“واشنطن بوست”: صفقة “طالبان” مع ترامب وثقل التاريخ

“واشنطن بوست”: صفقة “طالبان” مع ترامب وثقل التاريخ
Spread the love

إن الحرب هي في بعض الأحيان ضرورة، ولكنها قد تصبح أيضاً إدماناً. لقد حان الوقت لكسر هذه العادة.

ترجمة: د.هيثم مزاحم/

كتب إيشان ثارور تحليلاً في صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية تناول فيه الاتفاق الذي وقعته الولايات المتحدة الأميركية مع حركة “طالبان” الأفغانية. وقال إنه قبل بضعة أسابيع، احتفلت أفغانستان بالذكرى الحادية والثلاثين لخروج آخر جندي سوفياتي من البلاد. وخلال عطلة نهاية الأسبوع، بشرت إدارة ترامب في بدء إنهاء الوجود العسكري للولايات المتحدة الذي دام قرابة عقدين في البلاد. وجاء هذا التطور بعد موافقة الولايات المتحدة على هدنة مع طالبان، وجدول زمني للمحادثات المستقبلية بين الأطراف المتحاربة في أفغانستان وخطة مبدئية لسحب القوات الأميركية. ولا يمكن للأفغان والأميركيين إلا أن يأملوا في ألا تؤدي نتائج هذه المفاوضات إلى نفس حالة عدم الاستقرار وانهيار الدولة التي أعقبت الانسحاب السوفياتي قبل عقود.

وأضاف الكاتب أنه لطالما كان تراث التدخل السوفياتي يحوم حول الحرب الأميركية “إلى الأبد” في أفغانستان، حتى لو أن كبار المسؤولين الأميركيين قد تجنبوا هذه المقارنة. وقاتل مسؤولو “طالبان” الرئيسيون المشاركون في المحادثات، بمن فيهم نائب الزعيم الملا عبد الغني برادار، إلى جانب المجاهدين الذين دعمتهم الولايات المتحدة في ثمانينيات القرن العشرين ضد الاحتلال السوفياتي. الآن، هم يستعدون مرة أخرى لرحيل قوة أجنبية.

وعلى مدار الأشهر الخمسة المقبلة، قد تخفض الولايات المتحدة مستويات قواتها في أفغانستان إلى ما كانت عليه في نهاية إدارة أوباما. وأشار المسؤولون الأميركيون إلى أن الانسحاب الكامل قد يتم خلال 14 شهراً. وكل هذا لا يزال مرهوناً بضمانات أمنية من “طالبان” بأن الإرهابيين لن يستخدموا الأرض الأفغانية بهدف مهاجمة الولايات المتحدة أو حلفائها.

وفي مؤتمر صحافي عقده يوم السبت، قال الرئيس ترامب إن “طالبان” لن توقف فقط أعمالها القتالية ضد القوات الأفغانية وحلفائها الأميركيين، ولكنها أيضاً ستنضم إلى الحرب ضد العناصر الأكثر تطرفًا في البلاد، بما في ذلك الجماعات التابعة لتنظيم “داعش”. وأضاف: “إنهم سيقتلون الإرهابيين، يقتلون بعض الأشخاص السيئين للغاية … نأمل بشدة أن يفعلوا ما قالوه”.

وأشار ثارور إلى أنه بعد أشهر من الدبلوماسية المتشابكة، يأتي الآن العمل الأكثر صعوبة المتمثل في صياغة اتفاق شامل بين “طالبان” والحكومة في كابول. إذ تتضمن الاتفاقية التزام طالبان ببدء مفاوضات مباشرة مع الحكومة الأفغانية بشأن وقف إطلاق النار والتسوية السياسية للحرب في غضون 10 أيام، كما أوضحت كارين ديونغ من “واشنطن بوست”. هذه المفاوضات، المزمع إجراؤها مبدئياً في النروج، معقدة بالفعل بسبب الاضطرابات السياسية في كابول، حيث يتعرض إعادة انتخاب الرئيس أشرف غاني أخيراً للتحدي، وهناك صراعات كبيرة حول تكوين فريق التفاوض.

وبحلول يوم الأحد، أي بعد يوم واحد من إشادة ترامب بـ”المفاوضات الناجحة”، كانت هناك بالفعل علامات على وجود مشكلة. أثار غاني اعتراضات على إطلاق سراح 5000 من مقاتلي “طالبان” الذين تحتجزهم حكومته، إذ من المفترض أن يتم الوفاء بمطالب طالبان، وفقًا للاتفاقية الأميركية مع “طالبان”، بحلول 10 آذار / مارس الجاري. وتريد كابول الإبقاء على خيار إطلاق سراح السجناء كجزء من مفاوضاتها مع “طالبان”، والتي ستعقّدها الخطوة الأميركية. كما أفاد المسؤولون الأفغان أنهم تلقوا تقارير عن قيام “طالبان” باختطاف ضباط شرطة أفغان كجزء من محاولة المسلحين جمع الأوراق قبل المفاوضات.

