باحث إسرائيلي: كل شيء مُباح لتعزيز السيطرة اليهودية على الضفة

Spread the love

بقلم: البروفسور مردخاي كريمنيتسر – أكاديمي وخبير إسرائيلي في الشؤون القانونية —

يدلّ قرار اللجنة الوزارية لشؤون سن القوانين القاضي بالمصادقة على مشروع قانون لتسوية البناء غير القانوني في الضفة الغربية بصورة موقتة (“قانون التسوية 2”) على أن لدينا حكومة لا يعنيها الأمن ولا سلطة القانون، وإنما بقاءها السياسي فقط. لهذا الغرض، ثمة حاجة لأن يحصل صاحب المبادرة إلى هذا القانون، عضو الكنيست بتسلئيل سموتريتش [“البيت اليهودي”]، أيضاً، على حصته من رضى الجمهور اليميني ـ الاستيطاني، من دون أن يسمح حزب الليكود لحزب “البيت اليهودي” بتجاوزه من اليمين. طالما أن نفتالي بينت [رئيس حزب “البيت اليهودي”] لم يحصل على حقيبة الدفاع، فربما كان لنا بعض العزاء الموقت في دوس سلطة القانون. إذ ليس من الممكن حدوث “عملية إرهابية” من دون جني أقصى فائدة سياسية ـ حزبية منها. كل شيء مباح لتعزيز السيطرة اليهودية على المناطق [المحتلة] على حساب الفلسطينيين. لا شيء يردعنا، ولا حتى الربط المذهل والصادم بين الدم الزكي المسفوك وبين تقوية الاستيطان، وكأن الأول هو شرط إلزامي لتحقّق الثاني.
لم يكن من العبث تبليغ اللجنة الوزارية لشؤون سن القوانين أن المستشار القانوني للحكومة يعارض مشروع القانون المقترَح، بشكل حازم، لدواعٍ دستورية. أي لأن القانون المقترح يتعارض مع “قانون أساسي: كرامة الإنسان وحريته”، نظراً إلى ما ينطوي عليه من مس جارف بحق التملك، ونظراً إلى الصعوبات القانونية الحادة التي يثيرها في مجال المساواة أمام القانون وسيادته. وقد كان المستشار القانوني للحكومة على حق، أيضاً، عندما حذّر، من خلال نائبه راز نزري، اللجنة الوزارية من إسقاطات دولية خطرة يمكن أن تترتب على سن هذا القانون المقترح، ومن الأخطار الجدية التي يعرّض إسرائيل لها على هذا الصعيد.
حقا إنه تحدٍّ واستفزاز لكل مَن يعزّ عليه القانون الدولي. حتى في الواقع السياسي الراهن اليوم، والذي يشهد تراجعاً في مكانة القانون الدولي وهيبته، لا يزال هذا القانون قوياً وقد يعضّ. إلاّ إن آذان الوزراء تصبح صماء حيال الاستشارة القانونية المسؤولة والموضوعية التي يتلقونها. حتى البديل الذي اقترحه المستشار ـ استخدام “نظام السوق” بصورة أكثر انتقائية (وهو بديل مشكوك في أمره أيضاً) ـ لم يكفِ الوزراء ولم يُرضهم. لا شيء أكثر ثباتاً وديمومة من الموقت الذي يتحدث عنه هذا القانون، لأنه إذا ما أصبح هذا الاقتراح قانوناً رسمياً فعلاً، فسيؤدي في نهاية المطاف إلى شرعنة كل ما تم بناؤه خلافاً للقانون، بما في ذلك المباني التي أقيمت على أراض خاصة، إلاّ إذا قررت محكمة العدل العليا التدخل.
إن الواقع الذي تسعى هذه التسوية لتشجيعه وإنتاجه سيكون غير قابل للعكس عملياً. حيال الاستهتار في رأي المستشار القانوني، يتولد الانطباع بأن “البيت اليهودي” واليمين المتطرف في الليكود يدفعان، بصورة متعمدة، نحو “منازلة أيدي” مع المحكمة العليا. الفكرة من وراء ذلك هي فرض جو من الترهيب على القضاة لردعهم ولئلا يجرؤوا على الوقوف ضد قوانين النهب هذه، وإن تجرؤوا وفعلوا، فستكون الأرضية مهيأة لتقليص صلاحيات المحكمة باسم الولاء لأرض إسرائيل.
منذ عشرات السنين، أو منذ “تقرير يهوديت كارب” على الأقل [وهو تقرير أعده سنة 1982 طاقم من وزارة العدل الإسرائيلية برئاسة يهوديت كارب، نائبة المستشار القانوني للحكومة آنذاك، بشأن سير التحقيقات في اعتداءات المستوطنين الإسرائيليين على المواطنين الفلسطينيين في الضفة الغربية]، ثمة شك كبير وعميق فيما إذا كان الحكم الإسرائيلي في الضفة الغربية هو حكم يقوم على سيادة القانون. ويأتي اقتراح القانون الذي صادقت عليه اللجنة الوزارية الآن ليوضح لنا، مرة أخرى، أن الوضع في نظر الحكومة الحالية وممارستها هو “سلطة نهب، لا سلطة قانون”. ومن الواضح، أيضاً، أن شرعنة المخالفات القانونية السابقة تستدعي مخالفات مستقبلية أيضاً. أي بدلاً من القانون وسيادته، يسيطر الأقوياء اليهود بالقوة. وبدلاً من أن يكون القانون حامياً لحقوق الإنسان الأساسية، يصبح أداة لضربها والتضييق عليها، على قاعدة التمييز بين اليهود والعرب، بين من يعتبرون أنفسهم أسياد البلد وبين أصحاب الأراضي الذين يعتبرونهم معتدين على أراضيهم.
ماذا يريد الإرهابيون؟ أن يفقد من يحاربونه توازنه وأن ينجر إلى اتخاذ إجراءات تؤدي، بالتالي، إلى تصعيد الإرهاب. وقرار اللجنة الوزارية المذكور يدل على فقدان الصواب ومن شأنه توليد مزيد من الإرهاب. كاذب هو الادعاء أن التحريض هو الدافع والمسبب الوحيد للإرهاب. إن الاستيلاء الإسرائيلي على أراض فلسطينية، من خلال المس بحقوق التملك الخاص ومن خلال القضاء على أي أمل في قيام دولة فلسطينية، هو عامل أساسي في تشجيع الإرهاب. هكذا هي أيضاً عمليات هدم البيوت وغيرها من الوسائل والإجراءات التي تلجأ إليها إسرائيل هناك. وهكذا نجد أن الوزراء يعملون في خدمة الإرهاب.
تتنصل الحكومة وتتحرر من القواعد الأساسية لسلوك السلطة في المجال الذي لا يضاهيه مجال آخر في الأهمية ـ أمن الدولة. وما بتنا نلاحظه في الفترة الأخيرة هو ما يلي: أعضاء المجلس الوزاري المصغر للشؤون السياسية – الأمنية يعملون بما يتعارض مع وظائفه ومسؤولياته الحقيقية، فهم يخرجون لانتقاد قراراته ومهاجمتها في العلن بينما يواصلون التمتع بعضويته من دون أن يستقيلوا أو يُقالوا، ويهاجمون رئيس هيئة أركان الجيش والنائب العام العسكري لأن هذين الأخيرين يصران على تطبيق القانون والقواعد الأخلاقية، ويتظاهرون ضد الحكومة التي هم أعضاء فيها. والسؤال: ماذا يجب أن يحدث أكثر كي نفهم أن هذه الحكومة وصلت إلى نهايتها؟

المصدر: صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية، عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية

Optimized by Optimole