عاقبوا، لكن تمسّكوا بالاتفاق النووي

Spread the love

القانونان المطروحان حول فرض عقوبات على إيران لن يؤدّيا بالضرورة إلى نسف الاتفاق النووي.

بقلم: ديفيد ديبارتولو* — في 23 آذار/مارس الماضي، اقترح مشرّعون من الحزبَين الجمهوري والديمقراطي مشروعَي قانون في مجلسَي النواب والشيوخ لتوسيع نطاق العقوبات المفروضة على إيران. من شأن هذين القانونَين أن يعزّزا تطبيق القيود المفروضة على الأسلحة بموجب قرار مجلس الأمن الرقم 22311، وأن يستهدفا برنامج الصواريخ البالستية الإيراني.
فضلاً عن ذلك، يتطرق مشروع القانون المطروح في مجلس الشيوخ (“قانون التصدي للأنشطة الإيرانية المخلّة بالاستقرار للعام 2017”) إلى العقوبات المرتبطة بالإرهاب التي يُنظَر في فرضها على الحرس الثوري الإسلامي. ومن شأنه أن يجمّد أيضاً العقوبات المطبّقة حالياً والتي يجب رفعها في نهاية المطاف التزاماً بأحكام خطة العمل المشتركة الشاملة، أي الاتفاق النووي الذي جرى التوصل إليه بين إيران والدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي زائد ألمانيا.
على الرغم من أن بعض أنصار مشروعَي القانون شدّدوا على أن الهدف من القانون المطروح في مجلس الشيوخ ليس تعطيل الاتفاق النووي، إلا أن مسؤولين سابقين في إدارة أوباما ومجموعاتناشطة أعربوا عن خشيتهم من أن هذا القانون قد يتسبّب بعرقلة تنفيذ الولايات المتحدة لالتزاماتها بتخفيف العقوبات المنصوص عليها في خطة العمل المشتركة الشاملة، ماقد يمنح إيران ذريعة لفرض شروط بشأن أدائها المنصوص عليه في الاتفاق. تشي قراءة معمّقة أن مشروعَي القانون قد يعرقلان تنفيذ الاتفاق، لكن إذا مافُسِّرا وطُبِّقا بعناية وتأنٍّ، قد لايؤدّيان بالضرورة إلى حرفه عن مساره الصحيح.

قيود الأمم المتحدة على السلاح
فرض القرار 2231، الذي صادق على الاتفاق النووي ونص على وقف العمل بالعقوبات التي كانت تفرضها الأمم المتحدة سابقاً على إيران، قيوداً ملزمة تمنع إيران من تصدير الأسلحة والمواد ذات الصلة. وحظّر أيضاً نقل بعض الأسلحة الثقيلة – دبّابات المعارك، والمركبات القتالية المدرّعة، ونظم المدفعية ذات العيار الكبير، والطائرات القتالية، والمروحيات الهجومية، والسفن الحربية، والصواريخ أو النظم الصاروخية – والمواد ذات الصلة إلى إيران.
ينص مشروع القانون المطروح في مجلس النواب على فرض عقوبات على الجهات الضالعة في ارتكاب انتهاكات كبرى للقيود التي فرضتها الأمم المتحدة، والتي تبقى سارية المفعول حتى تشرين الأول/أكتوبر 2020 (إلا إذا جرى وقف العمل بها قبل هذه المهلة، في حال توصّلت الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى استنتاج بأن جميع المواد النووية في إيران تُستخدَم لأغراض سلمية).
في المقابل، يغطّي مشروع القانون المطروح في مجلس الشيوخ أنشطة أقل، إذ يفرض عقوبات فقط على نقل الأسلحة الثقيلة المشار إليها آنفاً والمواد ذات الصلة من أو إلى إيران، وليس على صادرات إيران من الأسلحة الصغيرة والخفيفة– على الرغم من أن هذه الصادرات محظورة بموجب القرار 2231.
يشكّل استخدام القائمة السوداء الأميركية لمعاقبة منتهكي القيود التي تفرضها الأمم المتحدة على الأسلحة (كما هو حال مشروع القانون المطروح في مجلس النواب الأميركي)، طريقة متطورة لاستخدام أدوات أحادية نافذة من أجل تعزيز تطبيق تدابير متعددة الأطراف كانت لتفتقر إلى الفاعلية لولا ذلك. من هذا المنطلق، فإن إغفال مشروع القانون المطروح في مجلس الشيوخ للعقوبات على صادرات الأسلحة الصغيرة المحظورة من الأمم المتحدة أمرٌ مثير للاستغراب – ولاسيما أن هناك تقارير عدة، بما في ذلك تقارير تلك الصادرة عن الجيش الأميركي، حول حظر الأسلحة الصغيرة التي يُحدَّد أن مصدرها هو إيران.

