برامج ترامب الكبيرة لمؤتمر البحرين تبدو تعيسة أكثر من أي وقت مضى

Spread the love

بقلم: نوعا لنداو وأمير تيفون – محللان سياسيان إسرائيليان —

قبل أقل من أسبوع من موعد عقد المؤتمر الاقتصادي الذي دعت إليه إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في البحرين، يبدو الوضع تعيساً بصورة خاصة من ناحية طاقم البيت الأبيض المكلف ملف “صفقة القرن”. فالفلسطينيون يقاطعون المؤتمر، وإسرائيل الرسمية غير مدعوة إليه، والدول العربية، سواء التي انضمت إلى المؤتمر أو تبنت المقاطعة الفلسطينية، تبدي استهتاراً كبيراً بالحدث. وليس من الواضح ما إذا كانت الإدارة الأميركية ستعرض في المؤتمر، أصلاً، الفصل الاقتصادي من خطتها للسلام في الشرق الأوسط، كما وعدت في البداية، ويجد كثير من وسائل الإعلام العالمية صعوبة في معرفة ما إذا كانت ستستطيع الحضور إلى المؤتمر وتغطيته.
حين أعلن البيت الأبيض، الشهر الفائت، نيته عقد هذا المؤتمر في البحرين، كان يبدو ـ لبضعة أيام ـ أن خطة السلام الأميركية تبدأ في التحرك نحو الانطلاق، وذلك لأول مرة منذ انتخاب ترامب للرئاسة. وقد اعتبر الطاقم الأميركي برئاسة جاريد كوشنير، صهر الرئيس ومستشاره الكبير، أن موافقة البحرين على استضافة المؤتمر تمثل إنجازاً، وكذلك موافقة السعودية والإمارات المتحدة وقطر على المشاركة في الحدث. وفي المحادثات التمهيدية التي أجروها مع الصحافيين، شدد مسؤولون في الإدارة الأميركية على أن حقيقة جلوس ممثلين لتلك الدول على الطاولة نفسها إلى جانب ممثلين رسميين لإسرائيل وتباحثهم معاً في مستقبل الاقتصاد الفلسطيني، يجب أن يُنظر إليها بمثابة اختراق سياسي في المنطقة.
أما الآن، وبعد شهر على الإعلان الاحتفالي لعقد المؤتمر وقبل أيام معدودة من التئامه، تبدو الصورة مغايرة تماماً. فالسلطة الفلسطينية مصممة على موقفها الرافض المشاركة في المؤتمر، بل نجحت أيضاً في إقناع عدد من رجال الأعمال الفلسطينيين برفض الدعوات التي تلقوها لحضور المؤتمر. وروسيا والصين، الدولتان العظميان اللتان يزداد حضورهما الاقتصادي في منطقة الشرق الأوسط اتساعاً وعمقاً، من المتوقع أن تقاطعا هما الأخريان هذا المؤتمر. وبين الدول العربية، أعلن العراق ولبنان أنهما لن يشاركا. صحيح أن البيت الأبيض أعلن مشاركة الأردن ومصر والمغرب في مداولات المؤتمر، في إثر جولة من الضغط المكثف عليهم، لكن ليس من الواضح مستوى التمثيل الذي سينوب عنهم.
وزير الخارجية الأردني، أيمن صفدي، كان تطرق إلى المؤتمر هذا الأسبوع بدرجة ملحوظة من الاستهتار وقال إنه “لا يجب المبالغة” في مدى أهميته. وأضاف أنه “في المحصلة هو مجرد ندوة”. والتقدير ذاته صدر أيضاً عن دبلوماسي رفيع من دولة عربية يُتوقع أن تشارك في المؤتمر، حين قال في حديث لصحيفة “هآرتس” في بداية الأسبوع الحالي: “سيكون من المستهجن البحث في مستقبل الاقتصاد الفلسطيني من دون حضور ومشاركة أي فلسطيني في هذه المداولات”. ويبدو طفيفاً جداً احتمال موافقة الدول العربية على إخراج دفاتر الشيكات الخاصة بها، في نهاية أعمال المؤتمر، لتمويل مشاريع اقتصادية في الضفة الغربية وقطاع غزة.
