مباط عال: عُمان مع نهاية عهد قابوس

Spread the love

يوئيل غوزنسكي وإفرايم هليفي – باحثان في معهد دراسات الأمن القومي/

الفترة التي حكم فيها السلطان قابوس هي من أطول فترات الحكم مقارنة بحكام عرب آخرين. فقد وصل إلى السلطة في سنة 1970، بعد أن أجبر والده على الاستقالة من منصبه، بمساعدة مجموعة ضباط بريطانيين متقاعدين عملت بطلب من تيار مركزي في حزب المحافظين في لندن. في تلك الفترة نجح الاتحاد السوفياتي في زرع وتد في اليمن، وساعد في قيام الجمهورية الديمقراطية الشعبية. هذا الكيان سارع إلى تقديم المساعدة إلى الثورة الشعبية في إقليم ظفار جنوب عُمان. لكن بريطانيا تخوفت من أن يكون لهذه الخطوة تأثير الدومينو وتؤدي إلى سيطرة الاتحاد السوفياتي على شبه الجزيرة العربية، بما في ذلك مضائق هرمز – المعبر البحري الأهم في العالم. في الستينيات عملت مجموعة ضباط بريطانيين في اليمن بمساعدة إسرائيل التي أسقطت من الجو 14 شحنة سلاح للقوات الملكية في اليمن، لمساعدتهم في صراعهم ضد الجمهوريين – الذين كانوا، من جهتهم، مدعومين من قوة مصرية (الفشل المصري في اليمن كان له تأثير معنوي قاس على الجيش المصري، تجلى في حرب الأيام الستة في سنة 1967).
أمسك قابوس بكل الوزارات المركزية في حكومة عُمان، من هنا القلق على الاستقرار السياسي للسلطنة. بالإضافة إلى ذلك، كثيرون من سكان عُمان الذين وُلدوا بعد وصول قابوس إلى الحكم، ربطوا بينه وبين السلطنة. الشعبية التي حظي بها طوال فترة حكمه كانت أيضاً بفضل نجاحه في إنقاذ الدولة من عزلة دولية وضعف اقتصادي. عندما تولى الحكم كان في عُمان ثلاث مدارس و10 كيلومترات فقط من الطرقات المعبدة.
بخلاف الملوك الآخرين في الخليج، لم يترك قابوس ذرية وليس له أخوة. أحد الأسباب الذي جعل قابوس لا يذكر اسم وريثه خلال حياته، على ما يبدو، مرتبط بخلاف بين أقربائه في هذا الموضوع، وخوفه من أزمة سياسية. يبدو أن العائلة لم تتوصل إلى اتفاق في هذا الشأن، لذلك بعد موت قابوس، بحسب القانون، فُتحت رسالة كانت محفوظة وتضمنت اسم الوريث – ابن عمه هيثم الذي يبلغ الخامسة والستين من العمر، وكان وزيراً للثقافة والتراث. يظهر أن هيثم يحظى بتأييد، لكن أيضاً نشوب أزمة سياسية هو احتمال يجب أخذه في الحسبان، كما يمكن أن تنشب صراعات بين فروع العائلة المتعددة، أو بين العائلة والجيش.

