هآرتس: غزة – أزمة إسرائيلية وليست مناخية

قطاع غزة
Spread the love

شجون عربية / دونان هلفي – باحث في معهد فان لير

نشر معهد أبحاث الأمن القومي (INSS) تنبؤات مذهلة، تحذر من تداعيات أزمة المناخ على قطاع غزة. ويشير التحليل إلى معلومات مقلقة بشأن الأوضاع الحياتية للسكان والمدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة، ويقترح مجموعة من الخطوات التي يمكن اتخاذها لإبطاء عملية الانهيار.
صحيح أن القضية مقلقة، فالتغييرات المناخية تحدث في الشرق الأوسط بسرعة، وهو ما يستوجب التفكير والعمل بشكل طارئ. وعلى الرغم من ذلك، يبدو أنهم في (INSS) يعتبرون الوضع الإنساني في قطاع غزة “مزيجاً من الأسباب” يشكل الصراع مع إسرائيل أحدها. هذا فهم مغلوط، يشوّش وعن وعي حقيقة أن السبب المركزي وراء الضرر المتصاعد جرّاء أزمة المناخ الذي يعاني جرّاءه السكان في قطاع غزة، هو سياسة الحصار الإسرائيلية.
إن جر المجتمع والمدنيين في قطاع غزة إلى حدود الكارثة الإنسانية هو تقريباً خطوة معلنة في السياسة الإسرائيلية تجاه القطاع. لذلك، فمن غير المهم ماهية الخطوات المبتكرة التي سيتم اتخاذها بهدف تقليص أزمة المياه أو الطاقة في القطاع، إذ على دولة إسرائيل أن تقرر أولاً أن فصل قطاع غزة عنها وعن الضفة الغربية غير أخلاقي ولا يفيد ويجب وقفه.
لا يوجد في عالمنا اليوم، اقتصاد موارد معزول عن العالم. إلاّ إنه وتحت سياسة الحصار الإسرائيلية على قطاع غزة، من المتوقع أن تعتاش المنطقة التي يعيش فيها تقريباً 2.1 مليون، فقط من خلال مياه مكرّرة يتم جرها فقط من داخل مساحتها المحاصرة أصلاً. في إسرائيل يتم التعامل مع مسألة جودة المياه المتدنية على أنها نتاج “سحب مبالغ فيه” للمياه من الأحواض المحلية. هذا على الرغم من أنه لا يوجد في إسرائيل، وأشك أن يكون في العالم كله أيضاً، من يرغم على إدارة المياه لتغطية حاجات الملايين، بهذا الشكل.

وصحيح أن الكهرباء محدودة في قطاع غزة بسبب النقص في السيولة المالية والوقود كما يشيرون في (INSS)، لكن لا توجد أي إشارة إلى أن إسرائيل تقوم بين الحين والآخر بخطوات عقاب جماعي ضد السكان في قطاع غزة، وتمنع إدخال الوقود حتى إن كان هناك تمويل له. وفي جميع الأحوال، حتى لو كان الوقود متوفراً، فإن محطة توليد الطاقة والبنى التحتية لنقل الكهرباء لا تزال مدمرة جزئياً نتيجة القصف الإسرائيلي خلال العدوان الأخير على قطاع غزة.
تقوم إسرائيل بالإضافة إلى هذا كله، بمنع إدخال آلاف القطع الضرورية لترميم منظومات المياه والكهرباء في قطاع غزة، وبذلك تضع هذه المنظومات أمام خطر التوقف عن العمل كلياً.

فبحسب المعلومات الواردة من مؤسسة “غيشاه”، تعاني منظومات المياه والكهرباء في قطاع غزة نقصاً بآلاف قطع التغيير. وحتى في (INSS) يعترفون بأن القيود التي يتم فرضها على إدخال المواد إلى قطاع غزة تعرّف إسرائيلياً بأنها “ذو حدين”- مواد مطلوبة للبناء والتطوير، ويمكن في الوقت ذاته استعمالها عسكرياً – تحبط كل إمكان لترميم البنية التحتية للكهرباء والماء في القطاع. وباختصار، تحكم إسرائيل عن سبق الإصرار والترصّد، على سكان قطاع غزة بالعيش في ظل البرد القارس في الشتاء والحر الخانق في الصيف (تخيّلوا ليالي آب في الساحل من دون مروحة أو مكيّف)، وتحديد إمكانات سحب المياه أو تصريف المجاري، وتقليص جميع الأعمال الحيوية، وضمنها الطبية، إلى عدة ساعات يومياً.

ويشير التقرير إلى أن الكهرباء في القطاع تتحول إلى الطاقة الشمسية، ويرون في (INSS) أنها فرصة لتشجيع استعمال الطاقة المتجددة. يا للسخرية! يبدو أن قطاع الطاقة سيتحوّل إلى نموذج قطاع المياه، حيث يتعلّق كلياً بأشعة الشمس بين الجدران.

