اتفاق مناطق “خفض التوتر” في سوريا: مخاطر على إسرائيل وفرص للتأثير

Spread the love

بقلم: كرميت فالنسي وأوفيك إيش ماعس – باحثان في معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي —

•في 5 أيار/مايو، وفي ظل اليأس والتشاؤم اللذين أحاطا بالمحاولات المتكررة لحل الأزمة المستمرة منذ ست سنوات في سورية، وقعت كل من روسيا وإيران وتركيا، في العاصمة الكازاخستانية الأستانة، “مذكرة تفاهم لإقامة مناطق خفض للتوتر (de-escalation) في سورية.” هذا الاتفاق الذي ضمنت الدول الموقعة تنفيذه هو رابع محاولة من أجل التوصل إلى وقف إطلاق نار دائم في سورية خلال أقل من سنة. لكن الجديد هذه المرة هو إقامة 4 مناطق في مختلف أنحاء الدولة: المنطقة الأولى والأكبر تشمل محافظة إدلب وأجزاء من محافظات مجاورة تقع في شمال سورية بالقرب من تركيا، وتتمركز فيها تنظيمات معارضة كثيرة ويعيش فيها نحو مليون مدني. والمنطقة الثانية هي عبارة عن الجيب الواقع بين مدينتي حماه وحمص، والذي يعيش فيه حالياً نحو 200 ألف مدني. أمّا المنطقة الثالثة فهي جيب يقع شرقي العاصمة دمشق، ويعيش فيه نحو 700 ألف نسمة. بينما تقع المنطقة الرابعة في جنوب سورية، وتضم أجزاء من محافظة درعا والقنيطرة القريبة من حدود إسرائيل والأردن، ويقيم فيها نحو 800 ألف شخص.

•إن الأهداف المعلنة للاتفاق، الذي دخل حيز التنفيذ غداة توقيعه، هي: الحد من القتال وحجمه؛ تخفيف الضائقة الإنسانية قدر الإمكان؛ السماح ببدء عودة اللاجئين إلى الدولة. أمّا الهدف النهائي فهو وضع الأسس لحل شامل للأزمة من خلال المحافظة على سلامة ووحدة الأراضي السورية (وبرؤية روسية)، وتهيئة الأرضية لبنية دولة فدرالية. ووفقاً للاتفاق سيحظر القتال بين النظام والمعارضة المسلحة في المناطق الأربع طوال ستة أشهر، مع إمكان التمديد، بما في ذلك نشاط سلاح الجوّ السوري. في المقابل، نص الاتفاق على استمرار الحرب ضد تنظيم داعش في مناطق خفض التوتر وفي شتى أنحاء سورية، وكذلك ضد هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) وجهات إرهابية أخرى تتماهى مع الإسلام السني الجهادي. وسيتم أيضاً إدخال مساعدات إنسانية، كما سيعاود النظام تقديم الخدمات العامة مثل التزويد بالمياه والكهرباء وتهيئة الأوضاع لعودة طوعية للاجئين والنازحين. وتنتشر قوات عسكرية تابعة للدول الضامنة على نقاط العبور والمراقبة على امتداد تخوم المناطق الآمنة، من أجل الإشراف على تطبيق الاتفاق وفرضه.

•بيد أن الطرف الذي لم يشارك في هذا الاتفاق هم السوريون أنفسهم. وعلى الرغم من إعلان نظام الأسد التزامه بشروط الاتفاق (باستثناء شرط المراقبة الخارجية من قبل طرف ثالث) فلا شيء يضمن أن يفي بتعهداته. من جهتها، رفضت المعارضة السورية، التي اعترضت على تطبيق وقف إطلاق النار على جزء من أراضي الدولة فقط، بشدة الاعتراف الرسمي بدور إيران، فدعت إلى تدخل ضروري للولايات المتحدة والدول السنية برئاسة السعودية، التي كانت الغائب الأبرز في مفاوضات الأستانة (مندوب الولايات المتحدة حضر الاجتماعات لكنه لم يؤد فيها دوراً فاعلاً). ومن المحتمل أن يكون الاجتماع المقرر في 10 أيار/مايو في واشنطن بين الرئيس دونالد ترامب ووزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف بمثابة مؤشر إلى انضمام الولايات المتحدة لاحقاً.

