نحو استراتيجية للحد من المخاطر عبر تفعيل إدارة الأزمات والطوارئ في السعودية

السعودية
Spread the love

بقلم: محمد السيد بغدادي*– في ما يلي مراجعة لرسالة الدكتوراه للطالب عبد العزيز بن عبد الله بن فهد الرقابي، غير المنشورة في الإدارة العامة التي نوقشت في جامعة القاهرة (كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، 2018)
وترى الدراسة أنه في كثير من الدراسات الحديثة تترادف مصطلحات مثل الأزمة أو الكارثة – مصدر الخطر- الطوارئ، ومع أنه يمكن التمييز بينها إلا أنها جميعاً تشترك في سمة أساسية وهي أنها تبرز الحاجة إلى المواجهة وإلى الإدارة وينصب الاهتمام الاجتماعي والسياسي والإداري على الأزمات المؤثرة التي تترك آثاراً لعدة سنوات، ومن ثم فإن نظرية ممارسة وإدارة الأزمات أو إدارة الطوارئ بالكوارث الطبيعية والتهديدات والكوارث البيئية، التوترات والنزاعات، وإختلال التوازن في نمو السكان والهجرة، كوارث التزاحم والشغب والإضطرابات كثيرة الضغوط وفشل بعض السياسات، انهيارات مباني والانحرافات في الطرق والكباري وما شابه ذلك.
كما تجدر الإشارة إلى أن كثيراً من الدراسات أكدت أن إدارة الأزمة أو الكارثة لا تبدأ ولا تنتهي فجأة بل يفترض أن يكون هناك إستعداد دائم للتعامل مع الأحداث المباغتة حيث أن المنهج العلمي يتطلب ألا تقتصر الإدارة على التعامل مع لحظة الالحاح الخاصة بصنع القرارات المتعلقة بالأزمة فقط بل أيضاً مع الجهود الوقائية والملطفة للآثار طويلة المدى والإعداد والتخطيط وكذلك ما يتبع التجاوب الفعلي مع الأزمة من إصلاح وتغيير.
وقامت الدراسة بتوضيح أن السمة اللازمة للتكوين المؤسسي بصفة عامة هي اعتماده على البنية الوظيفية الأمر الذي نتج عنه قيام وزارات أو مصالح أو إدارات بوظائف محددة وكلاً من هذه المؤسسات تحرص على استقلالها وحدود إختصاصها ؛ لهذا فإننا نجد أن التكوين المؤسسي للدولة على المستوى المركزي يقوم على التقسيم الأفقي للسلطات بينما هو في ذات الوقت يحدد درجات معينة من الاختصاصات وفق علاقات رأسية بين الوزارات والمصالح من جانب والمحافظات أو الإدارات المحلية من جانب آخر، ويظل التكوين المؤسسي في كل هذه الحالات متسماً بدرجة عالية من الإستمرارية والنمطية القائمة على نظم معلومة وتوقعات محددة في الأداء.
فمواجهة الأزمات والكوارث أو حالات الطوارئ يجب ألا تعني إطلاقاً فقط المواجهة بعد وقوع الكارثة أو مجابهة الأزمة عند انفجارها، بل لا بد وأن تعني كذلك وربما بدرجة لا تقل أهمية القيام بوظائف وأنشطة وإجراءات الدفاع المدني وتكامل الأجهزة وخاصة مصلحة الأرصاد ودور الشرطة والحاجة إلى مساندة القوات المسلحة في التوقع والتنبؤ والإنذار المبكر أو في مرحلة الدرء ثم المواجهة والتخفيف والتلطيف وفي مراحل الإستعداد والتحضير ومراحل المواجهة. إن المملكة شأنها في ذلك شأن غيرها من الدول معرضة لوقوع الأزمات والكوارث طبيعية كانت أم اصطناعية، وقد تعرضت السعودية للهزات الأرضية وللفيضانات والسيول وبعض الهجمات الإرهابية وغيرها من حالات الطوارئ.
