واشنطن بوست: ترامب يدمر القوة الناعمة الأميركية

Spread the love

ليست سياسات ترامب فقط هي التي تجعله وتجعل البلد بأكمله أقل شعبية في جميع أنحاء العالم. بل إن جميع سلوكياته المروعة التي تجعله يفقد مكانته في الوطن وتقوّضه في الخارج.

كتب الكاتب ماكس بوت مقالة في صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية بعنوان “ترامب يدمر القوة الناعمة الأميركية” تناول فيها سياسات الرئيس الأميركي دونالد ترامب وكيف أفقدت أميركا قوتها الناعمة. والآتي ترجمة نص المقالة:

لا يزال الرئيس ترامب يتفاخر بأن يكون لديه الجيش “الأكبر والأفضل على الإطلاق في العالم”، مع “معدات جميلة جديدة بقيمة 2 تريليون دولار”. هذا، كالعادة، ينطوي على مبالغة كبيرة. ولكن حتى لو كان هذا صحيحا تماماً، فلن يكون للأمر أهمية. إذ لا يوجد ما يكفي من المعدات العسكرية في العالم للتعويض عن نزع السلاح الأميركي الأحادي الجانب الذي يقوم به ترامب في مجال القوة الناعمة.

عرّف جوزيف ناي، أستاذ العلوم السياسية في جامعة هارفارد، القوة الناعمة بأنها “القدرة على الحصول على ما تريد من خلال الجذب بدلاً من الإكراه أو الإنفاق. إنه ناتج عن جاذبية ثقافة البلد ومُثُله السياسية وسياساته”. في ظل حكم ترامب، انخفضت جاذبية أميركا حتى مع ارتفاع سوق الأوراق المالية فيها. وجد مركز بيو للأبحاث في استطلاع لأشخاص في 22 دولة أن عدد الذين يعربون عن ثقتهم في الرئيس الأميركي انخفض من 70 في المائة في عام 2013 إلى 28 في المائة في عام 2018. بينما ارتفع عدد الذين يرون قوة الولايات المتحدة كتهديد كبير من 25 في المائة إلى 45 في المئة. وجد استطلاع أجراه معهد يوغوف أخيراً أن عدداً أكبر من الألمان ينظرون إلى ترامب على أنه خطر أكبر من الأخطار المجتمعة لكل من زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون، وزعيم روسيا فلاديمير بوتين، وآية الله علي خامنئي، ورئيس الصين شي جين بينغ..

معظم العالم يرفض سياسات ترامب. ووجد استطلاع جديد أجراه مركز بيو للأبحاث في 32 دولة أن 68 في المائة يعارضون تعريفاته التجارية، و66 في المائة يعارضون انسحابه من اتفاقيات تغير المناخ، و60 في المائة يعارضون جداره الحدودي (مع المكسيك)، و55 في المائة يعارضون سماحه لعدد أقل من المهاجرين إلى الولايات المتحدة و52 في المائة يعارضون سحبه الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني. ما يجعل قرارات ترامب أسوأ هو أنه تم اتخاذ الكثير منها إما دون استشارة حلفاء الولايات المتحدة – كما هو الحال عندما انسحب من شراكة عبر المحيط الهادئ بعد ثلاثة أيام من توليه منصبه – أو من دون الاستماع بجدية إلى مخاوفهم.

لكن ليست سياساته فقط هي التي تجعل ترامب – وبالتالي البلد بأكمله – أقل شعبية في جميع أنحاء العالم. بل إن جميع سلوكيات المروعة التي تجعله يفقد مكانته في الوطن – أكاذيبه المستمرة، تهديداته الطنانة، تغريداته المسيئة، عنصريته، تعرجاته غير المنتظمة – تقوّضه في الخارج أيضاً.

