هل انتهى شهر العسل السوري لإيران وروسيا؟

Spread the love

بقلم: أودي ديكل وكرميت فالنسي – باحثان في معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي —

إنقاذ نظام بشار الأسد على يد التحالف المؤيد للأسد، الذي يضم روسيا وإيران والتنظيمات الدائرة في فلكها، أدى إلى انتصار النظام على المتمردين، باستثناء الموجودين في منطقتين ليستا تحت سيطرته، منطقة تقع في شمال شرق سورية ما تزال تحت سيطرة القوات الكردية، وجيب المتمردين السنّة في إدلب. إنجاز التحالف المؤيد للأسد ناجم في الأساس عن التعاون الفعال في محاربة المتمردين، المتراكم الذي تكوّن منذ سنة 2015 بين إيران وروسيا. الآن، ومع توقف المعارك، إلى جانب المصالح المشتركة المتمثلة في تعزيز نظام الأسد تبرز توترات متجذرة بين روسيا وإيران حول النفوذ في سورية وتتفاقم. في تقدير روسيا، النشاطات الإيرانية لتحقيق مواقع عسكرية ومدنية ثابتة في سورية تزعزع الاستقرار الهش في الدولة، وتضر بالقدرة على تجنيد استثمارات خارجية حيوية لإعادة إعمار سورية. في المقابل، تعمل إيران انطلاقاً من الإحساس بتكوّن ائتلاف روسي – سعودي – أميركي – إسرائيلي، الغرض منه إخراجها من سورية. ترافق ذلك مع خطوات اتخذها الرئيس الأسد في أعقاب ضغط روسي، تقيّد التدخل العسكري والاقتصادي لطهران في سورية. من هنا يُطرح مؤخراً الإدعاء بوجود فجوة بين المصالح الإيرانية وبين مصالح روسيا في سورية.
بؤر التوتر

