قمة ترامب – بوتين: التركيز على الحوار وليس على النتائج

Spread the love

بقلم إلداد شافيط، تسفي مغين، فيرا شافير وأودي ديكل – باحثون في معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي —

•عقد الرئيس الأميركي دونالد ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين قمة رسمية هي الأولى من نوعها في هلسنكي (16 تموز/يوليو). سبق ذلك لقاءات غير رسمية بين الاثنين جرت على هامش مؤتمرات دولية (في هامبورغ في تموز/يوليو 2017؛ وفي فييتنام في تشرين الثاني/نوفمبر 2017). منذ بداية ولاية الرئيس ترامب تمر العلاقات بين الدولتين بأزمة مستمرة، سواء على خلفية خلافات سياسية (بدأت خلال ولاية الإدارة الأميركية السابقة)، وخصوصاً العقوبات الدولية التي فُرضت على روسيا في أعقاب غزوها شبه جزيرة القرم، أو على خلفية اتهام روسيا بالتدخل في الانتخابات الرئاسية الأميركية.

•في خلفية القمة، تقلل الساحة الدولية منذ بداية ولاية الرئيس ترامب، والذي كانت نتيجته زعزعة الأسس التقليدية التي ارتكزت عليها في السنوات الأخيرة بسبب قرارات ترامب بالانسحاب من التزامات دولية كثيرة أخذتها الإدارة الأميركية السابقة على عاتقها، و”حروب التجارة” التي يخوضها ترامب، وصراعه ضد حلفاء الولايات المتحدة التقليديين في أوروبا، الذين وصفهم بـ”العدو”. نتيجة ذلك يُتهم ترامب بأنه يُضعف الغرب في مواجهة التهديد الروسي.

•في المقابل، ترامب، الذي اعترف بأنه من الأسهل عليه التحاور مع بوتين، يطمح منذ زمن بعيد، لكن من دون أن ينجح حتى الآن إلى جعل علاقته ببوتين أكثر حميمية، لأنه وبوتين بحسب كلامه زعيمان “قويان”، و”حازمان” وفي إمكانهما معاً الدفع قدماً بنظام جديد على الساحة الدولية، من فوق رؤوس الزعماء الآخرين. من مصلحة الإدارة الأميركية وترامب شخصياً أن يُظهرا أن اللقاء حقق نجاحات لاستخدامها حجّة ضد هؤلاء، ولا سيما في الداخل، ضد الذين يدّعون أن ظل التحقيقات الجارية في الولايات المتحدة، يمنعهم من تحسين العلاقات بين الدولتين والدفع بها قدماً. ومع ذلك، يبدو أن الرئيس ترامب، عندما حصل على تكذيبات من الرئيس بوتين بشأن موضوع تدخّله في الانتخابات الأميركية، بخلاف ما توصلت إليه أجهزة الاستخبارات الأميركية، فإنه قد زاد معارضي تحسين العلاقات بروسيا، بما في ذلك في أوساط ذات نفوذ في الحزب الجمهوري، وبذلك قلّص من هامش المناورة للإدارة الأميركية.

•على أي حال، كان واضحاً حتى قبل القمة ما هو الثمن الذي سيطالب به الرئيس بوتين رداً على مطالب الولايات المتحدة. ويبدو أن بوتين أراد استغلال القمة من أجل تحريك مسار يؤدي إلى تفاهمات في عدد من الموضوعات، بينها عدم التدخل في الشؤون الداخلية الروسية، وفرض قيود على قوات حلف شمال الأطلسي ومناوراتها في أوروبا الشرقية، والتسوية في سورية، والاعتراف بالنفوذ الروسي المتصاعد في هذه الدولة وبقاء نظام الأسد على حاله، والتوصل إلى عقد “صفقة كبرى” (Grand Bargain) بين الدولتين. جزء من تصريحات الرئيس ترامب عشية القمة بشأن قضايا لها علاقة بأوروبا وبحلف شمال الأطلسي استقبلتها موسكو بإيجابية، وخصوصاً الحديث عن الخروج المحتمل للقوات الأميركية من أوروبا، وتقليص المناورات المشتركة، وغيرها. يُضاف إلى هذا تلميحات بشأن “حلول مبتكرة” تتعلق بمشكلة القرم (اعتراف de facto/ “أمر واقع”) وتخفيف العقوبات [المفروضة على روسيا] بالتدريج. وفي الواقع، من الصعب في هذه المرحلة الإشارة إلى إنجازات واضحة بالنسبة إلى روسيا نتيجة القمة، وخاصة فيما يتعلق بمصالحها في أوروبا الشرقية.

