ستة توجهات كبرى ستؤثر في مستقبل السياسة الدولية في القرن 21

Spread the love

بقلم: أ . محمد بن سعيد الفطيسي – باحث في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية، رئيس تحرير مجلة السياسي – المعهد العربي للبحوث والدراسات الاستراتيجية

تمهيد :::
(نحن مسافرون باستمرار في رحلة استكشاف نحو المستقبل، ولكننا لسنا سياحاً يرافقنا دليل يستطيع أن يخبرنا تماماً ماذا سنصادف أمامنا ليبقينا مرتاحين وبأمان. على العكس، نحن مستكشفون في منطقة مجهولة وخطرة لم يسبقنا إليها أحد أبداً من قبل) ([1]) .
على ضوء ذلك يمكن القول إن هذا الطرح هو واحد من تلك التحليلات الاستشرافية التي تحاول إستقصاء واستقراء بعض تلك التوجهات العالمية الكبرى التي ستؤثر في مستقبلنا السياسي والأمني، والتي نجد أنها بدأت بالتشكّل في تلك المنطقة المجهولة والخطرة من رقعة الشطرنج الدولية، من خلال توقع بعضها بناء على معطيات ووقائع الحاضر القائم.، وذلك بهدف تمكين متخذ القرار السياسي والأمني من بناء احتمالات وصياغة سيناريوهات لمفاجآت يمكن أن تحدث في المستقبل على رقعة الشطرنج العالمية بوجه عام، والشرق أوسطية على وجه الخصوص. ومعرفتنا بها قبل أن تقع ولو بفترة زمنية مقبولة، يمكن أن يعطينا قدرة أكبر على المناورة من جهة، واحتواء أكبر قدر ممكن من انعكاساتها وتأثيراتها السلبية على الداخل الوطني من جهة أخرى.
وتعد تلك التوجهات والمتغيرات السياسية والجيوسياسية القائمة على التشكل اليوم على رقعة الشطرنج الدولية في الواقع مؤشرات على أحداث قادمة أكبر وأخطر بكثير مما يتوقعه البعض منا. لذا يمكن القول إن محاولة السعي لاستشراف تلك التوجهات المعاصرة وفهم تداعياتها وتأثيراتها ستساعدنا كثيراً على صناعة قراراتنا وتوجهاتنا العسكرية والأمنية والسياسية المستقبلية التي يجب علينا اتخاذها على المستويين القريب والمتوسط على أقل تقدير وبشكل أكثر حرفية ودقة وواقعية. فلا غرابة أبداً فيما يحدث اليوم من تحولات عابرة للحدود الوطنية ربما يكون قد تم توقع حدوثها قبل عقود طويلة من الزمن من قبل بعض الخبراء والمراقبين بناء على معطيات ومقاربات ووقائع تاريخية اعتبرت وقتها مجرد أوراق مستقبلية غرائبية، بينما نشاهدها اليوم واقعاً نعيشه بكل تفاصيله.
فالفرصة (التي قد تسنح لنا لتجنب كارثة في المستقبل، أو على الأقل لإعداد استراتيجيات لمواجهتها، هي مبرر كافٍ لتفحص إمكانات حدوث الأوراق الغرائبية، فهذه الأوراق شديدة الغرابة قد تطلق سلسلة من الأحداث التي قد تكون أسوأ بكثير من الحادث الأول نفسه. مثلاً إن كارثة طبيعية كبرى قد تؤدي إلى وباء على امتداد الكوكب، مما يؤدي إلى أن تغلق الدول حدودها، ما يؤدي بدوره الى انهيار صناعة خطوط الطيران وهكذا)([2]). وما المشكلات والأزمات السياسية والعسكرية التي تنتشر في كل أنحاء كوكبنا الأرضي اليوم، بل وتغزو الفضاء من حولنا سوى امتداد لتلك السياسات والتوجهات الناتجة عن الصراع على القوة والنفوذ والسيطرة وتضارب المصالح الجيوسياسية بين الفواعل والقوى الدولية.
والأسئلة التي يجب أن تطرح في هذا السياق هو: ما مدى تأثير انعكاس تلك الاتجاهات العالمية القائمة على التشكل في أنظمة الحكم وبناء القوة والنفوذ على رقعة الشطرنج الدولية على أمننا الوطني وسياستنا الخارجية؟ وكيف يمكن أن تلامس تلك الاتجاهات العابرة للحدود الوطنية البيئة السياسية والأمنية الوطنية؟ وبالتالي ماذا يجب أن نفعل؟ وكيف يجب أن نتصرف؟
إذا أخذنا في الاعتبار أن عالمنا القائم على التشكل ستحكمه دول كثيرة ومتعددة الأحجام وأشكال الحكم على حساب فكرة الاستقطاب والأنظمة المحكمة، سواء كان ذلك عبر التمرد أو التنمر على النظام القطبي أو القوى الكبرى، وستنتهي معه الدولة السياسية كنواة مكونة للنظام العالمي باتجاه التفتيت والتقسيم الجغرافي الى دويلات صغيرة أقرب ما تكون الى دول افتراضية، في بيئة دولية مشحونة بفوضى القوة وانتشار السياسات العسكرية وعسكرة المواقف السياسية، مع ارتفاع واضح في منسوب الصراعات القومية والدينية على رقعة الشطرنج الدولية بوجه عام والمرجل الشرق أوسطي خصوصاً.
