هآرتس: إيران والدول العظمى استنفدت رافعات الضغط في طريق عودتها إلى الدبلوماسية النووية

Spread the love

تسفي برئيل – محلل سياسي اسرائيلي/

أثنت وزارة الخارجية الأميركية على القرار الذي اتخذته ثلاث دول أوروبية – بريطانيا، فرنسا، وألمانيا – البدء بآلية فض النزاع النووي مع إيران. بحسب واشنطن، هذه الآلية التي نص عليها الاتفاق النووي، العائد إلى سنة 2015، يمكن أن تؤدي في النهاية إلى إعادة العقوبات الدولية المفروضة على إيران، أو على الأقل إعادتها إلى الوضع الذي كان قائماً قبل بداية خرق الاتفاق في أيار/مايو. لكن الولايات المتحدة “نسيت” أن من بدأ بعملية خرق الاتفاق هو تحديداً دونالد ترامب، عندما انسحب من الاتفاق النووي، والتفكير في إعادة إيران إلى الوراء ليس سوى اعتراف بأهمية الاتفاق النووي كأداة كبح لسلاح نووي إيراني.
في هذا السياق، من المفيد النظر إلى تقدير الاستخبارات الإسرائيلية، القائل إنه خلال سنة، سيكون لدى إيران ما يكفي من اليورانيوم المخصب لإنتاج قنبلة نووية واحدة، وبعد سنة – لبناء صاروخ قادر على حمل رأس سلاح نووي “إذا قررت ذلك”. أيضاً يؤكد هذا التقدير أنه لو التزم ترامب بالاتفاق النووي، فإن الفترة الزمنية التي كانت تمنع طهران من البدء بإنتاج يورانيوم مخصب إلى درجة عسكرية هي على الأقل عشر سنوات، وليس سنة واحدة. أي الفترة الزمنية التي كان يمكن أن تتيح التوصل إلى اتفاقات إضافية معها، ربما أيضاً في مجال إنتاج الصواريخ الباليستية.
من بداية العملية الدبلوماسية لحل النزاع، لدى الدول الخمس العظمى التي وقّعت الاتفاق فترة 30 يوماً، يمكن تمديدها إذا تقدمت المفاوضات للتوصل إلى اتفاقات مع إيران بصورة إيجابية. إذا فشلت المفاوضات، تستطيع الدول الموقّعة، معاً أو منفردة، التوجه إلى مجلس الأمن في الأمم المتحدة، والمطالبة بإعادة فرض العقوبات الدولية على إيران. سيناريوهات المفاوضات يمكن أن تتأرجح بين رفض إيران إجراء اتصالات قبل رفع العقوبات المفروضة عليها (وبذلك تحسم الجمهورية الإسلامية مصير العملية الدبلوماسية)، وبين الاستعداد للبدء بمفاوضات، وحتى كبح الاستمرار في تخصيب اليورانيوم فترة محددة، لإظهار حسن نواياها من أجل التوصل إلى اتفاق (وبذلك تتوقف النية بالتوجه إلى مجلس الأمن فترة طويلة).
عندما أعلنت إيران مؤخراً الدفعة الخامسة من خرق الاتفاق النووي، أوضحت أنها من الآن فصاعداً، ستكون حرة في تخصيب اليورانيوم بكميات ونوعية “تلبي حاجاتها”. لكنها لم توضح إذا كانت نيتها تخصيب اليورانيوم من أجل احتياجات البحث والتطوير. طهران هددت فعلاً بأنها قادرة على التخصيب على درجة 20% التي تُعتبر العتبة الدنيا للتخصيب من أجل الحاجات العسكرية (التي تتطلب يورانيوم مخصباً من درجة تفوق 90%)، لكنها لم تُشر رسمياً إلى الدرجة والكمية اللتين تسعى لهما.
هذه التصريحات يمكن أن تلمح إلى أن إيران لا تزال تستخدم التهديد بتخصيب اليورانيوم فقط كرافعة ضغط دبلوماسية لتحقيق هدفها – رفع العقوبات الأميركية المفروضة عليها.
السؤال الأساسي هو هل ستتراجع إيران عن مطلبها النهائي الذي قدمته حتى الآن، وهو أن رفع العقوبات فقط هو ما سيدفعها إلى إجراء مفاوضات مع الدول التي وقّعت الاتفاق. يبدو أن إيران استنتجت أن جهودها للتفريق بين الولايات المتحدة وبين الدول الأوروبية قد فشلت. إعلان الدول الأوروبية نيتها البدء بعملية حل الخلاف، أيضاً، حتى لو أنها تنوي من خلال ذلك دفع إيران إلى العودة إلى المفاوضات، جمع مجدداً بين الولايات المتحدة وأوروبا.
