هآرتس: الأحداث الأخيرة في قطاع غزة تدل على ضعف سيطرة “حماس”

Spread the love

عاموس هرئيل – معلق عسكري اسرائيلي/
سلسلة الأحداث الأخيرة التي وقعت في قطاع غزة كانت استثنائية في قوتها مقارنة بالأشهر الأخيرة. في نهاية الأسبوع أُطلق مرتين صاروخ من القطاع على مستوطنات غلاف غزة؛ وبالأمس (السبت) قتل الجيش الإسرائيلي ثلاثة عناصر تابعين لخلية فلسطينية، حاولوا التسلل من قطاع غزة إلى أرض إسرائيل، وجرَح عنصراً رابعاً من أفراد الخلية. إذا أضفنا إلى ذلك الهجمات القاسية في الضفة الغربية وفي القدس الشرقية – مقتل الشاب دافير شورك في غوش عتسيون، وبعده جرح شرطي ومدنيين اثنين في هجوميْ دهس وطعن – نحصل على صورة تصعيد مهم.
مع ذلك، فإن الرد الإسرائيلي على ذلك لا يزال مضبوطاً للغاية. فقد اكتفى سلاح الجو بشن هجمات رمزية رداً على إطلاق صاروخين (الأول والثاني) (الأول، والثاني لم يرد على إطلاقه)، وتتركز العمليات في الضفة على التحقيق واعتقال مشتبه بهم بالتخطيط لهجمات أُخرى. وعلى الرغم من لهجتها الحادة فإن الحكومة تتمسك بسياسة الامتناع من العقوبات الجماعية في الضفة. القتلى الفلسطينيون هم منفذو الهجمات أنفسهم (الشخص الذي قام بالدهس في عتسيون، والشابان اللذان طعنا شرطياً في القدس القديمة). هناك جهد بارز لعدم المس بالمدنيين غير المتورطين بالعنف.
رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو يتعرض لانتقادات حادة. في اليمين، وفي حزب أزرق أبيض، يهاجمونه لتدهور الوضع الأمني في غلاف غزة والضفة الغربية، ويطالبونه برد قوي على الهجمات. لكن في هذه الأثناء لا توجد مؤشرات على تغيير في موقف نتنياهو. يبدو أن ارتداعه الأساسي من تعقيدات عسكرية، الذي كُتب عنه كثيراً في السنوات الأخيرة، لا يزال على حاله.
الاختبار الحقيقي سيأتي قبيل انتخابات الكنيست، بعد أقل من شهر: هل أيضاً في مواجهة تصعيد بارز تُطلق فيه مجدداً مئات الصواريخ على جنوب البلد، كما جرى مؤخراً في تشرين الثاني/نوفمبر العام الماضي وفي أيار/مايو هذه السنة، سيواصل نتنياهو خط ضبط النفس؟ هذا مرتبط في الأساس بميزان المصابين، وبوضع الليكود في الاستطلاعات.
في التصعيد الذي حدث في أيار/مايو، خلال ذروة الاتصالات التي فشلت في تشكيل ائتلاف، اختار نتنياهو ضبط النفس،وعلى الرغم من مقتل 4 مدنيين إسرائيليين، فإنه سعى بسرعة لإنهاء جولة تبادل الضربات، بعد موجة هجمات قام بها سلاح الجو. إنّما يمكن أن يتغير رده إذا شعر بأن الأحداث في القطاع يمكن أن تعرّض إمكان فوزه في الانتخابات للخطر.
يجب أن نضيف إلى هذه المعادلة متغيريْن مؤثريْن: موقف الجيش الإسرائيلي الذي يقوده اليوم رئيس أركان جديد يبدو أنه يرغب أكثر من الذي سبقه في إظهار القدرات التي راكمها الجيش الإسرائيلي في القطاع؛ وموقف قيادة “حماس” التي تواجه سيطرتها على القطاع تحدياً متزايداً، من جانب منظمات فلسطينية اصغر ومن خلايا انشقت عن الحركة.