لذا يمكن القول إن أبرز ستة توجهات كبرى عالمية قائمة على التشكل اليوم على رقعة الشطرنج الدولية من وجهة نظري، ولا شك أن انعكاساتها ستؤثر على مستقبل البشرية والاستقرار والسلام العالميين من جهة، وعلى توجهاتنا وقراراتنا الوطنية المتعلقة بالسياسة الدولية والأمن الوطني من جهة أخرى، على اعتبار أننا جزء لا يتجزأ من المنظومة الدولية، ولا شك أبداً أن كل ذلك سيلامسنا في البيئة الوطنية في وقت ما. هذا إذا لم نكن أصلاً قد بدأنا نعايش ونتأثر بتلك التوجهات الكبرى منذ زمن طويل. وتلك التوجهات والأوراق الغرائبية هي:
أولاً: تشظي النظام الدولي القائم على المركزية أو الثنائية القطبية أو حتى التعددية باتجاه ولادة ما يطلق عليه بنظام حكم الكثرة، وما سيواكب هذا النظام من ارتفاع مستوى علاقات الخصومة بين الدول حول مئات القضايا والمشكلات وعلى مختلف الأصعدة.
ثانياً: فكرة مثيري القلاقل والتي يقصد بها ظهور العديد من الدول الصغيرة حول العالم، التي تحاول بطريقة او بأخرى الصعود والتصرف كقوى إقليمية على أقل تقدير، مستخدمة لتحقيق ذلك كل الوسائل المشروعة وغير المشروعة، بداية بالطرق الناعمة ومروراً باستخدام التهديد كوسيلة من وسائل القوة، وليس انتهاء بزرع القلاقل والفتن وتصدير الثورات والتدخل في شؤون الآخرين.
ثالثاً: فكرة تفتيت الدول الى دويلات تنتهي معها الجغرافيا السياسية. بمعنى آخر، تقسيم الدول وتجزئتها وتفكيك النواة التقليدية المكونة للنظام العالمي، أي الدولة جراء صراع التيارات الداخلية والأقليات المنادية بالانفصال بهدف الحصول على الحكم الذاتي عن الدولة المركزية. سواء كان الدافع لذلك سياسي أو ثقافي . قومي . أو عرقي أو غير ذلك من أشكال الاستقلال والرغبة في الانفصال والاستقلال عن الدولة المركزية .
رابعاً: البدء بتمييز وملاحظة نمط جديد من المجتمعات المتداخلة قائماً على التشكل ونوع من الإدارة يحملان شيئاً من الشبه بالوضع الذي كان سائداً قبل أن يصبح نظام الدول ذا طابع رسمي حيث سيتراجع مع الوقت نوعاً ما عنصر مهم من عناصرها المكونة لبنائها القانوني والسياسي، وهو عنصر السيادة الوطنية بطريقة أو بأخرى، باتجاه ما يمكن أن يطلق عليه في العقود القادمة بالدولة الرقمية او الافتراضية.
خامساً: تشتت القوة والنفوذ والسلطان بعيداً عن المركز ونظام أحادي أو ثنائي الأقطاب، باتجاه حقل تعددي الأطراف. لذا ستكون البيئة الدولية حينها مشحونة بالفوضى وسياسات القوة وعرض العضلات هي من سيحكم . وستكون القوة او التهديد بالقوة الحكم النهائي. وفي هذه البيئة فإن الدول جميعها ستشعر بأنها غير آمنة، ما سيدفعها الى البحث عن رادع لاحتواء تلك المخاطر، والذي سيؤدي بدوره الى مزيد من عسكرة المواقف والسياسات العسكرية.
سادسا وأخيراً: النظام العالمي يتجه اليوم بخطوات متسارعة وثابتة الى طريق الحروب والصراعات التي ترتبط ارتباطاً كاملاً بصراع الأيديولوجيات أو الصدوع الثقافية من جهة، والحروب الطائفية والقومية من جهة أخرى، وذلك نتيجة لتلك المحفزات النفسية والدينية والاقتصادية التي تستغلها بعض الدول والمؤسسات والجماعات الدولية المتعصبة أو النفعية بغرض تجاري أو سياسي أو اقتصادي وليس بالضرورة أن تكون جماعات متشددة.
لذا سنتناول كل توجه من تلك التوجهات العالمية الكبرى سالفة الذكر بشيء من التفصيل، مع طرح بعض الأسئلة التي يمكن من خلالها فهم الطرح بشكل أوضح، على أن نختم كل توجه بذكر بعض المعطيات والنتائج النهائية التي ستترتب عليه وستؤثر على رقعة الشطرنج الدولية، ومنه على القرار السياسي والأمني الوطني.

تحميل كامل الدراسة إضغط هنا
ستة توجهات

Optimized by Optimole