هآرتس: سياسة استخدام الضغط على طهران فشلت

هآرتس: سياسة استخدام الضغط على طهران فشلت
Spread the love

عاموس هرئيل – معلق عسكري اسرائيلي/

وجهتان استراتيجيان متعارضان تحدثان في هذه الأيام في الشرق الأوسط. التقاطع بينهما هو القصة المركزية للمنطقة في الأسابيع الأخيرة- وربما هذا ما يفسر لماذا لم تتحقق حتى الآن التحذيرات التي عرضتها المؤسسة الأمنية بشأن محاولات إيرانية لمهاجمة أهداف إسرائيلية. الوجهة الأولى تتعلق بازدياد ثقة إيران بنفسها وبالخط الهجومي الذي تنتهجه في مواجهة التراجع الأميركي في المنطقة، وعدم رغبة إدارة ترامب الواضحة في مواجهتها. وسجّل الأسبوع الماضي ذروة جديدة في هذا المسار عندما أعلنت طهران رسمياً خرقاً إضافياً متعمداً للاتفاق النووي.
الوجهة الثانية برزت على الأرض في الشهر الماضي فقط، مع انطلاق التظاهرات في العراق ولبنان، الموجّهة ضد حكومتين مدعومتين من الإيرانيين. التحدي الذي يمثله المتظاهرون يسبب صداعاً للنظام في طهران، وأيضاً لرجلها القوي في المنطقة قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الجنرال قاسم سليماني، المسؤول أيضاً عن بناء القوة العسكرية الإيرانية في سورية والعراق، وفي دول أُخرى، وبينما هو مشغول بالاحتجاج المصمم في بغداد وبيروت، من المحتمل أن لديه وقت فراغ أقل لتنفيذ خطط الانتقام التي تحدث عنها ضد إسرائيل.
بعد قرار إدارة ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي في أيار/مايو الماضي، سوّقت الإدارة خطة من 12 نقطة، أساسها استخدام أقصى الضغوط على طهران، بهدف إقناعها بتغيير سياستها (وضمنياً إذا لم ينجح الأمر، التسبب بصورة غير مباشرة بإسقاط النظام). بعد مرور عام ونصف العام على ذلك، يبدو أنه لا مفر من الاستنتاج أن خطة وزير الخارجية مايك بومبيو لم تحقق هدفها- كما فشل اعتماد رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو على صديقة دونالد ترامب.
الولايات المتحدة ضبطت نفسها حيال سلسلة الهجمات الإيرانية الأخطر، بينها هي تلك التي حدثت في أواسط أيلول/سبتمبر، وتسببت بضرر واسع في منشآت النفط السعودية. والأميركيون، باستثناء قرار تلقائي بفرض عقوبات إضافية، لم يفعلوا شيئاً حيال المرحلة الرابعة لخروقات الاتفاق النووي التي بدأتها إيران أول أمس.
من جهة أُخرى، يكتشف الإيرانيون أن المتظاهرين في العراق وفي لبنان يخصصون لهم مكاناً متزايداً ضمن أهداف احتجاجهم. في العراق أُحصي وقوع أكثر من 250 قتيلاً وآلاف الجرحى بنيران قناصة القوى الأمنية والميليشيات الشيعية، بتشجيع من إيران. صحيح أن الاحتجاج يتناول الفساد في السلطة والبطالة الكبيرة، لكنه يترافق أيضاً مع غضب ضد الميليشيات المحلية التي تتصرف كعصابات مافياوية. جزء من الاتهامات موجّه إلى إيران، والهتافات المعادية لإيران وحرق أعلام تحولت إلى مظهر دائم في التظاهرات.
العميد في الاحتياط أودي أفنتال، من معهد السياسات والاستراتيجيا في معهد هرتسليا المتعدد المجالات، كتب هذا الأسبوع في موقع المعهد “الاحتجاج الذي نشب بقوة في العراق ولبنان ذكّر كل الأنظمة في الشرق الأوسط بأن اضطرابات المنطقة لم تستنفد مسارها التاريخي”، لأن المشكلات الأساسية الاقتصادية والاجتماعية والديموغرافية بقيت على حالها. ويدّعي أفنتال أن الاحتجاج يُدخل قادة المنطقة في حالة تأهب. “على هذه الخلفية من المتوقع أن يتركز الاهتمام على الداخل على حساب مسائل خارجية، وعلى تعزيز السيطرة على الدولة وتعميق وسائل الرقابة والقمع”.
بحسب كلامه، إذا كان يبدو قبل شهر أن إيران تنجح في ركوب الموجة، من خلال الطلب من الميليشيات الشيعية إخراج ما تبقى من القوات الأميركية من العراق، انقلبت الأمور حالياً. ” في هذه الظروف من الواضح أن مصالح الإيرانيين في خطر، سواء أكانت في العراق أم في لبنان. المطالبة بإلغاء النظام الطائفي يشكل تهديداً لنقاط سيطرة إيران ونفوذها وأرصدتها، وعملياً لسلاح حزب الله والميليشيات الشيعية، وهذه مسألة هي بحد ذاتها موضع خلاف داخلي”.
