الجيش الإسرائيلي: عباس لن يتراجع عن معارضته لـ”صفقة القرن”

Spread the love

بقلم: عاموس هرئيل – محلل عسكري إسرائيلي —

من غير المتوقع أن تتراجع السلطة الفلسطينية عن رفضها المطلق لـ”صفقة القرن” التي تبلورها الإدارة الأميركية على المسار الإسرائيلي – الفلسطيني. هذا هو التقدير الذي قدمه الجيش مؤخراً إلى المستوى السياسي. وبحسب التحليلات، سيتمسك الرئيس الفلسطيني بمعارضته مبادرة ترامب، بدءاً من مرحلتها الأولى، المتمثلة في المؤتمر الاقتصادي الذي سيُعقد في البحرين في نهاية حزيران/يونيو. وبحسب أغلبية الجهات الأمنية الإسرئيلية، بقي للسلطة شهران أو ثلاثة قبل بداية عملية انهيار اقتصادي، في ضوء الضائقة المالية التي تواجهها في الأساس بسبب الخلاف مع إسرائيل بشأن مسألة تقديم المساعدة إلى الأسرى الأمنيين.
بحسب تقديرات الجيش، يعتبر عباس أنه يتعرض لهجوم ثلاثي من الولايات المتحدة وإسرائيل و”حماس”، جزء كبير منه يجري بالتنسيق بينهم، وهدفه منع تحقيق حل الدولتين. لقد قلصت الولايات المتحدة من المساعدة الاقتصادية التي تقدمها إلى الفلسطينيين (وأيضاً تلك التي كان يجري تقديمها بواسطة الوكالات الدولية)، وفي رأي عباس، هي تقترح الآن “سلاماً اقتصادياً” من دون حل مسألتي القدس والحدود، وتحاول أن تفرض انفصالاً دائماً بين الضفة الغربية وقطاع غزة.
في نظر عباس، إسرائيل تضر به اقتصادياً بسبب أزمة الأسرى، وتواصل البناء في المستوطنات، وترفض حواراً سياسياً، وتترقب الفرصة لضم أجزاء من الضفة الغربية بعد فشل صفقة القرن. وحتى “حماس”، فهي تقيم تحت نظره نوعاً من دولة في القطاع، بموافقة صامتة من الولايات المتحدة وإسرائيل. وهو يشك في أن جزءاً من زعماء من الدول السنية في المنطقة ينوون تأييد مبادرة ترامب.
انطلاقاً من الشعور بأن “العالم كله ضدنا”، تمسك عباس، ابن الـ84 بسياسته ومقاربته للنزاع. وبحسب الجيش، هو يرفض أي اقتراح تسوية في مرحلة تسبق تقديم الصفقة الأميركية، انطلاقاً من نظرة تقول إن هذا ليس الوقت المناسب للمفاوضات، وأي تنازل عن ميليمتر واحد سيؤدي إلى منحدر زلِق، سيجري في نهايته فرض “سلام اقتصادي” على السلطة، ودفن حل الدولتين. وفي الوقت عينه، يعمل عباس على توحيد صفوفه في الداخل من خلال تعيين رئيس الحكومة الجديد محمد اشتية، وتوثيق العلاقات بالتنظيمات المتعددة التابعة له (السلطة، ومنظمة التحرير و”فتح”) وزيادة حدة التوتر مع “حماس”. مع ذلك، تمسك عباس بموقفه المبدئي المعارض لاستخدام الإرهاب، وهو لا يرسل رسائل مزدوجة في هذا الشأن كما فعل سلفه ياسر عرفات طوال فترة اتفاقات أوسلو والانتفاضة الثانية. وبحسب التقدير، ثمة فرصة ضئيلة لأن يغيّر رئيس السلطة موقفه بشأن الاقتراح الأميركي.
في خلفية الأزمة السياسية، تتفاقم المصاعب الاقتصادية التي تعانيها السلطة. و أغلبية الجهات الأمنية في إسرائيل تُجمع على التقدير أنه خلال شهرين أو ثلاثة يمكن أن تواجه السلطة بداية انهيار اقتصادي. السبب المركزي للأزمة الاقتصادية للسلطة هو الخلاف مع إسرائيل بشأن الدعم المالي الفلسطيني للأسرى الأمنيين. في نهاية شباط/فبراير قرر المجلس الوزاري المصغر، بعد تأخير، تطبيق قانون تجميد الأموال الذي وافق عليه الكنيست في تموز/يوليو العام الماضي. ضمن هذا الإطار تحسم إسرائيل أكثر من 40 مليون شيكل شهرياً (قرابة نصف مليار شيكل سنوياً) من أموال الضرائب التي تحولها إلى السلطة. رداً على التجميد، قرر عباس عدم قبض أي مال. بذلك تقلصت ميزانية السلطة بنحو 600 مليون شيكل شهرياً، أي نصف ميزانيتها تقريباً، وجرى خفض رواتب موظفي الدولة، بينهم عناصر الأجهزة الأمنية بنحو 40% و50% في الشهرين الأخيرين.
على الرغم من ذلك، ظل التنسيق الأمني بين الطرفين في الضفة على حاله، وفي الجيش يلاحظون تآكلاً ضئيلاً فقط في الاستعداد للاستمرار في التنسيق، في حوادث موضعية. تواصل الأجهزة اعتقال المشتبه بأنهم يخططون لعمليات إرهابية، وإعادة مواطنين إسرائيليين دخلوا عن طريق الخطأ إلى أراضي السلطة سالمين، وهاتان مسألتان حسّاستان من وجهة النظر الإسرائيلية.
قبل أسبوعين أعلنت قطر تحويل دعم اقتصادي كبير للمعسكرين الفلسطينيين: 180 مليون دولار، على ست دفعات شهرية، إلى سلطة “حماس” في القطاع، و300 مليون دولار إلى السلطة الفلسطينية في الضفة. ويشمل الدعم الاقتصادي للسلطة منحة تقدَّر بـ50 مليون دولار، بينما يُعتبر باقي المبلغ قرضاً. مع ذلك تدل تجربة الماضي على أنه من الصعب على الفلسطينيين تسديد القروض، أو ببساطة، هم لا يسارعون إلى القيام بذلك. على كل حال، إذا بقي الدعم القطري سيبقى في حجمه المعلن، ، فإن ذلك لا يشكل رداً شاملاً على الفجوة التي نشأت في أعقاب وقف الأموال من إسرائيل.
هذا الأسبوع زار عباس قطر، في محاولة لتجنيد المعارضة ضد مبادرة ترامب وضمان مساعدة اقتصادية إضافية. من دون زيادة إضافية للميزانية، وما دام عباس لم يتراجع عن موقفه بشأن الأموال، ويرفض الاستجابة إلى الحوافز الاقتصادية التي ستقدَّم في مؤتمر البحرين، فإن السلطة ستواجه أزمة اقتصادية من الصعب أن تتحملها وقتاً طويلاً. في هذه الأثناء هي صامدة بفضل اتخاذ خطوات صغيرة وتقليص الرواتب.
تقدّر إسرائيل أنه سيكون من الصعب على عباس التراجع في مسألة أموال الأسرى التي تُعتبر في نظر الفلسطينيين مسألة مبدئية، وجزءاً من روحية النضال ضد إسرائيل.

المصدر: صحيفة هآرتس الإسرائيلية – عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية

Optimized by Optimole