حزب الله وإشكالية التوفيق بين الأيديولوجيا والواقع

حزب الله وإشكالية التوفيق بين الأيديولوجيا والواقع
Spread the love

*تنويه: نشرت هذه الدراسة في مجلة شؤون الأوسط في كانون الثاني – يناير 1997. ونعيد نشرها لحفظها كوثيقة وإتاحتها للباحثين برغم مرور نحو عقدين عليها وحصول الكثير من التغيرات في لبنان والمنطقة، أبرزها تحرير جنوب لبنان والبقاع الغربي من الاحتلال الإسرائليي عام 2000 والانسحاب السوري من لبنان عام 2005 ودخول حزب الله في الحكومة اللبنانية وتوقيعه وثيقة التفاهم مع التيار الوطني الحر عام 2006، إلى حرب تموز يوليو 2006 ومشاركته في الحرب السورية منذ 2012.
——————————————————————

بقلم: د. هيثم مزاحم – مركز بيروت لدراسات الشرق الأوسط — لا يزال “حزب الله” ظاهرة جديرة بالدراسة لما يثيره من جدل واسع في لبنان والمنطقة نتيجة لإستمرار مقاومته العسكرية للإحتلال الإسرائيلي في الجنوب والبقاع الغربي من جهة، وبسبب أيديولوجيته “الأصولية” وعلاقته الوثيقة بالجمهورية الإسلامية الإيرانية من جهة أخرى.
وعلى رغم مرور نحو 14 عاماً على تأسيس هذا الحزب، إلاّ أن مبادئه وأهدافه لا تزال شبه مجهولة بالنسبة لبعض اللبنانيين، أو يساء فهمها من بعضهم الآخر. وهذه مسألة غربية في بلد صغير كلبنان يتميز بالشفافية الإعلامية، وشعبه مسيس جداً، فيما يملك حزب الله نفسه وسائل إعلامية متنوعة. ولعل أبرز المسائل الواردة في خطاب حزب الله والتي تثير تساؤلات حوله وانتقادات واتهامات له، هي التالية:
– الأيديولوجية الإسلامية الثورية التي يتبناها الحزب والتي تدعو إلى تغيير الأنظمة القائمة في دول العالم العربي والإسلامي، وإقامة الحكم الإسلامي فيها، وتوحيد الأمة الإسلامية، الأمر الذي يثير مخاوف حكومات عربية وغربية وفئات لبنانية، في مقدمتها المسيحيون.

– القضية الفلسطينية: يدعو حزب الله إلى تحرير كل فلسطين المحتلة “من النهر إلى البحر” وإزالة إسرائيل من الوجود، وهذا يقلق الإسرائيليين والأمركيين، إضافة إلى قطاع كبير من اللبنانيين الذين يخشون تحمل تبعات هذه الدعوة.

– علاقة حزب الله بإيران: يرتبط الحزب بالجمهورية الإسلامية الإيرانية ارتباطاً دينياً وعقائدياً ويحظى بدعمها السياسي والمالي، بحيث يطعن في ولائه الوطني ويعتبر “حالة إيرانية”، فيما يتهمه البعض بالإرهاب والتطرف، بينما يشك آخرون بالأهداف الحقيقية لعمليات “المقاومة الإسلامية” ضد الإسرائيليين واحتمال توظيفها لأهداف سياسية أو أيديولوجية إقليمية تضر بالمصالح اللبنانية.

ومع إدراكنا المسبق بـأن معظم هذه الإنتقادات لحزب الله يرتبط بخلفيات ومجريات الصراع السياسي/ الطائفي والتنافس الحزبي/ السلطوي في لبنان، إلاّ أن ذلك لا ينفي باعتقادنا أن يكون بعضها “كلمة حق (وإن) يُراد بها باطل”.
من هذا المنطلق، سنعرض لهذه الإنتقادات. لكن قبل ذلك ينبغي البحث عن أسباب سوء الفهم لمبادئ الحزب وأهدافه.

نشاة حزب الله
ظهر حزب الله تحت وطاة الإجتياح الإسرائيلي عام 1982، وذلك كإطار جامع للمجموعات الإسلامية الشيعية المؤمنة بنظرية “ولاية الفقيه” المتمثلة في قيادة الإمام الخميني في حينه، من اجل مقاومة الغزو الإسرائيلي وإفرازاته. ويمكن القول إن نشأة “المقاومة الإسلامية” قد سبقت نشأة الحزب، أو بتعبير آخر خرج الحزب من رحم المقاومة.