سلسلة الخروقات للاتفاق النووي هي أيضاً لم تثمر النتيجة المأمولة منها. أمام إيران اليوم معضلة مزدوجة؛ استراتيجية وسياسية. من الناحية الاستراتيجية، يجب على إيران أن تقرر ما إذا كانت قادرة على مواجهة عقوبات أوروبية كاملة وعودة عقوبات دولية صارمة فُرضت عليها قبل الاتفاق، بينما وضعها الاقتصادي هش، مع أنه ما يزال غير منهار؛ وهل تطوير سلاح نووي هو هدف حيوي ووجودي، وهل الاستمرار في تطوير مشروع الصواريخ الباليستية هو ضرورة عسكرية لا يمكن التنازل عنها. من الناحية السياسية، تعرف إيران تأثير العقوبات في التمرد المدني الذي لم يهدأ. حتى لو كان النظام مقتنع بأنه قادر على الاستمرار في قمع الاحتجاج، فإنه سيضطر أيضاً إلى أن يدفع ثمناً حقيقياً من أجل تلبية مطالب الجمهور.
علناً، هناك على ما يبدو وحدة في الآراء بين زعماء النظام في إيران بشأن ضرورة “الصمود بقوة” في وجه الضغط الدولي والاستمرار في “اقتصاد المقاومة” لمواجهة العقوبات. حتى الآن، لا توجد أطراف ذات تأثير في النظام تعارض هذا الخط الذي يفرضه علي خامنئي. لا يزال لدى إيران ملاءة مالية كبيرة تستخدمها في تمويل عملياتها الجارية، بما في ذلك عملياتها في العراق، وسورية، ولبنان، واليمن؛ لكنها هذه السنة أعلنت عن إجراء تقليص في ميزانية وزارة الدفاع والجيش (لكن ليس في ميزانية الحرس الثوري التي تتضمن فيلق القدس). وهي أيضاً ستكون مضطرة إلى تقليصات في دعم [سلع استهلاكية أساسية] في ميزانيات التطوير.
بيْد أن إيران ليست الطرف الوحيد الذي يجب عليه التفكير في دربها. الولايات المتحدة أيضاً استنفدت سلاح العقوبات تقريباً بالكامل، من دون أن تتسبب بانهيار إيران. الخيار العسكري ضد إيران ليس مطروحاً على الطاولة، على الأقل بحسب تصريحات ترامب. ويبدو أنه سيكون مسروراً إذا نجحت الدول الأوروبية في تسوية المشكلة الملتهبة. هذه الدول التي حظيت بحصة الأسد من العقود التي منحتها إياها إيران بعد دخول الاتفاق النووي حيز التنفيذ، تتطلع إلى تنفيذها. ومن أجل تحقيق هدفها ستكون بحاجة إلى إقناع ترامب، الذي هو نفسه يسعى للتوصل إلى مفاوضات مع إيران، بإظهار مرونة كافية لأن تشجع إيران على البدء بالاتصالات، واقتراح مخطط يحافظ على كرامتها ويلبي على الأقل جزءاً من مطالبها الاقتصادية في مجال العقوبات.
من أجل التوصل إلى موافقة إيران على تغييرات أو اتفاق فرعي، لا مفر من الاستمرار في استخدام الاتفاق النووي الأصلي “كمصدر تفويض” لأي تغيير، بحيث تستطيع الادعاء أنها لم تخضع للضغوط. المشكلة ستكون مع الرئيس ترامب الذي يتطلع، على ما يبدو، إلى التوصل إلى اتفاق يحمل اسمه، ويُظهر أن ما تم التوصل إليه هو “اتفاق جديد”. هذه عقبات حساسة يمكن أن تعرقل حدوث المفاوضات. الجانب المتفائل فيها هو أن كل الأطراف يدخلون الآن إلى ساحة دبلوماسية معقدة مع أدوات ضغط أقل من تلك التي كانت لديهم عشية توقيع الاتفاق النووي.

المصدر: صحيفة هآرتس الاسرائيلية – عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية

Optimized by Optimole