المرأة والجهاد في فقه الإسلامويين: من الإخوان المسلمين إلى داعش (ج 3 )

Spread the love

عبدالغني عماد/

بقدر ما كانت مسألة دخول الجهاديات في صفوف تنظيم القاعدة بطيئة ومحدودة الأثر وذات أدوار هامشية، إلا أنها كانت تأسيسية، إذ شهدنا بعدها تزايداً ملحوظاً في انخراط الجهاديات خلال حقبة صعود تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، الأمر الذي دشن مرحلة جديدة بكل معنى الكلمة، وخصوصاً مع نجاح التنظيم في فرض هيمنته على حيزّ جغرافي واسع من سوريا والعراق، وإعلانه قيام دولة الخلافة ومبايعة البغدادي أميراً عليها عام 2014.

تنظيم الدولة الإسلامية ونساء الخلافة

 حضور المرأة في تنظيم الدولة الإسلامية على صعيد المناصب القيادية العليا، كان غائباً على الرغم من وجود أدوار فاعلة لها في مجال الوظائف الإدارية واللوجستية في دواوين عديدة. وتجدر الإشارة هنا إلى أن المرأة في تنظيم الدولة، أو حتى في القاعدة وغيرها من الفصائل والتنظيمات الإسلامية، تمتلك رؤية لا تختلف عن رؤية الذكور في تحديد أدوارها، فهي تنطلق من مرجعية حددتها الشريعة الإسلامية مع فارق أساسي يتعلق بتأويل الموقف من الجهاد وتحديد العدو ووسائل التعامل معه، وهنا تتطابق أطروحة النسائية الجهادية مع نظرة الجهادية الذكورية بادعائها أنها تحتكم إلى مرجعية إلهية تتعالى على الذكورة والأنوثة وتحدد الأدوار والوظائف. وفي سياق بيان دور المرأة والمرجعيات الفقهية والعقدية المحددة لدورها، أصدرت سرية الخنساء، الإعلامية النسائية في الدولة الإسلامية (3 يناير/ كانون الثاني 2015) وثيقة تأسيسية تضمنت رؤيتها وتصورها لمسألة المرأة وأدوارها، وهي إذ تنطلق احتفاءً بعودة الخلافة التي أنهت زمن التيه الذي عاشته أجيال المسلمين منذ عقود طويلة، تتحدث عن المرأة والرجل اللذين يخضعان لمعايير شرعية ومرجعية إلهية، فالمرأة خلقت كما الرجل “لإعمار الأرض على نحو ما أراد الله تعالى، فقد خلقها من آدم ولأجل آدم، فبعد أن تؤدي حق خالقها في ما افترض عليها “لا يكون هناك حق أعظم من حق زوجها عليها” وتحت عنوان “فشل النموذج الغربي في المرأة” تتوقف الوثيقة عند المفاهيم الغربية بالنقد والتفكيك، معتبرة أن أصل الداء في خروج المرأة عن أصل “القرار” في البيت، وغريب مفهوم “العمل” بالتفريق بين عمل البيت وخارجه، وتشويه مفهوم “العلم” بقصره على العلوم الدنيوية دون الشرعية والتلاعب بمفهوم “الجمال” بتقبيح الستر والحشمة وتحسين الكشف والتعري.

 تتناول الوثيقة مجموعة مفاهيم وقضايا متعلقة بالحقوق والواجبات بالنسبة للمرأة، ومنها المرأة والحجاب باعتباره أصل الحقوق وأساس الهوية وتتحدث عن المرأة والأمن والعدل، وتقدم مقارنة بين السعودية والدولة الإسلامية في إيران، لأن كلا الدولتين تدعيان تطبيق الشريعة وتستندان إلى المرجعية ذاتها المتمثلة بالمدرسة السلفية الوهابية، معتبرة أن ما يجري في السعودية من تعليم وابتعاث إلى الخارج ودعم القنوات الفضائية الفاسدة، إنما يعزز التغريب وثقافته. وتختم بتوجيه رسائل للنساء المسلمات اللواتي يعشن تحت ظل الخلافة، بأن يؤدين واجبهن تجاه الدولة بتنشئة أبناء الخلافة على التوحيد الخالص وبناتها على العفة والحشمة، “حتى يخرج لنا حراس العقيدة وحماة الأرض والعرض”.

 تموضعت المرأة الجهادية بصورة أساسية داخل هياكل الجهادية العالمية من القاعدة إلى الدولة الإسلامية في صلب المؤسسات الأيديولوجية والدعائية، ذلك أن هذه المؤسسات تعتبر مرتكزاً أساسياً في التجنيد والاستقطاب والتعبئة، وهي أدركت مبكراً أهمية الإعلام وخصوصاً مع ثورة الاتصالات وظهور الإنترنت والعولمة، فبدأت منذ 2001 بتنمية اهتماماتها وخبراتها بهذه التقنيات لنشر رسالتها الأيديولوجية وأصبح مفهوم “الجهاد الإلكتروني” راسخاً في أدبيات الجهادية العالمية الإعلامي، فأنشأت لذلك مواقع ومنتديات ومراكز إعلامية مثل “مؤسسة السحاب” التي تتبع التنظيم المركزي ومركز “صوت الجهاد” الذي يتبع تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، ثم ظهرت مؤسسة “صدى الملاحم” عقب اندماج فرعي القاعدة في اليمن والسعودية. وقامت هذه المؤسسات بإصدار كتب ومجلات إلكترونية عديدة مثل “صوت الجهاد” و”التيار” و”ذروة السنام”. أما تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي فأنشأ “مؤسسة الأندلس للإنتاج الإعلامي”، إلا أن تلك المؤسسات لم تتضمن مساهمات نسائية بارزة، فعدا عن صدور عدد وحيد من “مجلة الخنساء” ثم مجلة نسائية بعنوان “الشامخة” عام 2011 لم يسجل حضور بارز.

 وعلى الرغم من هذه الجهود التي بذلها تنظيم القاعدة، ومشاركة النساء التي فتح مجالها على مواقعه ودورهن في وسائل التواصل الاجتماعي، فإن تأثيراته كانت محدودة إذا ما قورنت بتنظيم الدولة الإسلامية الذي لم يخصص مجلات خاصة بالنساء، بل دمجهن في آلته الإعلامية ومؤسساته الدعائية، حيث تدار مؤسساته وفق استراتيجية إعلامية مركزية يشرف عليها ديوان الإعلام.

 استطاع تنظيم الدولة تشكيل خطاب إعلامي جذب انتباه الإعلام الدولي بشكل لم تستطع أي مجموعة جهادية القيام به من قبل، فقد اعتمد استراتيجية إعلامية يديرها وينفذها مجموعة من المحترفين والمتخصصين في مجال الإعلام المعولم نجحوا في إخراج مجموعة من الأعمال ذات جودة عالية في فن التصوير والإخراج، تركت تأثيراً كبيراً في عملية التعبئة والتحريض والتجنيد. لعبت مؤسسة الفرقان ثم مؤسسة الاعتصام ومركز الحياة ووكالة أعماق ومؤسسة البتار، ومؤسستا دابق والخلافة فيها أدواراً حساسة ومؤثرة، هذا فضلاً عن مؤسسة أجناد ومؤسسة الغرباء للإعلام ومؤسسات أخرى مثل الصقيل والوفاء والوكالات التي تتبع الولايات والمناطق، وقد صدر بعض إنتاج هذه المؤسسات بلغات أجنبية فضلاً عن اللغة العربية. وقد كانت أدوار النساء فيها مهمة في خلق زخم إعلامي متدفق في ترويج أفكار “الخلافة” ونشر رسالتها الأيديولوجية، ولعبت فيها سرية الخنساء الإعلامية، والتي أدمجت في ما بعد مع سرية حفيدات عائشة عام (2015) والتي كان لها دور متميز على شبكة الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي.

