فوز آفي غباي برئاسة حزب العمل هزّة أرضية

فوز آفي غباي برئاسة حزب العمل هزّة أرضية
Spread the love

بقلم: يوسي فيرتر – محلل الشؤون الحزبية في صحيفة “هآرتس” —

•أثبت حزب العمل أمس أن هناك حياة قبل الموت. فالحزب، الذي لفترة طويلة وكأنه على فراش الموت، تحرّك، استيقظ، وبما بقي له من القوة منح نفسه جرعة أوكسجين حيوية، على الأقل في المدى القريب. إن انتخاب رجل الأعمال المتفاخر بنفسه وصاحب المقاربة اللامبالية هو مأساة سياسية بامتياز وهزة أرضية بقـوة سبع درجـات في سلم غباي. إنه ينطوي على إمكانية – غير مؤكدة – بإعادة خلط الأوراق من جديد في معسكر الوسط – اليسار، وزعزعة مسلّمات تجذّرت هنا في العامين الأخيرين، وإرسال موجات ارتدادية في اتجاه المنظومة السياسية بأكملها. وضمن سيناريو معين يمكن أن تصل هذه الارتدادات أيضاً إلى حزب الليكود، لكن في الظروف الحالية من الصعب القول إن انتخاب غباي هو بشرى سيئة بالنسبة إلى بنيامين نتنياهو. فلديه اليوم مشكلات أكبر بكثير.

•يعبّر انتخاب غباي عن خيبة أمل أعضاء حزب العمل بسبب تحول حزبهم إلى ممسحة أقدام، وموضوعاً للسخرية والازدراء. وقد دفعهم يأسهم إلى انتخاب الخيار الأقل معقولية والأقل منطقية، والأكثر جرأة وتدميراً. لم يحدث قط مثل هذا الأمر في حزب العمل: شخص مجهول نسبياً، انضم إلى صفوفه قبل بضعة أشهر، يفوز في دورتين انتخابيتين على مجموعة مرشحين كل واحد بينهم من لحم الحزب ودمه وعظمه. في الولايات المتحدة قام دونالد ترامب بأمر مشابه. وفي فرنسا عمانوئيل ماكرون أضاف إلى ذلك شيئاً أكبر: أنشأ حزبه الجديد في وقت قصير للغاية، واستطاع في البداية الاستيلاء على قصر الرئاسة ولاحقاً على البرلمان.

•إن الذي جعل فوز غباي ممكناً هو الحضيض الانتخابي والجماهيري والدعائي الذي تدهور إليه حزب العمل. لقد كان الحزب بحاجة إلى صدمة كهربائية، وهذا ما حصل. ويبدو أيضاً أن التعبئة الجارفة للحرس القديم ضده، وإلى جانب خصمه، عمير بيرتس، أدت إلى نشوء ردة فعل مضادة صحية من جانب الناخبين. في اليوم التالي للدورة الأولى للتصويت سارع عمير بيرتس إلى التقاط الصور إلى جانب رئيس الهستدروت آفي نيسنكورن الذي وضع جهازه في خدمة بيرتس، بعد أن كان لأخير ساعده افي الانتخابات لرئاسة الهستدروت. واعتقد نيسنكورن المغرور ومعه أنصاره، أن هذا ما سيرجح الكفة، واحتفلوا وتباهوا قبل ظهور النتائج.

•جاءت الإشارة على انقلاب الأمس في حزب العمل في ليل يوم الثلاثاء الماضي 4 تموز/يوليو عندما ظهرت نتائج الدورة الأولى للتصويت. كان الفارق في الأصوات بين غباي وبيرتس حينها نحو 5% فقط، أي نحو 2000 صوت. وكان هذا إنجازاً كبيراً لغباي وسبباً لإثارة قلق بيرتس، الذي على الرغم من خبرته وأقدميته في الساحة الحزبية، ومن دعم الهستدروت ومجموعة كبيرة من أعضاء الكنيست البارزين وزعماء البلدات له، لم ينجح في الفوز على مرشح صاعد طريّ العود ولا يخلو من قدْر من السذاجة وليس لديه أي من داعمي بيرتس. لقد أثبتت الجولة الثانية من التصويت أمراً محدداً: الحزب الذي لم يعط أحداً فرصة ثانية، لم يعط أيضاً هذه المرة فرصة ثانية، (صحيح أن رابين وباراك نجحا في العودة مرة أخرى، لكنهما كانا رئيسا حكومة سابقين).

