الغارديان: لا يمكن لأوروبا الاستمرار في إغلاق أعينها عن الكارثة في سوريا

الغارديان: لا يمكن لأوروبا الاستمرار في إغلاق أعينها عن الكارثة في سوريا
Spread the love

بقلم: ناتالي نغايريدي – ترجمة: د. هيثم مزاحم | كتبت ناتالي نغايريدي في صحيفة “الغارديان” البريطانية مقالة تناولت فيها مخاطر ما يجري في سوريا على أوروبا سواء لجهة تدفق اللاجئين أو لجهة تخلي الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن حماية الكرد، وهو ما يمكن أن يتكرر بشأن حماية الولايات المتحدة لأوروبا في المستقبل.

وقالت الكاتبة: “كانت هذه الأيام القليلة الماضية نقطة تحول بالنسبة لأوروبا. لا أفكر في البريكست، خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ولكن في سوريا – التي تبدو بشكل متزايد مثل حربنا الأهلية في القرن الحادي والعشرين. إن الهزيمة الغربية والأوروبية في سوريا (التي أعني بها الهزيمة السياسية والأخلاقية، وليس الهزيمة العسكرية فقط) لها مثيل لها في ثلاثينيات القرن الماضي عندما كانت الديمقراطيات غير قادرة أو غير راغبة في الوقوف في وجه الاستبداد عندما كان الأمر مهماً، أو حتى لعب أي دور ذي معنى في منع وقوع كارثة من شأنها أن تبتلعهم قريباً”.

وأضافت نغايريدي أنه “من الواضح أن الأحداث في شمال شرق سوريا مأساوية، إن لم تكن مميتة، لعشرات الآلاف من الأشخاص المحاصرين فيها محلياً. لكن سيكون لها تأثير على أوروبا بطرق أكثر مما قد نهتم بالاعتراف به. لقد قال دونالد ترامب نفسه ذلك بنفس القدر، مشيراً إلى أن المقاتلين الأجانب المرتبطين بتنظيم “داعش” الآن والذين هم في طريقهم إلى الخارج سيذهبون إلى أوروبا. وأوضح أن هذه مشكلة يتعين على أوروبا معالجتها بمفردها. وعلى الرغم من سوء هذا الاحتمال، فإنه ليس سوى جزء واحد من صورة أوسع من شأنها أن تجعل الأوروبيين يشعرون بالهجران. وخلصت الكاتبة إلى أنه “في لحظة حرجة في التاريخ، أصبح المحور الروسي – الإيراني منتصراً تماماً على عتبة أوروبا”.

وأشارت إلى أن قوات الرئيس السوري بشار الأسد، بمساعدة من التدخل العسكري الروسي والإيراني، تضغط الآن باتجاه الشمال لاستعادة الأراضي التي مكّنت التحالف المناهض لتنظيم “داعش” بقيادة الغرب وقواته البرية الكردية في السنوات الأخيرة من إبعاد الجيش السوري عن المنطقة.

وأضافت نغايريدي أنه “مع قرار ترامب المفاجئ بسحب القوات الأميركية من سوريا، والأحداث السريعة الحركة التي تلت ذلك، فإن روسيا لا تضيّع الوقت في التحرك لملء الفراغ. إن المحور الروسي – الإيراني مُمَكَّن بشكل لم يسبق له مثيل، وقد تم تسهيل ذلك ليس فقط من خلال تهور ترامب وعقيدته “أميركا أولاً”، ولكن أيضاً بسبب الانقسام والارتباك والحالة الداخلية للدولة لكل ديمقراطياتنا الغربية. التشابه مع أحداث ثلاثينات القرن العشرين كبير جداً.

صحيح أن الأوروبيين يتدافعون حالياً لتوحيد العقوبات ضد تركيا بسبب هجومها العسكري على الأراضي التي يسيطر عليها الكرد داخل سوريا، لكن ليس هناك وحدة قارية كثيرة معروضة. أيا كان الضغط الذي قد تكتسبه بعض العواصم يبدو من غير المرجح أن تشكّل الأحداث. لا يبدو أن الحكومات الأوروبية في أي وضع يمكنها من التأثير بشكل فعال على روسيا لأنها تسبب المزيد من الخراب في جوارها. في الأساس، أوروبا هي المتفرج على الكابوس الذي لم ترَه قادماً، ولم تكن لديها الوسائل لتجنب ذلك.