عندما يعفو ترامب عن مجرمي الحرب، ويحاول إضفاء الشرعية على الرشوة من قبل الشركات الأميركية، يصر على أنه لم يفعل “شيئاً خاطئاً” في الضغط على أوكرانيا للتحقيق بشأن خصمه السياسي، ويصف وسائل الإعلام بأنها “عدو الشعب”، ويحاول التشكيك في مجتمع الاستخبارات (قائلاً لهم: “ارجعوا إلى المدرسة!”) وفي مكتب التحقيقات الفيدرالي، ويأمر بإجراء تحقيقات مع المحققين. بعبارة أخرى، عندما يتصرف ترامب كديكتاتور نموذجي عندها تذوب القوة الناعمة الأميركية بالسرعة نفسها التي تذوب فيها القمم الجليدية القطبية.

في كل مرة يلتقي فيها ترامب بزعماء أجانب تصبح الفجوة الكبيرة بين صورته الذاتية المتضخمة كـ”عبقري مستقر للغاية” والحقيقة المزعجة، واضحة للغاية. في كتاب جديد يروي زميلاي في “واشنطن بوست” فيليب روكر وكارول ليونيغ كيف كادت عينا رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي تخرجان من مكانهما لشدة المفاجأة عندما أخبره ترامب بأن الهند لا تتشارك الحدود مع الصين. ربما غادر مودي هذا الاجتماع وقال في نفسه “هذا ليس رجلاً جاداً. لا أستطيع الاعتماد على هذا الرجل كشريك”. بعد ذلك كتبا أن “الهنود تراجعوا في علاقاتهم الدبلوماسية مع الولايات المتحدة”. لا شك أنه ستكون هناك المزيد من اللقاءات غير السارة هذا الاسبوع خلال زيارة ترامب دافوس. ففي كل مرة يذهب إلى الخارج يرتكب الزلات التي تترك قادة العالم الآخرين يهزون رؤوسهم وحتى يضحكون عليه. في عام 2014 غرد ترامب على تويتر قائلاً: “نحن بحاجة إلى رئيس لا يكون أضحوكة للعالم بأسره”.. لكن ترامب ليس هذا الزعيم المنشود.

ونظراً لأن ترامب لا يمكنه الحصول على ما يريد من خلال القوة الناعمة، فإنه يلجأ كثيراً إلى القوة الصلبة حتى ضد حلفاء الولايات المتحدة. وكما لاحظ زميلاي آن جيران وجون هدسون، فقد هدد ترامب بالانسحاب من الحلف الأطلسي (الناتو) لحمل الأعضاء على زيادة إنفاقهم العسكري، وهدد بفرض عقوبات على العراق إذا تم إجبار القوات الأميركية على الخروج منه، وهدد بإغلاق الحدود الأميركية-المكسيكية لإرغام المكسيك على اتخاذ إجراءات صارمة ضد اللاجئين، وهدد بفرض رسوم السيارات على الدول الأوروبية إذا لم تندد بانتهاكات طهران المزعومة للاتفاق النووي عام 2015. يحاول ترامب كذلك إرغام كوريا الجنوبية على زيادة الدعم الذي تدفعه للقوات الأميركية خمسة أضعاف كجزء من اعتقاده بأن “علينا أن نحقق ربحاً” من نشر القوات. بالطبع، كلما عاقب ترامب حلفاء الولايات المتحدة، كلما زاد استياؤه، وكلما خسرنا المزيد من قوتنا الناعمة وكلما زادت الحاجة لممارسته الضغط. إنها حلقة مفرغة.

لم يدرك ترامب بتاتاً أنه يؤكد كل الصور النمطية المعادية للولايات المتحدة على هذا الكوكب. إذا كنت تعتقد أن الولايات المتحدة هي إمبريالية جشعة مصممة على إسقاط الكوكب ونهب بلدان أخرى بجيش من المرتزقة، فإن ترامب يبدو عازماً على إقناعك بأنك على حق. إنه تجسيد للأميركي القبيح وإن تأثيره القبيح على المكانة الأميركية في الخارج قد يستغرق عقوداً كي يزول.

المصدر: عن الميادين نت

Optimized by Optimole