واشنطن بوست: التفاوض مع بوتين أفضل طرق الخروج من المأزق

Spread the love

شؤون آسيوية- رأى الكاتب الصحفي الأمريكي ديفيد فون دريهل أن التفاوض مع روسيا من أجل التوصل إلى تسوية هو الحل الأمثل للأوكرانيين والروس وبقية شعوب العالم، محذراً من فوضى في روسيا المدججة بالأسلحة النووية في حال التخلص من بوتين، على غرار ما حدث في العراق في أعقاب التخلص من صدام حسين.
وقال ديفيد دريهل، في مقال له نشرته صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية: “لا يمكنني لوم أحد على الاحتجاج على فكرة التسوية من طريق المفاوضات لحل أزمة الحرب الأوكرانية. فقد استهلت روسيا الموقف بغزو لا داعي له، وسرعان ما انتقلت إلى ارتكاب جرائم حرب. فما الذي يدعوني إذن إلى تأييد المفاوضات إذا كان من الممكن التوافق على شروط محددة؟”.
وأضاف الكاتب أن “القراء الذين يثير موقفي غضبهم يساوون بين التسوية مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين واتفاق ميونيخ عام 1983 بين رئيس الوزراء البريطاني نيفيل تشامبرلين وأدولف هتلر. وبهذه المساواة، يشجع “استرضاء” بوتين على غزو المزيد من البلدان والاستحواذ على مزيد من الأراضي، على غرار ما فعل هتلر في بولندا عام 1939، فأشعل فتيل الحرب العالمية الثانية في أوروبا.
وتابع دريهل: “هذا التشبيه الذي كان مناسباً في مرحلة من المراحل لم يعد كذلك الآن. فالتوقيت المناسب للاستشهاد بتشامبرلين كان في فبراير (شباط) الماضي، عندما دخلت الدبابات الروسية الأراضي الأوكرانية. الخبر السار هو أننا تعلمنا درس ميونيخ. فبدلاً من أن تسترضي الولايات المتحدة وحلفاؤها بوتين، قاوموه بقوةٍ وصلابة، بينما لبس فولوديمير زيلينسكي حلّة ونستون تشرشل”.
ومنذ ذلك الحين، هُزمَ بوتين هزيمة نكراء ربما لن تتعافى منها روسيا أبداً. سيُكتب في صفحات التاريخ أن غزو أوكرانيا كان سقطة لا نظير لها. فعلى مدار سبعة أشهر من الحرب، تكبّد الجيش الروسي خسائر فادحة، وتراجع الاقتصاد الروسي، وضعفت شوكة الشراكة الروسية الصينية، ونأى الشركاء التجاريون بأنفسهم عن موسكو، وشرع خيرة شباب ورجال روسيا يفرون من دولتهم المُفككة.
الحلف صار اقوى
وبحسب الكاتب، فإن محاولة بوتين حرمان أوكرانيا من استقلالها أدت إلى تعزيز أركانها. وجهوده الساعية إلى إضعاف حلف شمال الأطلسي جعلت الحلف أكبر وأقوى من أي وقتٍ مضى، مشيراً إلى أن ألمانيا على أيام هتلر عام 1938 كانت قوة صاعدة تموج بالعنفوان العسكري والصناعي. وروسيا على أيام بوتين أمة كسيرة تتداعى سريعاً، وتقود العالم في التصيُّد الإلكتروني والمواد الإباحية لا أكثر ولا أقل.
يقول الكاتب: “لقد ثبت للعالم كله تداعي روسيا بسرعة مهولة يعجز العقل عن استيعابها. على مدار أجيال، نظرنا إلى روسيا على أنها قوة عظمى. أما الآن، فإننا نرى نخبة قوات الجيش الروسي غير قادرة على التوغُّل لمسافة تتجاوز بضعة كيلومترات داخل دولة من دول الجوار دون أن تخسر آلاف الدبابات وجحافل الجنود وكثير من الجنرالات. لكن، بعد أن شهدَ العالم تلك الأحداث، لن ينساها أبداً. لقد انقضى زمن العدوان الروسي”.
