هآرتس: لدى الولايات المتحدة عذر لخوض حرب ضد إيران لكنها ببساطة لا تريد ذلك

هآرتس: لدى الولايات المتحدة عذر لخوض حرب ضد إيران لكنها ببساطة لا تريد ذلك
Spread the love

تسفي برئيل – محلل سياسي اسرائيلي/

بصورة قاطعة ومن دون تساؤلات لا لزوم لها، اعتبرت إسرائيل الهجوم على منشآت النفط في السعودية “هجوماً إيرانياً”. هذا التحديد يخدم بالطبع السياسة الإسرائيلية – التي تهدف إلى التأثير في دول أوروبا كي تتخلى عن الاتفاق النووي – لكن حتى الشريكة الافتراضية لإسرائيل، أي السعودية، تتردد كثيراً في التحديد أن الطائرات المسيّرة والصواريخ انطلقت من الأراضي الإيرانية.
في المؤتمر الصحافي الذي عُقد هذا الأسبوع، عرض السعوديون أجزاء من الصواريخ والطائرات المسيّرة التي سقطت في موقع النفط الكبير، بقيق، وتسببت بانخفاض في تصدير النفط من المملكة يقدر بـ50%. الناطق بلسان وزارة الدفاع السعودية الكولونيل تركي المالكي شرح أن بقايا الصواريخ والطائرات المسيّرة تدل على أنها من صنع إيران. وبحسب المالكي، فإن زاوية الضربة تؤكد أن المسار البالستي مر من الشمال إلى الجنوب، مستنتجاً أنه لم يأت من اليمن، لكنه أضاف: “نحن ما زلنا نحقق لتحديد مكان الإطلاق.”
لم يقدم السعوديون والأميركيون جواباً عن السؤال الأساسي عمّا إذا كانت إيران هي التي أطلقت الصواريخ، وهل أُطلقت من أراضيها؟ ويبدو أنه لا يوجد شخصية استخباراتية واحدة، تستطيع، أو ترغب في تأكيد وجود دليل حسي على تورط إيران. وبينما يواصل الحوثيون التمسك برواية أنهم هم الذين أطلقوا الصواريخ، تنفي إيران بالطبع أي تورط لها في هذا الشأن، ووزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو يعتبر الهجوم “إعلان حرب” – تصريح ذهب بعيداً ولا ينسجم مع موقف السعودية.
في الزيارة التي قام بها يوم الأربعاء إلى السعودية قال بومبيو “هذا هجوم إيراني”، لكن هذا التصريح يضع الولايات المتحدة والسعودية في مواجهة معضلة صعبة؛ فهو يمكن أن يجبر السعودية على خوض حرب، أو على الأقل الرد بصورة قوية على الهجوم، وبذلك ستكون مسؤولة عن مواجهة يمكن أن تجر المنطقة كلها إلى حرب شاملة – مثلما هدد في الأمس وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف. حتى الآن تسمع السعودية وتقرأ باهتمام التغريدات الملتوية للرئيس ترامب، والتي تقول: “الهجوم وقع في أراضي السعودية” لذا السعوديون هم الذين يجب أن يردوا. بالنسبة إلى ترامب، لا يشكل الهجوم ضربة مباشرة للمصالح الأمنية والقومية الأميركية، التي “لحسن الحظ، ليست معتمدة على نفط من الخارج”، بحسب رأيه.