وتمثلت المشكلة البحثية للدراسة أنه انطلاقاً من أن الأزمة هي موقف مفاجئ يتسم بسرعة تلاحق الأحداث وضرورة اتخاذ قرارات تحت ضغط عنصر الوقت وفي غيبة من المعلومات المؤكدة. وتأسيساً على أن حالة الطوارئ إنما هي في التحليل الأخير حادث يقع ويشكل خطورة تتطلب اتخاذ اجراءات خاصة موازية وسريعة للسيطرة على الموقف لمنع أو تقليل الآثار السلبية الناجمة عن هذا الحادث وتداعياته على الأرواح والممتلكات والبيئة وما إلى ذلك. وبالوقوف على معنى إدارة المخاطر والتي تعني بالأساس باكتشاف مصادر الأخطار وتمييز حالات التعرض للخسارة واختيار الأسلوب الأمثل وتنفيذه بالطرق الملائمة مع المتابعة وتقييم النتائج بصفة مستمرة.
فإن ما يشغل الباحث هو الدراسة والتحليل والبحث عن إجابة للتساؤل الذي يثور في سياق كل ما تقدم والذي يجسد المشكلة البحثية التي يعني بحلها وهو إلى أي مدى تتحقق الكفاءة في أداء الأجهزة المعنية بإدارة الأزمات والطوارئ بالمملكة وكيف يمكن الارتقاء به ليصل إلى الفعالية؟.
وتهدف الدراسة إلى تغطية أهم الجوانب النظرية لعملية إدارة الأزمات والكوارث وبصفة عامة حالة الطوارئ، والتأكيد على أهمية التخطيط العلمي السليم والمسبق لهذه العملية، وإختبار مدى كفاءة الأجهزة المختلفة في عملية المجابهة، واقتراح ما يمكن لتفعيل إدارة الأزمات والطوارئ في المملكة، واقتراح استراتيجية وطنية لإدارة الطوارئ والحد من المخاطر في المملكة العربية السعودية.
وأورد الباحث العديد من التساؤلات البحثية كالتالي: ماذا عن طبيعة الأزمات والكوارث بالمملكة العربية السعودية؟. ما هو دور جهاز الدفاع المدني بالمملكة؟. كيف تساهم مراكز البحث العلمي والجامعات في تعزيز إدارة الأزمات والطوارئ بالمملكة؟. ماذا يمكن عمله في شأن هذه الإدارة اعتماداً على اقتراح استراتيجية وطنية وصولاً إلى الفعالية.
أما منهجية الدراسة، فنجد أن الباحث استخدم المنهج الوصفي التحليلي حيث يقوم على تشخيص حالة الكارثة وفقاً للمرحلة التي وصلت إليها من حيث تحديد ملامحها وعرض أبعادها وتأثيراتها على الهياكل التي حدثت فيها والأطراف الفاعلة والنتائج التي خلفتها. كما استخدم الباحث منهج تحليل النظم حيث تم النظر إلى الأزمة على أنها تمثل نظاماً متكاملاً يحتوي على العناصر الأربع المعروفة في منهج تحليل النظم وهي المدخلات، التشغيل، المخرجات، والتغذية الراجعة. ويساعد المنهج على التعامل مع الأزمات والطوارئ في جميع المراحل بكفاءة وفعالية.