وتابع الكاتب أن “منتقدي السلام المُتفاوض عليه يشعرون بالقلق حيال إعادة بناء بوتين لقدراته الهجومية. فكيف يمكنه إعادة بناء تلك القدرات إذا لم يكن بوسعه بناؤها أساساً؟ فجيشه لا يستطيع أن يتوغل في أوكرانيا، وقواته الجوية لا تستطيع أن تُحلّق في أجوائها، وسلاح بحريته يهاب الاقتراب من شواطئها. وهذا كله بعد الحشد العسكري الذي روَّجَ له بوتين كثيراً”.
أمة لا تستطيع بناء جيش قوي
إن الأمة التي لا تستطيع بناء جيش قوي عندما تتراجع مبيعات وقودها لا تمثِّل تهديداً بـ “إعادة البناء” في الوقت الذي يعاني اقتصادها ضعفاً ووهناً. ولا يجب أن ننسى أن أوكرانيا دمّرت فرقة الدبابات الرئيسة للجيش الروسي الذي يُفترض أن عماده الدبابات، يقول الكاتب.
إن السؤال الذي يطرح نفسه، برأي الكاتب، هو كم عدد الجنود الذين ينبغي أن يلقوا حتفهم قبل أن يقتنع الكرملين بحقيقة هزيمة روسيا؟ إن الحجة الداعمة للتفاوض مفادها أن الصفقة التي تُبرم الآن ربما أتاحت الفرصة لروسيا بالتراخي بدلاً من الانفجار.
وأردف الكاتب: “أشارك الجميع غضبهم المُبرر من غزو بوتين لأوكرانيا. وأقدِّر أمانيهم بأن تستمر هذه الحرب حتى ترجع شبه جزيرة القرم ومنطقة دونباس حتى إلى حظيرة أوكرانيا. وأتفهم تماماً دعوات تغيير النظام الحاكم في موسكو”، و”لكن، عندما يطلب مني الناس أن أتذكر عام 1938، فإنني أحثهم على أن يتذكروا أحداث عام 2003. فقد كان صدّام حسين قاتلاً ومجرم حرب، شأنه شان بوتين بالضبط. وكان يفخر بجيشه الجرّار، شأنه شأن بوتين بالضبط. ولكن، ماذا حدثَ عندما أُطيح به؟ جنينا ثمار فوضى لا نهاية لها. والفوضى المثيلة في روسيا المُدججة بالأسلحة النووية أخطر من أن نُخاطر بها، خاصّة إذا كان في إمكاننا أن نتفاداها”.
وكما لم يستطع العالم أن يتحمل بوتين في كييف، فلن يسعه أن يتحمل الفوضى بين القوى النووية.
يحذِّر النقاد من إتاحة المجال لبوتين لـ “إعادة بناء” قدراته العسكرية. فعن أي قدرات يتحدثون؟ لقد رأينا ثمار ما يربو على عقدٍ كامل من بناء القدرات العسكرية بتمويلٍ من حاجة أوروبا الماسّة إلى الغاز الروسي. لا أحد بوسعه أن يعيد بناء شيء لم يكن له وجود قط.
واختتم الكاتب مقاله بالقول: “رغم أن روسيا غنية بالموارد وثرية على المستوى الثقافي، فهي تعاني من حكومات فقيرة وعقيمة. ولذلك، فإنني أؤيد على مضض التسوية من طريق التفاوض بغية العودة إلى حدود ما قبل فبراير(شباط) الماضي، إذا كان بوسعنا التوصل إلى هذه الصفقة، لإتاحة فسحة من الوقت للخطوة التالية. هذا هو السبيل الأسلم للأوكرانيين والروس وبقية شعوب العالم”.
المصدر:واشنطن بوست

Optimized by Optimole