على المستوى الدولي: روسيا، المعنية بترجمة الاستثمارات في سورية إلى إنجازات في الساحة الدولية، تحاول أن تُظهر للولايات المتحدة أهميتها في جهود تحقيق الاستقرار في الدولة، وأنها تملك مفتاح وضع حد للنفوذ الإيراني فيها. ثمة هدف أساسي بالنسبة إلى روسيا هو قيادة عملية إعادة إعمار سورية، مع التشديد على اعتصار مصادر الطاقة، ولهذه الغاية هي تحاول تجنيد الدول العربية السنية الغنية. بالأساس دول الخليج الفارسي، ولكن هذه تشترط مساعداتها بتضييق خطوات إيران في سورية (في الأساس منظومة صواريخ أرض – أرض)، مع ذلك، تعرف أنها لا تملك دوافع كافية لإخلاء القدرات العسكرية الإيرانية وتربط هذه الخطوة بتخفيف العقوبات الأميركية على إيران.
إيران، من جهتها، تسعى للتوسط بين سورية وتركيا بهدف خلق حلف ثلاثي إقليمي جديد منافس لروسيا تحت رعايتها، يقود جهود الوساطة في سورية. وتحاول طهران إقناع دمشق بأن في مقدورها إعادة الاستقرار على الحدود السورية، وذلك من خلال إقامة علاقات معقولة مع جيرانها: العراق وتركيا ولبنان. في نظر إيران العلاقات مع تركيا ضرورية استعداداً لمرحلة جلاء القوات الأميركية من شمال شرق سورية. وفعلاً، فقد أعلن الأسد مؤخراً أنه مستعد للحوار مع تركيا.
بينما تحاول إيران عرقلة القرارات الدولية بشأن مستقبل سورية كي تتمكن من مواصلة تمركزها هناك، تعمل روسيا على تطبيق قرار مجلس الأمن في الأمم المتحدة 2254 (الذي اتُخذ بالإجماع في كانون الأول/ديسمبر 2015، ووضع خريطة طريق للحل السياسي للحرب الأهلية)، ودفع النظام وأطراف المعارضة إلى وضع دستور لسورية. في تقدير روسيا ستعزز هذه الخطوات نفوذها في سورية وسيتيح تقارباً بين سورية وبين الدول العربية – تطور يمكن أن يفتح الباب أمام عودة سورية إلى الجامعة العربية وإنهاء العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها، التي أقرها الاتحاد الأوروبي في 17 أيار/ مايو. وعلى الرغم من استياء إيران، يجري التخطيط لتعاون روسي – أميركي في هذا السياق، الغرض منه إجبار نظام الأسد على المشاركة في عملية السلام التي تدعمها الأمم المتحدة. ولقد طُرح هذا الموضوع في اجتماع وزير الخارجية الأميركي جورج بومبيو مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في 14 أيار/مايو.
إن توقُّع انصياع الرئيس الأسد للقرار 2254 إشكالي، لأنه يتضمن المطالبة بتأليف حكومة انتقالية غير طائفية، وإجراء انتخابات رئاسية، والخضوع لقوانين ومعايير دولية، والعودة الآمنة والطوعية للاجئين. وعلى ما يبدو، روسيا هي العامل الوحيد القادر على التأثير في جوهر القرار وطريقة تطبيقه، ومن هنا يأتي إدراك الأسد أن بقاء نظامه، وقنوات المساعدة الاقتصادية والبنى التحتية في سورية مرتبط بروسيا. وهكذا مثلاً، تستطيع روسيا أن تضمن بقاء حكم الأسد من خلال تقديم الانتخابات الرئاسية إلى سنة 2020، بالاستناد إلى التقدير بعدم وجود بديل منافس (على خلفية أن الأسد سيفرض انتخابه على السكان الذين تحت سيطرته). في مقابل ذلك، لا تستطيع إيران الحصول على الدعمين الدولي والاقتصادي المطلوبين، في الأساس بسبب وضعها الإشكالي في الساحة الدولية في ضوء العقوبات المفروضة عليها. بناء على ذلك تحاول إقناع الأسد، بالاستناد إلى تجربتها، أن في الإمكان الصمود في مواجهة عقوبات اقتصادية، ومن الأفضل له الامتناع من تقديم تنازلات تضعف مكانته.