•إن وقوف رئيس الحزب الخاسر، يتسحاق هيرتسوغ، والمرشح الخاسر الآخر أرال مرغليت، إلى جانب بيرتس، تسبب بجو كئيب من الإهانة والغضب ضد هذا الوقح الآتي من الخارج والذي تجرأ على اقتحام حزبهم. وهيرتسوغ ومرغليت، اللذان حتى تحت التعذيب كان من الصعب أن يقولا كلمة طيّبة عن بيرتس وعن أسلوبه وسلوكه، رصا صفوفهما وأقاما جداراً ضد الكوكب الجديد، ما لبث أن انهار تحت ضغط الجماهير. لقد تلقى “The old boys”، قدامى الحزب، رسالة قاطعة من ناخبيهم: استيقظوا، لقد ولّى زمنكم.

•في مقابل هؤلاء تستطيع شيلي يحيموفيتش وإيتان كيبل، اللذان دعما غباي ضد خصمهم بيرتس، التمتع بالنصر الذي نسيا طعمه منذ وقت طويل. وتستطيع يحيموفيتش أن تسجل لنفسها جزءاً من الفضل في الانجاز الذي تحقق. فالأغلبية المطلقة من أنصارها ومن نشطائها والمتطوعين لديها، كانوا جزءاً من طاقم غباي في الدورة الأولى وأكثر في الدورة الثانية.

•من احتفل أيضاً بالأمس؟ إيهود باراك، الذي أعرب عن تأييده لغباي منذ بداية السباق على رئاسة الحزب. ويتطلع باراك إلى العودة إلى الحياة السياسية. وفي ضوء عدم الخبرة المطلق لدى غباي في موضوعات الأمن القومي والسياسة، فإن انضمام باراك إلى قيادة الحزب يمكن أن يساعد الاثنين، في الظروف الصحيحة.

•من الذي يكزّ على أسنانه؟ وزير المال يتسحاق كحلون. فزعيم حزب “كلنا” الذي شعر بأنه تعرض للخيانة، وهو محق قليلاً، من جانب شريكه في إنشاء الحزب، والذي استقال من الحكومة على خلفية تعيين أفيغدور ليبرمان وزيراً للدفاع، توقع هزيمة غباي الناكر للجميل. وكانت هذه مسألة عاطفية أكثر منها تحليلاً سياسياً رصيناً. ويتضح أن الوفاء هو للضعفاء. لقد صرح غباي خلال حملة انتخابه بأنه الوحيد القادر على نقل أصوات من حزب “كلنا” إلى حزب العمل. وهذا ما سوف نراه. لكن كحلون يجد نفسه في وضع غير مريح. وهذه التطورات السياسية من شأنها تحديداً تعزيز العلاقة الضعيفة بينه وبين نتنياهو.

•وينطبق ما سبق على يائير لبيد. وقبل أن ينقض رئيس الحزب الجديد على الليكود، يتعين عليه أن يعيد أغلبية الناخبين، ما يوازي 10 إلى 12 مقعداً في الكنيست، الذين غادروا العمل إلى حزب يوجد مستقبل. هذا هو الحاجز الأول والأهم الذي يجب أن ينجح غباي في اجتيازه قبل أن يبدأ في تخيل تغيير السلطة. ستحدد الاستطلاعات في الأيام والأسابيع المقبلة ماذا سيحمله المستقبل. إذا لم يتراجع الناخبون، وفي أقرب وقت يبدأ فيه غباي في التجول بين أعضاء الحزب حاملاً هدفاً واضحاً، فإنهم لن يترددوا طويلاً قبل أن يحسموا مصيره.

المصدر: صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية، عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية

Optimized by Optimole