وهكذا فإن الهم الأساس لقيادة هذا الفصيل التي سميت “مجلس الشورى”، كان تنظيم أعمال “المقاومة الإسلامية” والتنسيق بين مجموعاتها، ولم تكن بعد في صدد تأسيس حزب بالمعنى الإصطلاحي للكلمة، وبالتالي وضع ميثاق أو دستور يحدد مبادئ وأهداف الحزب، أو رسم هيكليته التنظيمية، بل إن الإعتماد الرسمي لتسمية ” حزب الله- الثورة الإسلامية في لبنان” تاخر حتى أيار/ مايو 1984 حيث أنشئ مكتب سياسي للحزب، وتقرر إصدار صحيفة أسبوعية هي العهد.

ولم يُعلن رسمياً عن الحزب إلاّ في شباط/ فبراير 1985 في الرسالة المفتوحة للمستضعفين التي شكلت ما يشبه ميثاق الحزب. ومع ذلك بقي حزب الله بقيادته وبنائه التنظيمي الأولي في عالم السرية، وبقيت أسماء أعضاء “مجلس الشورى” والهرمية التنظيمية في الحزب وآلية اتخاذ القرارات فيه- وربما لا تزال حتى الآن – سرية حتى بالنسبة لعضاء الحزب.

توصيف حزب الله
كان الحزب لسنوات عدة بعد تأسيسه يرفض اعتبار نفسه حزباً بالمعنى التنظيمي الضيق للحزب، بل كان يعتبر الأمة بكاملها إطاراً للحزب. من هنا أطلق شعار “أمة حزب الله”. ولم تمض سنوات حتى تخلى الحزب عن هذا الشعار لاستحالة تجسيده في لبنان بعد أن تحول الحزب تدريجياً إلى حزب سياسي/ عسكري ذي هرمية تنظيمية معقدة.
وتعود إشكالية التوصيف عند حزب الله إلى رغبته في التماثل مع التعريف القرآني لحزب الله ﴿ ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون﴾ (سورة المائدة آية 56)، وذلك لأن الآية القرآنية شاملة لكل المؤمنين الذين يلتزمون الله ورسوله والمؤمنين، ولا يمكن لأحد أند يدعي احتكاره لهذه الصفة وتقييدها في حزب أو اتجاه مهما علا شأنه وسمت أفكاره وكثر أنصاره، لأن الآخرين خارج الحزب سيظهرون كأنهم ليسوا “حزب الله” القرآني.
وأعتقد أن هذا التوصيف لم يعد ينسجم مع واقع الحزب الذي يمكن وصفه الآن بحزب سياسي إسلامي يمارس المقاومة العسكرية ضد الإحتلال، ذلك لأن المقاومة العسكرية ليست سوى وسيلة لتحقيق غاية سياسية وطنية أو دينية، أي تحرير الأراضي المحتلة. ولو افترضنا أن المقاومة حققت الغاية من وجودها، فهل يعني ذلك انتهاء دور “حزب الله”.
الإجابة طبعاً هي النفي، لأن الحزب يطرح نفسه كحزب تغييري إسلامي يسعى لإصلاح النظام السياسي اللبناني، إن لم يكن في الإمكان إقامة نظام إسلامي بديل منه.
ميثاق الحزب
تعتبر الرسالة المفتوحة للمستضعفين التي أعلن فيها حزب الله توجهاته الفكرية واهدافه السياسية، بمثابة الوثيقة الأساسية الصادرة عن الحزب، والتي تحدد مبادئه الأيديولوجية وأهدافه السياسية. وعلى رغم انقضاء 11 عاماً على صدورها، وتجاوز الحزب للكثير من بنودها وتوجهاتها السياسية، إلاّ انها لا تزال الوثيقة الفكرية/ السياسية الرسمية الوحيدة، إذ لم يضع الحزب وثيقة جديدة معدلة تبرز التحولات التي أجراها في مواقفه السياسية بفعل تغير الظروف المحلية والإقليمية والدولية، وتفسر أسباب هذه التعديلات وتبررها من الناحية الأيديولوجية، ولاسيما تلك المعاضة مع مبادئ الحزب وأهدافه.
ولعل البرنامجين الإنتخابيين اللذين خاض الحزب على أساسهما الإنتخابات النيابية عام 1992، ثم عام 1996 يكشفان معظم التعديلات التي أدخلها الحزب على خطابه السياسي بمقتضى القراءة الواقعية للظروف السياسية الإقليمية من جهة، وتحوّل رؤيته لواقع الكيان اللبناني ذي التعددية الدينية والسياسية. غير أن هذه التعديلات لم تصل إلى حد إعادة النظر في الخطاب الأيديولوجي / الديني للحزب.