يمكن الاستمرار بنماذج أُخرى: هل علينا أن نقلق الآن بسبب ارتفاع نسبة الكربون في مياه البحر المتوسط وتداعياته على صيد الأسماك في غزة بسبب أزمة المناخ؟ هنا، في كل الأحوال، تقوم إسرائيل بتقليص مساحة الصيد في غزة وزيادتها بحسب مزاجها، وتمنع عن قصد الصيادين في غزة من أن يعتاشوا على هذا المورد الطبيعي الأساسي. وحتى النقاش على كمية الأمطار يمكن أن ينتظر. في البداية على طائرات رش المبيدات الإسرائيلية أن تتوقف عن نشر المبيدات حول الجدار في غزة، وهو ما يؤدي إلى ضرر كبير بالزراعة الغزية.
غزة ليست منطقة متضررة بشكل خاص من أزمة المناخ بسبب موقعها الجغرافي أو المناخي، فالقطاع ليس منطقة جغرافية لها مميزات خاصة أصلاً، إنما هي معزل سياسي مسجونة في حدود مصطنعة. غزة معزولة عن محيطها الزراعي وعن تمديدات المياه الخاصة بها منذ سنة 1949، كجزء من اتفاق وقف إطلاق النار مع مصر. وبعد 1967 تم التعامل معها إسرائيلياً كمصدر للأيدي العاملة الرخيصة وكسوق أسيرة للمواد الإسرائيلية، وتعيش منذ سنة 2007 تحت الحصار العسكري الإسرائيلي الذي تحوّل بنظر الكثيرين إلى “السجن المفتوح الأكبر في العالم”. الوضع الإنساني في غزة حالياً هو نتيجة السياسة الإسرائيلية، وليس طفرة، مع أزمة المناخ أو من دونها.

وإن أردنا على الرغم من هذا كله أن نربط الوضع في غزة بأزمة المناخ، فيمكن التعامل معها بشكل أكثر دقة كنافذة لسيناريوهات مستقبلية، تدلل على كيف سيكون العالم في ظل التنافس على الموارد وخلق معازل بيئية للأشخاص غير المرغوب فيهم. قطاع غزة عملياً هو “أكواريوم” حيث تتولى قوة قادرة اتخاذ القرار، من حيث المكان والزمان، بشأن ما يدخل إليه من مواد وغذاء، فتتحسن الحياة إن أرادت هذه القوة، وإذا رأت العكس، تصبح الحياة صعبة ويزداد الخطر على الحياة.

في مرحلة الظروف المناخية الصعبة، لن يكون من المبالغ فيه الخوف من أن تقوم الدول القوية بتبني نموذج الأكواريوم الغزي (أو الغز – واريوم)، وأن يسجنوا المجتمعات العدائية، والأقليات السياسية، وجماعات مستضعفة داخل معازل أرضية، ويحددوا وصولهم إلى المياه والطاقة، يغذّونهم أو يجوعونهم بحسب الرغبة. وكل هذا طبعاً، من منطلقات الأمن القومي وحق الدول السيادية بالدفاع عن نفسها. أمّا الإحباط والجوع واليأس، فيمكن نسبه دائماً، بسهولة، إلى ارتفاع درجة حرارة الكوكب.

يدعي كثيرون أن لإسرائيل وظيفة مهمة في تطبيق التغييرات الكونية بالانتقال إلى الطاقة الخضراء والاقتصاد المستدام. وهذا لا يعود إلى حقيقة أن إسرائيل دولة مركزية من حيث كمية الكربون التي تطلقها إلى الهواء، إنما لأنها تملك قدرات تكنولوجية وأهمية جيوسياسية تسمح لها بأن تكون النموذج ومصدر الحلول لدول أُخرى. لم يتبق إلاّ الأمل بألاّ يكون النموذج الإسرائيلي المطبّق في قطاع غزة هو ما سيختارون تطبيقه في العالم.

سيكون من الضروري البحث بصورة معمّقة في التحضيرات للسيناريوهات المتعددة بكل ما يتعلق بأزمة المناخ. لكن الأكثر أهمية، هو ألاّ يؤدي هذا النقاش إلى تضليل الحقائق، بأن هناك مجموعات محددة تعاني أكثر من غيرها لأسباب سياسية واضحة. الطريق لحل الأزمة في غزة إن كانت موجودة أصلًا، لن تكون من خلال البحث عن طرق إبداعية بهدف تخطّي الوضع القائم عبر الإبقاء على غزة معزولة عن العالم، إنما من خلال إعادة ربطها من جديد بمحيطها الاقتصادي والجغرافي. بداية من فتح المعابر لمرور السكان والبضائع بشكل دائم، وبعدها من خلال ربط شبكات الماء والكهرباء الإسرائيلية بالقطاع. ومن المهم التذكير بأن السيطرة الواسعة الإسرائيلية على المناطق الفلسطينية تضعها أمام مسؤوليات يفرضها القانون الدولي والأخلاق، تبدأ بمسؤوليتها عن حياة المدنيين الذين يعيشون تحت سيطرتها. وإن شاءت إسرائيل أم أبت، فإن 40 عاماً من الاحتلال الفعلي و15 عاماً من الحصار على غزة، يفرض عليها مسؤوليات معينة. في المحصلة، الضرر الذي تؤدي إليه هذه الفترة لا يمكن رميه على أزمة المناخ.