غضب الشباب

المصطلح الجديد الذي تستخدمه القيادة في غزة وفي وسائل الإعلام المتماهية معها في وصف الناشطين الذين قُتلوا في أحداث بالقرب من السياج هو “شبان غاضبون”. أعضاء الخلايا الذين حاولوا التسلل إلى إسرائيل عن طريق السياج في الأسابيع الأخيرة كانوا، في معظمهم، يتماهون في الماضي مع “حماس” أو الجهاد الإسلامي. قسم منهم استقال من هذين التنظيمين واقترب من الفصائل السلفية التي تنشط في القطاع. آخرون لم يتركوا رسمياً التنظيمات المتمأسسة.
حجم الظاهرة يعبّر عن توجّه يذكّر قليلاً بهجمات “الذئاب الوحيدة” التي تطورت في الضفة الغربية والقدس في خريف 2015 (حينها، كما اليوم، ساهمت التوترات في غضب فلسطيني ضد تحركات الشرطة في القدس الشرقية)، الفارق هو أن هؤلاء الشبان في القطاع، في أغلبيتهم، مسلحون بأسلحة نارية وليس بسكاكين. تكشف الأحداث التي تقع بالقرب من السياج عن خيبة أمل حيال ابتعاد “حماس” عن النضال العنيف ضد إسرائيل، بالإضافة إلى انتقاد الإنجازات القليلة التي حققتها التهدئة لسكان القطاع. التسهيلات التي وعدت بها مصر وقطر، بالاستناد إلى اتصالات مع إسرائيل، تتقدم بوتيرة بطيئة نسبياً. الحصار على غزة لم يُرفع، ولا يزال وضع البنى التحتية المدنية كئيباً. في هذه الظروف تزداد محاولات الهجمات – وتُظهر “حماس” سيطرة واهية فقط على ما يجري بالقرب من الحدود.
ولّد تكاثر الهجمات تعليقات وتحليلات في إسرائيل لصحافيين وسياسيين، مفادها أن ازدياد الهجمات يكشف عن عملية مخطَّط لها ومسيطَر عليها جيداً من جانب قيادة “حماس” في القطاع، برئاسة يحيى السنوار. وبحسب هذا التفسير، السنوار يغض النظر عن الأحداث بالقرب من السياج – وربما يشجعها -، والتي من الأسهل عليه وعلى إسرائيل نسبتها إلى شبان “مارقين”. بهذه الطريقة يمارس السنوار ضغطاً على إسرائيل لتسريع تحقيق التسهيلات التي وعدت بها. وإذا لم تُحقَّق هذه التسهيلات، سيستمر الفلسطينيون في دهورة الوضع، وربما التسبب بإشعال حريق كبير إضافي مثل عملية الجرف الصامد، الذي يصادف الأسبوع المقبل مرور خمسة أعوام على القيام بها.
تكشف أحاديث مع عدة جهات استخباراتية عن معارضة تقريباً شاملة لهذه النظرية. الادعاء السائد في المؤسسة الأمنية هو أن الأحداث الأخيرة بالقرب من السياج تعبّر في الأساس عن ضعف سيطرة “حماس” على ما يجري. وبحسب وجهة النظر هذه، لدى السنوار كثير ليخسره. فالتسهيلات الأكثر أهمية بالنسبة إلى “حماس” تأتي تحديداً من مصر. والمعبر بين رفح وسيناء مفتوح حالياً في معظم أيام الأسبوع. وفي الوقت عينه، من خلال اتفاق صامت مع إسرائيل تستخدم مصر مؤخراً معبراً كبيراً آخر للبضائع في منطقة رفح، تمر منه بضائع كثيرة إلى قطاع غزة، بينها مواد غذائية ومواد بناء، وتفرض “حماس” ضريبة على حركة البضائع في هذا المعبر، وهو ما يثمر مداخيل إضافية تقدَّر بعشرات ملايين الشيكلات في الشهر.
بالإضافة إلى ذلك، قدمت إسرائيل بضعة تسهيلات لا يعرف الجمهور الإسرائيلي تفصيلاتها. بينها تزويد القطاع بالكهرباء بمعدل نحو 16 ساعة يومياً (في مقابل 4 ساعات فقط قبل بضعة أشهر)، وانتهجت سياسة أكثر تساهلاً حيال دخول آلاف الغزاويين إلى إسرائيل، بغطاء رسمي كرجال أعمال، على الرغم من أن أغلبيتهم من العمال. وقلصت إسرائيل أيضاً نحو 30% من المواد الثنائية الاستخدام، الممنوع استيرادها إلى القطاع، لأنها يمكن أن تُستخدم في بناء أنفاق، وقواعد عسكرية أو وسائل قتال. في المقابل حدث تقدم معين في بدء العمل في عدة مشاريع بنى تحتية للمدى البعيد، بينها وصل أنبوب مياه إضافي، والتحضير لوصل خط الكهرباء 161.
كل ذلك يوفر أسباباً لـ “حماس” لمواصلة الامتناع من اندلاع مواجهة عسكرية واسعة. السؤال الأساسي سيكون في هذه المرحلة هل هذه التسهيلات تكفي الجمهور الغزاوي، أم أن خيبة الأمل من عدم تحقيق المبادرات أوسع بكثير- والتي جزء منها عالق بسبب النفق المسدود الذي وصلت إليه المفاوضات بشأن استعادة المخطوفين وجثامين الجنود –ستؤدي إلى موجة واسعة من محاولات هجمات. في هذه الحالة، وسواء تسيطر “حماس” على ذلك أم لا، النتيجة يمكن أن تكون الانزلاق إلى مواجهة.

المصدر: صحيفة هآرتس الاسرائيلية – عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية

Optimized by Optimole