وول ستريت جورنال”: القصة الخفية لإغراق السعودية أسواق النفط

وول ستريت جورنال”: القصة الخفية لإغراق السعودية أسواق النفط
Spread the love

حاول ولي العهد السعودي أن يزيد الضغط على روسيا، مطالباً بخفض أكبر في الإنتاج. وعندما لم تتراجع روسيا، أمر بالاستعداد لسيناريو لا تكون هناك تخفيضات في الإنتاج على الرغم من تراجع الطلب العالمي بسبب فيروس كورونا.

ذكرت صحيفة  “وول ستريت جورنال”الأميركية أنه في غضون 24 ساعة فقط، أطلق ولي العهد السعودي محمد بن سلمان حرب أسعار النفط مع روسيا وأبعد منافساً محلياً لتعزيز سلطته في بلاده. لكن أفعاله المفاجئة على المسرح العالمي وداخل مملكته بدأت قبل أشهر.

فبينما كانت المملكة تستعد لبيع أسهم في شركة “أرامكو” السعودية، شركة النفط الوطنية، في أواخر العام الماضي، تعاون ولي العهد محمد بن سلمان مع روسيا للحد من إنتاج النفط والحفاظ على أسعاره مرتفعة. لكن تلك الشراكة كانت متعثرة. وفي الأسابيع التي سبقت الطرح العام الأولي في كانون الأول / ديسمبر 2019، قام ولي العهد – الحاكم الفعلي للمملكة – بقمع المنافسين السياسيين في الرياض. وبلغ الجهدان ذروتهما علانية – الجمعة في الرياض عندما احتجز رجال أمن مقنعون عدداً من الأمراء السعوديين رفيعي المستوى، والسبت في جميع أنحاء العالم عندما تخلى ولي العهد عن تحالفه مع روسيا وقرر إغراق العالم بالنفط الرخيص. ورد المستثمرون يوم الاثنين بخفض أسعار النفط والأسهم.

وقالت الصحيفة إنه ليس واضحاً ما إذا كانت حركتي ولي العهد هاتين مرتبطتان. فالحكومة السعودية قالت القليل عن الاعتقالات.

وما هو واضح هو أن أحد أقوى الرجال في الشرق الأوسط اختار عطلة نهاية الأسبوع عندما كان العالم منشغلاً بفيروس “كورونا” الجديد المنتشر والأسواق المتعثرة لتأكيد مكانته في الداخل والخارج، أي تعزيز سلطته في السعودية بينما يظهر أنه استخدم نفوذ المملكة على سوق النفط لتحقيق أهدافه السياسية.

ومن خلال قيامه بذلك، قام ولي العهد بتعزيز قوته السوقية في الخارج بطريقة لم تفعلها السعودية منذ أكثر من أربعة عقود، عندما أطلق الملك الراحل فيصل بن عبد العزيز حظراً نفطياً ضد الولايات المتحدة في عام 1973، كما يقول عادل حمايزية، الباحث بشؤون الشرق الأوسط في المعهد الملكي للشؤون الدولية في لندن.

تقول كريستين سميث ديوان من معهد دول الخليج العربية في واشنطن: “من المنطقي بالتأكيد مشاهدة الاعتقالات الملكية في سياق مفاوضات النفط المنهارة مع روسيا”. وتوضح أن ولي العهد “يدرك أن الأمور ستصبح صعبة للغاية من الناحية الاقتصادية ويريد أن يتأكد من أن الجميع يتماشى مع هذه التحديات الجديدة. إنه يحتاج إلى المزيد من الإيرادات”.

يقول الأشخاص المطلعون على عملية صنع القرار في المملكة إن ولي العهد تجاوز آراء وزير النفط الحالي، شقيقه، لبدء حرب الأسعار. ورفض متحدث باسم السفارة السعودية في واشنطن التعليق للصحيفة أو جعل ولي العهد محمد أو وزير النفط عبد العزيز بن سلمان أو مسؤولين سعوديين آخرين متاحين لإجراء مقابلات. ولم يرد ممثل الديوان الملكي على أسئلة الصحيفة.

في الداخل ، أنهى ولي العهد العديد من القيود الاجتماعية أثناء محاولته تنويع الاقتصاد المعتمد على النفط. في الوقت نفسه، قام بتهميش المنافسين المحتملين في الحكومة وقمع النقاد، وسجن منشقين، وقتل رجال يعملون معه الحافي الناقد جمال خاشقجي في عام 2018. ونفى ولي العهد إعطاءهم الأمر بالقتل.