 وتعتبر إيمان البغا وأم سمية المهاجرة من أبرز القيادات شهرة. فالأولى تحمل شهادة الدكتوراه في الشريعة الإسلامية، وعملت في بعض الجامعات الإسلامية قبل أن تلتحق بتنظيم الدولة عام 2014، حيث تولت مناصب رفيعة في ديوان البحوث، وقد تكون المرأة الوحيدة في مجلس شورى التنظيم، وكانت قد أصدرت كتاباً بعنوان “أنا داعشية قبل أن توجد داعش”. أما أم سمية المهاجرة فهي من أكثر الشخصيات شهرة، ويرجح أنها أوروبية من أصول مغاربية، وكانت تكتب في مجلة دابق الشهيرة بشكل دائم، وتدافع بشراسة عن أكثر فتاوى التنظيم إثارة للجدل، ومقالها الشهير الذي تدافع فيه عن سبي النساء الكافرات (الأيزيديات وغيرهن) بعد صدور فتوى عن التنظيم تبيح ذلك يعد أنموذجاً لهذه الكتابات، إذ كتبت مقالاً بعنوان “أسبايا أم بغايا؟” تدافع فيه عن السبي وتعتبره حكماً شرعياً كان مطبقاً في الإسلام بإجماع الفقهاء. وكذلك مقالها عن الهجرة إلى أراضي الخلافة وخصوصاً من الدول التي تعتبر دار كفر “شقائق المهاجرين” حيث تستعرض آراء الفقهاء وترد على فتاوى المعارضين. وتذهب في مقالها “لا هنّ حلّ لهم ولا هم يحلون لهنّ” بعد أن أصدر تنظيم الدولة فتاوى بتكفير فصائل الثورة السورية وخصوصاً جبهة النصرة، إلى مطالبة زوجات مقاتلي هذه الفصائل بترك أزواجهن بذريعة الكفر الموجب للتفريق بين الأزواج، واعتبار أن بقاءهن مع أزواجهن نوع من “الزنا”. وفي مقال آخر لها بعنوان “جهاد لا قتال فيه” تؤكد فيه أن عدم وجوب الجهاد والقتال على المرأة المسلمة، إلا دفعاً للصائل عليها، لا يسقط عنها دورها في بناء الأمة وصناعة الرجال والدفع بهم إلى معمعات النزال”.

 سوف يتزايد عدد المنخرطات من الجهاديات المخضرمات في الأجهزة الشرعية والإعلامية للدولة الإسلامية، وخصوصاً من اللواتي يتوافرن على تاريخ جهادي سابق، واللواتي هاجرن إلى أراضي الخلافة في سوريا والعراق من بلاد شتى، أمثال ندى معيض القحطاني التي لقبت نفسها بـ”أخت جليبيب” تذكيراً بشقيقها جليبيب عبدالهادي القحطاني الذي سبقها إلى سوريا، وظهرت أسماء نسائية كثيرة تشير كتاباتهن وألقابهن إلى انتمائهن إلى بلدان متعددة، وخصوصاً من السعودية وتونس ومصر والعراق، أصدرن مجموعة من الكتب والأبحاث والدراسات التي تصب في مجال الدعوة الأيديولوجية للدولة الإسلامية، أمثال “إرهاب القحطانية” و”ماوية العدنانية” و”أم نسيبة ندى الخلافة” و”أم مارية العراقية” و”أم عمارة العراقية” و”أم السمع القرشية” و”أم عمارة الوزيرة” و”أم أسيد الغريبة”بعضهن اشتهر بالشعر حيث تعتبر “أحلام النصر”، وهو اسم حركي يُعتقد أنه لابنة إيمان البغا، أهم شاعرات الدولة الإسلامية، حيث يطلق عليها لقب “شاعرة الدولة الإسلامية” وقد احتفى التنظيم بوصولها إلى أرض الخلافة في سوريا عام 2014، وقد أصدرت ديوان “أور الحق” وكتبت نصاً أدبياً بعنوان “هجرة الروح: رحلة إلى النور من جزيرة العرب” فضلاً عن مجموعة قصائد تمجد الخلافة وترثي بعض قادتها بعنوان “أراجيز تحريضية”.

 شكل التنظيم جيشاً إلكترونياً نجح في مواجهة إغلاق آلاف الحسابات التي تتبع له، فالتنظيم الذي ينشط على مواقع “فيبسبوك” و”تويتر” أصبح بالإضافة لهما يعتمد على تطبيق “تلغرام” لاعتماده السرية، وفيه ظهرت مجموعة كبيرة من الجهاديات الافتراضيات بأسماء حركية، وصدر بيان جماعي ضم قرابة (200) جهادية على الشبكة العنكبوتية تدين البيعة للبغدادي كخليفة للمسلمين.

