مباط عال: قبيل نشر خطة ترامب: ماذا بعد؟

مباط عال: قبيل نشر خطة ترامب: ماذا بعد؟
Spread the love

عاموس يادلين – مدير معهد دراسات الأمن القومي/

توقيت دعوة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ورئيس كتلة “أزرق أبيض” رئيس المعارضة بني غانتس إلى البيت الأبيض، كجزء من إطلاق “صفقة القرن” التي وضعها الرئيس دونالد ترامب، تقرر لأسباب سياسية أميركية وإسرائيلية في آن معاً. مع ذلك، علاوة على هذه الاعتبارات، يوجد موضوع جوهري – النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني. ونظراً إلى أن المقصود أحد الموضوعات الأساسية في السياسة الإسرائيلية، من المهم تحليل دلالات محتملة للخطة، وتقدير انعكاساتها على العملية السياسية وإمكانات الدفع قدماً بحل للنزاع، وأيضاً البحث في خطوات مقبلة – بعد نشر “صفقة القرن”.
على الرغم من أن الخطة لم تُنشر رسمياً، ثمة أساس لتقدير حذر للأبعاد الأساسية في خطة ترامب من أجل التوصل إلى تسوية إسرائيلية – فلسطينية:
ضمان المكونات الضرورية لأمن إسرائيل: سيطرة إسرائيلية على غور الأردن، الإبقاء على مواقع استراتيجية، استمرار السيطرة الإسرائيلية على المجال الجوي والإلكترومغناطيسي، نزع السلاح من الدولة الفلسطينية وتطبيق قواعد عمل تسمح للجيش الإسرائيلي بمحاربة الإرهاب في كل المناطق الواقعة غربي نهر الأردن. في هذا السياق، ستسيطر إسرائيل أمنياً على كل الغلاف المحيط بالدولة الفلسطينية، وعلى كل معابر الحدود.
إقامة دولة فلسطينية بعد 4 سنوات، مع مراعاة تلبية شروط مسبقة: الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية عاصمتها القدس، تفكيك البنية التحتية والقدرات العسكرية لـ” حماس”.
القدس ستبقى تحت السيطرة الإسرائيلية في خط الجدار الأمني، الأمر الذي سيضع عدداً من الأحياء العربية خارج نطاق بلدية القدس. سيكون هناك وجود فلسطيني رمزي في القدس يشمل الوصول إلى الأماكن المقدسة وتحديد العاصمة الفلسطينية في شرقي المدينة.
الخطة لا تعترف بحق العودة إلى أراضي إسرائيل، لكن من المحتمل أن تتضمن عودة رمزية محدودة ومراقبة للاجئين إلى أراضي السلطة الفلسطينية. الأغلبية الساحقة من اللاجئين سيجري التعويض عليها في أماكن سكنها الحالي.
عدم إخلاء مستوطنات؛ ليس واضحاً ما إذا كان المقصود الأراضي الواقعة ضمن صلاحية المستوطنات أو منطقتها المبنية. سيجري إخلاء المواقع غير القانونية، والمقصود 10 آلاف مستوطن، ينتمون، في أغلبيتهم، إلى الجناح الأكثر تطرفاً.
الحدود: نحو 40% من أراضي المنطقة ج ستُنقل إلى إسرائيل.
سيحصل الفلسطينيون على تعويض جغرافي بحجم مهم، لكن ليس بحجم واحد في مقابل واحد، في منطقة غربي النقب.

سيبقى ممران إسرائيليان من الخط الأخضر إلى غور الأردن: الطريق 5 والطريق 1.

من أجل دعم بناء كيان فلسطيني مستقل ومسؤول، ستنفّذ في أراضي السلطة الفلسطينية عمليات تطوير واسعة الحجم تقدر بعشرات مليارات الدولارات في مجالي البنى التحتية والاقتصاد – بما يتلاءم مع المبادىء التي قُدمت في المؤتمر الاقتصادي الذي عُقد في البحرين. بين أهداف هذه الخطة الطموحة: مضاعفة الناتج المحلي الفلسطيني، إيجاد مليون وظيفة، تقليص البطالة لنسبة أقل من عشرة بالمئة خلال عقد، وغير ذلك.
توظيف موارد في مجالات حكم السلطة الفلسطينية: مشاريع في البنى التحتية، وفي الصحة، والقضاء، والتعليم، والعمالة وغيرها.
إنشاء صندوق استثمارات دولية مقداره 50 مليار دولار، بينها 28 ملياراً تُخصَّص للاستثمار في أراضي السلطة نفسها، والباقي في الدول المجاورة، بهدف دفعها إلى تأييد الخطة: 7.5 مليارات في الأردن، و9 مليارات في مصر، و6.5 مليارات في لبنان.
من هذه الأبعاد المركزية للخطة تبرز 8 تبصرات مركزية:

الخطة، بمكوناتها الأساسية، هي أفضل ما قدمه طرف دولي إلى إسرائيل على الإطلاق. فيما يتعلق بالمسائل الجوهرية للنزاع – حدود، أمن، وضع القدس، وطريقة حل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين- تستند الخطة إلى خطوط توجيهية ومبادىء مريحة جداً بالنسبة إلى إسرائيل أكثر من تلك التي وضعتها إدارات بيل كلينتون، وجورج دبليو بوش، وباراك أوباما.
تعترف الخطة بتطورات الوضع في ساحة النزاع، وخصوصاً في الضفة الغربية منذ التسعينيات، وتوضح للفلسطينيين أن الزمن لا يعمل لمصلحتهم.
ج- مع ذلك، من الواضح أن الخطة لن تؤدي إلى السلام، وحتى لن تُستخدم كأساس لمفاوضات إسرائيلية – فلسطينية في المستقبل القريب. الجانب الفلسطيني هو في حالة قطيعة مستمرة مع الإدارة الأميركية، ولم يشارك في بلورة الخطة خلال العام ونصف العام الأخيرين، ولقد رفضها رفضاً قاطعاً حتى قبل نشرها.