على الصعيد العالمي، كان أحد أهدافه الرئيسية تنفيذ طرح عام أولي لشركة أرامكو السعودية. كان عرض كانون الأول / ديسمبر هو الأكبر في العالم، حيث جمع 25.6 مليار دولار مقدراً الشركة بنحو 1.7 تريليون دولار. لكن المصرفيين اعتبروا العرض مخيباً للآمال بشكل كبير لأنه حدث في سوق الأسهم السعودية الصغيرة، وليس في بورصة عالمية كما خطط ولي العهد في الأصل.

سياسات القصر

عود القمع المحلي لولي العهد إلى يوم الجمعة في تشرين الثاني / نوفمبر في قصر الرياض المعزول العائد لمحمد بن نايف، ولي العهد السابق، كما يقول أشخاص مقربون من الأمير المخلوع. في عام 2017، وضع محمد بن سلمان منافسه السابق على العرش تحت قيود صارمة عندما أخرجه من منصب ولي العهد.

إن محمد بن نايف وعمه، الأمير أحمد وهو شقيق للملك، احتُجز هو الآخر، هما من أكبر المنافسين السياسيين لولي العهد.

ونقلت “وول ستريت جورنال” عن أشخاص مقربين من محمد بن نايف قولهم إن ولي العهد الجديد أبقى ابن عمه تحت الإقامة الجبرية. وبحلول شهر تشرين الثاني / نوفمبر الماضي، سُمح له بالتنقل بين منازله في الرياض ومخيمه الصحراوي وحضور المناسبات العائلية. لكن حساباته المصرفية قد جفّت، وكان الأمير القوي ذات مرة، وزير الداخلية السابق وأكبر المتصلين بالمسؤولين الأميركيين بشأن مكافحة الإرهاب – غاضباً ومليئاً بالشكاوى، كما يقول الناس.

ويقول رجال مقربون من محمد بن نايف، إن رجال ولي العهد ظلوا على مقربة من محمد بن نايف ونقلوا شكاويه إلى رئيسهم. وفي تشرين الثاني / نوفمبر، زار محمد بن نايف عمه، شقيق الملك الأمير أحمد بن عبد العزيز، واشتكى له من أن زوجته وبناته “يتضورن جوعاً” منذ تقليص رواتبهن الملكية ومقتنياتهن المالية.

وفي إطار السياسات الملكية المشحونة في السعودية، يمكن أن تكون مثل هذه الشكوى غير الضارة مسببة للتوترات. وقال مقربون من محمد بن نايف إن ولي العهد قطع الراتب الملكي لعائلته، وصادر ممتلكاتهم وقيد سفرهم.

وفي وقت لاحق في تشرين الثاني / نوفمبر الماضي، تلقى محمد بن نايف مكالمة من الديوان الملكي. وطلب منه مسؤول زيارة مقر الحرس الوطني، أو يواجه عواقب، لكن ولي العهد السابق تجاهل الرسالة، كما يقول المقربون منه. بعد أيام، جاء حرس الديوان الملكي إلى قصر بالرياض واقتادوا مجموعة من موظفيه المقربين منه، بمن في ذلك السكريتارية وموظفو تكنولوجيا المعلومات وأقرب حراسه المتبقين، وصادروا الإلكترونيات وتم سجن الموظفين بمن فيهم غير السعوديين. يقول أحد الأشخاص المطلعين على الأمر إنهم قاموا ببناء سياج حول منصة هليكوبتر محمد بن نايف، لمنعه من الفرار المحتمل.

استجوب الحراس الموظفين المسجونين حول ما إذا كان محمد بن نايف يخطط للفرار أو الانقلاب، كما يقول المقربون منه. وتم إطلاق سراح الموظفين، ولكن تم وضع أمن محمد بن نايف في أيدي رجال يعملون في الديوان الملكي.

يوم الجمعة، ذهب حراس الديوان الملكي الذين يرتدون أقنعة ويرتدون ملابس سوداء إلى منزلي محمد بن نايف وشقيق الملك، الأمير أحمد، واحتجزوهما وآخرين، كما يقول أشخاص مطلعون. الأمير أحمد هو شقيق للملك، وقد انتقد ولي العهد علانية وخاصة في السنوات الأخيرة. وقد اقترح أفراد العائلة المالكة الذين يختلفون مع حكم ولي العهد بشكل خاص أن يكون أحمد هو الملك التالي.

