هآرتس: في الشرق الأوسط هناك فرصة أن يؤدي فيروس الكورونا إلى وقف إطلاق النار

Spread the love

تسفي برئيل – محلل سياسي اسرائيلي/

ما لم تفعله السياسة في العراق فعله فيروس الكورونا. فبعد أن قرر البرلمان العراقي الطلب من الولايات المتحدة سحب قواتها من العراق – طلب رفضته الإدارة الأميركية – اتضح هذا الأسبوع أن قيادة الجيش الأميركي قررت تقليل حجم القوات المنتشرة في العراق، خوفاً من العدوى. وبحسب البيان الأميركي، ستُغلق عدة قواعد أميركية في العراق، وستقلَّص قوات التدريب، وستتوقف التدريبات كلها في الجيش العراقي.

قيادة القوات الأميركية أوضحت أن الولايات المتحدة ستستمر في التزامها بالدفاع عن العراق في وجه هجمات تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، لكن “سنفعل ذلك بواسطة استخدام قوات أقل وعدد أقل من القواعد”. بيان مشابه صدر قبل ذلك عن قوات التحالف العاملة في أفغانستان، وجاء فيه أنها قررت عدم إرسال جنود جدد إلى الساحة الأفغانية – بعد أن اتضح إصابة 21 جندياً بأعراض عدوى الكورونا. في الإجمال، جاء نحو 1500 جندي ومقاول مدني إلى أفغانستان هذا الشهر وُضعوا في الحجر، بعد أن ظهرت عليهم أعراض مشابهة.

المغزى العملي هو أن جنوداً يخدمون في أفغانستان لن يستطيعوا العودة إلى منازلهم في الفترة القريبة، وأن مدة بقائهم في أفغانستان يمكن أن تُمدَّد شهرين على الأقل. المشكلة هي عدم وجود مختبرات في أفغانستان للكشف عن المرض، وكل العينات يجري نقلها جواً إلى مختبرات عسكرية في ألمانيا، ويتعين على المصابين البقاء في الحجر حتى الحصول على النتائج، وعدد الأسرّة المتوفرة في منشآت الحجر يتناقص. في الاتفاق الموقّع مع طالبان في الشهر الماضي، تعهدت الولايات المتحدة بتخفيض عدد الجنود في أفغانستان إلى 8600 في الإجمال، حتى 22 تموز/يوليو 2020. على الرغم من إعلان الإدارة الأميركية استمرارها في تنفيذ شروط الاتفاق، ليس من الواضح الآن كيف سيتم تنفيذ هذه التعهدات، مع تجميد عودة الجنود إلى الولايات المتحدة.

قلق إقليمي

مسألة عمل جيوش مقاتلة في ظل تهديد الكورونا يقلق أيضاً تركيا، وروسيا، وسورية، والسعودية، وليبيا، وكل واحدة منها مشغولة بجبهات نشطة. هذا الأسبوع بدأت تركيا وروسيا بالقيام بدوريات مشتركة في منطقة إدلب، كجزء من الاتفاق الذي جرى التوصل إليه في لقاء الرئيسين فلاديمير بوتين ورجب طيب أردوغان. بحسب تقارير تصل من منطقة إدلب، القتال النظامي بين تركيا وقوات الرئيس بشار الأسد – الذي كاد أن يتطور إلى مواجهة شاملة بين الجيشين – توقف تقريباً بالكامل، باستثناء هجمات متفرقة تقوم بها ميليشيات راديكالية ضد قوات الأسد.

التخوف الأساسي الآن هو من تفشي الوباء في المحافظة المحاصرة التي يسكنها نحو 3 ملايين نسمة، وفي مدينة إدلب نفسها يقطن نحو مليون شخص. صحيح أن تركيا أرسلت 300 جهاز اختبار لفحص الكورونا، لكنها لا تكفي لتلبية الحاجة الحقيقية التي تبلغ آلاف الأجهزة، والحاجة الأكبر إلى طواقم فحص ماهرة، قادرة على الكشف عن العدوى. في المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش السوري حوالي إدلب، بدأت هذا الأسبوع عمليات تعقيم للمباني العامة، لكن من المستحيل تقريباً فرض أوامر الحجر والإغلاق التي أصدرتها السلطات في المنطقة، لأن جزءاً كبيراً من الموجودين فيها هم من اللاجئين والنازحين الذين يقطنون في مساكن موقتة، وفي أحياء مكتظة. في العديد من هذه المناطق لا توجد مياه جارية تسمح بعمليات اغتسال أساسية، كي لا نتحدث عن عدم وجود مستوصفات أو منشآت رعاية طبية قادرة على معالجة المصابين بالمرض بصورة صحيحة.