وقد تبين، هذا الأسبوع، أن الفلسطينيين ليسوا وحدهم الذين سيتغيبون عن المؤتمر، وإنما حكومة إسرائيل أيضاً. وأوضح البيت الأبيض أن القرار بشأن عدم توجيه الدعوة إلى ممثلين رسميين لإسرائيل لحضور المؤتمر جاء “لتجنّب تحويله إلى حدث سياسي”، على الرغم من أن ممثلي الولايات المتحدة والدول العربية الذين سيشاركون في المؤتمر سيكونون، كلهم، ممثلين حكوميين. وتؤكد مصادر البيت الأبيض أن الدعوة إلى المشاركة في المؤتمر قد وُجِهت إلى رجال أعمال إسرائيليين أيضاً، غير أن أسماء هؤلاء لم تُنشر بعد.
باستثناء المندوبين الفلسطينيين والإسرائيليين الرسميين، يبدو حتى الساعة أن المؤتمر قد يُعقد من دون صحافيين أيضاً. فالبيت الأبيض كان قد بث أجواء إيجابية وتفاؤلية بشأن مشاركة صحافيين إسرائيليين، على الرغم من حقيقة أن البحرين وإسرائيل لا يقيمان علاقات دبلوماسية رسمية. لكن الصحيح، حتى يوم الثلاثاء، هو أن الصحافيين الإسرائيليين لن يستطيعوا المشاركة في تغطية المؤتمر في البحرين، كما يبدو أن ثمة شكوكاً كبيرة تحوم حول مشاركة وسائل إعلام أميركية وعالمية أُخرى أيضاً. في الإدارة الأميركية، كانوا يأملون بتحقيق “صورة انتصار” يظهر فيها إسرائيليون وعرب مجتمعين معاً، على الرغم من المقاطعة الفلسطينية، أمام عدسات الكاميرات من مختلف أنحاء العالم، بما في ذلك من إسرائيل. أمّا الآن، حتى هذه اللحظة، يبدو أن أياً من تفصيلات الخطة لن يتحقق، ولذا فهم يفضلون تقليص التغطية الإعلامية للمؤتمر.
روبرت ساتلوف، رئيس معهد واشنطن لدراسات الشرق الأوسط الذي استضاف كوشنير لمقابلة موسعة بشأن خطة السلام، قبل شهر ونصف الشهر، عبّر يوم الاثنين عن تشكيكه في مجرد عقد المؤتمر. وكتب في تغريدة نشرها في حسابه الخاص على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”: “إذا كان المؤتمر لن يدفع قدماً بالتعاون الإسرائيلي ـ العربي، وإذا كانت المقاطعة الفلسطينية ستضمن ألّا تُطرح خلاله أي خطط عملية مخصصة للضفة الغربية، فما الفائدة من عقد المؤتمر؟ وما الغاية منه؟”.
في إسرائيل، وفي محيط نتنياهو بالتحديد، تنفسوا الصعداء حيال عملية “خفض المستوى” الزاحف، لكن الواثق، إلى المؤتمر في البحرين. في العلن، يمتدحون ترامب ويهتفون له على كل خطوة، وثمة أسباب وجيهة لهذا في ضوء الهدايا الثمينة والكثيرة التي أغدقها على رئيس الحكومة، لكن في الكواليس ثمة من يعترف بينهم بأن آخر ما كان يحتاج إليه نتنياهو الآن هو خطة للسلام في أوج معركة انتخابية غير مخطط لها وغير متوقعة.
إن فشل نتنياهو في بناء ائتلاف حكومي جديد تسبب بضرر قاتل لبرامج الإدارة الأميركية حقاً. فقد اضطرت هذه الأخيرة إلى تأجيل كل شيء إلى ما بعد الانتخابات، بل أكثر من هذا: لا أحد يعلم ماذا سيحدث بعدها. المؤكد الآن هو أن نتنياهو غير معني بأي شيء من شأنه الإيحاء إلى أنه ذاهب إلى مفاوضات قبل الذهاب إلى صناديق الاقتراع (يوم 17 أيلول/سبتمبر المقبل). ومع شركائه المحتملين الذين يواصلون التوغل يميناً باستمرار، قد يكون الأمر بمثابة حكم بالإعدام، أكثر من قرار الحكم القضائي الذي يمكن أن يكون في الأفق.
إن الخائب الوحيد في إسرائيل من هذا الموضوع، هو وزير المال موشيه كحلون الذي كان يفترض أن يمثل الحكومة في مؤتمر البحرين. وحضوره هناك كان من شأنه أن يكون بمثابة حقنة تشجيع من نتنياهو للرجل الذي عاد إلى الليكود يجر أذيال هزيمته. لكنه حُرم حتى هذه أيضاً.

المصدر: صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية، عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية

Optimized by Optimole