ورأت الصحيفة أن توقيت الاعتقالات لا يزال غير مفسر. فلم يتصرف أي من الأمير محمد بن نايف ولا الأمير أحمد بطريقة تشير إلى أنهم يعتقدون أنهم معرضون لخطر الاعتقال. عاد الأمير أحمد إلى منزله مؤخرًا من رحلة صيد دامت أسابيع، كما يقول الأشخاص المطلعون على الأمر. ورفض الديوان الملكي إتاحة الحديث إلى محمد بن نايف والأمير أحمد للحصول على تعليقاتهما.

اتصل وزير حكومي يدعى مساعد العيبان، متخصص في الأمن السيبراني، بأفراد العائلة المالكة لإخبارهم بأن الأمير أحمد ومحمد بن نايف محتجزان للاشتباه في خيانتهما، كما يقول أشخاص مطلعون على الأمر.

وكان من الممكن أن يفترض الديوان الملكي أنه مع انشغال العالم بفيروس “كورونا” وانهيار الأسواق المالية، فإن أخبار الاعتقالات ستحظى باهتمام أقل، حسب الأشخاص المطلعين على القضية.

صدمة نفطية

المفاجأة الثانية لولي العهد في نهاية هذا الأسبوع تعود إلى إزعاج مستمر آخر: انخفاض أسعار النفط. منذ وصوله إلى السلطة مع تولي والده العرش السعودي في أوائل عام 2015، انخفضت الأسعار جزئياً لأن شركات النفط الصخري الأميركي قد غمرت الأسواق العالمية، مما عوض محاولات السعودية لخفض العرض.

وأدت الأسعار المنخفضة إلى اضطرار السعودية إلى الاقتراض لموازنة ميزانيتها وجعلت من الصعب على ولي العهد تنفيذ خطط التحول الاقتصادي المكلف، والتي تشمل مدينة جديدة عالية التقنية في الصحراء بقيمة 500 مليار دولار. وكان من المفترض أن يجلب الاكتتاب العام في “أرامكو” السعودية أموالاً للمساعدة في تمويل تلك الخطط، لكن أسعار النفط المنخفضة جعلت أسهمها أقل جاذبية.

حصلت السعودية على تأجيل للتنفيذ في عام 2017، عندما انضمت إلى روسيا للحد من العرض ودعم الأسعار. صمد التحالف حتى الاكتتاب العام في كانون الأول / ديسمبر 2019. ولكن في الأشهر التي تلت ذلك، حرصت روسيا على زيادة الإنتاج لتعزيز اقتصادها.

طلب ولي العهد من والده، الملك سلمان، الاتصال بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين وطلب التعاون بشأن خفض أكثر للإنتاج، كما يقول أشخاص مطلعون على الأمر. وقال بوتين في البداية إنه كان مشغولاً للغاية للتحدث، وهو أمر محرج لملك مطلق. وعندما تحدث الرجلان في 3 شباط / فبراير 2020، لم يلتزم بوتين باتفاق.

ورفض متحدث باسم وزارة الطاقة الروسية التعليق للصحيفة على الأمر. ولم يرد متحدث باسم الكرملين على طلب للتعليق.

حاول السعوديون والروس تشكيل تحالف طويل الأمد. في إطار أحد السيناريوهات، كانت السعودية ستسرع في استثماراتها داخل روسيا ودعم جهود الكرملين في سوريا، كما يقول بعض الأشخاص المطلعين. في نهاية المطاف، لم يوافق ولي العهد على اتفاق لأنه لا يريد أن ينفر الولايات المتحدة، الحليف القديم، كما يقولون.

بعد ذلك، أخبر ممثلون روس في أوائل شباط / فبراير اجتماعاً طارئاً لمنظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) أنهم لن يبرموا اتفاقاً لأنه من السابق لأوانه تقييم تأثير فيروس كورونا على الطلب العالمي على النفط، كما يقول أشخاص مطلعون على الاجتماع وآثاره.

لكن ولي العهد ظل يتوقع اتفاقاً. يقول أحد الأشخاص: “بدأ هذا عندما بدأ يبدو سيئاً بالنسبة للعديد منا”.

ويقول الأشخاص المطلعون على الاجتماع إن الوضع تفاقم لما يقرب من شهر، حيث ضغط وزير الطاقة السعودي عبد العزيز بن سلمان على ولي العهد يوم الخميس الماضي لخفض الإنتاج لمدة ثلاثة أشهر فقط. وقال بعض الأشخاص إن ولي العهد عارضه، وأصر على أن القيود كانت في العام الماضي.

