مسرحية نتنياهو تؤكد ضرورة حفاظ ترامب على الاتفاق النووي الإيراني

Spread the love

رأت مجلة فورن بوليسي الأميركية أن ما فعله رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من عرض حول مزاعمه بوجود برنامج نووي عسكري سري لإيران، يظهر أهمية الإبقاء على الاتفاق النووي مع إيران لمنعها من السعي لامتلاك أسلحة نووية. والآتي نص المقالة:

كشف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للعالم يوم الاثنين، بصخب كبير، “مجموعة من الوثائق التي حصلت عليها إسرائيل حول تاريخ برنامج الأسلحة النووية الإيراني”. وقد استخدم عرضًا في وزارة الدفاع الإسرائيلية في تل أبيب لتقديم القضية للجمهور ولرئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب كي يتخلى عن الاتفاق النووي الإيراني المعروف باسم خطة العمل المشتركة الشاملة (JCPOA). لكن ما فعله نتنياهو عن غير قصد هو إظهار سبب أهمية خطة العمل المشتركة الشاملة، وأنها يمكن أن تكون أداة فعالة لمنع إيران من متابعة برنامج للأسلحة النووية.

وكان الأساس الذي يستند إليه نتنياهو هو أنه بالعودة سنوات إلى الوراء، نجد أن إيران قد كذبت بشأن برنامجها النووي وسعت سراً إلى إجراء أبحاث في مجال التسلح تسمح لها بتحويل برنامجها النووي المدني الذي يُفترض أنه سلمي إلى برنامج أسلحة. لكن هذا كان معروفًا جيداً سابقاً. فقد أنشأت إيران منشآت سرية لتخصيب اليورانيوم في ناتانز وفوردو، والتي تم كشفها إلى العالم من قبل وكالات الاستخبارات الغربية. وكانت لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية أدلة على أن إيران كانت تبحث في كيفية تحويل المواد الانشطارية من منشآت التخصيب هذه إلى قنبلة نووية. لقد كان بسبب هذا الدليل بالضبط هو أن الولايات المتحدة وشركاءها قد مرروا قرارات عدة من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، ونفذوا عقوبات مدمرة، وابتكروا خطة العمل المشتركة الشاملة التي تضع قيودًا أكثر شدة على برنامج إيران النووي أكثر مما واجهته كعضو في وضعية جيدة في معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية.

ما هو غير واضح الآن هو ما إذا كانت المعلومات الاستخبارية التي جمعها الإسرائيليون تكشف عن معلومات جديدة ومقلقة يجب التحقيق فيها والتحقق منها – أو ما إذا كان كل ذلك تاريخًا قديمًا ومعروفًا. في عام 2007، خلصت وكالة الاستخبارات الأميركية إلى أنه على الرغم من أن إيران لا تزال تسعى إلى التخصيب النووي وتترك لنفسها الخيار لبناء قنبلة نووية، لكنها أوقفت أبحاث التسلح النووي. وكجزء من خطة العمل المشتركة الشاملة (JCPOA) ، عمدت إيران إلى معالجة أبحاث الأسلحة السابقة وذلك لإرضاء الوكالة الدولية للطاقة الذرية وأطراف الاتفاق النووي (بريطانيا والصين وفرنسا وألمانيا وروسيا والولايات المتحدة). السؤال الرئيسي هو ما إذا كانت الكشوف الإسرائيلية تضع هذه الاستنتاجات موضع تساؤل.

إن طريقة الإجابة هي عدم التخلي عن خطة العمل المشتركة الشاملة بل استخدامها. لقد شاركت إسرائيل بالفعل الولايات المتحدة في هذه المواد، وبقدر ما تستطيع من دون أن تشمل مصادر ووسائل، ويجب عليها أن تتشاركها مع بريطانيا وفرنسا وألمانيا والوكالة الدولية للطاقة الذرية. يجب على الخبراء أن يدرسوا هذه المواد، وإذا كانت هناك معلومات جديدة ومقلقة، فيجب على الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن تسعى للحصول على إجابات من إيران.

وبموجب خطة العمل المشتركة الشاملة والبروتوكول الإضافي، الذي تلتزم به إيران الآن بشكل مؤقت كجزء من الخطة العمل، يمكن للوكالة الدولية للطاقة الذرية أن تطلب الوصول إلى أي منشأة في إيران. ولكن لا يمكنها أن تطلب الوصول إليها بشكل عشوائي من دون سبب وجيه. فهي تحتاج إلى دليل يثير أسئلة مشروعة تتطلب منها تفتيش منشأة ما. وإذا الوثائق التي قدمها الإسرائيليون أثارت شكوكاً جديدة حول مواقع وأنشطة لم تكن معروفة من قبل، فعلى الوكالة الدولية أن تطلب رؤيتها.

إذا لم تلتزم إيران بطلب الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فيمكن نقل النزاع إلى اللجنة المشتركة المسؤولة عن تنفيذ الاتفاق النووي، حيث تتمتع الولايات المتحدة وشركاؤها بأغلبية الأصوات. وإذا ظلت إيران ترفض الامتثال، فيمكن للولايات المتحدة وشركائها الانسحاب من الصفقة وإعادة فرض العقوبات عليها من خلال مجلس الأمن الدولي. في الواقع، إذا كشفت الاستخبارات الإسرائيلية عن انتهاكات جديدة كبيرة لإيران، فإن استخدام الأدوات المتاحة داخل خطة العمل المشتركة الشاملة سيكون أفضل وسيلة لجعل إيران إما أن تقر بذلك أو تولّد الوحدة الدولية الضرورية لإعادة تطبيق أنواع العقوبات المعوّقة التي دفعت إيران إلى طاولة المفاوضات بداية.