وقالت الكاتبة: “إذا كنتم تعتقدون أن سوريا مجرد نزاع بعيد يمكننا نحن الأوروبيين أن نحوّل نظرتنا إليه بسهولة، ففكّروا مرة أخرى. لقد أثبتت أزمة اللاجئين عام 2015، التي لم تلعب فيها حقول القتل في سوريا دوراً بسيطاً بالتأكيد على مدى سوء الأوروبيين حيث يمكن أن تتأثر السياسة وتماسك قارتنا بالفوضى والعنف الكامل في جوارها”.

وأضافت أن المحور المعادي “لا يمثل سوى حفنة من الرجال الأقوياء (فلاديمير بوتين وآية الله علي خامنئي ورجب طيب أردوغان) يلعبون ألعاب السلطة عبر رقعة شطرنج جيوسياسية محدودة. إن الانتصار الذي يتابعونه في طريقهم لتحقيق رسالة يرسل رسالة أكبر بكثير حول مدى سرعة عودة النظام العالمي بأكمله – عالم ما زال الأوروبيون يأملون في أن بعض المبادئ، مثل الاحترام الأساسي للتحالفات، قد لا تزال تحمل درجة ما بغاية الأهمية”.

وتابعت أنه “قد لا يكون من السابق لأوانه استخلاص بعض الدروس مما يتكشف. بفضل عمليات بيع ترامب للحلفاء في سوريا، أصبحت الضمانات الأمنية الأميركية لأوروبا كما عرفناها تتبخر بسرعة أمام أعيننا. أعطت خطوة ترامب معنىً جديداً لما عرفناه بالفعل عن ازدرائه العام لحلف الناتو. تأكدوا من ضياع القليل من هذا على القادة الاستبداديين الذين يعتقدون أن وقتهم العالمي قد حان وأن كل ما يحتاجون إلى فعله هو اغتنام الفرص والتقاط غنائم النظام الدولي المتفكك بقيادة الغرب. وللتذوق قليلاً من هذا التفكير، اقرأوا كتابات منظر الدعاية لبوتين، فلاديسلاف سوركوف، في وقت سابق من هذا العام حول دور روسيا في العالم كنموذج للقومية والتوسع القائم على القوة”.

ورأت الكاتبة أن “هذه الكارثة متعددة الطبقات في الشرق الأوسط ستكون لها عواقب وخيمة على الأمن الأوروبي (التهديد الإرهابي)، وعلى سياستنا الداخلية (أقصى اليمين متناغم كلياً مع الأسد وبوتين، ومرهقة بالفعل) وعلى مجتمعاتنا بشكل عام، وذلك لأن نصر الأسد المدعوم من روسيا في سوريا سوف يسجل كفصل حاسم” في هذا العصر.

وخصلت إلى أن “خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي على هذه الخلفية هو تقريباً عرض جانبي مصادفة – مهما كان رمزاً للاتجاهات الأعمق. في هذه الأيام، يفحص الأوروبيون عن حق إسبانيا وكتالونيا، ويفكرون في نتائج الانتخابات في بولندا والمجر (هل بلغت الشعوبية ذروتها، أم أنها لا تزال مستمرة في مسارها؟)، لكن في الوقت الحالي تشعر بأنها ضيقة الأفق، بالنظر إلى حجم ما يتكشف ليس بعيداً عنا”.

وختمت قائلة: “لا تذهب المقارنات التاريخية إلى أبعد من ذلك، لكن الأمر المختلف الآن هو أننا لا نحتاج فقط إلى التفكير في الحقائق المحلية للديماغوجية وكره الأجانب والليبرالية المحلية. يتعين علينا في أوروبا الخروج من نظرتنا الذاتية الضيقة ورؤية الصورة الأكبر: ما يحدث ليس أقل من معركة أيديولوجية بين الديمقراطية والسلطوية يرتبط فيها مصيرنا ارتباطاً وثيقاً بأولئك الذين يجدون أنفسهم في مفترق مأساة سوريا. بهذا المعنى، فإن سوريا هي في الواقع الحرب الأهلية الإسبانية في عصرنا. تماماً كما كان الحال في ثلاثينيات القرن العشرين عندما كان الاستبداد في ارتفاع، سيكون من الوهم الاعتقاد بأن ما فعلناه ولم نفعله حيال ذلك لن يعود ليطاردنا”.

المصدر: الميادين نت

Optimized by Optimole