تكريس مفهوم الحكامة الجيدة كرافعة لتحديث وتنمية الإدارة العمومية: التجربة المغربية نموذجا

Spread the love

د.ة إنصاف حسن سركالي

أستاذة مساعدة متعاقدة

تخصص القانون العام والعلوم السياسية

بجامعة شقراء المملكة العربية السعودية

خاص بمجلة “شجون عربية” – في 19 كانون الثاني – يناير 2019

مقدمة:

في بادئ القول يصعب  إيجاد تعريف شامل لمفهوم الحكامة، إذ نجد عدة مصطلحات تحيل الى معنى كلمة  الحكامة منها : الحكمانية، الحكامة الرشيدة، الحكم الرشيد، الحكم الصالح، الإدارة المجتمعية، وتبقى الحكامة هي اكثر هاته الالفاظ شيوعا.

وقد استعمل  مفهوم الحكامة لأول مرة  في مجتمع القرون الوسطى الإنجليزي الذي تميز  بالتعاون بين مختلف مصادر السلطة ( الكنيسة، النبلاء، التجار، الفلاحون …) وقد اعيد استخدامه من طرف البنك العالمي أثناء عقد الثمانينيات وبداية التسعينات لتحديد الطريقة التي تمارس بها السلطة في تسيير الموارد الاقتصادية في بلد معين [1].

كما تعرف الحكامة بأنها ذلك الحكم الذي تقوم به قيادات سياسية منتخبة، وأطر إدارية لتحسين نوعية حياة المواطنين وتحقيق رفاهيتهم، وذلك برضاهم وعبر مشاركتهم ودعمهم، وهي تهدف إلى زيادة مستوى دخل الفرد وتقليل حدة الفقر، والعناية بحقوق المواطنين، مما يجعلنا نعتبر الحكامة نسقا في المؤسسات المجتمعية المعبرة عن حاجات الناس تعبيرا سليما، تربطها شبكة متينة من علاقات الضبط والمساءلة، تهدف تحقيق المصلحة العامة بواسطة الاستعمال الأقصى للوسائل البشرية، والمالية والتقنية وكذا المؤسساتية للدولة، بغية إقامة دولة ديمقراطية نافعة تضمن حقوق المواطنين، وتوفر آليات مناسبة لتقويم السياسات، وتصحيحها والتصدي الإساءة في استخدام السلطة والنفوذ واهدار المال العام [2].

وعموما الحكامة هي مجموعة من المناهج تهدف وتحقق تنمية مجتمعية في الدول النامية نتيجة لقصور الإدارات الحكومية عن تحقيق ذلك بفعالية وكفاءة، كما أن الأمر أصبح ملحا على هذه الدول نتيجة للتحديات العالمية و الإقليمية و المحلية، لذا أصبحت الحكامة تعتبر حلا واجب التنفيذ نظرا لما تنطوي عليه من تكامل بين أدوار القطاع الخاص، ومؤسسات المجتمع المدني، والادارة  الحكومية [3].

لأن تعزيز علاقة  الإدارة بالمواطن لن تكون إلا من خلال إعادة الثقة بين الإدارة و المواطنين والرفع من مستوى أدائها ومردوديتها، وتحسين جودة الخدمات المقدمة للمرتفقين وتسهيل الولوج اليها، وتحسين الاستقبال وتبسيط المساطر الإدارية ودعم  الإدارة الالكترونية وذلك لن يتأتى تحقيقه الا من خلال العمل على تكريس مفهوم الحكامة الجيدة كرافعة لتحديث وتنمية الإدارة العمومية، وذلك من اجل جعل الإدارة محايدة وفي خدمة الجميع، ووضع حد لأساليب الشطط والتعسف في استعمال السلطة، ونهج ثقافة جديدة ترتكز على مبادئ دولة الحق والقانون، وأيضا ان تحديث الإدارة سيساهم مما لاشك فيه الى تعزيز أسس التنمية الاقتصادية والاجتماعية داخل الدولة.

لأنه في ظل غياب تنمية إدارية لا يمكننا ان نتحدث عن إدارة عمومية متطورة تلبي حاجيات المواطنين والمرتفقين، وخاصة ان  مفهوم التنمية اصبح مفهوما شاملا، فلم يعد يقتصر على الاهتمام فقط بالمفهوم التقليدي المشتق من منظومة النمو بقضية معاناة الافراد من قلة المصادر والموارد الاقتصادية، بل نجد ان التنمية اهتمت بضرورة احداث تغييرات هيكلية مؤسسية لتوفير الموارد للأفراد، فالاهتمام لم يعد لمجرد تكوين رأسمال اقتصادي، ولكن قيمي ثقافي اجتماعي ورمزي [4].

أهداف الدراسة:

وعليه، فإن هذه الدراسة تهدف الى تسليط الضوء حول تكريس مفهوم الحكامة الجيدة كرافعة لتحديث وتنمية الإدارة العمومية وخاصة أن مفهوم الحكامة الجيدة يكتسي أهمية كبرى خاصة أمام التحولات والتطورات التي لحقت الدولة والمجتمع في العقود الأخيرة، من خلال مجموعة من الإصلاحات التي طالت العديد من المجالات وبما فيها الإصلاحات التي عرفتها الإدارة العمومية، هذه الإصلاحات التي ترمي أساسا إلى تحديث وعصرنة وتنمية الجهاز الإداري، الذي تعتريه مجموعة من المشاكل والتي تشكل عائقا أمام بلوغ وتحقيق غايات المرفق العمومي للرفع من جودة الخدمات.

لهذا كثيرا ما نجد أن مصطلح الحكامة مرتبط بتنمية وتحديث الإدارة، فالحكامة الجيدة هي الإدارة الجيدة والتدبير الجيد، للموارد المالية والبشرية التي تتوفر عليها الإدارة العمومية، والتي يعتبر الهدف منها هو تحقيق الحكامة الإدارية داخل الإدارة العمومية.

أهمية الدراسة:

ومن هنا تبرز وتكمن  أهمية الموضوع الذي  نحن بصدد دراسته  والمتمثل في ضرورة تكريس مفهوم الحكامة الجيدة كرافعة لتحديث وتنمية الإدارة العمومية، في ظل وجود مجموعة من المشاكل التي تعاني منها الإدارة، وخاصة في مجال التنمية الإدارية التي تتمثل في مجموعة من الروابط او نسيج من عوامل سياسية واقتصادية وإدارية وثقافية واجتماعية .

ومن أجل توضيح هذه الأهمية بشكل معمق سترتكز هذه الدراسة على وصف التجربة المغربية من خلال تطبيقها لمفهوم الحكامة الجيدة ودورها في تحديث وتنمية المرفق العمومي.

إشكالية الدراسة:

وعليه، فان إشكالية هذه الدراسة ستكون على الشكل التالي: إلى أي حد أصبحت الدولة واعية بأهمية تطبيق مبادئ الحكامة الجيدة كرافعة لتحديث الإدارة العمومية ؟ وهل هناك إرادة حقيقية لإصلاح الإدارة العمومية وجعلها في خدمة التنمية الإدارية ؟

وذلك من خلال تقسيم الموضوع الى مبحثين أساسيين وهما: المبحث  الأول ترسيخ مبادئ الحكامة الجيدة من اجل تحديث وتنمية المرفق العمومي .

أما المبحث الثاني فسيتمحور حول نتائج تطبيق مبادئ الحكامة الجيدة داخل المرفق العمومي بصفتها أداة لتحديث وتنمية الإدارة.

منهجية الدراسة:                                                                                            

لمعالجة هذه الدراسة، وللإجابة على الإشكالية المطروحة سيتم توظيف أحد مناهج  البحث  في محاولة للإلمام الجيد بالموضوع محل الدراسة، وبما يسمح بالحصول على المعلومات الصحيحة والمناسبة.

المنهج الوصفي التحليلي: الذي يعتبر طريقة لوصف الظاهرة المدروسة وتصويرها كميا عن طريق جمع المعلومات المقننة عن المشكلة وتصنيفها وتحليلها، واخضاعها للدراسات الدقيقة، وذلك في إطار التعريف بمفهوم الحكامة الجيدة وإبراز علاقته بتحديث وتنمية الإدارة، وكذا من خلال وصف  مختلف المحاور الكبرى التي تقوم عليها الإدارة المغربية لتطبيقها لمفهوم الحكامة الجيدة.

المبحث الأول: ترسيخ مبادئ الحكامة الجيدة من أجل تحديث وتنمية المرفق العمومي            

المطلب الأول: العوامل التي أدت الى التفكير الى تطبيق مبادئ الحكامة الجيدة في الإدارة المغربية  

إن اعتماد الحكامة كأسلوب لإدارة المجتمع يتضمن ثلاث أبعاد مترابطة فيما بينها، تتجلى أساسا في البعد السياسي المتعلق بطبيعة السلطة السياسية وشرعية تمثلها، وأيضا في البعد التقني المتعلق بعمل الإدارة العامة وكفاءتها وفعاليتها، والبعد الاقتصادي – الاجتماعي المتعلق بطبيعة بنية المجتمع المدني ومدى حيويته واستقلاله عن الدولة من جهة، وطبيعة السياسات العامة في المجالين الاقتصادي والاجتماعي وتأثيرها في المواطنين من حيث الفقر ونوعية الحياة، وكذا العلاقات التي تربطها مع الاقتصاديات الخارجية والمجتمعات الأخرى من جهة ثانية.

إن مفهوم الحكامة بأبعاده الثلاثة هنا يتوافق وتطوير مفهوم التنمية، وذلك أن هذه المفاهيم قد تغيرت من التركيز على النمو الاقتصادي إلى التركيز على التنمية البشرية ثم التنمية المستدامة أي الانتقال من الرأسمال الاجتماعي وصولا الى التنمية البشرية [5].

هذه التنمية البشرية التي تعتبر عنصر مهم  من عناصر تحديث وتنمية المرفق العمومي، بحيث يعتبر أداة ليس فقط لإدارة الخدمات او توفير وثائق معينة، بل ركيزة لخلق الثروة وتحريك دواليب الاقتصاد الوطني والاسهام في انعاش الاستثمار وخلق الرأسمال المادي بمعية القطاع الخاص، و المساهمة في حل إشكاليات التشغيل، وتعميم الخدمات الاجتماعية، والرفع من قدرات التنمية البشرية وتوفير شروط حياة أفضل للمواطنين .

أما بالنسبة للإدارة المغربية فبعيد الاستقلال اتسمت بنوع من التعقيد، إذ مزجت بين نظام الإدارة العتيق الذي شكل لعدة قرون الدراع التنظيمي لمؤسسة المخزن وبين البيروقراطية المستمدة من النظام الفرنسي، وقد أفرز هذا الواقع هياكل ومؤسسات يشرف عليها ويديرها مجموعة من كبار الموظفين الحريصين على استمرارها على شكلها السائد، وذلك لارتباطها بمصالحهم الشخصية أو مصالح ذوي النفوذ، كما انتشرت ظاهرة الرشوة باعتبارها عملية للاتجار في الخدمة التي يقدمها المرفق العمومي والتي هي في الأصل بدون مقابل، وبالتالي تم المساس بمبدأ المجانية، إلا أن الغريب في الامر أن هذه الممارسة أصبحت تجد لها قبولا وتبريرات داخل فئات عريضة من المجتمع باعتبارها اقتصادا موازيا يساهم في تسهيل التعامل مع الإدارة وتجاوز رتابة وتعقد مساطرها .

ومن أجل اصلاح الإدارة، شكل المغرب سنة 1981 لجنة وطنية للإصلاح الإداري، اذ فحصت المشاكل التي تواجه الادارة، وأصدرت مجموعة من التوصيات إلا أن غالبيتها تمحورت حول المشاكل القانونية، كمراجعة القانون الأساسي للوظيفة العمومية وإصلاح الهياكل الإدارية، وجاء تقرير البنك الدولي لسنة 1995 صادما لواقع الإدارة المغربية ودعا إلى إصلاحات مستعجلة، معتبرا أن طرق تسيير الإدارة جد عتيقة، فضلا عن روتينية العمل الإداري وجمود المساطر وغياب النزاهة والشفافية، دون أن يغفل المركزية المبالغ فيها [6].

يرجع سببه إلى الإشكالية الحقيقية التي عرفتها  الإدارة المغربية آنذاك  وهي إشكالية الحكامة، من خلال غياب ثقافة التقويم والمحاسبة والتدبير العقلاني للسياسات العمومية التي تعتبر  من المبادئ الأساسية التي يقوم عليها مفهوم الحكامة الجيدة، فبالرغم من ان الإدارة العمومية قد راكمت بعض المكتسبات الهامة التي تم تحقيقها في مجال تحديث الإدارة، من تغيير وتجديد في بنيات الإدارة العمومية من خلال تطوير الاليات القانونية والمؤسساتية والعلمية، بما يحقق أسلوب الإدارة الحديثة العصرية أساسه عمل الإدارة بالأهداف، والتدبير بالنتائج، وجعل الموظف في قلب عملية الإصلاح باعتباره فاعلا ومؤثرا في إنجاح أي عملية للإصلاح [7].

وعليه أصبحت الحكامة ضرورة ملحة تفرض نفسها على بلدان العالم الثالث، ومن بينها المغرب، هذه العوامل التي شكلت قاسما مشتركا بين مختلف دول العالم، والتي أدت الى التفكير جليا في تطبيق مبادئ الحكامة الجيدة من أجل تحديث الإدارة وتنميتها، وخاصة انها أصبحت تعاني من مجموعة من المشاكل والمتمثلة في التنافسية والفقر والبطالة والفساد الإداري.

المطلب الثاني: الحكامة الجيدة  وعلاقتها  بتحديث وتنمية الإدارة     

مع بداية العهد الجديد بتولي الملك محمد السادس عرش المملكة، أصبح خطاب اصلاح الإدارة وتحديثها أكثر جدية مما قبل، ولقد تم تكريس هذا التوجه في دستور2011، الذي حث على تغيير أنماط التدبير الإداري والمالي، والالتجاء إلى التقنيات الحديثة للتنظيم المتمثلة في الحكامة الجيدة، والاستغناء عن الطرق البيروقراطية العتيقة، وانطلاقا من هذه المحطة الدستورية اصبح موضوع الحكامة اكثر اهتماما من قبل الباحثين والمهتمين بمجال التدبير[8].

وبناء على ذلك، فإن تحديث الإدارة المغربية يتطلب حكامة جيدة، إلا أن هذا لا يستقيم الا بتبني طرق وأساليب جديدة للتدبير، كخدمة الزبائن والتدبير المرتكز على أساس النتائج وتبسيط المساطر والمحاسبة، إضافة الى تدبير الموارد البشرية[9] .

وعليه، ما يمكن أن نستنتج من هذه الفكرة المطروحة انه لا يمكن الحديث عن حكامة جيدة في ظل غياب هذه العناصر الاربع السالفة الذكر،  والمرتبطة بمفهوم الحكامة وعلاقتها بالتنمية الإدارية.

وبالتالي فإنه من خلال تحليل هذه العناصر يمكننا آنذاك الحديث عن إصلاح الإدارة وتنميتها، وللوصول الى ذلك يجب أن نعرف أول شيء هو طبيعة الخدمة المقدمة للمتعاملين مع الإدارة، أو ما يسمى بخدمة الزبائن، وبشكل أدق كيف تتعامل الإدارة مع مرتفقيها، وهل يشعر المرتفق أن الموظفين الذين يتقاضون رواتبهم من الضرائب التي يدفعها هم في خدمته، أم هو في خدمتهم من خلال الأتاوات والرشاوى التي قد يقدمها لهم مقابل الحصول على خدمات  الإدارة، وهنا يمكن اثارة إشكالية الانتقال من مرتفق الى مواطن مؤتمن على حقوقه استنادا الى دولة الحق والقانون، ومنه إلى زبون حيث لولاه لما أحدث ذلك المرفق العمومي .

أما العنصر الثاني فيتمثل في التدبير المرتكز على أساس النتائج، أي الأخذ بعين الاعتبار ثلاث عوامل لها علاقة بالمردودية، وأولها تحديد مؤشرات المردودية، والنتائج المتوخاة في القطاع العام جد متنوعة ويصعب حصرها في مفردات معينة، إلا أنه بالرغم من ذلك هناك بعض المؤشرات تعتبر ضرورية لقياس مردودية المرفق العام، كمؤشري الكفاءة والفعالية، والعامل الثاني يتعلق بضرورة عدم إهمال التقييم العام للسياسات والبرامج المتبعة من طرف الإدارة العمومية، هذا النوع من التقييم يساعد على معرفة مدى نجاعة مردودية المرفق العام وأثرها على المجتمع بصفة عامة وعلى الفئة المستفيدة من هذا المرفق بصفة خاصة، أما العامل الثالث فيتعلق بالعلاقة بين تحقيق مردودية جيدة واحترام القانون، فإنجاز نتائج جيدة يجب أن لا يشوبه خرق القانون حيث يستوجب على الإداريين والمسيرين أثناء تدبيرهم للمرفق العام، الالتزام بالقانون والتحلي بالقيم الديمقراطية من قبيل الشفافية والديمقراطية .

أما العنصر الثالث فيتجلى في تبسيط المساطر، لأن الحكامة الجيدة تتطلب مساطر مبسطة وتراتبية إدارية مصغرة، تكون سهلة وفي متناول المواطنين اتباعها، والأهم في هذا المحور هو عدم تركيز السلطة في يد شخص أو جهة معينة، فضعف التفويض يؤدي الى التأخر في صدور القرارات الإدارية وكذا الى تكدس الملفات وتراكمها نتيجة انتظار الموافق او امضاء الجهات العليا.

أما العنصر الرابع فهو المتعلق بالمحاسبة وذلك من خلال ربط المسؤولية بالمحاسبة، وعلى ضرورة تنزيله على أرض الواقع، لهذا ترى أنه من الأنسب أن تنصب كل الجهود على تحقيق النزاهة والشفافية في التعيينات والترقيات، وبعدها يتم محاسبة المسؤولين بشكل دوري وفي كل المجالات المحرك الأهم لتي لها علاقة بمسؤوليتهم سواء كانت إدارية، مالية او تدبيرية.

أما العنصر الخامس والأخير فهو المرتبط بتدبير الموارد البشرية، باعتبارها المحرك الأهم للإنتاج والعامل الأساسي في تطوير وتحديث الإدارة المغربية، وعلى هذا الأساس فإن إشكالية تدبير هاته الموارد من الأمور التي تشكل حاجزا امام تحقيق حكامة جيدة، فحسن التدبير لا يمكن ان يتم إلا إذا وكلت إدارة أقسام ومصالح الموارد البشرية لمن لهم رصيد مهم من التجارب ولهم دراية وتكوين في هذا التخصص.

المبحث الثاني: نتائج تطبيق مبادئ الحكامة الجيدة داخل المرفق العمومي بصفتها أداة لتحديث وتنمية الإدارة العمومية

المطلب الأول : دور الحكامة  في تطبيق الإصلاح الإداري و الحد من الفساد الإداري         

يعرف الإصلاح الإداري بأنه سلسلة من التحسينات التي تبدأ بإعادة تنظيم الهيكل الإداري في التغيرات البسيطة في أساليب العمل، وكذلك  تغير أصلي في العمل وفي التنظيم الإداري للجهاز والافراد ونظرة الناس لجميع هذه الأمور مما يدعو لتغير في أنماط سلوك الافراد وأساليب التنظيم، كما عرف أيضا بانه عبارة عن تحسين الجوانب الإنسانية التي تهدف زيادة الكفاءة وانتاجية الجهاز الحكومي [10].

ويقوم الإصلاح الإداري على مجموعة من الأهداف والغايات، وتحدد أهدافه باستراتيجية السياسة العامة للدولة، ويعد تحديد أهداف الإصلاح الإداري عملية منظمة ومدروسة على أسس واعتبارات  محددة تفرضها عوامل وظروف معينة، ومن بين ما يهدف اليه محاربة الخلل ومحاربة الفساد باستئصال أسبابه، وتحسين مستوى الموارد وتحقيق مزيد من الفعالية والإنتاجية، وأيضا إعادة تنظيم الجهاز الإداري للدولة في صيغة جديدة تستجيب للأدوار الجديدة تكيفا للتحولات الداخلية والخارجية للدولة، مما يحسن الأداء في الجهاز الإداري وزيادة درجة الفعالية، الى جانب تحسين الأداء الوظيفي للعاملين في الجهاز الحكومي بشتى مستوياتهم الوظيفية وتحسين الأداء المؤسسي للقرارات والدوائر والمؤسسات العامة، كما يمكنه ان يطور ويحسن أداء الخدمة العمومية من خلال تخطيط تنمية الموارد البشرية وتدريبها وسقل مهاراتها نظريا وعلميا،وأخيرا استحداث منظومة قيم جديدة في اطار العلاقة بين المواطن والإدارة وذلك بإعادة صياغة ميثاق هذه العلاقة والاخذ بعين الاعتبار السياق العام الجديد لمهام الدولة [11].

أما العلاقة التي تربط بين الحكامة والإصلاح الإداري تكمن باعتبارهما معا نتاجا خالصا للمسارات الإصلاحية المؤسساتية، أي ان للإصلاح الإداري أدورا تاريخية وتفاعلية ومؤسساتية تؤسس لإدارة الحكامة كإدارة مواطنة وكإدارة للتنمية البشرية المستدامة، تتسم بكل خصائص التدبير الجيد من تخليق وشفافية وترشيد وعقلنة وانفتاح وتواصل وتبسيط وتحفيز وغيرها، من مميزات من شأنها ن ترتقي بالإدارة وتجعلها حقا مرفقا في خدمة المواطن وضمان احتياجاته وتلبية مطالبه، إدارة الحكامة الجيدة وما ينجم عنها من توفير سبل التطور وأسباب التقدم في هذا السياق، يرى الخطاب الملكي أمام البرلمان في 14 أكتوبر 2016 أنه وبعد انتهاء الولاية التشريعية الأولى بعد إقرار دستور 2011، فإن المرحلة المقبلة هي اكثر أهمية من سابقاتها، فهي تقتضي الانكباب الجاد على القضايا والانشغالات الحقيقية للمواطنين، والدفع قدما بعمل المرافق الإدارية، وتحسين الخدمات التي تقدمها، أنها المرحلة التي تموقع المواطن في صلب سائر الصيرورة التنموية وتجعله محور جل السياسات العمومية، خاصة تلك التي تجمع في كل واحد المواطن بالمرفق العمومي، فالهدف كما يؤكد الخطاب الملكي الذي يجب أن تسعى اليه كل المؤسسات هو خدمة المواطن، وبدون قيامها بهذه المهمة فإنها تبقى عديمة الجدوى، بل لا مبرر لوجودها أصلا .

وهنا ينبثق موضوع العلاقة الوثيقة التي ينبغي أن تجمع المواطن بالإدارة كموضوع بالغ الأهمية كما تبرز ضرورة تحسين هذه العلاقة باعتبارها  جوهر عمل المؤسسات، ويوضح الخطاب الملكي مختلف المرافق المعنية بهذه العلاقة [12].

المطلب الثاني: تقييم المجهودات المبذولة لتطبيق الحكامة الجيدة بالإدارة المغربية

إذا كان المغرب قد بادر باتخاذ إصلاحات لتعزيز الحكامة الجيدة، خاصة على مستوى تحسين محيط الاعمال والاستثمار، وتحديث التدبير العمومي، واستكمال اليات القانونية للوقاية من الفساد ومكافحته.

فإن فعالية المجهودات المبذولة لازالت مع ذلك لم تتأكد حيث يلاحظ عموما وجود فجوات بين التشريعات والإجراءات المتخذة وبين الممارسات والنتائج الفعلية على مختلف الأصعدة، فعلى مستوى تحسين محيط الأعمال، رغم الحهود المبذولة ساهمت في توفير فرص ناجعة لاجتذاب رؤوس الأموال والاستثمارات الخارجية، فإنها لم تمكن المغرب بشكل ملحوظ من تحسين قدرته التنافسية لربح حصص مهمة في الأسواق الجهوية او الدولية، وبالتالي من رفع وتيرته التنموية بشكل ملموس.

وفيما يتعلق بالتدبير العمومي فالبرغم من  توفر المغرب على بنية تشريعية وإدارية حديثة فقد لوحظ ان هناك قصورا على مستوى تدبير الموارد البشرية التي تشوبها بعض الاختلالات المتعلقة خصوصا بالمسار والسلوك الوظيفي، وأيضا على مستوى تدبير الصفقات العمومية التي ابان نظامها القانوني رغم ايجابياته عن مجموعة من الاختلالات على مستوى التطبيق حيث لم يحد من السلطة التقديرية لصاحب المشروع، ولم يقم بتدقيق أساليب وشروط وآجال الطعن، اما فيما يتعلق بالتدبير المفوض للمرافق العامة الذي يفتقر لضوابط موضوعية لتوضيح القطاعات الإنتاجية القابلة للتفويت في هذا الاطار، ويبقى قاصرا لكونه لم يشمل الدولة ولا تمتد مراقبته لتشمل تسعيرات الخدمات [13].

وفي هذا الصدد يتعين على المغرب أن يمنح الصدارة ضمن أولويته لتحسين مستوى الحكامة وترسيخ مقومات النزاهة والشفافية والمسؤولية من خلال العمل وفق توجهات أساسية تتجلى على الخصوص في تجديد مقاربات التخطيط كأداة فعالة للحكامة الجيدة، عقلنة وتفاعلية نظام اتخاذ القرارات، وأيضا تشييد إدارة مواطنة وحديثة، الى جانب تعزيز نزاهة واستقلالية وفعالية الجهاز القضائي، وإعطاء نفس جديد لسياسة اللامركزية، بالإضافة الى التخليق الشامل لمجال الاعمال، وأخيرا مكافحة الفساد الإداري.

