وسيط حزب الله الأكبر

وسيط حزب الله الأكبر
Spread the love

بقلم: يوآف ليمور – محلل سياسي إسرائيلي —

في نهاية شباط/فبراير هذه السنة، قام الرئيس السوري بشار الأسد بزيارة رسمية إلى طهران. كانت هذه أول زيارة للأسد إلى إيران منذ نهاية الحرب الأهلية. أراد الأسد أن يشكر مضيفيه على المساعدتين العسكرية والاقتصادية اللتين قدمتهما له إيران خلال الحرب، وأن يبحث سبل التعاون المشترك بين الدولتين.
خلال الزيارة اجتمع الأسد أيضاً مع القيادة الإيرانية. وكان الاجتماع الأهم مع الرئيس الإيراني حسن روحاني، ومع قاسم سليماني، قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني. في الصور الرسمية التي وُزعت عن الاجتماعات ظهر الرئيسان الأسد وروحاني يتحدثان في القصر الرئاسي الإيراني. وكان واضحاً أنهما يشعران بالارتياح.
لكن ظهر في الصور شخص آخر. وجهه واسمه غير معروفين بالنسبة إلى البعيدين عن دائرة العلاقات الداخلية الوثيقة بين إيران وسورية وحزب الله، لكن مجرد وجوده هناك في لقاءات الزعيمين يروي القصة كلها.
إنه محمد جعفر قصير، من كبار مسؤولي حزب الله، والرجل الذي يثق به الحكم في دمشق وطهران، والمسؤول عن نقل السلاح والمال إلى المحور الراديكالي عبر المسار الذي ينطلق من طهران ويمر بسورية ويصل إلى لبنان. قصير رجل الظلال، لا يقاتل، لكن بحكم مهمته تحول إلى أحد أكثر الشخصيات نفوذاً في حزب الله.
الحاج فادي في الخمسين من عمره، من مواليد وسكان دير قانون في الجنوب اللبناني، لكنه يقضي أغلب وقته متنقلاً بين بيروت ودمشق. لديه في كل من العاصمتين شقة وعشيقات لسن من الطائفة الشيعية، ويتمتع بحماية دائمة ويحاول عدم لفت الأنظار إليه.
يدير الحاج فادي جهاز التهريب في حزب الله منذ 20 عاماً، تقريباً منذ انسحاب الجيش الإسرائيلي من الجنوب اللبناني. هو يعمل بحُرية في سورية، ويحظى بدعم الحكم، وسهولة الوصول إلى الأطراف المعني بها. قُربه من الأسد، الذي يظهر في الصور المشتركة في طهران يدل على أن كل من يعتقد أن الحكم في دمشق غير راض عن نشاطات حزب الله في المجال السياسي هو على خطأ: الحزب وكبار مسؤوليه هم من أهل البيت في سورية، ويتمتعون بحرية عمل كاملة.
لدى الحاج فادي حرية الوصول إلى ضباط الجيش السوري في المنطقة. معظم التهريبات تمر عبر الحدود السورية- اللبنانية. ويشمل هذا وسائل القتال التي تصل من طهران، وتلك التي تصنّع في سورية. ويقوم جهازه بتهريب السلاح عبر معابر غير قانونية في منطقة الزبداني والقصير، وأحياناً تجري الاستعانة أيضاً ببنى تحتية رسمية في لبنان مثل معبر”المصنع” الحدودي حيث جرت أكثر من مرة محاولة تهريب مكونات معدّة لمشروع حزب الله بشأن تحويل الصواريخ إلى صواريخ دقيقة.
يختلف خبراء الاستخبارات في الرأي فيما إذا كان حزب الله يقع تحت وصاية إيرانية وخاضعاً لسلطتها بصورة كاملة، أم أنه حزب لبناني يحظى بتأييد إيراني. يبدو أن الجواب مختلط، لكن يوجد أمر واحد واضح: الحزب يعتمد اعتماداً مطلقاً على طهران وعلى دعمها الاقتصادي. ومن دونها لا قدرة له على الاستمرار.