على المستوى العسكري: التغييرات التي حدثت بتشجيع روسي في بداية نيسان/أبريل في القيادة الأمنية السورية وتضمنت تعيين سليم حربا المؤيد لروسيا رئيساً لأركان الجيش السوري، غرضها إضعاف قوة القادة القريبين من إيران وفيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني. بدورها، تسعى إيران منذ وقت لدمج الميليشيات التي أقامتها، وفي صفوفها قادة إيرانيون ومتطوعون شيعة، في أجهزة الجيش السوري. ويُقدّر أنه ما يزال هناك 30 ألف مقاتل تابع للميليشيات الشيعية بإمرة إيران. المنافسة التي ظهرت بين إيران وروسيا في كل ما له علاقة بالتأثير في الأجهزة الأمنية والقوات المقاتلة على الأرض وحتى السيطرة عليها أدت أكثر من مرة إلى مواجهات (المرة الأخيرة في نيسان/أبريل في منطقة حلب) بين الميليشيات المؤيدة لكل طرف، وأدت إلى سقوط قتلى من الطرفين. كما جرى الحديث عن اعتقالات تقوم بها أجهزة الأمن السورية بأوامر روسية، وأحياناً بمشاركة الشرطة العسكرية الروسية، وتطال ناشطين سوريين موالين لإيران. وتدّعي إيران أن روسيا تسمح بهجمات جوية إسرائيلية في سورية ضد أهداف إيرانية.
على المستوى الاقتصادي: إن تواتر زيارات كبار المسؤولين الروس والإيرانيين إلى دمشق، بالإضافة إلى أنها تعبّر عن الرغبة في التأثير في جهود التسوية السياسية، فهي تعكس السباق على موقع الهيمنة من خلال الدفع قدماً بمشاريع اقتصادية وبنى تحتية. ويترجَم التنافس في مجموعة اتفاقات ثنائية وُقّعت مؤخراً، في الأساس بين روسيا وسورية، وأيضاً بين إيران وسورية، لها علاقة باستثمارات في مشاريع اقتصادية وبنى تحتية وتكنولوجيا. في كانون الثاني/يناير 2019، عبّر وفد برلماني إيراني أمام الأسد عن استيائه من أن إيران لا تحصل على عقود مهمة في إطار خطط إعادة الإعمار. رفض الأسد طلب إيران إقامة قاعدة بحرية لها في سورية، لكنه سمح لها باستخدام مرافئه، كما رفض توقيع اتفاقية استراتيجية تضمن لإيران وجودها في سورية في الخمسين عاماً المقبلة، مثل الاتفاق الموقّع مع روسيا. في نيسان/أبريل، أعلن النظام السوري أنه ينوي تأجير مرفأ طرطوس لروسيا لأغراض اقتصادية وأمنية. جرى ذلك بينما تنتظر إيران منذ شباط/فبراير رداً سورياً على طلبها باستئجار مرفأ في اللاذقية.
ثمة بؤرة توتر اقتصادي أخرى بين الدولتين تتعلق بأزمة النفط الحالية في سورية. بعد أن منحت إيران دمشق في السنوات الأخيرة قروضاً كي تشتري منها نفطاً، ومن أجل دعم اقتصادها، تعاني هي نفسها الآن جرّاء عقوبات أميركية، وتواجه وقف الإعفاءات التي منحتها الإدارة الأميركية لشراء النفط الإيراني. على هذه الخلفية، وجدت روسيا فرصة كي تتحول إلى المزودة المركزية بالنفط لسورية على حساب إيران. لكن إيران لن تتنازل بسهولة عن “ملف” النفط. ففي أيار/مايو نقلت إيران مليون برميل نفط خام إلى سورية عن طريق تركيا. بالإضافة إلى ذلك، وقّعت إيران اتفاقات مع النظام تعزز دورها في تأهيل البنية التحتية للكهرباء، ومنجم الفوسفات وشركات اتصال خليوية – وهي تسعى لتوسيعها.

