ذا ناشونال انترست: اغتيال سليماني يعني موت واقعية إدارة ترامب

Spread the love

مع اغتيال سليماني، يخاطر ترامب بحرب مع إيران قد تعرقل جهود أميركا في مواجهة التحدي الاستراتيجي الذي تفرضه الصين وروسيا.

ترجمة: د.هيثم مزاحم/

كتب ديفيد ساكس مقالة في مجلة “ذا ناشونال انترست” الأميركية رأى فيها أنه باغتيال كبير الجنرالات الإيرانيين الفريق قاسم سليماني، يخاطر الرئيس الأميركي دونالد ترامب بحرب مع إيران من المحتمل أن تعرقل جهود أميركا في مواجهة التحدي الملح الذي تفرضه الصين وروسيا.

وأضاف أنه ربما دفعت إدارة ترامب الولايات المتحدة إلى السير في طريق تؤدي إلى حرب أخرى في الشرق الأوسط. واعتبر أن قرار تصفية قاسم سليماني، قائد قوات حرس الثورة الإسلامية في الخارج وثاني أهم شخص في إيران، لا يمثل سوء ممارسة استراتيجية فحسب، بل يمثل كذلك نهاية لسعي الإدارة الأميركية لاعتماد سياسة خارجية واقعية.

وقال الكاتب إنه بعد عقدين من الحروب في أفغانستان والعراق، والتي كلفت نحو سبعة آلاف قتيل أميركي و6 تريليونات دولار، فإن أميركا بحاجة ماسة إلى إعادة توجيه نفسها نحو سياسة خارجية واقعية. يعتقد الواقعيون أن الأمم موجودة في عالم تنافسي حيث تقود حسابات القوة قبل كل شيء سلوك الدول. إن الأمم تسعى إلى الحفاظ على توازن القوى حتى لا يُغرى أي بلد باستخدام القوة لتغيير الوضع الراهن بشكل جذري، ولا يحاول فرض أسلوب حياته على الآخرين، بحيث يقتصر تخصيص موارد أمتهم عندما تتعرض مصالحها الحيوية للخطر. لم يكن الواقعيون ليحاولوا دمقرطة أفغانستان، أو غزو العراق، أو التدخل في أماكن مثل ليبيا حيث كانت المصالح الطرفية الأميركية فقط على المحك. الواقعية مناسبة بشكل أحادي لتكون بمثابة البوصلة لأميركا كي تبحر في الحقبة المقبلة من المنافسة بين القوى العظمى مع الصين وروسيا.

بدت إدارة ترامب أنها تدرك ذلك. إذ أن استراتيجيتها للأمن القومي قد وضعت “إستراتيجية للواقعية المبدئية” كانت “واقعية لأنها تعترف بالدور المركزي للسلطة في السياسة الدولية، وتؤكد أن الدول ذات السيادة هي أفضل أمل لعالم يسوده السلام، وتحدد بوضوح مصالحنا الوطنية”.

في أيار / مايو الماضي، جادل وزير الخارجية الأميركي مايكل بومبيو أنه في حين أن الإدارات السابقة “انحرفت عن الواقعية”، فإن الرئيس دونالد ترامب “ليس لديه طموح لاستخدام القوة لنشر النموذج الأميركي. بدلاً من ذلك، كانت سياسة ترامب الخارجية هي الواقعية وضبط النفس والاحترام”.

يتساءل الكاتب: “إذاً كيف انتقلت هذه الإدارة الأميركية التي تؤيد باستمرار الواقعية إلى حافة حرب غير ضرورية مع إيران من شأنها أن تصرف الانتباه عن الحاجة إلى التركيز على الصين وروسيا؟” ويجيب: “ببساطة، إن السبب هو أن إدارة ترامب فشلت في تقدير أهم أداة في صندوق أدوات الواقعية ألا وهي الدبلوماسية”.

وبالنسبة للأب المؤسس للواقعية، هانز مورغنثاو، فقد كان من المهم أن نفهم ليس فقط لماذا تتصرف الدول بالطريقة التي تتصرف بها، ولكن أيضاً كيفية أدوات القوة الوطنية لحمل هذه الدول على تغيير سياساتها.

في كتاب “السياسة بين الأمم Politics Among Nations، النص الواقعي المتعارف عليه، وضع مورغنثاو مبادئ الواقعية وقدم مجموعة أدوات لتمكين صناع السياسة من تعزيز مصالح بلادهم. وقد ذكر ثمانية عناصر من القوة، من بينها: الجغرافيا، والموارد الطبيعية، والقدرة الصناعية، والاستعداد العسكري، وحجم السكان. لكن أحد العوامل قد تجاوز كل العوامل الأخرى في الأهمية وهو: جودة دبلوماسية البلد.

