مقارنة إحصاءات فيروس كورونا بين مــا يحدث في العالم وإلى أين يتجه لبنان

Spread the love

تكثر الأحاديث والتحليلات حول موضوع كورونا، هذه الجائحة المعولمة والتي اجتاحت العالم بشكل مفاجئ وغيّرت الحسابات السياسية والجيو-سياسية وحتى التكنولوجية منها، لتضع العالم اليوم أمام عِلم واضح وصريح وهو عِلم الأرقام، والذي لا يمكن لنا أن نختلف حوله كثيراً لأنه يتحدث عن نفسه، خاصة عندما نتناول هذه الأرقام بأسلوب سلس ودقيق. إنطلاقاً منه، سنتناول في هذه الدراسة عدداً من الحالات المتنوعة والتي تعطينا تصوّراً عاماً عن تطور انتشار فيروس كورونا في العديد من الدول، والتي تختلف كل منها عن الأخرى بإحدى العوامل.

من خلال استعراض الحالة العامة في العالم، نسنتنج أنّ الأيام العشرة الأخيرة كانت مفصلية في نشر الوباء، حيث تم تسجيل 63 % من إجمالي الحالات في العالم فقط خلال هذه الفترة كما يُظهر الرسم التوضيحي رقم 1، كما أنّ هذا الارتفاع أدى إلى ارتفاع متزامن في عدد الوفيات بحيث وصلت نسبة الوفيات في الأيام العشرة الأخيرة إلى 68 % من إجمالي الوفيات منذ بداية الأزمة. هذا الإرتفاع المتقدّم في عدد الوفيات مقارنة مع عدد الحالات الجديدة هو أكبر دليل على خطورة المراحل القادمة بالنسبة لعدد الوفيات.

أمّا في ما يخص الارتفاع في عدد الإصابات الجديدة، فالطفرة الكبيرة حدثت ونحن الآن نشهد حالة استقرار نسبي في ارتفاع عدد الحالات الجديدة كما يظهر الرسم التوضيحي رقم 2 وهو يتراوح بين 55 ألف و70 ألف، وهذا الرقم قابل للارتفاع خلال الأيام العشرة القادمة (بداية شهر نيسان) ليتخطى الـ 75 ألف حالة يومياً. العوامل المؤثرة في هذا الإستقرار حالياً تعود إلى سببين هما:


1 – إجراء عدد مستقر من الفحوصات اليومية في مختلف الدول التي تشهد ارتفاعاً في عدد الإصابات اليومية.
2 – إلتزام الحجر المنزلي في أغلب الدول التي ينتشر فيها الوباء.



نماذج حول تطور انتشار فيروس كورونا في الدول الأكثر تأثراً:


•أولاً، سنبدأ بالحالة الأكثر جدلاً وهي الصين، بؤرة انتشار فيروس كورونا.

كما يُظهر الرسم البياني أعلاه، منذ 19 شباط دخلت الصين في مرحلة الإستقرار بحيث يظهر الرسم البياني الأول من النموذج أعلاه (الرسم التوضيحي 3) بداية التحوّل نحو الخط المستقيم في إجمالي عدد الحالات في الصين، في المقابل يوضِح الرسم البياني الثاني الانخفاض في عدد الحالات المسجّلة يومياً بحيث انخفضت عن الألف حالة في اليوم منذ 19 شباط، ودون الـ100 حالة جديدة في اليوم منذ 6 آذار، الأمر الذي أدى إلى الاستقرار في إجمالي الحالات المسجلة في الصين، والمتمثلة في الخط المستقيم أعلاه.

أمّا المفارقة الأكبر والأهم في النموذج الصيني فهي الطفرة المقابلة في حالات الشفاء كما يظهر الرسم البياني التوضيحي رقم 4.

وعلى مدى شهر كامل (منذ 14 شباط إلى 14 آذار) كانت الصين تشهد حالات شفاء تتعدى الـ1000 حالة يومياً، ووصلت إلى الذروة يوم 27 شباط بحيث وصل عدد الحالات التي شُفيت 3622 حالة في ذلك اليوم.

طريقة المعالجة التي اعتمدتها الصين لمواجهة الأزمة سمحت لها اليوم بالتالي:

1 – الحد من انتشار الوباء وتخفيف عدد الإصابات إلى ما دون الـ100 إصابة يومياً.

