ترامب في ظهوره الأول في الأمم المتحدة: يميني، قومي، هجومي

Spread the love

“شجون عربية”_ حيمي شاليف* – محلل سياسي

•يمكننا أن نفهم حضور رئيس الحكومة وعقيلته خصيصاً إلى قاعة الجمعية العامة في الأمم المتحدة على أنه إرضاء للرئيس دونالد ترامب. وفي الحقيقة، فإن خطاب ترامب هو تحقيق لحلم اليمين القومي في كل مكان بما في ذلك في إسرائيل.

وباستثناء الحقيقة المحرجة المتمثلة في امتناع ترامب عن استغلال المنبر في الأمم المتحدة للاعراب عن تأييده لحليفته الدائمة في الشرق الأوسط كما درج على ذلك الرئيس الذي سبقه باراك حسين [أوباما]، فإن الرئيس الـ45 ضغط على كل الأزرار الصحيحة، وقال كل الكلام المطلوب، بل وحتى استخدم أيضاً لغة خطابية هجومية كانت تعتبر حتى الآن حصراً لغة الطغاة أنصاف المجانين من الدول المتخلفة.

عن هذا الخطاب قال رئيس حكومتنا إنه لم يسمع أبداً خطاباً أكثر حدة وأكثر شجاعة منه في حياته.

•في سائر عواصم العالم، بما في ذلك في واشنطن، كثيرون قرصوا أنفسهم، كما فعلوا أكثر من مرة خلال سنة حكم ترامب، كي يتأكدوا أن هذا العرض السوريالي ليس كابوساً، أو جنوناً خرج عن السيطرة. لم ينزلق ترامب هذه المرة إلى أقوال عفوية من شأنها تحويل الانتباه عن الرسالة التي يريد أن يبعث بها، مثلما يتصرف أحياناً، إنما هذه المرة كان يكفي النص المكتوب كي يثير الرعدة والفزع في عواصم كثيرة في العالم. ورداً على السؤال حول ما إذا كان كلامه العنيف سيؤدي إلى ردع صحيح يمكن أن يمنع كارثة، أم أنه بمثابة صب الزيت على النار، سنعرف الجواب خلال الأيام والأسابيع المقبلة، على افتراض أن العالم سيظل موجوداً.

•العنوان الأبرز في الخطاب كان من دون شك تهديد ترامب بتدمير كوريا الشمالية تدميراً كلياً، كلام يرد فيه على جونغ- أون، الذي يسميه ترامب”الرجل الصاروخ” على اسم أغنية المغني إلتون جون – بنفس اللغة التي يستخدمها.

•كان نتنياهو بالطبع راضياً عن الكلام غير المسبوق في حدته الذي قاله ترامب بشأن الاتفاق النووي مع إيران. لفظياً على الأقل، قام ترامب بتحول مقداره 180 درجة عن سياسة الرئيس الذي سبقه، سواء من حيث موقفه تجاه الاتفاق النووي أو محاولة التصالح مع الحكام في طهران. وفي تصريحاته الهجومية، التي من الصعب رؤية كيف أنها لن تؤدي إلى انسحاب واشنطن من الاتفاق، تبنى ترامب اللغة الإنشائية لنتنياهو ومعارضين آخرين للاتفاق، ووصف الاتفاق بأنه “أحد أسوأ الاتفاقات الأحادية الجانب التي وقعتها الولايات المتحدة”.

وشتم وأهان الزعامة الإيرانية، ودعا عملياً إلى تغيير السلطة في طهران.

•يعتقد صقور متطرفون، وبينهم بضعة جنرالات يقدمون مشورتهم إلى ترامب، أن الموقف الجديد المتصلب للرئيس أدى إلى وضع “كل شيء أو لا شيء”win-win”: فإما أن ترتدع طهران، أو تحطم الولايات المتحدة عظامها. مراقبون آخرون، وبينهم معظم زعماء أوروبا يتساءلون ما إذا كان ترامب يدرك أن الولايات المتحدة يمكن أن تجد نفسها في مواجهة سياسية مع سائر شركائها في الاتفاق الذين يعارضون إلغاءه، وأنه مدرك لاحتمالات أن يجد نفسه في وقت قريب يقاتل على جبهتين جديدتين وخطرتين لطرفين في القارة الآسيوية. فقط على سبيل التذكير، أحد الوعود الانتخابية الأساسية لترامب كان إعادة الأبناء إلى منازلهم وعدم التورط أكثر في مغامرات خارجية أغرت الذين سبقوه.

•لكن الجوهر في خطاب ترامب كله هو وقوفه القاطع إلى جانب دول قومية سيادية، واعتبارها حجر الزاوية في العلاقات الدولية، ودعوته الاستفزازية الناتجة عن ذلك ضد المؤسسات الدولية العليا ومن بينها الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي.

هذه اللهجة التي تتعارض بصورة بارزة مع لهجة أوباما، كان لها وقع موسيقي في آذان نتنياهو وكثيرين آخرين في اليمين.

وبذلك يكون ترامب قد لوح بانسحاب أميركي من سياسة وجّهت العالم الغربي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، عندما تسببت دول سيادية من النوع الذي يهلل له ترامب اليوم في نيويورك، بحدوث حربين عالميتين، قتل فيهما وجرح عشرات الملايين من البشر.

 

المصدر: صحيفة هآرتس عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية

Optimized by Optimole