عقوبات إلزامية على الصواريخ البالستية
يفرض مشروع القانون المطروح في مجلس الشيوخ عقوبات على الجهات الضالعة في نشاط ساهم مادّياً (أو يمكن أن يساهم مادياً) في برنامج الصواريخ البالستية الإيراني أو سواه من النظم القادرة على حمل أسلحة دمار شامل. وتطال هذه العقوبات الأطراف التابعة والداعمة للجهات المذكورة، ووكلائها.
وهذا الطرح هو، من نواحٍ عدّة، استنساخٌ للسلطة الاستنسابية التي تتمتع بها حالياً وزارتا الداخلية والخزانة، والتي تتيح لهما إخضاع العقوبات المتعلقة بالصواريخ البالستية للقرار التنفيذي 13382. غير أن مشروع القانون المطروح في مجلس الشيوخ يذهب أبعد في بعض المجالات – مثل طلب إدراج الجهات المسيطِرة على الأشخاص الذين يساهمون في برنامج الصواريخ البالستية الإيراني، على قائمة العقوبات. أما الأحكام الواردة في مشروع القانون المطروح في مجلس النواب حول العقوبات على الصواريخ البالستية، فقد صيغت بطريقة مختلفة وتركّز بوضوح أكبر على الأفرقاء الدولتيين لكن يبدو أنها ستغطي الأنشطة نفسها إلى حدٍّ ما. بيد أن مشروع القانون هذا لايفرض عقوبات على من يتخذون الإجراءات اللازمة لتجنّب انتشار أنشطتهم.
بصورة عامة، لابدّ من توخّي الحذر عند تحويل العقوبات الاستنسابية إلى عقوبات إلزامية. فالسلطة الاستنسابية تُحدَّد وتُفسَّر عموماً في إطار موسَّع، ما يمنح صنّاع السياسات مجموعة واسعة من الخيارات الاستهدافية – بما في ذلك القدرة على تكثيف الضغوط مع مرور الوقت، وتحفيز السلوك المنشود، والاحتفاظ بالعقوبات حتى مرحلة لاحقة استجابةً لحالات قد تطرأ في المستقبل. عند زوال الاستنسابية، قد لاتتبلور النتائج في إطار استراتيجية متماسكة. وبالمثل، عندما تُمارَس مثل هذه السلطة الواسعة إلى أقصى حد، قد تبدو النتائج عشوائية وغير مركَّزة، فتبدو العقوبات وكأنها ذريعة لإنزال العقاب. علاوةً على ذلك، ولأن العقوبات الإلزامية غالباً ما تُفسَّر تفسيراً ضيقاً نسبياً (للسبب عينه الذي تُفسَّر فيه العقوبات الاستنسابية تفسيراً واسعاً: تزويد صنّاع السياسات بالمرونة)، قد يؤدّي استخدام الشروط نفسها في الحالتَين، للمفارقة، إلى قيام صنّاع السياسات بإعطاء تفسير ضيق للسلطة الاستنسابية.
إلى جانب هذه المخاطر العامة، قد يواجه الاتفاق النووي تحدّياً هائلاً في حال تبيّن أن أي شخص شُطِب اسمه عن القائمة السوداء بموجب الاتفاق، قد دعم برنامج الصواريخ البالستية الإيراني بعد إقرار هذا القانون، وبالتالي يصبح خاضعاً للعقوبات بشكل إلزامي (إذا ما افترضنا أن الرئيس الأميركي رفض التنازل عن فرض هذه العقوبات، علماً بأن مشروعَي القانون على السواء يمنحانه هذه السلطة). غالب الظن أن إيران ستعتبر أن عملية إعادة الإدراج على القائمة السوداء هذه تشكّل انتهاكاً للاتفاق النووي. في مثل هذا السيناريو، يمكن المحاججة بأن هذه العملية تتطابق مع الاتفاق لأنها غير مرتبطة بالأسلحة النووية، لا بل تستند إلى الدعم المُقدّم مؤخراً إلى برنامج الصواريخ البالستية الإيراني. لكن يبقى أن نرى إذا كان شركاء واشنطن وحلفاؤها في تنفيذ العقوبات، سيقتنعون بهذا الأمر.
العقوبات المفروضة على الحرس الثوري والمرتبطة بالإرهاب
ينص مشروع القانون المطروح في مجلس الشيوخ على فرض العقوبات المعمول بها بموجب القرار التنفيذي 13224 – السلطة العالمية المخوّلة تحديد العقوبات التقديرية المتعلقة بالإرهاب – على الحرس الثوري الإسلامي ومسؤوليه وعملائه والجهات التابعة له. لقد حظيت هذه الفقرة، التي لانظير لها في مشروع القانون المقترَح في مجلس النواب، بالكثير من الاهتمام. فقد اعتبر البعض أن الوقت حان لإدراج الحرس الثوري الإسلامي على قائمة التنظيمات الإرهابية، فيما حذّر آخرون من أن القيام بذلك قد يعرّض للخطر القوات الأميركية التي تحارب تنظيم الدولة الإسلامية، وترى بعض الجهات في الكونغرس في هذا الأمر، كما أُفيد، طريقة ذكية للإيحاء بإمكانية تصنيف الحرس الثوري كتنظيم إرهابي من دون القيام بذلك فعلياً.
إذا أُبقي على هذه الفقرة في مشروع القانون على الرغم من التحفظات بشأنها، فقد تكمن أهميتها في شكل أساسي في عين ناظرها. فالحرس الثوري الإسلامي ومسؤولوه وعملاؤه والجهات التابعة له يخضعون أصلاً، بموجب سلطات أخرى – منها قانون خفض التهديد الإيراني وحقوق الإنسان في سورية للعام 2012 – لعقوبات مطابقة فعلياً لتلك المعمول بها بموجب القرار التنفيذي 13224. نتيجةً لذلك، يبدو أن هذه الفقرة لاتحتاج إلى مزيد من الخطوات التنفيذية. في الواقع، لايصنّف مشروع القانون الحرس الثوري كتنظيم إرهابي، أو يفرض إدراجه في هذه القائمة، أو يُملي على السلطة التنفيذية تحديد ما إذا كان الحرس الثوري الإسلامي تنظيماً إرهابياً (كما يرد في مشروع قانون مقترح آخر). وفي حين يشير مشروع القانون، في استنتاجاته، إلى دعم الحرس الثوري الإسلامي “لأعمال الإرهاب الدولي”، يمتنع عن تصنيفه في خانة “التنظيمات الإرهابية”. يندرج هذا في إطار المقاربة التي اعتمدتها وزارة الخزانة الأميركية في العام 2007، عبر وصفها فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإسلامي بأنه يدعم الإرهاب (وليس باعتباره تنظيماً إرهابياً).