د- لا يوجد اليوم توافق إسرائيلي – فلسطيني بشأن ظروف العودة إلى مفاوضات مباشرة، وبالتالي لا توجد اليوم ظروف لإنجاح مفاوضات مباشرة بشأن حل دائم يقوم على حل الدولتين. وتفتقر القيادتان الإسرائيلية والفلسطينية إلى الدعم الشعبي. وبصورة خاصة عندما يكون المقصود الجانب الفلسطيني، رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس يشارف على نهاية مسيرته السياسية، والمنظومة الفلسطينية نفسها منقسمة بين الضفة الغربية الواقعة تحت سيطرة السلطة الفلسطينية، وبين قطاع غزة تحت سيطرة “حماس”.

ه- الخطة تفترض دعماً عربياً – سياسياً ومالياً – لمبادئها، حتى لو تكن مقبولة بكليتها من الفلسطينيين. لكن في الظروف الحالية، ثمة شك كبير في أن تؤيدها الرياض والقاهرة وعمان.

و- من غير الواضح ما إذا كانت الخطة هي صفقة رزمة سارية المفعول فقط إذا جرت الموافقة على كل مكوناتها، أم ربما من الممكن تنفيذها، بالتدريج، أو بصورة أحادية الجانب، عندما يكون المقصود مكونات ضرورية لإسرائيل. ليس هناك جواب واضح على سؤال ما إذا كان، بالنسبة إلى الإدارة الأميركية، رفض الفلسطينيين الخطة سيسمح تلقائياً لإسرائيل منذ الآن بفرض وقائع على الأرض، واتخاذ خطوات أحادية الجانب.

ز- الخطة يمكن أن تكون نقطة انطلاق للتقدم مستقبلاً نحو حل الدولتين، وردّ على ثلاثة مصادر تخوّف مركزية لإسرائيل: ضمان مستقبلها كدولة يهودية، ديمقراطية وآمنة، ضمن الأبعاد المقبولة من أغلبية الإسرائيليين.

ح- إعادة الموضوع الفلسطيني إلى مقدمة المسرح ليس مصلحة إسرائيلية. يجب أن تعطي إسرائيل اهتمامها لاستمرار التركيز على التهديدات الأمنية المركزية التي تتعرض لها ومصدرها إيران: المشروع النووي، التمركز الإيراني في سورية ومشروع الصواريخ الدقيقة في لبنان. يتعين على إسرائيل ألّا تسمح للولايات المتحدة، وخصوصاً للمجتمع الدولي، بتهميش جدول أعمال هذه الموضوعات التي تُعتبر الأكثر إلحاحاً وأهمية للأمن القومي للدولة.

على الرغم من الرفض الفلسطيني لمناقشة خطة ترامب، وعلى الرغم من الصمت في العالم العربي، والتنديدات المتوقعة من العواصم الأوروبية – حسناً تفعل إسرائيل إذا تبنت من حيث المبدأ الخطة كأساس لحل النزاع في المستقبل. لكن ذلك لن يكون كافياً. من الواضح أن الخطة لا تدفع قدماً باتفاق مع الفلسطينيين، وأيضاً على افتراض أن الانتخابات المقبلة للكنيست في إسرائيل ستؤدي إلى قيام حكومة في القدس، يُطرح السؤال: إلى أين نتقدم من هنا؟
السياسة الإسرائيلية الحالية، المسماة خطأ “الستاتيكو”، إشكالية جداً. ذلك بأنها تؤدي بالتدريج إلى واقع دولة واحدة بين البحر المتوسط ونهر الأردن، دولة ستكون غير يهودية أو غير ديمقراطية. من المتوقع أن يستغل اليمين المتطرف في إسرائيل الرفض الفلسطيني حتى لبحث خطة ترامب، من أجل محاولة تحقيق خطوة ضم غور الأردن ومناطق ج- وهذه خطوة خطرة ومتهورة، وكثيرة الانعكاسات السلبية: انهيار اتفاقيات السلام مع الأردن ومصر، والتي تشكل أرصدة استراتيجية للأمن القومي؛ إشعال تصعيد في الضفة الغربية وفي قطاع غزة؛ جر إسرائيل إلى مواجهة سياسية مع المجتمع الدولي ومع الحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة؛ تشجيع خطوات ضد إسرائيل في محكمة الجنايات الدولية في لاهاي. كل ذلك، مع تحويل الانتباه الدولي عن المكان الصحيح الموجودة فيه الآن – إيران.

المصدر: مجلة مباط عال الاسرائيلية _ عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية

Optimized by Optimole