2 – رفع نسبة الحالات التي تم شفاؤها إلى 76052 حالة من أصل 81518 حالة أُصيبت في الصين، أي قرابة 93 % من إجمالي الإصابات وبلغ عدد الإصابات قرابة الـ4 %، ويبقى فقط 3 % من الحالات التي أصيبت في الصين (قرابة 2450 حالة) مصابة بكورونا.

ويظهر الرسم التوضيحي رقم 5 جميع الحالات التي مرّت بها الصين منذ بداية الأزمة، مروراً بمرحلة الطفرة ثم وصولاً إلى الانحسار والزوال.

وكما يوضح الرسم التوضيحي رقم 5، فإنَّ المراحل الأربعة التي قمنا بتعريفها هي المراحل المتعددة التي يجب أن تمر بها كل دولة دخلها كورونا، بحيث يجب التخلص من مرحلة الانتشار الكثيف والتحول نحو الانحسار/ من أجل التعافي لاحقاً والسيطرة على كورونا، كما حدث في الصين.

في مختلف النماذج اللاحقة سنستعرض رسماً بيانياً لكل دولة يوضح أين هي مقارنة مع الصين التي أتمّت العملية بشكل كامل ووصلت إلى السيطرة على المرض تقريباً.

في مقارنة مع ما حدث في الصين وكما يظهر الجدول أعلاه والذي يتحدث عن حجم الإصابات في إيطاليا، نجد أنّ نسبة الحالات التي تعافت ما زالت قليلة وأنّ نسبة الوفيات مرتفعة مقارنة بالمعدل العالمي للوفيات والذي هو قرابة الـ5 %.

وكما يظهر في الرسم التوضيحي رقم 6 الذي يظهر الحالات المصابة من دون احتساب الوفيات والحالات المتعافية، فإنَّ إيطاليا بدأت تدخل مرحلة بداية الإنحسار وهذا الأمر قد يستغرق قرابة الـ10 أيام، وقد نتج هذا الإنحسار عن سببين:

1 – إرتفاع عدد الوفيات يومياً، بحيث سجّل معدل الوفيات اليومي فيها في الـ10 أيام الأخيرة 750 حالة وفاة في اليوم.

2 – إنخفاض أعداد الإصابات المسجلة يومياً إلى ما دون الـ5 آلاف إصابة.

3 – الإلتزام اليومي بالحجر المنزلي بهدف الوصول إلى حالة الإنحسار.

الولايات المتحدة الأميركية: النموذج الأحدث في التسارع

كما يظهر في الرسم التوضيحي رقم 7 والذي يتضمن إجمالي الحالات المسجلة، تعيش الولايات المتحدة مرحلة الانتشار الكثيف والمتسارع والذي يتمّ توصيفه اليوم بالأخطر في العالم.

ونظراً لكبر الولايات المتحدة الأميركية، ونتيجة عدم القدرة على محاصرة الوباء على غرار ما حصل في الصين، يمكننا القول إنّ أميركا قد انزلقت في الوباء وهي تعيش مرحلة تزايد سريع بدأت بتخطّي الـ20 ألف حالة يومياً.

هذه الطفرة التي تشهدها أميركا في الأيام العشرة الأخيرة ستُستكمل بوتيرة سريعة، وقد تتخطى المليون إصابة مع نهاية شهر نيسان في حال لم يتم السيطرة على الوباء.

أما بالنسبة لنسبة الوفيات المتدنية والتي وصلت إلى قرابة الـ2 %، فهي بسبب بداية طفرة الانتشار، ولم نبدأ بطفرة الوفيات التي تبدأ عادة بعد قرابة 10 أيام من بداية الإنتشار، مما يعني أن الأيام العشرة الأولى من شهر نيسان ستشهد نسبة وفيات مرتفعة جداً، وستكون مشابهة لما يحدث في أوروبا وفي بعض الأيام أقوى من أوروبا بحيث قد يتخطى العدد اليومي للوفيات الـ1000 حالة وفات في اليوم. ومن المتوقع أن تشهد الولايات المتحدة كارثة طبية في حال لم يتم السيطرة على الإنتشار فيها.