التخوف الأميركي

يطرح هذا القول المسألة التالية: هل يعتبر الدفاع عن مصادر النفط في الشرق الأوسط مصلحة أميركية؟ لقد استندت حرب الخليج الأولى في سنة 1991، التي اندلعت في إثر احتلال العراق للكويت، إلى حد كبير إلى الحجة القائلة إن سيطرة العراق على النفط الكويتي، والخوف من توسيع سيطرته أيضاً على الحقول السعودية، يهددان المصالح الأميركية. يبدو الآن أن النفط لم يعد جزءاً من الأسباب الشرعية التي تفرض على الولايات المتحدة خوض حرب. لقد أوضح ترامب أنه سيساعد السعوديين، لكنه كتب أيضاً أنه لم يتعهد لهم بشيء. وقال: “لدينا العديد من الخيارات، لكننا لا ندرس خيارات الآن.”
مساهمة ترامب في الجهد الحربي أثارها عبر إعلانه أنه أمر بفرض عقوبات إضافية على إيران، من دون إعطاء أي تفاصيل بشأن طبيعتها وحجمها. فيما يتعلق برد عسكري أكثر اتساعاً أوضح ترامب للسعوديين ما يلي: “إذا قررنا القيام بأمر ما، يجب أن يكون هناك تدخل كبير للسعودية.. ويشمل دفعاً مالياً. هم يعرفون ذلك جيداً.” كلام ترامب هذا ليس رداً تلقائياً، بل يعكس سياسة، ويرسم مخطط الاستراتيحيا الأميركية لعمل عسكري ضد إيران بصورة خاصة، وفي الشرق الأوسط بصورة عامة. بحسب هذه السياسة، إن تدخلاً أميركياً مباشراً في حرب رداً على اعتداء موجه نحو حلفائها لن يكون تلقائياً بل مشروطاً – كما جرى توضيح ذلك للسعودية – بأن الدول التي تعرضت للهجوم هي التي تقرر الرد وتقوده، وعند الحاجة ستكون الولايات المتحدة مستعدة لتقديم المساعدة لقاء بدل مالي.
إن إظهار الهجوم [على منشآت النفط السعودية] كشأن سعودي لا كضربة لمصلحة أميركية، وكلام بومبيو عن أنه جاء إلى السعودية كي يسمع من السعوديين “تحت أي شروط يريدون الاستمرار”، وتغريدات ترامب، كل ذلك يجب أن يثير قلقاً لدى متخذي القرارات في إسرائيل. هل تستطيع إسرائيل فعلاً الاعتماد على أن الولايات المتحدة ستعتبر هجوماً على إسرائيل بمثابة اعتداء مباشر على المصلحة الأمنية القومية الأميركية، وبالتالي يفرض عليها خوض حرب ضد إيران أو أي دولة أُخرى مهاجِمة؟ أم أن الولايات المتحدة ستعتبر بسهولة أن هذا “شأن إسرائيلي” وأنها “يسرها تقديم المساعدة”. في هذا الإطار، صحيح أن مكانة إسرائيل في الولايات المتحدة تختلف عن مكانة السعودية، والعلاقات الوثيقة لنتنياهو بترامب وبالكونغرس أقوى وأكثر استقراراً من علاقات ولي العهد السعودي بهما، لكن ليس لدى إسرائيل أي ضمانات لبقاء مكانتها كمشمولة برعاية أميركية.
سلوك الولايات المتحدة إزاء السعودية يمكن، على ما يبدو، أن يعزز موقف المتحمسين لتوقيع اتفاق دفاع مع الولايات المتحدة. إذ يمكن لهذا الاتفاق أن يضمن، على الأقل على الورق، وقوف الولايات المتحدة إلى جانب إسرائيل، لكن يمكن أن تجد إسرائيل نفسها أيضاً في وضع شبيه بوضع تركيا، التي على الرغم من كونها عضوة مهمة في حلف شمال الأطلسي فإنها لم تنجح في إقناع الدول الأوروبية والولايات المتحدة بخوض حرب في سورية، عندما هوجمت من قبل قوات كردية وسورية.
علاوة على هذا، حلف دفاعي مع الولايات المتحدة يمكن أن يقيد إسرائيل إذا ما قررت أن تهاجم إيران بنفسها، كما يمكن أن يقيد قيامها بهجمات على أهداف سانحة إيرانية في سورية والعراق.

