تداعيات إلغاء الاتفاق النووي مع إيران

تداعيات إلغاء الاتفاق النووي مع إيران
Spread the love

ويندي شيرمان — إذا مزق البيت الأبيض الصفقة الإيرانية، فسيمنح الولايات المتحدة العزلة الدولية، ولن يزيد هذا القرار الأمن الأميركي، بل سيكون قفزة في المجهول، مع عواقب مدمرة.

كتبت ويندي شيرمان مقالة في صحيفة نيويورك تايمز الأميركية حذرت فيها من عواقب إلغاء الرئيس دونالد ترامب للاتفاق النووي مع إيران. والآتي نص ترجمة المقالة:

لم يسبق لمستشار الرئيس ترامب الجديد للأمن القومي جون ر. بولتون، أن خاض حرباً لم يردها.

يدافع السيد بولتون عن غزو العراق في عام 2003، وهو ينادي بمهاجمة كوريا الشمالية أيضًا. وهو يعتقد أنه كان على الولايات المتحدة أن تقصف إيران قبل سنوات مضت، بدلاً من التفاوض على اتفاق دولي لمنعها من الحصول على سلاح نووي.

منذ دخوله حيز التنفيذ في عام 2016، فقد أعاق هذا الاتفاق سعي طهران لامتلاك سلاح نووي ومنع قيام سباق تسلح نووي في الشرق الأوسط. وفق كل المقاييس، امتثلت إيران للاتفاق، والتزمت بعدم الحصول على سلاح نووي مطلقًا وأخضعت نفسها لمراقبة وآلية تحقق صارمتين.

مع ذلك، يبدو أن السيد ترامب ملتزم بقتل الاتفاق. ولم يؤدِ تعيين السيد بولتون إلا إلى تعزيز التوقع بأن العمر المتوقع للاتفاق النووي سيكون قصيرًا. 12 أيار/ مايو المقبل هو الموعد النهائي التالي الذي يتعين على الرئيس(ترامب) بموجبه تمديد قانون تجميد العقوبات على إيران والتصديق على التزامها بالحفاظ على الاتفاق. وإذا لم يفعل ذلك، فإن التداعيات ستكون عميقة.

أولاً وقبل أي شيء آخر، يرجح حينها أن تتحرك إيران بسرعة، ومن دون أي ضبط للنفس، لتخصيب اليورانيوم، المواد الانشطارية اللازمة لتصنيع الأسلحة النووية. الحرس الثوري الإسلامي، والذي يعتبر الطليعة في سلوك إيران الشائن، سيعلن أن الغرب لا يمكن الوثوق به بتاتاً وسيستخدم قرار (ترامب) لإضعاف الرئيس الأقل تشدداً، حسن روحاني.

كما أن تدمير الاتفاق النووي سيزيد من الأنشطة المؤذية للحرس الثوري في الشرق الأوسط، مما يجعل التحدي الذي يواجه أمن إسرائيل وحلفاء أميركا الآخرين أكثر صعوبة. هذه الأنشطة ستزيد بدورها الدعوات الأميركية للعمل العسكري ضد إيران باعتباره الخيار العملي الوحيد، إذ لن يتمكن أي إيراني من الدخول في مفاوضات جديدة مع الولايات المتحدة في أي وقت قريب. وسيكون من الصعب وقف مسار الصراع العسكري، وبخاصة مع قيادة السيد بولتون لمجلس الأمن القومي.

وفضلاً عن هذا العرض المرعب، فإن قرار تدمير الصفقة الإيرانية سيدق كذلك آخر مسمار في نعش العلاقة عبر الأطلسي. لقد وضع السيد ترامب حتى الآن مهمة “إصلاح” الصفقة على عاتق بريطانيا وفرنسا وألمانيا، شركاء أميركا الأوروبيين في المفاوضات النووية. وطالبهم ترامب بأن يوافقوا على لغة جديدة بشأن تطوير إيران للصواريخ البالستية وعمليات تفتيش المنشآت العسكرية الإيرانية، ودعاهم إلى تغيير في الجدول الزمني للاتفاق النووي حتى لا تنتهي مدة القيود المفروضة على إيران. في الجوهر، طلب من أوروبا المساعدة في تغيير شروط الصفقة نفسها.

إن أعظم اعتراضات الأوروبيين يتعلق بمسألة إلغاء الصفقة. إنهم يؤمنون، بشكل دقيق، أن إيران التزمت بعدم الحصول على سلاح نووي ، وهي ملتزمة بشروط الصفقة، وهناك آليات في الصفقة للمراجعة والمعاقبة إذا أصبح ذلك ضرورياً. يشعر الدبلوماسيون الأوروبيون حقاً بأن السيد ترامب يطالبهم بأن يحلوا مشكلة سياسية خلقها هو بنفسه من خلال شن حملة ضد الصفقة.

إن قيام ترامب برفض الصفقة (مع إيران) ليس من شأنه أن يفيد أميركا كثيراً مع باقي العالم. حلفاء وشركاء مهمون، مثل كوريا الجنوبية واليابان والهند، قد قلصوا اعتمادهم على النفط الإيراني بشكل كبير في خدمة المفاوضات التي أسفرت عن الاتفاق النووي. إن تخريب الصفقة سيضر هذه العلاقات. علاوة على ذلك، فإن هذه الدول ستحجم عن إعادة فرض عقوبات اقتصادية على إيران في غياب الدبلوماسية. قد يحصل السيد ترامب منها على مستوى معين من الالتزام بفضل العقوبات المصرفية الأميركية، لكنه سيولد لديها أيضاً عدم الثقة والاستياء، ويدفع الدول الأخرى إلى الاقتراب من الصين كشريك مالي أكثر موثوقية.

إن قتل الصفقة الإيرانية سيكون أيضاً ضربة مبكرة للمفاوضات النووية المقبلة مع كوريا الشمالية. يعتقد السيد ترامب على الأرجح أن رفضه الاتفاق الإيراني سيظهر بطريقة لزعيم كوريا الشمالية، كيم جونغ أون، بأنه لا يبرم صفقات “سيئة”. في الواقع، سوف يتساءل السيد كيم إن كان بإمكانه أن يثق بأي اتفاق يقدمه رئيس أميركي.

أخيراً، إذا مزق البيت الأبيض الصفقة الإيرانية، فإنه سيعطي الولايات المتحدة بالضبط ما تحتاجه أقل ألا وهو العزلة الدولية. هذه الصفقة قد تم التفاوض عليها من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وروسيا والصين، بالتنسيق مع الاتحاد الأوروبي، ودعمها تصويت جميع الأعضاء الخمسة عشر في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. السيد ترامب لن يعزل إيران بإلغاء الصفقة، بل سيعزل أميركا ويقود شركاءها وحلفاءها إلى اعتبار الصين وروسيا شريكين أكثر موثوقية ويمكن التنبؤ بسلوكهما، حتى مع غياب القيم الغربية لديهما.

لا شيء حول هذا القرار سيزيد الأمن الأميركي، بل سيكون قفزة في المجهول، مع عواقب مدمرة. فاستعادة الثقة والإيمان بأميركا، واللذين تحققا بصعوبة لن تكون استعادتهما سهلة بمجرد ضياعهما. فينبغي على السيدين بولتون وترامب عدم ارتكاب هذا الخطأ الفادح.

المصدر : نيويورك تايمز – ترجمة: الميادين نت

Optimized by Optimole