نار وغضب”، كما قال ترامب. ومع ذلك، أصر ترامب، على الأقل حتى الآن، على أنه لا تزال هناك علاقة جيدة مع كيم، وأنه يمكن التوصل إلى اتفاق في المستقبل. كما سيقوم الفاعلون الرئيسيون الآخرون في المنطقة ببذل الجهود لضمان عدم تدهور الحالة إلى نقطة “النار والغضب”. وسيستمر رئيس كوريا الجنوبية مون جاي في التوسط بين بيونغ يانغ وواشنطن، وستواصل بكين الضغط من أجل التوصل إلى حل دبلوماسي.

ولكن هناك بعض “البطانات الفضية”، أي الجوانب الإيجابية، لهذا الانهيار. الأول هو أن صفقة فاشلة أفضل من صفقة سيئة. وكان هناك عدد من الصفقات السيئة المحتملة المختلفة التي كان من الممكن توقيعها، مثل تلك الصفقة التي تناولت فقط الصواريخ الباليستية العابرة للقارات، بينما تركت حلفاء الولايات المتحدة عرضة للصواريخ قصيرة المدى، أو تلك الصفقة التي تركت جدولاً زمنياً مفتوحاً تماماً لنزع السلاح النووي الفعلي، ما يساوي الاعتراف بكوريا الشمالية كقوة نووية بحكم الواقع.

ومن خلال عدم التسرع في التوصل إلى اتفاق، أصبح لدى الولايات المتحدة الآن المزيد من الوقت لإجراء مناقشات مكثفة مع حلفائها الآسيويين – وخاصة كوريا الجنوبية – حول الأسئلة الصعبة التي ستنشأ حول الهدف المستقبلي وعملية التحالف بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية وشبكة التحالف الأكبر بقيادة الولايات المتحدة في آسيا، إذا وقع إعلان نهاية الحرب.

هذه الأنواع من المحادثات تستغرق بعض الوقت وليست مجرد مواضيع لإدارات الدفاع المعنية. من الضروري إجراء مناقشات واسعة النطاق بين القادة على جميع المستويات وفي جميع المكاتب، وفي نهاية المطاف بين القادة ومواطنيهم، لخلق رؤية مشتركة لكيفية عمل واشنطن وسيول وطوكيو معاً للحفاظ على السلام ليس فقط في شبه الجزيرة الكورية ولكن في المنطقة الأوسع.

والأمر الإيجابي الأخير هو أن واشنطن وبيونغ يانغ الآن لديهما فرصة للعودة إلى مستوى العمل، بغض النظر عن التحديات التي نوقشت أعلاه، ووضع الأسس لعملية دبلوماسية مستدامة وطويلة الأجل.

ويجب أن يتضمن ذلك بندين من الأولويات: الأول هو وضع خريطة طريق محددة بوضوح ومحددة زمنياً تنتهي بكوريا الشمالية خالية من الأسلحة النووية، حتى لو تم وضع هذه النهاية بعد سنوات عدة من الآن. إن المهلة النهائية لا بد منها لطمأنة الحلفاء بأن الولايات المتحدة لن تسمح لكوريا الشمالية بأن تظل قوة نووية بحكم الواقع إلى أجل غير مسمى، وأن تدعم المعايير العالمية لمنع انتشار الأسلحة النووية.

الأمر الثاني هو أنه يجب إنشاء آلية مؤسسية بحيث عندما تتعطل المفاوضات أو تفشل في المستقبل، هناك طريقة طبيعية وتحفظ ماء الوجه لعودة جميع الأطراف مجدداً إلى طاولة المفاوضات. ومن دون مثل هذه التفاهمات الأساسية، سيكون من الصعب الحفاظ على الزخم في رحلة طويلة إلى الأمام. وبفشلها في الاستعداد السليم، تخاطر الولايات المتحدة بتكرار تاريخ التسعينيات من القرن العشرين والعقد الأول من هذا القرن، عندما بدا وكأن التوصل إلى اتفاق كان قاب قوسين أو أدنى، فقط لكي تنهار هذه الجهود ويظهر وضع أسوأ في كل مرة.

ترجمة: هيثم مزاحم – الميادين نت

Optimized by Optimole