دلالات

على الرغم من اختلاف الآراء، ينبغي التشديد على أن المقصود ليس “عملية محصلتها صفر” بين روسيا وإيران. فالاثنتان تواصلان التعاون في مجموعة موضوعات في الساحة السورية وخارجها. إيران، من جهتها، تواصل اعتبار التمركز في سورية هدفاً استراتيجياً، حتى مع بروز صعوبات في تحقيقه، ويبدو أن قيادتها ما تزال مصرّة على الاستمرار في ذلك، ولو بحجوم أقل من الخطة الأساسية. وذلك في أعقاب الهجمات الإسرائيلية والقيود المفروضة عليها من روسيا، ومن نظام الأسد، وأيضاً بسبب الصعوبات المالية التي تواجهها بعد العقوبات الأميركية. ويبدو أنه في أعقاب إخلاء إيران موقعها في مطار دمشق الدولي بسبب التوتر الناشىء بينها وبين روسيا ونظام الأسد بسبب الهجمات الإسرائيلية، نقلت نشاطها إلى القاعدة العسكرية تيفور T-4 التابعة لسلاح الجو السوري، الموجودة في وسط سورية.
بالنسبة إلى دور الولايات المتحدة، على الرغم من قرار الرئيس الأميركي تقليص الوجود العسكري الأميركي في شمال شرق سورية وإنهاء هذا الوجود فيما بعد، تحاول أطراف مهنية في الإدارة إقناع الرئيس بتأجيل هذه الخطوة، بالاستناد إلى التقدير القائل إن إخراج القوات سيؤدي إلى تقوية نظام الأسد والنفوذ الإيراني في سورية، وحتى سيطرة تركيا على المنطقة الأمنية على طول الحدود المشتركة مع سورية. ومثل هذا التطور سيعبّر عن انهيار النموذج الأميركي بشأن استقرار المناطق بعد مغادرتها، والذي يستند إلى حلفائها الأكراد وقوات سورية الديمقراطية (قسد)، إذ إن هذه القوات ستكون في مواجهة ضغط عسكري كبير مزدوج، تركي من جهة، وسوري – إيراني من جهة ثانية. ومن المنتظر أن تستغل إيران ذلك لتعزيز تأثيرها في جانبي الحدود العراقية – السورية، وتوجد منذ الآن مؤشرات تدل على استعدادات إيرانية لنشر ميليشيات في هذه المنطقة. هذا الوضع مرفوض في نظر روسيا، ليس فقط لأنها ستخسر بذلك نقاطاً حيوية في صراعها على النفوذ في سورية، بل أيضاً لأنها ستضطر إلى قبول السيطرة الإيرانية على حقول الطاقة في شرق سورية. بناء على ذلك، وبخلاف دعوات موسكو العلنية إلى خروج القوات الأميركية، من المحتمل جداً أنها تفضل أن يجري تنفيذ خطوات في هذا الاتجاه بالتنسيق الكامل بينها وبين واشنطن من أجل تقليص الأضرار والتضييق على خطوات إيران.
بالنسبة إلى إسرائيل، في الأسابيع الأخيرة هي قلصت من وتيرة هجماتها ضد المواقع الإيرانية في سورية، على ما يبدو، بهدف استنفاد “الورقة الروسية” لتقليص الوجود الإيراني في سورية.
في الوقت الحالي نشأت نافذة فرص تسمح لإسرائيل بمحاولة تحقيق الدينامية التي جرى وصفها إزاء روسيا والولايات المتحدة، انطلاقاً من محاولة بلورة وتحقيق مصالح مشتركة بينها وبين الدولتين العظميين، في مركزها زيادة الاستقرار في سورية وإجراء إصلاحات حكومية هناك، بالإضافة إلى تقليص النفوذ الإيراني في الدولة. أمام إسرائيل آليتان استراتيجيتان: الأولى، التعاون مع روسيا بشأن انتشار القوات الأجنبية وخروجها من سورية، كما جرى الاتفاق عليه بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الحكومة بنيامين نتنياهو؛ والثانية، هي قناة القدس – واشنطن التي تتركز على مواجهة التحدي الإيراني بمفهومه الواسع. في إمكان الولايات المتحدة وإسرائيل حمل دول الخليج على المساهمة في إعادة إعمار سورية، في مقابل إخراج إيران من هناك. هذا السبيل، اذا كان ممكناً، يفترض أن يكون مرفقاً بمقابل ما – بموافقة أميركية وأوروبية – لروسيا يأخذ في الحسبان تخفيف العقوبات المفروضة عليها، وتلك المفروضة على نظام الأسد. إن محاولة الدفع قدماً بمثل هذه الخطوة أمر صحيح، حتى لو أن معقولية نجاحها ضئيلة.
في أعقاب نجاح الخطوات العسكرية الإسرائيلية للجم التمركز العسكري الإيراني في سورية، من الصائب أن تسمح إسرائيل باستنفاد العمل السياسي والاستراتيجي المشترك لروسيا والولايات المتحدة من أجل استقرار الوضع في سورية، وتقليص النفوذ الإيراني وقدرات إيران في سورية. وبالإضافة إلى استمرار منع انتقال وسائل قتالية متطورة إلى حزب الله، تستطيع إسرائيل تأجيل استخدام الضغط العسكري ضد المواقع العسكرية والبنى التحتية الإيرانية في سورية، والسماح للدول العظمى بكبح خطوات إيران في الأراضي السورية. وفي أي حال، تستطيع إسرائيل تجديد هجماتها إن لم تثمر العملية السياسية لإخراج إيران نتائج إيجابية.

المصدر: مجلة “مباط عال” الإسرائيلية، العدد 1171، 26/5/2019 – عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية