التحديات الأمنية التي ستواجهها حكومة نتنياهو الخامسة

Spread the love

بقلم: يوآف ليمور – محلل سياسي إسرائيلي —

تركت حكومة نتنياهو الرابعة لوريثتها حكومة نتنياهو الخامسة وضعاً أمنياً مريحاً نسبياً، لكن أيضاً بعض المشكلات والمسائل التي لا يمكن تأجيلها، وتتطلب حالياً معالجة وردّاً مركّزين. وهذان سيتقرران إلى حدّ كبير أيضاً وفق هوية وزير الدفاع الذي سيعيَّن: على افتراض (معقول) أنه سيكون من الصعب على نتنياهو، لأسباب ائتلافية وحزبية، الاستمرار في الاحتفاظ بحقيبة الدفاع، ومدى استقلالية وزير الدفاع الجديد سينعكس مباشرة على صورة الجيش وعلى الطريقة التي سيواجه فيها التحديات الأمنية في المنطقة.
غزة – بعد سنة عاصفة، وقبل لحظة من الانفجار، جرى التوصل قبل أسبوعين إلى تهدئة في غزة. حدث هذا بعد إطلاق صواريخ على غوش دان وعلى موشاف مشميرت، واستنزاف يومي لغلاف غزة، وفرض تدخلاً أجنبياً مكثفاً – مصرياً في الأساس، وأيضاً من جانب الأمم المتحدة وقطر.
لكن ما تم التوصل إليه عبارة عن دواء تخديري فقط. مشكلات غزة عميقة ومتجذرة. البطالة مرتفعة جداً، والبنى التحتية تنهار، واليأس في ذروته. تخاف “حماس” من وقوع مواجهة، لكنها تخاف أكثر من شعبها الذي يبدي علامات متزايدة تدل على الضيق والضائقة. وفي ظل غياب القدرة على إيجاد حلول، من المعقول أن تعود الحركة مجدداً إلى تحدي إسرائيل، في محاولة للدفع قدماً بتسوية واسعة تشمل إعادة إعمار عميقة للقطاع.
لقد وافقت إسرائيل على مثل هذه التسوية شرط أن تتضمن نزعاً للسلاح – خطوة من المشكوك فيه أن توافق “حماس” عليها. البديل سيكون العودة إلى القتال – خطوة حاول الطرفان الامتناع عنها، لكن ثمة شك في أنهما يستطيعان الاستمرار فيها وقتاً طويلاً: لقد نال نتنياهو أغلبية ساحقة في مختلف المدن القريبة من غزة – سديروت، أشكلون، نتيفوت، أوفكيم؛ والآن ستطلب منه هذه المدن تحقيق الأمن.
قبل حدوث ذلك من الأفضل أن تبلور الحكومة الجديدة لأول مرة، استراتيجيا شاملة للقطاع الأمر الذي سيضمن تحقيق الأهداف – وعلى رأسها قرار يتعلق بـ”حماس” هل هي سلطة شرعية أم هدف يجب إسقاطه.
إيران – إعلان الولايات المتحدة يوم الاثنين أن الحرس الثوري الإيراني هو تنظيم إرهابي يزيد الضغط على طهران. وهذه محاولة أُخرى لعزل إيران، ودفْعها إلى نقطة الحسم، إذ سيكون المطلوب منها أن تختار إمّا البقاء وحيدة ومنبوذة، وإمّا أن تتنازل ليس فقط عن المشروع النووي، بل أيضاً عن مشروع الصواريخ البعيدة المدى، وعن نشاطها المكثف لنشر الإرهاب في المنطقة.
في هذه الأثناء، وعلى الرغم من الضغط، إيران صامدة. ويبرز نشاطها بحجوم متعددة في اليمن، والعراق، وسورية، ولبنان وغزة. في السنوات الأخيرة استغلت إسرائيل الحرب الأهلية في سورية لمحاربة مساعي إيران للتمركز فيها وإقامة قاعدة متقدمة، لكنها اليوم مضطرة إلى فحص سياستها من جديد بطريقة تسمح لها، من جهة، بالمحافظة على حرية نشاطها العملاني، ومن جهة أُخرى، بمنع حدوث تعقيدات لا ضرورة لها في الأساس مع روسيا، وطبعاً مع حزب الله في لبنان. وهذا خط دقيق يمكن أحياناً أن ينزلق إلى اشتباكات علنية. وكما في الماضي، نتائج اللعبة سيحددها تضافر الاستخبارات والقدرة العسكرية، مع غطاء استخباراتي- اقتصادي – إعلامي. ثمة شك في نجاح إسرائيل في إبعاد إيران تماماً عن القطاع الشمالي، لكن التحدي هو أن تبقى إيران في المستقبل أيضاً ضعيفة، من دون قواعد وقدرات، بعيداً عن الحدود.