عُمان وإسرائيل

مع وصول قابوس إلى السلطة، بادر البريطانيون إلى إقامة صلة بين إسرائيل وعُمان التي كانت تواجه في تلك الفترة غزواً يمنياً في ظفار جنوب السلطنة. أُضيفت إلى المساعدة البريطانية والإيرانية (في أيام حكم الشاه، قبل الثورة الإسلامية)، استشارة عسكرية وسياسية إسرائيلية، وأيضاً مساعدة إسرائيل لحل مشكلة النقص في المياه في السلطنة.
بعد نحو عشرين عاماً من العلاقات السرية والحساسة بين عُمان وإسرائيل، حدثت انعطافة إيجابية في العلاقات، مع توقيع اتفاق السلام بين الأردن وإسرائيل في سنة 1994. رئيس الحكومة، يتسحاق رابين، الذي أراد أن يضفي مسحة إقليمية على اتفاق تاريخي، قام في تلك السنة بزيارة عُمان في رحلة جوية مباشرة من تل أبيب. الإعلان عن الزيارة واللقاء بين رابين وقابوس جرى باتفاق الطرفين. كانت عُمان أول دولة في الخليج وافقت على إقامة ممثلية دبلوماسية إسرائيلية. بعدها أقيمت ممثليات في دول أُخرى في المنطقة، لكن هذه الاندفاعة كُبحت إلى حد كبير في العقد الأول والثاني من القرن الـ21، بين أمور أُخر، بسبب الجمود السياسي على المسار الإسرائيلي – الفلسطيني. مع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن عدداً من دول الخليج تسمح اليوم بقيام تعاون اقتصادي وتجاري مع أطراف إسرائيلية، وكذلك مشاركة إسرائيلية في مناسبات رياضية ومؤتمرات دولية تقام على أراضيها. وللرائدة عُمان دور كبير في هذه التطورات.
كان لعُمان دور أيضاً في مبادرة السلام السعودية العائدة إلى سنة 2002، والتي صدرت بمبادرة من ولي العهد السعودي آنذاك عبد الله بن عبد العزيز الذي قدّم تفصيلات السلام والتطبيع العربي مع إسرائيل (بواسطة الصحافي توماس فريدمان). أرسل السعوديون رسالة إلى رئيس الحكومة أريئيل شارون بواسطة عُمان، مرفقة بطلب ألّا ترفض إسرائيل فوراً المبادرة. استجاب رئيس الحكومة شارون لذلك، وفقط قال إنه لن يرد على مقابلات صحافية.
رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو قام بزيارة رسمية إلى مسقط في سنة 2018، وقيل إنه ذهب إلى هناك من خلال العبور في المجال الجوي السعودي. في المحادثات التي جرت بين نتنياهو وقابوس نوقش مجمل الموضوع الفلسطيني، لكن المضيف العُماني لم يضغط على إسرائيل في هذا الشأن. أمام مندوب فلسطيني في مناسبة جرت بعد زيارة نتنياهو، قال الناطق العُماني إنه نظراً إلى عدم نجاح الفلسطينيين في الدفع قدماً بحججهم في مواجهة إسرائيل منذ 70 عاماً، من الأفضل لهم أن يبحثوا عن صيغ أُخرى تكون منسجمة مع روح العصر: وقال لهم Think Of Something Else.
يتمتع هيثم بتجربة اقتصادية معينة (كان رئيس لجنة “رؤية عُمان 2040”) وشارك في العمل الدبلوماسي عندما كان مديراً لوزارة الخارجية. بالإضافة إلى ذلك، هو يتمتع بشرعية لا بأس بها لأن قابوس اختاره. لكنه يتولى منصب السلطان بعد أن بلور قابوس الدولة على صورته طوال 50 عاماً. لقد فُضّل هيثم على شقيقه أسد الذي عُين نائباً لرئيس الحكومة في سنة 2017، واعتبره كثيرون حينها كوريث لقابوس. في خطابه الأول كسلطان، تعهد هيثم مواصلة درب قابوس، وتطوير الدولة وإبقاء السياسة الخارجية الخاصة للسلطنة على ما هي عليه. يجدر التشديد على أن هيثم تولى منصبه الرفيع في وقت ازدادت التوترات في الخليج بين الولايات المتحدة وإيران، لذلك يبدو أن هناك حاجة في الوقت الحالي إلى وساطة عُمانية أكثر من أي وقت آخر. من المعقول أن يسير السلطان هيثم على خطى سابقه ويواصل المحافظة على علاقات مقربة مع إيران من جهة، وفي الوقت عينه، على علاقات مع إسرائيل، من جهة أُخرى. لكن قبل كل شيء، سيتعين عليه أن يرسخ سلطته، وأن يواجه التحديات الاقتصادية والسياسية التي تواجهها السلطنة.

المصدر: مجلة مباط عال الاسرائيلية – عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية

Optimized by Optimole