تحول الحزب وأسبابه
من نافل القول إن الشعارات والأهداف التي أطلقها حزب الله في بداياته، قد تأثرت بأجواء الهزيمة والغنكسار وسقوط الشعارات والأيديولوجيات التي أحدثها الغزو الإسرائيلي للبنان (1982) وهيمنة النظام الفئوي الذي أفرزه من جهة، وباجواء الإنتصارات الإيرانية في الحرب العراقية – الإيرانية، والتي كانت تعد باسقاط النظام العراقي ومتابعة الزحف نحو القدس من جهة أخرى. لذلك كان من الطبيعي أن يغلب عليها طابع الحماس التعبوي الثوري و”الميسانية” (Messianism) الغيبية المثالية، على غرار كل الحركات الثورية في العالم.
وإذا كانت الثورة تتوقعن (تصبح واقعية) عندما تتحول إلى دولة، فإن الحزب الثوري أيضاً يتوقعن عندما يصطدم بحسابات القوى الإقليمية والدولية. وهكذا تنتقل الحركة الثورية من “ما ينبغي أن يكون” إلى “ما يمكن أن يكون” في مواجهة “ماهو كائن”.
من هنا ليس مستغرباً الكلام على تحولات في رؤية حزب الله ومواقفه السياسية، بغية التكيف مع المتغيرات العالمية والإقليمية والمحلية.
أما أبرز تحولات حزب الله فهي التالية:
– الموقف من النظام اللبناني: كان حزب الله يعتبر النظام اللبناني “صنيعة الإستكبار العالمي، وجزءاً من الخارطة السياسية المعادية للإسلام… تركيبة ظالمة في أساسها، لا ينفع معها أي إصلاح أو ترقيع، بل لابد من تغييرها من جذورها”. وهو كان يدعو إلى نظام متحرر من التبعية للغرب، يقرره الشعب بمحض اختياره وحريته، ويطمح أن يُعتمد النظام الإسلامي في لبنان على قاعدة الإختيار الحر للشعب.

وبعد توقيع اتفاق الطائف عام 1989، كتسوية للأزمة اللبنانية تضع نهاية للحرب الأهلية وتقضي بتعديل الدستور لإلغاء الهيمنة المارونية، عارض حزب الله الإتفاق لكونه يقوم بإصلاحات ترقيعية للنظام اللبناني دون تغييره أو إصلاحه جذرياً. لكنه قبل بنتائج الغتفاق العملية من إنهاء الحرب وتوحيد لبنان وعودة مؤسسات الدولة، إلى حلّ الميليشيات وانتشار الجيش اللبناني في الأراضي اللبنانية كافة.
وبدأ التحول الأساسي في موقف حزب الله من النظام اللبناني عندما شارك في الإنتخابات النيابية عام 1992 ودخل البرلمان اللبناني بكتلة متنوعة طائفياً، فأصبحت معارضته للنظام من داخل مؤسساته الدستورية.
وهكذا لم يعد حزب الله يدعو إلى إقامة نظام إسلامي في لبنان لإدراكه عدم واقعية هذا الطرح في الظروف الراهنة، إنما أصبح يركز في خطابه السياسي على إصلاح النظام السياسي عبر إلغاء الطائفية السياسية وغيرها.
– دعوة الحزب إلى توحيد الأمة الإسلامية وتغيير الأنظمة القائمة غير الإسلامية فيها أضحت شعاراً قديما ً أولاً لعدم قدرته على تحقيقها، ولإلتزامه العمل في الإطار الجغرافي والقانوني للدولة ثانياً.