وأضاف الكاتب أن هناك عدداً لا يحصى من الشواغل الأخرى المتعلقة بطبيعة الاتفاق الأميركي، ليس أقلها أنه قد يعرّض للخطر مكاسب النساء التي تحققت بشق الأنفس في السياسة الأفغانية والمجتمع المدني.

“كيف يمكننا أن نتوقع من طالبان وأمراء الحرب أن يعاملونا على قدم المساواة عندما يرفض كبار المفاوضين منحنا مقعداً على الطاولة؟”، سألت ماري عكرمي وساهر حلايمزاي ورحيلة صديقي، الناشطات الأفغانيات، في مقال لهن نشرته صحيفة “يو إس إيه توداي” الأميركية. وأعربن فيه عن أسفهن لأن النساء السياسيات الأفغانيات المنتخبات لم يكن مشمولات في محادثات الولايات المتحدة وحركة طالبان وحذرن من المخاطر التي تشكلها الأزمة السياسية الحالية في كابول. وأضافن: “نعلم من التجربة السابقة أنه من دون حكومة شاملة ومنتخبة وشاملة تستند إلى نتائج الانتخابات، فإن اتفاق السلام هذا لن يكون أكثر من مجرد تقسيم للسلطة والموارد بين طالبان وأمراء الحرب والقوى السياسية القوية”.

وقال الكاتب إنه في الوقت نفسه، فإن مبادرات ترامب تجاه “طالبان” قد خالفت الاتجاه في الحزبين في واشنطن. لقد تحسر العديد من الصقور الجمهوريين على تنازلات الإدارة للمسلحين المتشددين. وعلى الرغم من أن المنظمات التي تمثل اليسار التقدمي رحبت بحذر بأي خطوة لإنهاء حرب دامت 19 عاماً، إلا أنها جادلت بأن مقاربة ترامب ليست ضامناً لسلام حقيقي.

وأضاف أن خطة ترامب تعد خطوة إلى الأمام، ولكنها بعيدة كل البعد عن نهاية لحرب لا نهاية لها – ولا تزال بعيدة عن أي شيء يضمن الاستقرار والسلام والعدالة بعد عقود من العنف.

وأشار بعض المراقبين منذ فترة طويلة إلى الفرص الضائعة لأسلاف ترامب، الذين أعاقوا انفتاحات سابقة لإجراء محادثات مع “طالبان”. وكتب سبنسر أكرمان في صحيفة “ديلي بيست”: “في الأيام الأولى، كانت الولايات المتحدة وعملاؤها الأفغان مبتهجين للغاية بشأن انتصارهم الواضح، وجروح 11/9 والحرب الأهلية الأفغانية جديدة للغاية، حتى أنهم رفضوا خوض مفاوضات. في وقت لاحق، عندما أظهر تمرد طالبان حماقة هذا القرار، فضلت الولايات المتحدة القتال على أمل بعيد المنال في أن المزيد من العنف يعني المزيد من النفوذ. وبدلاً من ذلك، على مدار 19 عاماً، عززت طالبان ببساطة من قوتها”.

في ديسمبر / كانون الأول 2019، كشف صحافيون في “واشنطن بوست” عن تقارير داخلية مخبأة للحكومة توضح عمق التشاؤم والشك الذي يشعر به المسؤولون الأميركيون بشأن استراتيجيتهم في أفغانستان. ورسمت التقارير صورة قاتمة لجهد حرب أميركي في صراع “لا يمكن الفوز به”، مرتبط بجهاز سياسي أفغاني فاسد ومختل وظيفياً، وكذلك نوعاً من الأوهام الإمبريالية التي ارتكز عليها تورط الاتحاد السوفياتي هناك لعقد من الزمن.

وكتب بارنيت روبن، المستشار السابق للمبعوثين الأميركيين الخاصين إلى أفغانستان، في مقال الأسبوع الماضي يقول: “لقد نزفت أفغانستان من الحروب التي لم تكن من صنعها الخاص لأكثر من 40 عاماً. إن وجوداً عسكرياً أميركياً مفتوح الأجل من دون تسوية، أو استمرار الحرب من دون هدف واضح أو احتمال النجاح، من شأنهما أن يهدرا الموارد ويضحيا بأرواح الأبرياء من أجل المخاوف والمفاهيم الخاطئة. إن الحرب هي في بعض الأحيان ضرورة، ولكنها قد تصبح أيضاً إدماناً. لقد حان الوقت لكسر هذه العادة”.

*إيشان ثارور يكتب عن الشؤون الخارجية لصحيفة واشنطن بوست. كان سابقاً رئيس تحرير مجلة “تايم”.

المصدر: واشنطن بوست _ عن الميادين نت

Optimized by Optimole