يهودا والسامرة [الضفة الغربية]. حافظت الضفة الغربية في السنوات الأخيرة على هدوء نسبي على الرغم من حدوث عدد غير قليل من الأحداث التي هددت بإشعالها من جديد (انتقال السفارة الأميركية إلى القدس، الوضع في قطاع غزة وسعي “حماس” الدائم لشن هجمات انطلاقاً منها). الجمهور الفلسطيني أظهر اهتماماً قليلاً بالموضوع السياسي عامة، ومشغول بالحياة نفسها، وفي الأساس بمصدر الرزق.
“صفقة القرن” للرئيس ترامب التي من المفترض أن تُعرض قريباً، يمكن أن تغيّر الوضع. في الجانب الفلسطيني سيكون ذلك بمثابة نهاية أبو مازن، ومن المنتظر أن يقسّم الصراع على وراثته الشارع الفلسطيني. وفي الجانب الإسرائيلي – بعد سنوات من الجمود، سيكون المطلوب مجدداً نقاش حقيقي لمسائل الحل المرغوب فيه في الضفة الغربية، على خلفية وعد نتنياهو في الانتخابات بضم المستوطنات اليهودية الواقعة وراء الخط الأخضر.
التحدي الأمني سيكون اجتياز هذا كله من دون ارتفاع حاد في حجم الهجمات ومن دون ثورة شعبية، وهذه مهمة غير بسيطة إذا ما اختفت السلطة الفلسطينية. سيكون المطلوب من إسرائيل المحافظة على التنسيق مع أجهزة الأمن الفلسطينية، وفي الأساس – تقديم أفق اقتصادي للمواطنين، لإبقاء أغلبيتهم خارج دائرة العنف.
الميزانية – الحكومة المنتهية ولايتها منحت استقراراً غير مألوف للجيش وللمؤسسة الأمنية: بعد سنوات طويلة عمل خلالها الجيش من خلال ميزانية ثابتة، سمحت له بتحقيق الخطة المتعددة السنوات (جدعون) بالكامل. وكانت النتيجة مزيداً من المشاريع، ومن المخزون والتدريبات – وارتجالاً أقل.
يعمل الجيش على وضع خطة جديدة متعددة السنوات للأعوام الخمسة المقبلة، يجب أن تبدأ في السنة القادمة. وتحقيقها مرتبط بإطار الميزانية التي ستتطلب التوصل إلى اتفاقيات جديدة مع وزارة المالية، وهذا سيتقرر بناء على القوة السياسية لوزيري الدفاع والمالية، والوضع الاقتصادي.
بالاستناد إلى الأرقام، وعلى خلفية العجز الكبير الذي تركته الحكومة المنتهية ولايتها، ستضطر الحكومة الجديدة إلى القيام بتقليصات مؤلمة في الميزانية – بما فيها الأمن. وذلك سيعقّد حياة الجيش، ويمكن أن يعيد الوضع الذي كان موجوداً عشية عملية الجرف الصامد: الحاجة إلى وقف التدريبات، أو وقف زيادة القوة. وعلى الدوام من الأفضل أن تمتنع الحكومة من وضع الحلول الموقتة، وأن تقوم مسبقاً بوضع المؤسسة الأمنية داخل إطار واضح، حتى لو كان مقلصاً، للسماح لها بالتصرف بطريقة منظمة وتمنع الارتجال.

المصدر: صحيفة “يسرائيل هيوم” الإسرائيلية، عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية

Optimized by Optimole