مع مرور السنوات تحوّل حزب الله إلى جزء أساسي من العمليات العالمية لفيلق القدس الإيراني. وهنا أيضاً يوجد خلاف بين الخبراء هل تعمل إيران خارج حدودها خوفاً من أن تُهاجَم، ولإبعاد الحرب عن أراضيها، أم أنها تعمل انطلاقاً من دوافع إيديولوجية لتصدير الثورة الشيعية إلى العالم؟
الجواب عن هذه المسألة أيضاً مختلط، لكن مما لاشك فيه أن إيران تنشط كثيراً. يموّل فيلق القدس نحو 100 ألف مقاتل في شتى أنحاء العالم. من أفغانستان، مروراً بالعراق واليمن وسورية، وصولاً إلى لبنان وغزة (وعدد غير قليل من الخلايا الإرهابية في القارات الخمس، بينها أولئك الذين يُحتمَل أنهم مسؤولون عن أحداث الأيام الأخيرة (الهجوم على السفن في ميناء الفجيرة في الإمارات، والهجوم على حقول نفط سعودية). يبدو أن الولايات المتحدة هي فقط التي تحتفظ بمثل هذه القوة الكبيرة خارج حدودها- وهذا دليل على الاستثمار الضخم لإيران في مشروع يتطلب جهازاً لوجستياً كبيراً لتزويد المقاتلين الذي يعملون بإمرتها، بدءاً بالسلاح والرواتب، وصولاً إلى الغذاء وورق التواليت.
على ما يبدو، يؤدي حزب الله دوراً مركزياً في هذا الجهد. عناصره منخرطون في علاقة مستويات متعددة من النشاطات الإيرانية أيضاً خارج سورية ولبنان: مدربون من الحزب عملوا في اليمن وفي العراق مثلاً. لكن داخلياً، الحزب ينشط بصورة خاصة، ومنذ اللحظة التي رأت إيران سورية كفرصة للدفاع عن مصالحها المباشرة وعلى رأسها المحافظة على الممر البري إلى لبنان، وأيضاً لإنقاذ الرئيس الأسد، ولبناء بنية تحتية لقتالٍ مستقبلي ضد إسرائيل- تم استدعاء حزب الله إلى الخدمة العسكرية.
بحسب تقديرات خبراء، استثمرت إيران في السنوات الأخيرة نحو 30 مليار دولار في سورية. الآن حان الوقت لجباية الثمن: أيضاً مقابل دعم الأسد، وأيضاً من أجل مساعدتها في الضائقة الكبيرة التي فرضتها العقوبات الأميركية على اقتصادها. كجزء من هذا، تحاول إيران قضم أكبر قدر ممكن في سورية- من المرافىء، مروراً بالفوسفات والنفط، إلى الزارعة والتعليم. ويبدو أحياناً أن إيران تستطيع أن تفعل ما تشاء في سورية، فالأسد مدين لها ولن يقف في وجهها، ومَن ليس راضياً عن ذلك (باستثناء إسرائيل) هي روسيا التي تريد أن تكون الرابح الحصري من إعادة إعمار سورية.
العمليات الإسرائيلية المكثفة في السنوات الأخيرة (رئيس الأركان السابق غادي أيزنكوت تحدث عن أكثر من 1000 عملية في سنتيْ 2017-2018) عرقلت كثيراً المشروع الإيراني، وتضرر في الأساس المحور الجوي إلى مطار دمشق الدولي الذي كان القاعدة الأساسية التي تصل إليها البضائع من إيران- من وسائل القتال إلى تفصيل حيوي آخر، من البزات العسكرية حتى المياه المعدنية. أحياناً كانت تحط في مطار دمشق عدة طائرات في اليوم، وأكثر من مرة جرت مهاجمة أهداف ، آخرها في كانون الثاني/يناير هذه السنة.
الحاج فادي هو القناة المركزية في هذا النشاط. الإيرانيون مسؤولون عن نقل البضائع إلى دمشق، ومن هناك تنتقل الأمور وتصبح تحت مسؤوليته. الهجمات المنسوبة إلى سلاح الجو عرقلت أعماله مؤخراً، فقد قلل الإيرانيون من طيرانهم إلى دمشق، وهم مضطرون إلى الاستعانة بمطارات أُخرى موقتة وأقل فائدة لهم. ونتيجة ذلك انتقلوا إلى استخدام الممر البري أيضاً ونقل البضائع في شاحنات تستغرق رحلتها 3-4 أيام من إيران إلى سورية. في إحدى المرات جرى الحديث عن تعرّض قافلة لهجوم منسوب إلى إسرائيل.