كانت الدبلوماسية، بالنسبة لـ”مورغنثاو”، “أدمغة القوة الوطنية” لأنها تمزج جميع مكونات القوة الأخرى “في كيان متكامل، وتمنحها التوجيه والوزن، وتوقظ إمكاناتها النائمة عن طريق منحها روح القوة الفعلية”.

الدبلوماسية القادرة تضمن أن تكون نهايات السياسة الخارجية لبلد ما متسقة مع الوسائل المتاحة لها وتزيد من قدرة عوامل القوة الوطنية الأخرى.

يمكن لأمة ما أن تتمتع بأفضل موقع جغرافي، وأكثر الموارد الطبيعية وفرة، وجيش من الطراز العالمي، والصناعات الأكثر تطوراً، ولكن من دون دبلوماسية تحقق المهمة على المدى الطويل، فمن المحتمل أن تبدد هذه المزايا.

ويرى الكاتب أن إدارة ترامب قد حذفت جميع الدبلوماسية المهنية، إذ يحاول الرئيس باستمرار خفض تمويل وزارة الخارجية، حتى في الوقت الذي يوقع فيه على موازنات الدفاع. فقد قامت الإدارة بالانتقام من الدبلوماسيين المحترفين وتركت المناصب الدبلوماسية المهمة شاغرة. وكانت النتيجة انخفاض المعنويات في وزارة الخارجية.

ولخص نائب وزير الخارجية السابق ويليام بيرنز هذه الاتجاهات المثيرة للقلق من خلال كتابته الأخير، قائلاً: “لم أرَ يوماً أي هجوم على الدبلوماسية، ضار بهذا المستوى لكل من وزارة الخارجية كمؤسسة ولتأثيرنا الدولي، كما يحدث الآن.”

وخلص الكاتب إلى أن رفض الدبلوماسية من قبل إدارة ترامب قد أفضى إلى سياسة تجاه إيران لا يصادق عليها أي واقعي. فقد نظر ترامب إلى الاتفاق النووي مع إيران على أنه معيب قاتل، وبينما كان نقده يستحق التوقف عنده، إلا أن السياسي الواقعي ما كان لينسحب من الاتفاق وفرض عقوبات مشددة على إيران من دون تقديم طريق دبلوماسي آخر لطهران.

عوضاً عن ذلك، كان الواقعي سيمكّن الدبلوماسيين من الاستفادة من عناصر القوة الوطنية الأخرى للتفاوض على اتفاق يضمن المصالح الحيوية لأميركا. في هذه الحالة، فإن مثل هذه الاتفاق سيمنع إيران من تطوير سلاح نووي، ويجبرها على الحد من تطوير صواريخها الباليستية، ويجبرها على كبح جماح سلوك وكلائها في الشرق الأوسط.

وقال ساكس إنه على الرغم من أن الهدف غير المعلن لإدارة ترامب كان تغيير النظام الإيراني، فإن الواقعي كان سيركز بدرجة أقل على من يحكم إيران وبدلاً من ذلك يمنح أولوية لرسم السياسة الخارجية الإيرانية. سيسعى الواقعي إلى تقليل فرصة الحرب مع إيران حتى تتمكن أميركا من تركيز طاقاتها على الاستعداد لمنافسة طويلة الأمد مع الصين وروسيا.

إن غياب الدبلوماسية يقودنا إلى ما نحن عليه اليوم. استخدمت الولايات المتحدة الحرب الاقتصادية ضد إيران في محاولة لتحقيق أهدافها القصوى. استخدمت إيران المحشورة في زاوية وغير القادرة على رؤية طريق دبلوماسي للخروج من مأزقها، وكلاءها لمهاجمة الموظفين الأميركيين في الشرق الأوسط.

وكونها لم تكن راغبة في اعتبار الدبلوماسية، ردت الولايات المتحدة عسكرياً وقتلت ثاني أقوى رجل في إيران.

وأضاف الكاتب أن “الواقعي كان يمكن أن يدرك أنه بينما كان سليماني متورطاً بدماء الجنود الأميركيين، فإن قتله يجعل أميركا فقط قريبة من حرب غير مرغوب فيها مع إيران ويعرض المزيد من الأرواح الأميركية للخطر”.

وقد أقر اثنان من كبار المسؤولين السابقين في إدارة ترامب، في مقال أخير يشيدان بمؤهلات الإدارة الواقعية، بأن بدء حرب مع إيران سيكون “مخالفاً للنجاح في عالم تُنافس فيه القوى العظمى”. إنهما محقان، فمع اغتيال سليماني، يخاطر ترامب بحرب مع إيران من المحتمل أن تعرقل جهود أميركا في مواجهة التحدي الملح الذي تفرضه الصين وروسيا.

المصدر: ذا ناشونال انترست _ عن الميادين نت

Optimized by Optimole