ومع أن الحزب يؤمن بوحدة “أمة الإسلام” ويعتبر نفسه جزءاً منها، إلاّ أنه بات يرى أن الظروف الموضوعية لهذه الوحدة غير موجودة في المرحلة الراهنة.
– تحرير فلسطين وإزالة اسرائيل من الوجود: يرى حزب الله – على غرار كل الحركات والأحزاب الإسلامية- في إسرائيل الكيان الصهيوني الغاصب لأرض فلسطين، الأرض العربية – الإسلامية، والقائم على حساب تشريد شعب عربي مسلم، هو الشعب الفلسطيني، و “الغدة السرطانية المغروسة في قلب العالم الإسلامي” كقاعدة للإستعمار الغربي تحمي مصالحه فيه.

من هذا المنطلق، تعتبر إسرائيل في نظر الحزب كياناً غير شرعي من الناحية الفقهية الإسلامية، لأنها قائمة على اغتصاب أرض إسلامية وقتل وتشريد مسلمين، إضافة إلى كون هذه الأرض تضم أماكن مقدسة إسلامية (المسجد الأقصى أولى القبلتين، ومسجد الصخرة…إلخ) تُضفي عليها بُعداً دينياً مقدساً.
ويترتب على هذه الرؤية عدم جواز الإعتراف بإسرائيل والتفاوض والصلح معها، والتنازل عن أي حق من حقوق المسلمين لها من جهة، ووجوب قتالها وإخراج اليهود المحتلين من فلسطين وسائر الأراضي العربية المحتلة وإعادة الشعب الفلسطيني إليها من جهة أخرى. وجاءت أقوال الإمام الخميني الملهم الروحي للحزب، بشأن القضية الالفلسطينية والموقف من إسرائيل لتعزز هذه الرؤية لدى حزب الله، ولاسيما قوله “يجب إزالة إسرائيل من الوجود”.
وتجدر الإشارة إلى أن حزب الله يعتبر أوامر الإمام الخميني (وخامنئي من بعده) ونواهيه ملتزمة- في نظره – “الولي الفقيه” الذي تجب طاعته في عصر غيبة الإمام الثاني عشر عند الشيعة الإثني عشرية، لأن “للفقيه جميع ما للإمام من الوظائف والأعمال في مجال الحكم والإدارة والسياسة”.
وعلى هذا الأساس انطلق حزب الله في مقاومته للإحتلا الإسرائيلي في لبنان. وهو لا يزال يرى أن تقاعس الأنظمة العربية عن واجبها في الصراع ضد اسرائيل من أجل تحرير فلسطين، ومن ثم دخولها في عملية تسوية سلمية معها، يجب ألاّ يؤيديا إلى القبول بشرعية اسرائيل والإعتراف بحقها في الوجود وبحدودها كدولة “أمر واقع” مكان فلسطين التي لا يمكن اختزالها إلى أجزاء من الأراضي المحتلة عام 1967، وبقسم من الشعب الفلسطيني وحكم ذاتي محدود عليها.
لكن حزب الله الذي لا يزال يدعو العرب والمسلمين للنهوض وتوحيد طاقاتهم لتحرير فلسطين كلها من “النهر إلى البحر”، قد أدرك أن ظروف الصراع مع اسرائيل قد تغيرت في ظل عملية التسوية العربية- الإسرائيلية الشاملة، وأن ثمة قواعد جديدة للمقاومة المسلحة ضد الإحتلال تلزمه العمل ضمن الأراضي اللبنانية، بحيث يقتصر هدفها – على الأقل في المرحلة الراهنة – على تحرير المنطقة المحتلة من لبنان.
غير أنه سيواصل نضاله السياسي والثقافي الرافض للتسوية والتطبيع مع اسرائيل، إلى أن تتهيأ الظروف الموضوعية التي تجعل الأمة الإسلامية قادرة على تحقيق هذا الهدف العظيم، أي تحرير كل فلسطين وإزالة الكيان الإسرائيلي من الوجود. وقد تكرس التزام حزب الله ضوابط الصراع مع اسرائيل في تفاهمي تموز /يوليو 1993 و نيسان / أبريل 1996 حيث تعهد الحزب عدم ضرب أهداف إسرائيلية داخل فلسطين المحتلة بداية وهو أمر كان الحزب يؤكد التزامه، معتبراً أن غطلاق صواريخ “الكاتيوشا” على المستعمرات الإسرائيلية في الجليل ليس سوى رد فعل على الإعتداءات الإسرائيلية على المدنيين. وهذه المسألة تمثل تحولاً في رؤية حزب الله للصراع مع اسرائيل التي يتعاطى معها الحزب كأمر واقع موجود دون أن تكون لها أي صفة شرعية.