•عشية القمة لم يُنشر جدول أعمال رسمي، ويبدو أن الحوار بين الزعيمين تأثر بصورة أساسية بقدرتهما على المناورة في مواجهة التحديات التي يواجهانها، بحيث يمكن لكل منهما في النهاية الإشارة إلى أهمية استمرار العلاقة بينهما ومساهمتها في مصالح الدولتين. ويبدو أن سلسلة طويلة من المسائل الثنائية والدولية، وتلك التي لها علاقة بالشرق الأوسط، طُرحت في الاجتماع على الطاولة، ومع ذلك لم يأتِ في بيان الزعيمين في المؤتمر الصحافي الذي عُقد في نهاية القمة ذكر للتوصل إلى اتفاقات، وكان التشديد في كلامهما بصورة خاصة على أهمية الحوار بينهما بحد ذاته.

•في المشكلة السورية، أشار الرئيس بوتين إلى أنه وافق مع الرئيس ترامب على ضمان أمن إسرائيل من خلال التمسك بتطبيق اتفاق فصل القوات على الحدود مع سورية العائد إلى سنة 1974. ومع ذلك، لم يُقدم حتى الآن أي اتفاق/تفاهم ملموس بشأن إخراج القوات والقدرات العسكرية الإيرانية من سورية.

•ويجب التشديد على أن الحديث جرى قبل القمة عن اهتمام الإدارة الأميركية بصورة خاصة بالحصول على تعهد من الروس بالعمل على تقليص القوات الإيرانية في سورية، وفي المقابل تكون الإدارة مستعدة للاعتراف باستمرار نظام الأسد كأمر واقع، كما في الإمكان أيضاً الدفع قدماً بخروج قوات عسكرية أميركية من سورية. من جهتها، عبّرت روسيا عن استعداد أكبر للدفع قدماً للتوصل إلى تفاهمات في إطار قضايا أساسية بالنسبة إلى الولايات المتحدة، بما فيها القضية الإيرانية. وذلك لأنه من الواضح بالنسبة إلى بوتين أنه من دون التوصل إلى تفاهمات بشأن هذه القضايا، من المتوقع أن تغرق روسيا أكثر فأكثر في الوحل السوري، الذي تغوص فيه منذ ثلاث سنوات، من دون أن تنجح في تحويل تدخُّلها في سورية إلى إنجازات على الساحة الدولية.

•على الرغم من الاهتمام الروسي المبدئي بإخراج القوات الإيرانية من سورية، فإن تحقيق هذا الهدف يجب أن يُفحص أيضاً بالنسبة إلى المصلحة الروسية، وبالتأكيد مصلحة الرئيس الأسد والإيرانيين على المدى القصير، وبالنسبة إلى الاستمرار في تعزيز سيطرة النظام على شتى أنحاء الدولة وخصوصاً في الجنوب، وعلى المدى البعيد، من أجل المحافظة على النفوذ الروسي المتزايد في سورية. على هذه الخلفية، من الصعب حتى الساعة رؤية رغبة وإرادة روسيتين حقيقيتين لمنع تمركز إيران والمنظمات الدائرة في فلكها في جنوب سورية. ويجب أن نتوقع أيضاً أن إيران، التي تعرف المعركة التي تخوضها إسرائيل ضدها والفجوات بين مواقفها ومواقف موسكو، لا تنوي التخلي عن هدف توسيع تمركزها العسكري في سورية. وتبرز في هذا السياق الأخبار بشأن دمج الميليشيات الشيعية ضمن قوات الجيش السوري والميليشيات السورية الخاضعة لنظام الأسد العائدة إلى هضبة الجولان. إن الاتفاقات المحتملة بشأن جنوب سورية لا تقدم رداً كافياً على استمرار مساعي إيران في الانتشار في عمق سورية وفي نشر منظمومة أسلحة متقدم هناك. وفي نظرة شاملة إلى الجهود الأميركية في مواجهة إيران، شدد الرئيس الروسي على أن روسيا ستواصل تأييد الاتفاق النووي مع إيران وستعمل مع أوروبا والصين للمحافظة عليه. لكن يمكن الافتراض أنه حتى في هذا الموضوع فإن روسيا مستعدة لإبداء مرونة لقاء تنازلات أميركية في موضوع العقوبات والاعتراف بمكانتها في شبه جزيرة القرم.

