هآرتس: تسوية إقليمية ومفاوضات، أو انفصال

Spread the love

إيهود باراك – رئيس حكومة سابق، ومرشح للانتخابات ضمن قائمة “المعسكر الديمقراطي/

مع اقتراب الموعد الثاني لانتخابات 2019 التي تبدو أكثر فأكثر كبرنامج تلفزيون الواقع وليس كنقاش جدي لمستقبلنا، لا يجري أي حديث عن الموضوع السياسي – الأمني. من المفهوم تهرب نتنياهو واليمين من نقاش كهذا. لكن تردد أزرق أبيض وحزب العمل هو ما يثير القلق أكثر. أريد المساهمة في إحياء خطاب صحيح.
يمتاز وضعنا الاستراتيجي بأمرين: من جهة الشرق الأوسط هو بيئة صعبة لا ترحم الضعفاء.
من جهة أُخرى، إسرائيل نتيجة إنجازاتها هي الدولة الأقوى في مدى 1500 كيلومتر حول القدس. هي الأقوى عسكرياً بحسب رأي كثيرين في العالم، وهي أيضاً قوة عظمى نووية وذات قدرات استراتيجية هائلة، وهي الأقوى اقتصادياً وتكنولوجياً.
التهديدات الخارجية كثيرة وتتطور. ويجب عدم الاستخفاف بها، ولا أستخف بأي واحد منها. لكنني أؤكد بمسؤولية – ليس كموقف سياسي، بل بصفتي كنت قائداً ووزيراً للدفاع ورئيساً للحكومة في أثناء 47 عاماً- أن أياً من هذه التهديدات لا يشكل خطراً وجودياً على مستقبل دولة إسرائيل وقوتها وسيادتها.
إسرائيل في سنة 2019 لا تواجه تهديد إبادة من أي نوع كان. لسنا في سنة 1938 في أوروبا. لقد بنينا “الجدار الحديدي” الذي تحدث عنه زئيف جابوتنسكي. وكل من يقول لكم شيئاً آخر يذر الرمل في عيونكم، أو يعاني شخصياً جرّاء وعي إشكالي، وهو قلق، سلبي متشائم، وهذا ليس جيداً لا للمواطن العادي ولا للزعيم بالتأكيد.
ونظراً إلى أن إسرائيل قوية، فهي تستطيع أن تعمل من موقع قوة وثقة بالنفس لتغيير الواقع، وأيضاً من خلال المخاطرة. هذا هو جوهر الثورة الصهيونية. أن نـأخذ مصيرنا بأيدينا وأن نعمل. السلبية والخوف ولعب دور الضحية كانت وستبقى لغة وروحية المنفى. هي روحية سلطة نتنياهو.
ما هو موضوع الانقسام الأساسي اليوم؟ إنه الموضوع الفلسطيني ومستقبل المناطق. المعضلة مؤلمة، لكنها سهلة. بين البحر ونهر الأردن يعيش أكثر من 13 مليون نسمة. قرابة 9 ملايين إسرائيلي ونحو 4.5 مليون فلسطيني. إذا نشأ في هذه الوحدة الجغرافية فقط كيان واحد ذو سيادة اسمه إسرائيل- فإنه سيتحول حتماً إلى كيان غير يهودي وغير ديمقراطي. إذا صار في إمكان ملايين الفلسطينيين التصويت للكنيست، فإن هذا سيجعل إسرائيل دولة ثنائية القومية، وخلال وقت قصير ستتحول إلى دولة ذات أغلبية إسلامية. إذا لم يتمكن ملايين الفلسطينيين التصويت بصورة ثابتة – فإنها لن تكون ديمقراطية. هذا سيكون أبرتهايد يهودي، منغمس بالعنف وتحت تهديد دائم بالانهيار. الانفصال عن الفلسطينيين مطلوب ليس من أجل الفلسطينيين، بل للدفاع عن مستقبلنا، وأمننا وهويتنا كدولة يهودية، صهيونية، وديمقراطية.
في المدى الطويل لا يوجد مخرج. لم أسمع أي اقتراح عملي، باستثناء مناورات واهمة ذاتية، واختلاق حقائق ديموغرافية، أو اعتقاد أعمى بتدخل إلهي. أيضاً الدعم من إدارة ترامب لن يبقى إلى ما لا نهاية، ولا يستطيع أن يغير في المدى الطويل المنحدر الزلق نحو انهيار الهدوء، وخسارة التفوق الأخلاقي، وانحلال قيم الجيش الإسرائيلي، وانهيار دعم يهود الولايات المتحدة. كل هذا ينتظرنا في الطريق إلى الهاوية، إذا لم نستيقظ ونكبحه الآن.
إن مخطط “دولة واحدة” الذي يدفعنا نحوه اليمين الإسرائيلي، نتنياهو وبتسلئيل سموتريتش، ومن ورائهما العنصريون والكهانيون- هو مخطط مدمر لمستقبل إسرائيل وهويتها وأمنها. هذا هو التهديد الوجودي الوحيد التي تواجهه إسرائيل في الوقت الحالي. وهو أخطر من تهديدات الإرهاب، والصواريخ، وحتى التهديد الإيراني.
يضلل نتنياهو واليمين الجمهور بذرائع أمنية لا أساس لها من الصحة، الغرض منها خدمة رؤيا الضم. في مركز هذه الذرائع الادعاء أن البناء وتوسيع المستوطنات المعزولة ضروري لأمن الدولة، وأنه من دون الاحتفاظ الدائم وإلى الأبد بكل أنحاء يهودا والسامرة [الضفة الغربية] لا يمكن الدفاع عن إسرائيل.
ليس هناك أمر بعيد عن الحقيقة أكثر من ذلك. هناك أمور جوهرية: كتل المستوطنات، وبضعة مواقع استراتيجية والوصول إليها، الأحياء اليهودية شرقي الخط الأخضر في القدس، ووجود عسكري طويل الأمد على طول نهر الأردن. كل ذلك ضروري للأمن. المستوطنات المعزولة (نحو 100 مستوطنة وبؤر استيطانية يعيش فيها نحو 100 شخص) لا تدخل فعلاً ضمن هذه المجموعة، ولا تقدم أي فائدة أمنية، بل في الواقع هي تضر بالأمن، وتشكل عبئاً لا لزوم له، وهي فقط تعقّد العملية الضرورية للانفصال عن الفلسطينيين.
فيما يلي موقفي من الموضوع السياسي – الأمني:
على إسرائيل أن تسعى لانفصال عن الفلسطينيين وتشجيع “تسوية إقليمية شاملة” (مع اتحاد الإمارات والسعودية، ومصر، والأردن والفلسطينيين، برعاية أميركية وربما دولية). هذه التسوية ستواجه تحدياً إيرانياً وإرهابا راديكالياً، ومشاريع بنى تحتية إقليمية، وستواجه طبعاً الموضوع الفلسطيني.
في إطار التسوية الإقليمية الشاملة سيجري درس القضية الفلسطينية بكل أبعادها، من خلال مفاوضات مع السلطة الفلسطينية. هدف المفاوضات سيكون حل الدولتين.
إذا تبين أنه من الصعب التوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين، تواصل إسرائيل السيطرة الأمنية على كل الأرض، لكنها تعمل بدعم سياسي أميركي لوضع حدود بينها وبين الفلسطينيين تضمن مصالحها الوطنية من خلال المحافظة على خيار الانفصال إلى دولتين. مثل هذه الحدود ستحول دون الاضطرار إلى ضم 2.6 مليون فلسطيني تحت سيطرتنا. الحدود التي ستضعها إسرائيل ستدافع عن مصالحها الأمنية وتحافظ على أغلبية يهودية صلبة لأجيال عديدة. وستشمل هذه الحدود كتل المستوطنات، غوش عتسيون، معاليه أدوميم، وغفعات زئيف، وغوش أريئيل – كدوميم، وطبعاً الأحياء اليهودية في القدس الشرقية، والمستوطنات المحاذية للخط الأخضر ومواقع استراتيجية خاصة. وداخل هذه الحدود سيكون هناك نحو 83% من المستوطنين الذي يعيشون وراء الخط الأخضر.
تحتفظ إسرائيل بـ”المسؤولية الأمنية الشاملة” في كل المناطق حتى نهر الأردن، طوال الوقت المطلوب.
تضم إسرائيل بدعم أميركي، كتل المستوطنات والمناطق داخل الحدود التي تضعها. وفي الوقت عينه تعلن رسمياً أن ليس لديها مطالب إقليمية في المناطق الواقعة وراء خط الحدود، وأن الأراضي في هذه المناطق ستسمح، عندما يحين الوقت، بقيام دولة فلسطينية قابلة للحياة، لكن منزوعة السلاح، إلى جانب إسرائيل. التفصيلات ستحدد في المفاوضات إذا بدأت وعندما تبدأ.
تواصل إسرائيل الدفاع عن مواطنيها في كل مكان، لكنها تسن “قانون استيعاب، إخلاء، وتعويض- طوعي”، يضمن مستقبل المستوطنين الذي يختارون إخلاء المنطقة الواقعة ما وراء الحدود، والانتقال إلى كتل المستوطنات أو إلى إسرائيل نفسها.
تعلن إسرائيل التزامها بالوضع القائم في جبل الهيكل [الحرم القدسي الشريف] وفي الأماكن المقدسة، وتوضح من أجل المفاوضات على الوضع الدائم أنها تعتبر منطقة الضفة الغربية (الواقعة خارج الحدود) وغزة كياناً واحداً.
تتخذ إسرائيل خطوات لتعزيز السلطة الفلسطينية في مناطق الضفة الغربية خارج الحدود. وفي غزة تتخذ خطوات لتحقيق الهدوء وتثبيته، ومنع أزمة إنسانية – من خلال الدفع قدماً بإعادة البناء والتنمية المدنية، مع مراعاة الاعتبارات الأمنية الإسرائيلية.
إن محاولة إدارة ترامب بلورة خطة سياسية كان يمكن أن تثمر احتمالات كبيرة جداً لو كان في إسرائيل حكومة يشكل المخطط الذي عرضته سابقاً برنامجها السياسي – الأمني.
في غزة، المطلوب تجديد الردع ووقف مسار الخضوع لـ”حماس”. تتصرف الحكومة كأن هناك حلفاً غير مكتوب بين نتنياهو و”حماس” هدفه تعزيز الحركة ولو بثمن التخلي عن سكان غلاف غزة. كل ذلك إلى جانب الإضعاف المنهجي للسلطة الفلسطينية.
العثور على وسيلة عملانية لتجديد الردع، ولو كان الثمن اشتباكاً واسع النطاق في غزة، هو أمر حيوي. لكن من الأفضل أن تناقش هذه الطريقة أولاً في هيئة الأركان.
في موضوع غزة، مهمة الحكومة هو العمل في السنوات بين الجولات، لدق إسفين بين 1.8 مليون فلسطيني وبين “حماس” عن طريق إعادة البناء والتطوير بما يتلاءم مع الاعتبارات الأمنية الإسرائيلية. وسبق أن قدّم رئيس الأركان والشاباك وقسم من وزراء الحكومة، وكذلك أطراف دولية، مرات عديدة خطط عمل في هذا الاتجاه. ولم يُبحث أي منها بجدية.

في الخلاصة: الامتناع من الدفع قدماً بتسوية إقليمية شاملة – في إطارها ستكون هناك فرصة لتفحص تشجيع مفاوضات مع الفلسطينيين، كما شرحنا سابقاً – هو تضييع فرصة مقصود من نتنياهو، وتقصير مركزي شهدته السنوات الأربع الأخيرة.

المصدر: صحيفة هآرتس الاسرائيلية – عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية

Optimized by Optimole