قضية الخاشقجي يجب أن تفتح أعيننا على حقيقة المنطقة

Spread the love

بقلم زلمان شوفال – عضو كنيست إسرائيلي سابق وسفير سابق في واشنطن —

قضية مقتل جمال الخاشقجي قد تنتهي بأسرع مما يعتقد كثيرون. والسبب؟ اللاعبان الرئيسيان، أميركا والسعودية، يريدان ذلك (على الرغم من أن اللاعب الثالث، تركيا، يريد العكس تحديداً). ومع أنه لم تُعرف كل التفاصيل بعد، لم يعد هناك أدنى شك في أن الخاشقجي، المنتقد الحاد لولي العهد السعودي محمد بن سلمان، والمقرّب من الإخوان المسلمين، ومن أولئك في عائلة سعود الذين مس ولي العهد بمكانتهم، قد قُتل لدى دخوله إلى القنصلية السعودية في إستانبول. كل ما عدا ذلك هو إشاعات، وافتراضات، وتسريبات مقصودة.
مع ذلك، فالجريمة ليست حدثاً منفصلاً، لأنه في الأشهر الأخيرة تجري في السعودية سلسلة اعتقالات ضد أطراف عدة، بما في ذلك صحافيون ورجال دين، وأصحاب أموال، وناشطون في مجال حقوق الإنسان، وآخرون متّهمون بالمعارضة أو بتأجيج أجواء معادية للخط الاقتصادي والاجتماعي السلطوي لمحمد بن سلمان، وللإصلاحات التي ينوي القيام بها. لكن إذا عدنا إلى ما حدث في مكاتب القنصلية، لا يمكن إلاّ أن نتأثر بهذا العمل الذي تميز بحماقة استثنائية من جهة الذين نفذوه.
إخفاقات من هذا النوع معروفة لدى دول أُخرى، روسيا على سبيل المثال، لكن في الحادثة المذكورة يبدو أن المنفذين أُصيبوا بضربة خبل، ربما ذلك ليس مفاجئاً إذا أخذنا في الاعتبار الإخفاق المستمر للسعودية في حربها ضد الحوثيين في اليمن، أو تدخلها الفاشل في الحرب الأهلية في سورية. فما يجري له علاقة بمدماك مركزي في الصراع ضد التهديد الحقيقي للسلام في منطقتنا والعالم، أي إيران.
هذا ما يوجّه الخط السياسي البراغماتي لإدارة ترامب منذ معرفتها بالقضية: إدانة شديدة، بالمطلق، والمطالبة بتحقيق، بالتأكيد. معاقبة شديدة للذين سيوجدون متهمين، من دون شك. لكن من دون تحطيم العلاقات كما يطالب بذلك جزء من وسائل الإعلام والسياسيين. من الواضح أن إدارة ترامب لا تطرح إلغاء الاتفاق الضخم لبيع السلاح للرياض، ولو لأسباب اقتصادية أميركية، وهناك أيضاً الجزء التفصيلي الصغير المتعلق بالنفط السعودي، وبصورة عامة تبارك الإدارة أيضاً الإصلاحات التي يدفع بها ولي العهد قدماً، على الرغم من غضب المحافظين السعوديين، وأيضاً حتى لو أن ذلك يجري أحياناً بطرق إشكالية.
من المهم أيضاً الانتباه إلى لعبة الأتراك: كما كتب أنتوني كوردسمان، وهو من أهم خبراء الاستراتيجيا في الولايات المتحدة وعضو كبير في مركز الدراسات الاستراتيجية في واشنطن “من الواضح أن تركيا لعبت دوراً مهماً في تأليب وسائل الإعلام الغربية وتوجيهها (ضد السعودية)، وهذه هي تركيا نفسها التي تقمع الناس أكثر مما تفعل السعودية وتنتهك حقوق الإنسان، وتعذب المعتقلين وتتسبب باختفائهم، بحسب تقرير حقوق الإنسان في وزارة الخارجية الأميركية، ولا توجد دلائل على أن تركيا تهتم بسجنائها أكثر مما فعلته السعودية بالخاشقجي”.
وكجزء من الجهد الأميركي للحد من التداعيات السلبية للقضية، التقى وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو بالملك سلمان وابنه، ليس فقط ليسأل، بل ليوضح لهم الموقف الأميركي. وفي الأيام الأخيرة انتشرت شائعات عن وجود صيغة أساسها اعتراف سعودي بما حدث، من دون تفاصيل أو من دون مسألة من أعطى الأوامر. وإذا كان هذا السيناريو صحيحاً، من المعقول الافتراض أن محاكمة استعراضية ستُجرى للذين نفذوا الجريمة في القنصلية في إستانبول.
إسرائيل ليست طرفاً في الموضوع، لكن بسبب انعكاساته الاستراتيجية الجيو – سياسية المحتملة لا يمكنها أن تكون غير مباليه حيال النتائج. يجب عليها ألاّ تتخذ موقفاً، لكن يمكن الافتراض أنها تتماهى مع الموقف الأميركي. إنما بصورة عامة، من الجيد أن يفتح تسلسل الأحداث أعيننا، وخصوصاً أعين التواقين إلى اندماج إسرائيل في “البيئة المحيطة” على الصورة الحقيقية للمنطقة التي نعيش فيها.

المصدر: صحيفة “معاريف” الإسرائيلية، عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية

Optimized by Optimole