خاتمة:

من أهم ما توصلت إليه هذه الدراسة من خلال معالجة موضوع  تكريس مفهوم الحكامة الجيدة كرافعة لتحديث وتنمية الإدارة العمومية التجربة المغربية نموذجا أن تطبيق مفهوم الحكامة الجيدة سيكون له اثر فعال لا محال في تحديث الإدارة العمومية، وتحقيق التنمية الإدارية و يتمثل ذلك  فيما:

  • تكريس دولة الحق والقانون من خلال جعل الإدارة محايدة وفي خدمة الجميع، ووضع حد لأساليب الشطط والتعسف في استعمال السلطة.
  • نهج ثقافة جديدة ترتكز على مبادئ الحق والعدل والانصاف، ويسودها الاحترام الكامل لحقوق المواطنين مع تحسيسهم بالحقوق والواجبات اثناء تعاملهم مع الإدارة.
  • ضرورة احترام الإدارة لتطبيق مبادئ الحكامة الجيدة بصفتها أداة لتحديث وتنمية الإدارة العمومية من اجل النهوض بالإدارة العمومية.
  • التنصيص على استصدار ميثاق للمرافق العمومية يحدد قواعد الحكامة الجيدة المتعلقة بتسيير الإدارات العمومية والأجهزة العمومية.
  • تأمين تطبيق القانون وتنفيذ النصوص التنظيمية وممارسة المراقبة الإدارية مع إخضاع تسيير المرافق العمومية لمعايير الجودة والشفافية والمحاسبة والمسؤولية والمبادئ والقيم الديمقراطية.

وفي الأخير ما يمكن قوله هو أن الحكامة تعتبر بمثابة نموذج مثالي يجب الطموح لتحقيقه، رغم صعوبة ذلك خاصة في الدول النامية، ولكن رغم كل الصعاب فإنه يجب العمل على بلوغ هذا النموذج لجعله واقع، وبالتالي نضمن التطور والتنمية الإنسانية مهما كلف ذلك .

الهوامش:          

[1] سلوى  شعراوي وأخرون: إدارة شؤون الدولة والمجتمع، مركز دراسات واستثمارات الإدارة العامة جامعة الازهر، مطبعة القاهرة، طبعة 2001، ص، 10 .

[2] التقرير الختامي لمؤتمر الاعلام والحكمانية الرشيدة: الحكم الصالح والرشيد في البلدان العربية ضمانة أساسية لاحترام كرامة المواطنين، المنعقد بالعاصمة الأردنية عمان ما بين 14 – 16 فبراير 2005، جريدة الزمان العدد 2038، 16/02/2005، ص، 7 .

[3] محمد بوكطب، الحكامة: المبادئ و الأسس، مجلة المنارة للدراسات القانونية والإدارية، عدد 15 سنة 2016، ص، 120.

[4] صلاح سالم، زرنوقة وعبد العزيز، شادي، تجدد القيادة والتنمية في الوطن العربي، مركز دراسات وبحوث الدول النامية، القاهرة، 2001،ص 21 .

[5] محمد بوكطب، الحكامة: المبادئ والاسس، مرجع سابق، ص، 120 .

[6] رشيد باجي، الإدارة المغربية بين البيروقراطية كواقع و الحكامة الجيدة كمبتغى، جريدة هبة بريس الالكترونية، يوم 19 غشت 2014 .[6]

[7] عبد العزيز رشدي، نفس المرجع  ص 3 .

[8] رشيد باجي، مرجع سابق  .

[9] رشيد باجي، نفس المرجع .

[10] فيصل بن معيض ال سمير، استراتيجية الإصلاح الإداري ودورها في تعزيز الامن الوطني، الرياض جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية،2007، ص 42 .

[11] محمد قاسم، الإصلاح الإداري بين النظرية والتطبيق، دار وائل للنشر، عمان،2011، ص، 45 .

[12]عمر دغوغي، تكريس الحكامة الجيدة بالإدارة العمومية، جريدة دنيا الوطن الالكترونية ، تاريخ النشر 05،08،2017.

[13]  تقرير الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة، الحكامة الجيدة بين الوضع الراهن ومقتضيات الدستور الجديد 2011، ص، 6 و 7 .

https://arabiyaa.com/wp-content/uploads/2019/01/تكريس-مفهوم-الحكامة-الجيدة-كرافعة-لتحديث-وتنمية-الإدارة-العمومية.-.pdf

 

Optimized by Optimole