ولكن إذا استخدمت إدارة ترامب بدلاً من ذلك عرض نتنياهو كمنطلق للتخلي من جانب واحد عن الصفقة من دون المرور عبر هذه العملية، فإنها ستجد نفسها معزولة. سوف يستنتج العديد من شركاء الولايات المتحدة أن عرض نتنياهو كان مجرد حيلة ساخرة لقتل خطة العمل المشتركة الشاملة. سيؤدي ائتلاف دولي ممزق إلى تنفيذ عقوبات متفاوتة، لن تؤدي إلى فرض العقوبات المعوقة اللازمة لتغيير حسابات إيران.

يواجه نتنياهو وترامب مهمة صعبة وكبيرة إذا ما أرادا إقناع العالم بخطورة مزاعمهما. أولاً، إن كشف نتنياهو عن كل هذه المعلومات من خلال وقت الذروة الذي يستهدف الجمهور الإسرائيلي، من دون أن يتقاسمه أولاً مع شركاء أوروبيين أساسيين يحتاجون إلى الوقوف مع إسرائيل والولايات المتحدة، يثير شكوكاً بشكل تلقائي، وخاصة في ضوء توقيت الكشف، وذلك قبل أيام فقط من الموعد النهائي الذي حدده ترامب في 12 أيار / مايو الحالي لاتخاذ قرار إذا ما كان سيبقى في الصفقة أم لا. بالتأكيد يظهر ذلك أنه تم لدوافع سياسية.

كما أن ذلك يتناقض بشكل حاد مع الكيفية التي عالجت بها كل من إدارة الرئسين باراك أوباما وجورج دبليو بوش معلومات الاستخبارات حول منشأة سرية في فوردو، اكتشفت في عام 2007 وتوقفت في عام 2009. فبدلاً من الإسراع في نشر المعلومات علناً، قامتا بمشاركتها أولاً مع الحلفاء الأوروبيين. وعندما كان الوقت مناسباً، كشف الرئيس باراك أوباما، ذلك للعالم، وهو يقف إلى جانب الرئيس الفرنسي ورئيس الوزراء البريطاني. في ذلك الوقت، كانت المعلومات محرجة للغاية بالنسبة للروس، الذين كانوا يحمون إيران من مزيد من العقوبات في مجلس الأمن الدولي، وقد ساعدت على إطلاق المفاوضات التي أدت في النهاية إلى القرار 1929، الذي أصبح لبنة أساسية في العقوبات القوية التي فرضت لاحقاً على إيران.

لقد قامت إدارة ترامب بعمل فظيع في اعتماد خطاب نتنياهو، فأصدرت بياناً صحافياً زعمت فيه أن “إيران لديها برنامج سلاح نووي سري وفعال”. إذا كان هذا صحيحاً، فسيكون ذلك انتهاكًا كبيرًا وبالتأكيد سببًا لإنهاء خطة العمل المشتركة الشاملة (JCPOA)، إذا لم يتم التفكير في عمل عسكري. ولكن هذا ليس صحيحاً. وبعد بضع ساعات، تراجع البيت الأبيض عن البيان الذي اعترف فيه بأنه كان يعني أنه كان لديها برنامج سلاح نووي سري وليس لديها الآن. في هذه الحالة، قد يعني هذا الخطأ الفرق بين الحرب والسلام. والحاجة من قبل البيت الأبيض لإصدار مثل هذا التصحيح المهم والأساسي تقوّض تماماً مصداقيته.

كان أداء وزير الخارجية مايك بومبيو أفضل، فأصدر بيانًا يقول إن خطة العمل المشتركة الشاملة ما كان ينبغي لها أن تسمح لإيران بتجنب الخروج نظيفة بشكل كامل من الأبعاد العسكرية المحتملة لبرنامجها النووي. هذا نقد مشروع، على الرغم من أن مسؤولي إدارة أوباما قد اعترفوا منذ فترة طويلة بأن هذه كانت نقطة ضعف في الاتفاق. ومع ذلك، شعروا بأن المسألة تستحق أولوية أقل لأن هناك بالفعل الكثير من المعلومات الاستخباراتية بشأن مسألة الأنشطة العسكرية لإيران، والحاجة الملحة إلى وقف برنامج التخصيب النووي المستمر. ولكن، مجدداً، فإن أفضل طريقة للتعامل مع نقد بومبيو لا تتمثل في التخلي عن خطة العمل المشتركة الشاملة بل في استخدام أدواتها والمعلومات الجديدة التي اكتشفتها إسرائيل للضغط على إيران.

لكن، قد تكون المشكلة الأساسية في هذه الواقعة برّمتها هي أن من الصعب حقاً الوثوق بنتنياهو أو ترامب. لقد استخدم نتنياهو مراراً وتكراراً غلوًا بينما كان يرفع التهديد الذي تشكله إيران فقط ليثبت خطأه. أما بالنسبة لترامب، فهو يكذب يومياً في أمور كبيرة وصغيرة، والكثيرون في إدارته يتبعون قيادة الرئيس، مما يضر بمصداقيتهم بشدة. الآن سيطلب الرئيس وفريقه من الجمهور والمجتمع الدولي منحهم منفعة الشك في مسألة حساسة ومثيرة للجدل حول الأمن القومي عندما تكون الحقائق غير واضحة والمعلومات الاستخباراتية غامضة. ببساطة لا يوجد شيء فعله ترامب في السنوات الأخيرة لكسب هذه المنفعة.

ترجمة: الميادين نت

Optimized by Optimole