الانعكاسات على إسرائيل

•إن احتمال نجاح قمة ترامب – بوتين في إحداث تغيير مهم في ميزان التطورات في سورية ليس كبيراً، وثمة شك كبير في أنها ساهمت في الدفع قدماً بمصلحة إسرائيل الاستراتيجية، أي إبعاد الوجود الإيراني عن سورية. وستضطر إسرائيل إلى استمرار المناورة في مواجهة روسيا، لكن ومن المحتمل أيضاً أن تفعل ذلك في مواجهة الولايات المتحدة، وخصوصاً بشأن مصلحتها في عرقلة خروج متسرع للقوات الأميركية من سورية من دون الحصول على تعهدات بإبعاد الإيرانيين عن أراضي هذه الدولة. أكثر من مرة لم تفِ روسيا بتعهداتها في سورية، وبناء على ذلك من الخطأ بالنسبة إلى الولايات المتحدة سحب قواتها والاعتماد على روسيا قبل اختفاء كل مواقع تنظيم “الدولة الإسلامية” في سورية وقبل الحصول على أدلة واضحة على مغادرة القوات الإيرانية والتنظيمات الدائرة في فلكها الأراضي السورية وتفكُّك البنية التحتية العسكرية ومنظومات الصواريخ الدفاعية الجوية الإيرانية.

•ينص اتفاق فصل القوات بين إسرائيل وسورية الذي ذكره الرئيس بوتين ورئيس الحكومة بنيامين نتنياهو على فرض قيود على حجم القوة البشرية العسكرية، وعدد الدبابات، والمدافع وصواريخ أرض – جو المنتشرة على مسافة 10 و20 و25 كيلومتراَ من الحدود في هضبة الجولان. هذه المسافات صغيرة مقارنة بالمسافة الواردة كجزء من مطالب إسرائيل من الولايات المتحدة بإبعاد القوات الإيرانية إلى 60-80 كيلومتراً من الحدود مع إسرائيل، كما أن العتاد العسكري المسموح بوجوده لا يشمل منظومات السلاح الأساسية التي تقلق إسرائيل.

•على أي حال، أكثر ما تستطيع إسرائيل تحقيقه من خلال هجوم من الجو هو عرقلة وإحباط عملية تمركز إيران في سورية، وضغوط من جانب روسيا، لن تكون كافية من أجل التوصل إلى الإبعاد الكامل للقوات والقدرات الإيرانية من سورية.

•مجمل التفاهمات بين الولايات المتحدة وروسيا بشأن موضوع الوجود الإيراني والتسوية المستقبلية في سورية، بما فيها الانعكاسات على إسرائيل، سيكون في مركز محاولة بعيدة المدى من جانب موسكو للتوصل إلى عقد “صفقة كبرى” بين الدولتين. وفي حال فشلت هذه الصفقة، يستطيع الطرف الروسي الادعاء أن التعهدات التي جرى التوصل إليها في إطار هذه الصفقة لم تعد ملزمة له.

المصدر: مجلة “مباط عال” الإسرائيلية، عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية

Optimized by Optimole