حرب غير متناسبة ومرهقة

الحذر السعودي من الكشف عن أدلة حاسمة ضد إيران يمكن أن يكون مفهوماً على خلفية أن السعودية يمكن أن تجد نفسها وحدها من دون شريك أميركي عسكري، وأيضاً وسط خلاف كبير مع حلفائها من دول الخليج؛ دولة الإمارات العربية المتحدة التي سحبت جزءاً من قواتها من اليمن ورممت علاقاتها التجارية بإيران، ستعارض أي خطوة عسكرية يمكن أن تضر باقتصادها. الكويت لا تتفق في مواقفها مع السعودية. قطر غارقة في خلاف عميق مع السعودية وهي على تعاون وثيق مع إيران. ولم تقترح أي دولة عربية أُخرى على السعودية مساعدتها عسكرياً إذا ما قررت خوض حرب ضد إيران.
لكن أيضاً عدم القيام برد أوجد مشكلة للسعودية والولايات المتحدة. الهجوم، سواء نفذته إيران أو الميليشيات الشيعية من داخل أراضي العراق، أو نُفِّذ من قبل الحوثيين، يوضح جيداً نوع التحدي العسكري الذي سيواجه من سيقرر مهاجمة إيران. صحيح أن ليس لدى إيران سلاح جو مهم ولا قوات بحرية وبرية قادرة على مواجهة قوات أميركية، لكنها قادرة على ضرب أهداف استراتيجية مثل منشآت نفط، وقواعد عسكرية، وناقلات نفط، وسفن عسكرية، وخوض معركة غير متناسبة ومرهقة لوقت طويل من دون حسم، وبكلفة منخفضة نسبياً.
في مقابل الاعتبارات الأميركية والسعودية العلنية، من الصعب جداً التقدير كيف تخدم هجمات تكتيكية واستراتيجية إيران في سعيها لإزالة العقوبات المفروضة عليها، وخصوصاً في ضوء أن هذه الهجمات يمكن أن توحد ضدها دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. لقد رفضت إيران اقتراح فرنسا وضع خط ائتمان بتصرفها بحجم 15 مليار يورو، كقروض تسمح لها بمواجهة الأزمة الاقتصادية إلى حين العثور على حل سياسي. وأعلن خامنئي وروحاني أنهما لن يجريا مفاوضات مع الولايات المتحدة ما دامت العقوبات سارية المفعول. والتخطيط لاجتماع بين روحاني وترامب على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة لم يعد مطروحاً على جدول الأعمال من قبل إيران.
في المقابل، أعلنت إيران أنها ستواصل خطواتها من أجل خفض التزاماتها بالاتفاق النووي. ولم تفصّل ما هي الخطوات المقبلة، الأمر الذي يمكن أن يوصلها إلى مرحلة قد يضطر فيها سائر حلفائها إلى المشاركة في فرض العقوبات عليها، وفي أسوأ الأحوال إلى مهاجمة منشآتها النووية. هل إيران لا تقرأ جيداً الخريطة السياسية الدبلوماسية، أم انها أسيرة سردية داخلية تعزز صمودها القوي ضد “الدول الخائنة”، بالإضافة إلى شعورها بقوة وطنية تستند إلى اعتقادها أن العالم كله ضدها، الأمر الذي يفرض عليها سلوكها السياسي. تظهر هذه السردية في تصريحات زعماء إيران على مدى أعوام، وفي الكتابات الدعائية في وسائلها الإعلامية، لكنها غائبة تقريباً عن تحليلات وأوراق تقدير المواقف الغربية، وخصوصاً الحكومية، المشغولة بتحديد الاستراتيجيا التي يجب انتهاجها إزاء إيران. وتركز هذه على قدرات إيران العسكرية، وعلى مراكز سيطرتها في الدول العربية، وعلى مشروعها النووي. والنتيجة هي أن سردية غربية، في الأساس أميركية وإسرائيلية، بسيطة وسهلة الاستيعاب و”منطقية”، هي التي “تشرح” إيران وتتحدد على أساسها السياسة التي يجب انتهاجها إزاءها. وهذا أيضاً يمكن أن يُشعل الحرب المقبلة.

المصدر: صحيفة هآرتس الاسرائيلية – عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية

Optimized by Optimole