صلب الحلاج

صلب الحلاج
Spread the love

كتبه الباحث والناقد الهندي: شكيل الرحمن.
ترجمه عن الأُردية: هاني السعيد/

كان الحسين بن منصور الحلَّاج يسير راقصًا نحو المشنقة، حيث يواجه العقوبة عن قوله: “أنا الحق”.
كل الواقفين هناك كانوا يرجمونه بالحجارة.
فأمسى غارقًا في دمائه، حتى بدا تجسيدًا لها.
غير أنَّ صوت “أنا الحق” وإيقاع رقص الحلَّاج… كانا منجذبين إلى بعضهما، فيما تتناثر دماؤه بسرعة متناهية هنا وهناك مصاحبةً هذا الصوت: “أنا الحق .. أنا الحق”، وهو ما زال يسير ضاحكًا.
كان بين الواقفين الذين يرجمونه بالحجارة ثمة رجل يعرِف المنصور حقَّ المعرفة، ويَعِي أيضًا ما يقوله، ولِمَ يرقص وهو متَّجهٌ صوب المشنقة، كما يعرِف أيضًا لِمَ تتجاوبُ أصداء صوت “أنا الحق”. لقد كان يعلم أنَّ المنصور برئ؛ فأَنَّى للحسين بن منصور الحلَّاج أن يكون هناك، ما هنالِك سوى صوت الله. وما رقصُ الحلاج إلا حركةً مترنِّمة لهذا الصوت، وما انبثق عنه من وَجد إنما هي صورته المتحركة.
تقدَّم هذا الرجل -الذي كان واقفًا بين الرَّاجمين بالحجارة- إلى الأمام،
ورجم المنصور مترَفِّقًا بوردة جميلة.
ثم اختفى بين الناس … إذ كان يتوجَّسُ أن يلحظ أحدهم هذا الذي رجم الحلَّاج بوردةٍ جميلة وسْط وابل الأحجار.
أما الحسين بن منصور الحلَّاج -الذي كان مغمورًا بدمائه وسْط معمعة الرَّجم المتلاحق.
هذا الذي كان يحتفل راقصًا بأبهج فرحةٍ في حياته.
هذا الذي كان يضحك بلا انقطاع، وما زال يسير كما هو ضاحكًا.
إذا به يصمت على نحو مفاجئ.
ثم راحت الدموع تتقاطر من عينيه.
ولما استخبره أحد الواقفين إلى جواره قائلًا: “لقد كنت تضحك لتوِّك، وعلى الرَّغم من انغماسك في الدماء كان رقصك متواصلًا، وصوتك صَدَّاحًا. فما الذى أصابك بغتة حتي تبكي؟”
ولِمَ أجهشت بالبكاء فجأة بعد أن رجمك أحدهم بوردة؟
ردَّ عليه المنصور بقوله:
“إنَّ الرجل الذي رجمني بالوردة يعلم أنني برئ، لكنه لم يجرؤ على أن يقول -أمام كل هؤلاء الناس الذين يرجمونني بالحجارة-: إن المنصور برئ، إنهم يرجمونني لأنهم لا يعلمون، وأنا أدعو الله لهم قائلًا: اللهم اغفر لهم فإنهم لا يعلمون. إن هؤلاء الذين يرجمونني بالحجارة تباعًا ويدمون جسدى هكذا دون أن يعرفوا الحقيقة كلهم أبرياء، أخبرني أنت! بماذا أناجي الله فى شأن هذا الرجل الذي يوقن ببراءتى، ولكنه لم يجرؤ على المجاهرة بها، ماذا أسأل الله له؟ إنما تتقاطر الدموع من عيني؛ لأنه إن كان قد رجمني بوردة فهذا لعلمه ببراءتي، غير أنه لم يستطع أن يستبسل ليصارح الناس بأن المنصور برئ!”

Optimized by Optimole