تجميد العقوبات الراهنة
ينص مشروع القانون المطروح على مجلس الشيوخ أيضاً على الإبقاء على العقوبات المعمول بها راهناً والمفروضة على خلفية المساهمة في برنامج الصواريخ البالستية الإيراني. لهذا الأمر تداعيات على الاتفاق النووي، ذلك أن الولايات المتحدة التزمت في خطة العمل الشاملة المشتركة بشطب 42 شخصاً وكياناً عن القائمة السوداء في “يوم الانتقال” (الذي يقع ضمن مهلة أقصاها تشرين الأول/أكتوبر 2023).
صحيح أن هذه الفقرة قد تجعل تنفيذ الاتفاق أكثر صعوبة، إلا أنه لن يكون مستحيلاً. ففي مختلف السيناريوهات، وعندما يحين موعد يوم الانتقال، سوف يتعيّن على الإدارة الأميركية أن تقرّر ما إذا كانت ستشطب الجهات المستهدَفة الـ42 المتبقية عن القائمة السوداء، فتكون قد وفت بالتزامات الولايات المتحدة. يتيح مشروع القانون المطروح في مجلس الشيوخ تعليق فرض هذه العقوبات في حال ترافق مع إثبات بأن الجهة المستهدَفة لم تدعم برامج الصواريخ البالستية الإيرانية أو الإرهاب في الأشهر الثلاثة السابقة، أو مع تنازل رئاسي من منطلق أن التعليق حيوي لمصالح الأمن القومي الأميركي. وفي حال تقديم هذه الإثباتات أو التنازل الرئاسي، يبقى احتمال تحديد العقوبات قائماً. فإذا تبيّن أن جهة مستهدَفة ما باشرت من جديد دعم برامج الصواريخ البالستية الإيرانية أو الإرهاب بعد تقديم الإثبات، ينص مشروع القانون على إعادة فرض العقوبات، في حين أنه يُشترَط تجديد التنازل الرئاسي كل 180 يوماً. غير أن هذا الأمر قد يطرح تحدّياً في مرحلة معيّنة.
أخيراً، يتوقّف السياق بكامله على مدّة العمل بأحكام هذه العقوبات. فبحسب الصياغة المعتمدة، تبقى العقوبات الجديدة في مشروع القانون المقترَح في مجلس الشيوخ، سارية المفعول حتى أجل غير مسمّى، في حين أن العقوبات الواردة في مشروع القانون المطروح في مجلس النواب تنتهي سنة 2026 مع باقي العقوبات المنصوص عليها في قانون العقوبات على إيران.

* تعبّر وجهات النظر الواردة في هذا المقال عن آراء كاتبها (وهو راهناً في إجازة من عمله في وزارة الخارجية)، ولاتعكس بالضرورة موقف الولايات المتحدة أو وزارة الخارجية الأميركية.

المصدر: موقع كارنيغي الشرق الأوسط

Optimized by Optimole