في المحافظات الواقعة تحت سيطرة القوات الكردية في شمال شرق سورية، لم يتم الكشف عن إصابات بالكورونا، لكنهم يتخوفون هناك من وصول الفيروس من خلال وجود قوات إيرانية في منطقة دير الزور. وكوسيلة للوقاية، فرضت وحدات الدفاع الشعبي الكردية منع تجول في أغلبية المحافظات، لكن أيضاً لا توجد هناك وسائل تحديد واكتشاف المرضى وإدخالهم إلى المستشفيات في حال إصابتهم بالعدوى. ريما سعيد ممثلة منظمة الصحة العالمية في سورية ذكرت أن المنظمة أرسلت نحو 1200 جهاز اختبار لفحص الكورونا إلى مناطق شمال سورية التي تسيطر عليها القوات السورية، لكن حتى الآن لم يصل أي جهاز إلى هدفه.

أوضحت سعيد أن المنظمة تعمل الآن على إقامة مختبر واحد يستطيع فحص عينات، لكن حتى ينتهي العمل عليه، سترسَل العينات إلى المختبر المركزي في دمشق. ولم تنجح في تقديم جواب عن سؤال بشأن عدم وصول أجهزة للفحوصات إلى مناطق كردية في شمال سورية.

تعترف سعيد بأنه حتى عندما تصل الفحوصات إلى دمشق، ليس هناك إمكان لمعرفة متى يأتي دورها في المختبر، ومدى فعالية الفحص، لأنه يجب فحص العينات خلال وقت قصير وبسرعة، من أجل لجم تفشي المرض. المختبر المركزي في دمشق يعمل على فحص أمراض أُخرى مثل الأيدز والشلل، والأولوية تُعطى طبعاً للفحوصات التي تأتي من دمشق ومناطق سيطرة النظام.

بالنسبة إلى أجهزة التنفس ومعدات الحجر والأقنعة الواقية واللباس الواقي للطواقم الطبية – التي بدأ الآن فقط إعدادها – لا يوجد ما يمكن الحديث عنه. في الأمس ذكرت قيادة القوات الكردية التي تستعين بالقوات الأميركية أن عناصرها يواصلون حربهم ضد جيوب داعش المتبقية في شمال سورية، لكن من الصعب التقدير إلى متى سيكونون قادرين على خوض معارك نظامية، بينما يخاف المقاتلون من الاقتراب من بعضهم البعض، وبينما تتجنب القوات الأميركية التواصل المباشر مع المقاتلين الأكراد. يبدو أنه مثلما جرى في العراق وفي أفغانستان، الكورونا في سورية أيضاً، يمكن أن تؤدي إلى خفض القوات الأميركية، وربما إلى انسحابها الكامل.

معضلة استمرار القتال تحت تهديد الكورونا يشغل كثيراً الحكم التركي والقيادة العسكرية في البلد. هما يشعران بالقلق، سواء من إصابة جنود أتراك أو ميليشيات تعمل تحت رعايتهم – منتشرة في الأجزاء الغربية من المحافظات الكردية في سورية، وكذلك أيضاً في منطقة إدلب. بحسب ادعاءات كردية، أوقفت تركيا ضخ المياه إلى مدينة الحسكة، وهي بذلك لم تضر فقط بالحاجات اليومية لمئات آلاف السكان، بل تمنعهم أيضاً من إمكان الاغتسال وتعقيم منازلهم، وبذلك تزيد من خطر تفشي الكورونا. مصادر كردية قالت إن تركيا تستخدم المياه كوسيلة ضغط بدلاً من التواصل العسكري المباشر مع القوات الكردية، ومع السكان.

يبدو أن الهلع من الكورونا تحول إلى عامل استراتيجي من الدرجة الأولى في كل ما له علاقة بالتخطيط لعمليات عسكرية وبلورة سياسات بعيدة المدى في الشرق الأوسط. من المحتمل أنه يمنح أيضاً الفرصة لمجموعة تسويات، وربما اتفاقات، تحل محل المواجهات العنيفة، بسبب ضرورة تقليص العمليات العسكرية، سواء من جانب الجيوش النظامية أم من الميليشيات على اختلاف انواعها.

المصدر: صحيفة هآرتس الاسرائيلية _ عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية

Optimized by Optimole