روسيا غير راضية عن هذه الهجمات التي تعوق إعادة إعمار سورية، الذي من المفترض أن يحمل إليها أرباحاً. إسقاط طائرة إليوشن الروسية في أيلول/سبتمبر السنة الماضية الذي أدى إلى توتر في العلاقات بين القدس وموسكو، بدأ بهجوم شنه سلاح الجو ضد محاولة تهريب آلات لصنع صواريخ دقيقة إلى لبنان – عملية كان الحاج فادي مسؤولاً عنها.
في خبر في صحيفة “الإندبندنت” نقل عن مصدر في السفارة الروسية في تل أبيب قوله إن “روسيا أوضحت لحلفائها في سورية أن الهدف هو محاربة الإرهاب، وأن أي نشاط آخر من جانب حلفائها يعيق إعادة الهدوء إلى سورية”.
جرى ذلك على خلفية ازدياد تدخّل الحاج فادي، ليس فقط في أعمال تهريب سلاح وعتاد آخر لحزب الله، بل أيضاً في تهريب الأموال في المنطقة. العقوبات المفروضة على إيران تمنعها بصورة مطلقة من الاستعانة بالمصارف لتحويل الأموال أو قبضها. لذلك هي بحاجة إلى آلية تسمح لها بالدفع وقبض الأموال نقداً، والحاج فادي هو الرجل الذي يقوم بذلك من أجلها. من المعاملات الى بيع النفط على الرغم من الحظر، وصولاً إلى دفع رواتب الأشخاص في سورية، الحاج فادي له علاقة بكل شيء. ولأن إيران لا تستطيع تحويل تمويلها إلى حزب الله بواسطة المصارف (نحو 800 مليون دولار سنوياً)، يحوّل المال نقداً من طهران إلى بيروت عبر دمشق، ومن هناك يوزّع على أهداف متعددة- من دفع الرواتب إلى شراء مواد.
لكن يبدو أن الحاج فادي لا يكتفي فقط بالنشاط الاقتصادي على المحور بين إيران وسورية ولبنان. دلائل متعددة تشير إلى دوره في التمويل (الإيراني) لعمليات المتمردين الحوثيين في اليمن، وفي جزء من المساعدة المالية التي تمنحها طهران لتنظيمات إرهابية في غزة.
من المنطقي أن تراقب إسرائيل نشاط الحاج فادي عن قرب. يمكن أن نستنتج ذلك من سلسلة الهجمات المنسوبة إلى سلاح الجو، الموجهة ضد هذه العمليات التي كانت تحت مسؤوليته. حتى الآن لم يكن الحاج فادي مستهدفاً من جانب إسرائيل، لكنها سبق أن أثبتت أنها تتحرك ضد كل الحلقات في السلسلة. في العملية الأخيرة في غزة جرى اغتيال محمد خضري، المسؤول عن نقل الأموال من إيران إلى “حماس”. أهمية الحاج فادي أكبر بكثير من نظيره الغزي؛ ولقد تعاظمت هذه الأهمية الآن بعد أن اتضحت علاقاته الوثيقة بالقصر في دمشق وفي طهران وقربه من زعيمي الدولتين.
الأهم من كل شيء، الآلية التي بناها الحاج فادي ويديرها. هذه الآلية التي تمر عبرها وسائل القتال المتقدمة إلى حزب الله، وتلك التي يمكن أن تسمح للحزب بتنفيذ خططه الاستراتيجية- التزود بصواريخ دقيقة وبوسائل قتال تشكل تحدياً للجيش الإسرائيلي- وأيضاً تمويل نشاطات الحزب، وتساعد إيران على زيادة قوتها والالتفاف (جزئياً) على العقوبات للمحافظة على بقائها.

المصدر: صحيفة يسرائيل هيوم الإسرائيلية – عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية

Optimized by Optimole