•منذ اندلاع الحرب في سورية وحتى اليوم تنتهج إسرائيل سياسة عدم التدخل، باستثناء منع هجمات عليها ومنع تهريب أسلحة متطورة إلى حزب الله. لكن المبادرة الروسية تزيد من الحاجة إلى إعادة تقويم هذه السياسة، لأن الخطوة الأخيرة تشكل مرحلة إضافية في بلورة مستقبل سورية وتنطوي على تحديات ومخاطر على عدة مستويات.

•على مستوى الدول العظمى، وأيضاً على المستوى الإقليمي، من شأن غياب الولايات المتحدة عن إطار الاتفاق أن يجعل مسألة قيادة بلورة سورية ومستقبلها في يد روسيا وإيران والمحور الراديكالي، وفي يد تركيا أيضاً (التي مواقفها إشكالية تجاه إسرائيل)، ومن شأنه أن يترك مصالح إسرائيل الأمنية من دون تمثيل صحيح.

•أمّا على المستوى العسكري – الاستراتيجي، فيقدم هذا الاتفاق لإيران، بما أن جميع الأمور مرتبطة بروسيا، مكانة رسمية معترف بها في سورية المستقبلية، كما يمنحها شرعية للتمركز العسكري في الدولة، الأمر الذي يتعارض بشدة مع موقف المعارضة السورية ومع الخطوط الحمر التي وضعتها الولايات المتحدة وإسرائيل في هذا الشأن. ووفقاً للاتفاق ستقوم قوات إيرانية بجزء مهم من الرقابة على تنفيذ الاتفاق، وبهذه الطريقة تكون إيران قد أُعطيت صلاحية إضافية لنشر قواتها على أراضي سورية واستخدام “جميع الوسائل المطلوبة” من أجل تنفيذ مهمتها. في هذه المرحلة، الأطر ليست جلية تماماً، وليس واضحاً ما إذا كانت هذه القوات ستشارك في مراقبة المنطقة القريبة من حدود إسرائيل.

•وعلى المستوى المحلي، ينطوي الاتفاق على خطر آخر هو احتمال العودة التدريجية لقوات نظام الأسد إلى مناطق لا تقع تحت سيطرته اليوم، من خلال عودة الخدمات الأساسية التي سيقدمها هذا النظام في مناطق خفض التوتر. ومن شأن تطورات في هذا الاتجاه أن تزيد من تبعية المواطنين في مختلف المناطق للنظام وستعزز تأثيره فيهم. وبينما سيحظى النظام بفترة سماح تتيح له ترميم الجيش وحشد القوة، وفي غياب مساعدة خارجية لتعزيز قدرة القوات المحلية على الدفاع الذاتي، بالإضافة إلى عدم تحسن قدرة السكان على الصمود الاقتصادي والاجتماعي، فإن مناطق خفض التوتر يمكن أن تجد نفسها بسرعة في موقع ضعف ومكشوفة أمام محاولات عودة النظام وحلفائه المعادين لإسرائيل.

•كما أن قضية عودة اللاجئين والنازحين إلى المناطق الآمنة تُعدُّ مشكلة إضافية معقدة وتطرح تحديات. إذ يمكن أن تتسبب عودة اللاجئين والنازحين إلى المناطق المدمرة غير المؤهلة لاستيعابهم بأزمة إنسانية ضخمة تلقي بظلالها على الوضع الداخلي في سورية، وعلى الدول المجاورة لها وبينها إسرائيل والأردن.

•وعلى المستوى التكتيكي، يمكن أن يؤدي إعلان وقف القتال بين النظام والمتمردين واستمراره ضد تنظيمات إرهابية، كما جرى في اتفاقات تهدئة سابقة، إلى استمرار مهاجمة قوات الأسد وروسيا المتمردين والسكان بحجة محاربة جهات إرهابية.