قد يكون النموذج الإيراني هو النموذج الجامع بين ما يحدث في أوروبا وما حدث في الصين، فقد بدأ الفيروس بالانتشار في إيران منذ بداية شهر آذار بحيث بدأت تسجل إيران أكثر من ألف حالة يومياً تقريباً، ولكن مقارنة مع عدد الوفيات فهي بدأت تتخطى الـ100 حالة يومياً منذ منتصف شهر آذار، وهي لم تتخط الـ150 حالة وفات يومياً إلا مرة واحدة، مما يعني أنّ السيطرة الطبية على الأمور ما زالت قائمة. لكن وكما يظهر الرسم التوضيحي رقم 8، فإنَّ عدد الحالات المسجلة يومياً ما زالت مرتفعة وهي باتت تناهز الـ3 آلاف حالة يومياً.

وفي الرسم التوضيحي رقم 9 الذي يتضمن الحالات القائمة في إيران من دون احتساب الوفيات والحالات التي تعافت، والذي يوضح أنّ وجود حالات مرتفعة من التعافي أدى إلى بعض التعرجات في الرسم التوضيحي. أما التزايد الموجود في آخر الرسم فهو يعود إلى ارتفاع عدد الإصابات اليوم في الأسبوع الأخير من شهر آذار.

يبقى على إيران أن تخفض عدد الإصابات اليومية حتى تستطيع تسطيح المنحنى للرسم البياني، خاصة أنها تمايزت في الوصول إلى نسبة مرتفعة من حالات الشفاء، ولذلك تكون إيران نموذجاً جامعاً بين نسبة حالات الشفاء المرتفعة من جهة، مقابل نسبة انتشار مرتفعة أيضاً من جهة أخرى، وهي تعود بسبب أساسي إلى عدم الإلتزام بالحجر المنزلي.

في النموذج اللبناني نتمايز في العدد الضئيل جداً من عدد الحالات التي تمّ فحصها والتي لم تتخط الـ7 آلاف حالة فحص، وقد تبيّن إصابة قرابة 7 % من إجمالي الحالات التي تم فحصها. هذا الرقم المحدود يؤكد أننا بحاجة لتوسيع دائرة الفحص، وأمام هذا الأمر صعوبات كبيرة تعود بالأساس إلى الإزدواجية بين القطاع الإستشفائي العام والخاص، وعدم جهوزية القطاع العام، والدليل على هذا الأمر هو فقط إجراء 300 فحص يومياً، بعد مرور أكثر من 40 يوماً على الأزمة.

لذلك، وفي الحديث عن لبنان، وعندما يتم البناء ضمن أي دراسة علمية على معطيات غير دقيقة، تأتي النتائج غير دقيقة. وبالتالي، يمكننا القول انَّ البناء على هذه الأرقام هو أمر غير علمي ولا يمكننا الإستناد إليه لأنّ الوطن ما زال في مشكلة القدرة على إجراء فحوصات تحديد الإصابة بالفيروس. أمّا بالنسبة لِما قمنا بطرحه في النموذج المثالي أعلاه (النموذج الصيني)، فنحن في لبنان اليوم في مرحلة بداية الإنتشار، وإذا استطعنا الإلتزام بالحجر المنزلي وعدم الوقوع في منزلق الطفرة وانتشار الوباء، فسيبقى الأمر محدوداً وفي الإطار المقبول، بالرغم من عدم وجود سياسة صحية سليمة ونسبة فحوصات أكبر يومياً.

أما على المستوى الصحي، فبين الطبابة في القطاع العام والقطاع الخاص، سيكون هناك نوعان من التعاطي في المراحل القادمة بحيث سيتحول الفقراء المصابين بكورونا إلى المستشفيات الحكومية، ويتجه الأغنياء إلى المستشفيات الخاصة، أما الإنفجار الطبي فسيكون عند وصول هذه المستشفيات إلى أقصى قدراتها الإستيعابية، وهذا الأمر يبدأ عندما يبدأ ظهور حالات مفاجئة وانتشار كثيف للفيروس، وهذا الأمر قد يبدأ في الأيام العشرة الأولى من شهر نيسان. أما الحديث عن المدة الزمنية التي يجب أن نحافظ فيها على البقاء في المنازل، فمن الضروري التأكيد على أنَّ هذه المدة غير محدودة ولا يمكن تحديدها في لبنان، ويتم تحديدها بحسب منظمة الصحة العالمية وتطور القدرات البشرية على وجود مضاد لهذا الفيروس، بالتالي إنَّ مدة البقاء في المنازل هي مدة غير محدودة.

المصدر: جريدة الجمهورية

Optimized by Optimole