ولكي يتسنى للباحث الإجابة على التساؤلات السابقة، قام بتقسيم الدراسة إلى ثلاثة فصول رئيسية. وجاء الفصل الأول كإطار مفاهيمي يعرض فيه الباحث موقف الأدبيات من المفاهيم التي تتداول عبر الفصول وتدور فيها، فتحدث المبحث الأول عن التأصيل لمفهوم وحالة الأزمة، بينما تناول المبحث الثاني إدارة الأزمات: التعريف والعملية، ثم تناول المبحث الثالث إدارة الأزمات بين الكفاءة والفعالية.
بينما تناول الفصل الثاني حالة المملكة العربية السعودية وكان عنوانه: إدارة الأزمات والطوارئ في المملكة العربية السعودية، وتحدث المبحث الأول عن المعطيات البيئية وكيفية تأثيرها على إدارة الأزمات بالمملكة.
أما المبحث الثاني فتحدث عن دور جهاز الدفاع المدني في مواجهة الكوارث بالممكلة.
المبحث الثالث يشير إلى عملية إسهام الجامعات ومراكز البحث العلمي في المملكة في مجال دعم إدارة الأزمات والطوارئ.
أما الفصل الثالث فتناول الربط بين الفصلين الأول والثاني فيخصص بالإجابة عن تساؤل ما العمل؟ ومن ثم جاء العنوان مقترحات التفعيل في مجال الاستراتيجية الوطنية لإدارة الطوارئ والأزمات والحد من المخاطر في المملكة. وتضمن هذا الفصل ثلاثة مباحث على النحو التالي: المبحث الأول أشار إلى تطبيق فكرة السيناريوهات، أما المبحث الثاني فتناول مقترح إنشاء وزارة للطوارئ، أما المبحث الثالث فأشار إلى الإطار العام للخطة الاستراتيجية.
وتمثلت نتائج الدراسة في أنه وعلى الرغم من تعرض المملكة للكثير من الأزمات والطوارئ نتيجة للتدخل الإنساني أو بعض الدول، وخاصة في موسم الحج والعمليات الإرهابية والنزاعات الإقليمية ومحاولات تسييس ما هو ليس بسياسي، فإنها لا تحتل مكانة تتناسب مع إمكانياتها وثقلها السياسي والاقتصادي.
وقد سعت الدراسة إلى توضيح عدد من التحديات التي لا تزال أمام السعودية التي يجب التغلب عليها لتطوير قدراتها على إدارة ومواجهة الكوارث والطوارئ مقارنة بالدول المجاورة. وتأتي على رأس هذه التحديات العوامل المتعلقة بإدارة التجمعات الدينية الكبيرة والتي على الرغم من تطورها بدرجة كبيرة مقارنة بالماضي، فإن هناك ما زال العديد من العوامل التي يجب الانتباه إليها.
وتقتضي الأمانة العملية الإشارة إلى نجاح موسم الحج في السنوات الأخيرة نتيجة اتباع أسس إدارة الأزمات والكوارث، لكن بشكل عام يجب الاستمرار في التنبيه لاحتمالية أن تثار المشكلات المرتبطة بالتجمعات الدينية، ومن ثم أهمية استدامة خطط إدارة الأزمات للتعامل مع هذه الأزمات كموضوع التزاحم وكيفية السيطرة على هذه الأعداد الكبيرة والحفاظ على سلامتها وكيفية إعداد الخدمات الطبية والطوارئ بشكل أسرع وأكبر لاستقبال حالات الطوارئ ومساعدتها بشكل أفضل وأسرع.
وفيما يتعلق بأخطار السيول والفيضانات فلا تزال الممكلة تواجه أخطاراً عديدة وكبيرة في هذا الشأن، ربما لأن العديد ينظرون إلى الكوارث الطبيعية مثل هذه على أنها نادرة الحدوث وذات تأثير بسيط بالإضافة إلى صعوبة إنشاء نظم صرف حديثة ومتطورة في مدن كثيفة السكان مثل جدة.
بالإضافة إلى ذلك، وجد الباحث أن المملكة شهدت خلال الثلاثين – أربعين عاماً الأخيرة ازدياداً كبيراً في عدد السكان وتطوراً ملحوظاً وكبيراً في تطوير المناطق الساحلية والداخلية في المملكة وهناك توقعات بإزدياد عدد السكان ليصل إلى 45 مليون نسمة بحلول عام 2050 وفقاً لتقديرات الأمم المتحدة. هذه الزيادة السكانية الكبيرة من المتوقع أن تحدث في المدن القائمة وهذا ما سيجعل الخطر والتأثير للأزمات للكوارث الطبيعية الاصطناعية في مستقبل المملكة شديد الخطورة حيث من المتوقع أن يزداد تأثير هذه الحوادث والكوارث على المملكة مع تزايد السكان والتطور التكنولوجي والنمو الإقتصادي من دون تخطيط مناسب سوف يؤدي إلى تزايد إحتمالية التعرض للحوادث الطبيعية أو تلك من صنع الإنسان وإزدياد تأثيرها الضار على المملكة.
وفي إطار التوصيات قدمت الدراسة عدداً من التوصيات لتحقيق مزيد من الكفاءة بل الفعالية إنطلاقاً من أن أحد المبادئ الأساسية للحد من المخاطر وتلافي الآثار المدمرة للأزمات والكوارث على جميع المستويات، وهو ما يطلق عليه الوعي الثقافي بخطورة الآثار المدمرة للكوارث ورفع الوعي الوقائي لدى المواطنين للعمل على تلافي حدوثها، ورفع الوعي المجتمعي والتعاوني في عمليات المواجهة وتلافي الآثار.
ينبعث هذا المبدأ من منطلق أنه يمكن الحد من أخطار الكوارث بشكل كبير إذا قامت المؤسسات المسؤولة في الدولة بإعلام المواطنين بثقافة الوقاية من حدوث الكوارث وأساليب المواجهة العملية والفعالة للأزمات، وهذا يتطلب تعميم المعارف والمعلومات المناسبة عن الأخطار التي يمكن أن تتعرض لها بعض المناطق، وتحديد أسباب حدوثها، وتعميق الفكر الثقافي لدى المواطنين لمحاولة الحد من تكرارها وتوضيح قدرات التدخل الرسمي والتطوعي لعمليات المواجهة بما يؤدي إلى حد كبير لتلافي عنصر المفاجئة، وترتيب أولويات التدخل والتعامل مع الحدث بما يؤدي في النهاية إلى التقليل من آثاره المدمرة على المنشآت والمباني وتقليل الخسائر في الأرواح والممتلكات.

*باحث دكتوراة في الإدارة العامة – كلية الاقتصاد والعلوم السياسية- جامعة القاهرة( مصر).

Optimized by Optimole