التسويغ لمرونة الحزب
الفرضية الأساسية لهذه المقالة هي أن حزب الله قد أظهر مرونة لافتة وواقعية سياسية شديدة في موقفه في محطات مختلفة من مسيرته، وأنه تجاوز شعاراته وطروحاته الأيديولوجية الماضية لحساب سياسة واقعية (Realpolitik) تحاول التوفيق ما أمكن بين المبادئ والأهداف الأيديولوجية والظروف والإمكانات الموضوعية، وذلك عبر اللجوء الدائم إلى مبدأ الضرورة الذي يعبر عنه قوله تعالى: ﴿ فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم﴾ (سورة البقرة- آية 173)، أي قاعدة “الضرورات تبيح المحظورات”، وقاعدة التزاحم الشهيرة في أصول الفقه الإسلامي القائلة إنه “إذا تزاحم أمران واجبان فيجب تقديم الأهم على المهم، والملحّ على الأقل إلحاحاً”.

ولعل أبرز مثال في واقعنا المعاصر على التطبيق الإسلامي لمبدأ الضرورة هو قبول الإمام الخميني بالقرار 598 القاضي بوقف الحرب العراقية – الإيرانية، بعد التدخل الأميركي المباشر في الحرب، والذي تجلى في إسقاط الطائرة المدنية الإيرانية، مما جعل الإمام الخميني يتراجع عن هدف إسقاط النظام العراقي، واصفاً هذا القرار بـ “تجرع السم” الذي لا بد منه، بغية هدف أهم هو الحفاظ على النظام الإسلامي الإيراني. وهكذا تم تقديم الأهم على المهم ساعة الضرورة وعند تزاحم الأمرين.
كما يحتوي التراث الشيعي الديني/ السياسي على مادة غنية يمكن حزب الله أن يستلهم منها في عمله السياسي ومرونته الواقعية، بدءاً من مبدأ “التقية” الذي ظهر منذ استشهاد الإمام الحسين في كربلاء عام 61 للهجرة، واستمر العمل به إلى عصرنا الراهن حتى أعلن الإمام الخميني: “أن لا تقية بعد اليوم” لزوال مبرر اللجوء إليها في ظل دولة إسلامية، ومروراً بإجتهادات فقهاء الشيعة المتقدمين والمتأخرين في جواز التعامل مع الحكومات الكافرة والجائرة من أجل مصلحة الإسلام والمسلمين.

خاتمة
كثرت في الآونة الأخيرة الدعوات “للبننة” حزب الله، ورد الحزب بإجابات لا تفي بالغرض كونها لا تلامس جوهر المشكلة. فلا أحد يزعم ان حزب الله ليس لبنانياً بقاعدته وقيادته، ولا أحد ينكر دور الحزب الوطني مقاومته الإحتلال الإسرائيلي لأرض لبنانية، لكن “اللبننة” المطلوبة من الحزب تكون في:
– إبراز استقلاله السياسي والفكري وتوضيح أسس علاقته مع إيران، وتنظيمها ضمن الأطر التي لا تتعارض مع القوانين والمصالح اللبنانية، وصوغ خطاب فكري سياسي جديد يوفق بين الأيدوليوجيا الإسلامية والخصوصية اللبنانية/ العربية.

– قيام الحزب بمراجعة نقدية شاملة لطروحاته وتجربته السياسية في لبنان وإعلان نتائج هذه المراجعة للرأي العام اللبناني، أي الإعتراف بالنواقص حتى لا تبقى مبررة لإنتقادات الآخرين “كقميص عثمان” يتم رفعه للمزايدة عليه، والخروج من أسر الشعارات غير الواقعية، حتى لو شكل ذلك تراجعاً عن مبادئ وأهداف سابقة ظهر عدم صلاحها، وذلك حفاظاً على مصداقية الحزب.
يبقى أن الهدف من هذه المقالة هو تسليط الضوء على اشكاليات وليس تقديم الحلول . ولعل إثارة النقاش ودفع الآخرين، ولاسيما حزب الله إلى تقديم إجابات عن هذه التساؤلات، هو ما ترمي إليه هذه المساهمة المتواضعة.

Optimized by Optimole