وبينما كان يستعد للضغط على منافسيه الملكيين في الداخل، حاول ولي العهد أن يزيد الضغط على روسيا، مطالباً بخفض أكبر في الإنتاج، كما يقول بعض الأشخاص المطلعين على الاجتماع. وعندما لم تتراجع روسيا، أخبر العديد من الوزارات السعودية بالاستعداد لسيناريو عدم الاتفاق حيث لن تكون هناك تخفيضات في الإنتاج على الرغم من تراجع الطلب العالمي بسبب فيروس كورونا، كما يقول البعض الآخر من المطلعين على الاجتماع.

يقول مسؤول سعودي مطلع على الأمر: “الرسالة التي أراد السعوديون إيصالها إلى الروس هي إما أن توافقوا على خفض الإنتاج (المقترح) أو لن نخفضه على الإطلاق”.

مرة أخرى، لم يتزحزح الروس. يقول أحد مندوبي “أوبك” المطلعين على الأمر: “ليس لدي أي فكرة كيف يعتقد السعوديون أن هذا النوع من الضغط كان سينجح مع بوتين”. كان هذا انتحارياً بشكل تام وكلنا نعلم أن النتيجة ستكون كارثية”.

وقال مسؤولون سعوديون يوم السبت الماضي إنه بدلاً من خفض الإنتاج، فإنهم سيزيدونه، مما يؤدي إلى انخفاض سعر النفط. يقول مسؤول سعودي رفيع المستوى: “لقد كان إعلان حرب سعودية ضد بوتين”.

في غضون ساعات، طلب الديوان الملكي من مسؤولي وزارة المالية إعداد سيناريو موازنة يتماشى مع انخفاض أسعار خام برنت القياسي إلى نطاق يتراوح بين 12 و20 دولاراً للبرميل، كما يقول أشخاص مطلعون على التوجيه. وكانوا يخشون أن تؤدي التخفيضات في الإنفاق إلى تدمير الاقتصاد السعودي، الذي تضرر بالفعل من إلغاء زيارات العمرة الدينية إلى مدينتي مكة المكرمة والمدينة المنورة.

داخل السعودية، بدأ الديوان الملكي يوم الأحد بإطلاق سراح محمد بن نايف وأفراد العائلة المالكة الآخرين الذين تم اعتقالهم أو استدعاؤهم إلى المحكمة واستجوابهم، كما يقول أشخاص مطلعون على القضية. ونشرت العائلة المالكة أيضاً صوراً ومقاطع فيديو للملك البالغ من العمر 84 عاماً لتبديد الشائعات بأنه مريض.

وعندما بدأت تجارة النفط الآسيوية يوم الاثنين، انخفضت الأسعار بنسبة 20%. وانخفض مؤشر داو جونز الصناعي بنسبة 7.8٪.

وتراجعت أسهم أرامكو 18٪. وصعد الجانبان من نزاعهما، حيث قالت روسيا إنها ستعزز الإنتاج وردت السعودية بأنها سترفع طاقتها الإنتاجية. تراجع النفط بنسبة 3٪ أخرى يوم أمس الأربعاء.

وقال وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك في تصريحات عامة يوم الأربعاء: “سيكون من الأفضل الحفاظ على مستويات الإنتاج عند تلك التي تم تحقيقها في الربع الأول من هذا العام، وقد اتخذنا مثل هذه المبادرة كجزء من اتفاقنا العام. ولكن للأسف، لم يوافق شركاؤنا على اقتراحنا”.

كان القلق من أن “أرامكو” ستتخذ قرارات تجارية بناءً على مخاوف سياسية سعودية هو أحد الأسباب التي جعلت بعض المستثمرين يقولون إنهم ابتعدوا عن الاكتتاب العام الأولي للشركة. وامتنعت “أرامكو” عن التعليق. ولم يرد متحدث باسم وزارة الطاقة السعودية على طلبات الصحيفة التعليق.

يقول مسؤول سعودي مطلع على عملية الاكتتاب العام: “لقد أثبت ذلك للمستثمرين أن أسوأ مخاوفهم بشأن أرامكو كانت حقيقة. إن خطط الشركة وقراراتها الناتجة تعتمد على سلوك محمد بن سلمان الشاذ”.

المصدر: وول ستريت جورنال _ عن الميادين نت

Optimized by Optimole