في الشهر الماضي حذّرت الاستخبارات الإسرائيلية من تحوّل طرأ على السياسة الإيرانية: قرار صارم بالرد على أي عملية هجومية إسرائيلية، من خلال تغيير “المعادلة” بين الدولتين. رافق ذلك تخوف من عملية محتملة ضد إسرائيل من غرب العراق (هجوم بطائرات مسيّرة وصواريخ بحرية)، وحتى من اليمن.
تحدث نتنياهو في مناسبتين عن بنية تحتية لصواريخ بعيدة المدى يقيمها الإيرانيون في اليمن. تبين لاحقاً أن الهدف في المدى الزمني القريب استخدام محتمل لوسائل أُخرى مثل صواريخ ضد سفن في البحر الأحمر أو إطلاق صواريخ مضادة للطائرات. ويبدو نشر صواريخ منحنية المسار كجزء من خطة إيرانية مستقبلية.
حتى الآن، على الأقل بحسب تقارير في وسائل الإعلام العربية، يبدو أن الهجمات الجوية المنسوبة إلى إسرائيل في سورية والعراق توقفت في الشهرين الأخيرين. المعركة بين الحروب لم تعد تجري في هاتين الجبهتين بنفس الوتيرو كما في الماضي. في مقابل ذلك، اتهمت إيران إسرائيل بمهاجمة ناقلة نفط تابعة لها في البحر الأحمر في الشهر الماضي، وهذا الأسبوع أعلن الإيرانيون أن طريق الملاحة في البحر الأحمر- الذي تستخدم الصناعة النفطية جزءاً كبيراً منه – لم يعد آمناً للحركة، بعد تعرضهم، بحسب كلامهم، لثلاث هجمات من هذا النوع.
يكتب أفنتال: “في الظروف الحالية، وبينما إيران وحلفاؤها في العراق يتعرضون لهجوم، سيكون من الصعب عليها تنفيذ عملية انتقامية ضد إسرائيل. هذا الواقع يعيد الأضواء إلى سورية حيث تملك إسرائيل وسائل جيدة أكثر للمواجهة مع العدو، أو للمواجهة مع اليمن البعيدة”. في تقديره: “من المحتمل حدوث تركيز إيراني متزايد على المجال النووي على حساب الاستفزازات الإقليمية”.
كل هذا يدل على عدم وجود أسود وأبيض هنا. لم تهزم إسرائيل إيران قبل عام ونصف العام، عندما أحبطت سلسلة محاولات هجمات غير احترافية خطط لها سليماني للانتقام من إسرائيل، وأيضاً في أيلول/سبتمبر الأخير، عندما نجت سيارة إسعاف عسكرية، فقط بالصدفة، من الإصابة بثلاثة صواريخ مضادة للمدرعات أطلقها حزب الله على موشاف أفيفيم بالقرب من الحدود اللبنانية، وهي أيضاً لا تقف أمام هزيمة، ولا أمام حرب أكيدة حالياً.
الاعتماد الخاطىء على ترامب في المسألة الإيرانية يطرح تساؤلات أيضاً على الذين بنوا قصوراً في الهواء من اليمين الإسرائيلي حول الرئيس الجمهوري قبل بضعة أشهر فقط. لقد منح ترامب نتنياهو حباً غير مشروط (على الأقل حتى الفشل الثاني لرئيس الحكومة في الانتخابات هذه السنة)، ونقل السفارة الأميركية إلى القدس، واعترف بالسيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان. من جهة أُخرى، التحالف مع الرئيس- الذي جاء بعد خلافات مدوية مع سلفه باراك أوباما- كلف نتنياهو انهيار العلاقات مع الحزب الديمقراطي وانهيار الدعم من الحزبين لإسرائيل. إذا كان اليمين أمل بتجنيد الرئيس الأميركي لتأييد ضم المناطق في الضفة الغربية، فهذه المبادرة كما يبدو يجب أن تنتظر على الأقل سنة، ما بعد الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة.
في حساب إجمالي، البركة التي قدمها ترامب إلى نتنياهو تبدو أكثر فأكثر هشة للغاية. أوباما، الذي صورته أجواء اليمين المتشدد كعدو لإسرائيل، هو الذي وقّع اتفاق مساعدة أمنية مدة عشر سنوات. حينها ادّعى معارضو نتنياهو أنه لولا الخلاف بشأن الاتفاق النووي، كان من الممكن الحصول منه على مساعدة أكبر، تتخطى حتى الـ 3.8 مليار دولار التي جرت الموافقة عليها. مرة أُخرى أوباما هو الذي خصص لإسرائيل أكثر من مليار دولار من أجل مشروع اعتراض الصواريخ والقذائف، ومنظومات ستكون إسرائيل بحاجة إليها أكثر فأكثر في المستقبل، لمواجهة الأوجه الجديدة للشرق الأوسط.

المصدر: صحيفة هآرتس الاسرائيلية – عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية

Optimized by Optimole