•من أجل الحؤول دون حدوث هذه التطورات السلبية ودون بلورة مستقبل سورية بصورة أحادية الجانب على يد المحور الروسي – الإيراني، سيكون من الصائب أن تعمل إسرائيل على محورين متقابلين: الأول، إظهار الحزم إزاء روسيا ومواصلة إبراز قوة إسرائيل وقدرتها على الإضرار بالجهود الروسية في المنطقة بهدف تحسين مكانتها التفاوضية. والثاني، تشجيع الولايات المتحدة والأردن والسعودية على إظهار تدخل أكبر في النقاشات الاستراتيجية المتعلقة بحل الأزمة في سورية، والدفع قدماً بالمبادىء التالية:

-عدم التوصل إلى اتفاق من دون تدخل ملائم من الولايات المتحدة ودول الخليج للمحافظة على توازن المصالح في سورية.

-احترام “الخطوط الحمر” التي وضعتها إسرائيل، وفي أساسها منع تمركز قوات تابعة لإيران وحزب الله جنوب سورية وغربها، ولا سيما في هضبة الجولان، وحظر استخدام الوسيط السوري لنقل السلاح إلى حزب الله.

-يجب أن تجري بلورة الاتفاقات المتعلقة بالمناطق المتاخمة للحدود بالتنسيق مع الدول المجاورة. وكما كانت تركيا طرفاً في الترتيبات المتعلقة بشمال سورية، فإنه يجب أن تؤخذ في الاعتبار مصالح الأردن وإسرائيل في جنوب سورية.

-يجب درس توسيع مهمات قوات الأمم المتحدة في الجولان “الأندوف” بصفتها الطرف المسؤول عن مراقبة واستقرار المنطقة في هضبة الجولان السورية، وعن تقديم المساعدة للسكان المدنيين.

-تنظيم قوات محلية براغماتية بدعم إقليمي ودولي ضمن أطر عسكرية فعالة، على أن تقدم لها خطط تدريب وعتاد وسلاح، سواء بهدف الدفاع عن السكان أو بهدف المشاركة في محاربة التنظيمات الجهادية في المنطقة.

-يجب أن تعمل دول الغرب ومنظمات دولية بدعم من الدول المجاروة، وبينها إسرائيل، على تعزيز الصلات بالسكان المحليين في جنوب سورية، وتقديم المساعدة الإنسانية والدعم بواسطة ترميم وتطوير مناطق خفض التوتر، بهدف منح هذه المناطق قدراً من الاستقلالية في مجالات الطاقة والإسكان والغذاء والزراعة والتعليم والصحة.

-تحديد حصص ومستويات استيعاب اللاجئين والنازحين بما يتلاءم مع وتيرة إعادة البناء وإقامة آليات للسيطرة والرقابة.

-بلورة آليات للتنسيق المشترك بين إسرائيل والأردن والولايات المتحدة، تجري في إطاره بلورة استراتيجيا مشتركة فيما يتعلق بمحادثات تسوية الموضوع السوري وإدارة الجهود العسكرية والمدنية في جنوب سورية.

•إن اتفاق مناطق خفض التوتر هو محاولة لبلورة واقع جديد في سورية، وفي مناطق ذات أهمية واضحة بالنسبة إلى إسرائيل والأردن من دون أخذ مصالحهما في الاعتبار، ولا سيما مع احتمال نشوء تهديدات وواقع أمني جديد في جنوب سورية، الأمر الذي يشكل مؤشراً إضافياً لإسرائيل كي تعيد دراسة سياسة عدم التدخل التي تنتهجها في سورية، وكي تظهر حرصها على الدفاع عن مصالحها الحيوية.

المصدر: مجلة “مباط عال” الإسرائيلية، العدد 928، 15/5/2017، ترجمة: نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية

Optimized by Optimole