 كذلك لعبت كتيبة الخنساء والمرأة المحتسبة أدواراً هامة، إذ يعتبر ديوان الحسبة من المؤسسات الهامة في الدولة الإسلامية لارتباطه بتفاصيل الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، فالحسبة وظيفة إدارية يعرف متوليها باسم المحتسب، وتقع عليه مهمة حفظ الأمن ومراقبة الأسواق والآداب العامة، وقد لعبت المرأة دوراً هاماً في هرميته من خلال “كتيبة الخنساء”، كانت وظيفتها التفتيش والتدقيق بالحواجز والسيارات التي تقع في نطاق الأراضي الواقعة تحت سيطرة التنظيم. تطورت كتيبة الخنساء بعد السيطرة على الموصل في (يونيو/ حزيران 2014) وأصبحت جزءاً من ديوان الحسبة، وتوسع نطاق عملها ومهامها ووظائفها. فباتت بمثابة وزارة شؤون المرأة في الدولة الإسلامية، إذ شمل عملها مجالات الإعلام والتعليم والدعوة والمساجد والأمن والشرطة والتحقيقات وإقامة الحدود، وتقدم للعمل فيها الآلاف. وقد شاركت الكتيبة بدور لوجستي ومساند في ديوان الجند والجهاز العسكري من خلال الخدمات الطبية وإعداد الطعام. وتمثل إحدى مهام كتيبة الخنساء العمل الأمني في المجال الاستخباري لتتبع الجواسيس والجاسوسات والكشف عنهم، وقد أعلن التنظيم في إحدى مواقعه عن تنفيذ حكم الإعدام على امرأة من شمالي القوقاز تدعى “إلفيرا كارايينا” أو “سمية” أدينت بالتجسس لصالح الاستخبارات الروسية FSB ].

 تشرف على إدارة كتيبة الخنساء مجموعة من النساء المهاجرات من دول عديدة (أوروبية وعربية وإسلامية) بالإضافة إلى النساء المحليات (من العراق وسوريا) ومنهن أم الريان وتعرف أيضاً بأم مهاجر، وهي المرأة الأقوى في التنظيم، وهي مهاجرة تونسية زوّجت ابنتها إلى قياديين في التنظيم ثم أوكل إليها كتيبة الخنساء في الرقة، وقد اشتهرت بقوتها وشراستها وإدارتها الصارمة، كذلك تعتبر السعوديتان ريما الجريش وندى القحطاني من أبرز قيادات كتيبة الخنساء، وقد أشيع أن ريما قتلت في القصف على مدينة الشدادي السورية لكن والدتها نفت نبأ مقتلها، أما ندى القحطاني الملقبة بـ”أخت جليبيب” فتتمتع بنفوذ كبير وعينها البغدادي مسؤولة عن كتيبة الخنساء الميدانية في الرقة، في الوقت الذي تولت فيه ريما الجريش “أم معاذ” مسؤولية كتيبة الخنساء الإلكترونية ومهمة تجنيد الفتيات والنساء]. كذلك تبرز عائشة عثمان من بين النساء الفاعلات في الكتيبة فهي أولى النساء اللواتي التحقن بالتنظيم خلال زعامة أبي مصعب الزرقاوي. كذلك يشار إلى “أقصى محمود” وهي إسكتلندية مسلمة من أصول باكستانية وتكنى بأم ليث، حيث أشيع أنها مسؤولة عن مجموعة “أم عمارة” داخل الكتيبة على الرغم من أنها شابة تبلغ من العمر (20) عاماً.

 وفيما يختص بالعمليات الانتحارية، فإن النقاش حولها معروف في أدبيات الجهاديين الإسلاميين، فقد بقيت من المسائل المستبعدة والتي يفتي بحرمتها منظرون جهاديون كبار مثل أبي محمد المقدسي، وعبدالقادر بن عبدالعزيز، وأبي مصعب السوري، وحتى ابن لادن نفسه، قبل أن تتم إعادة النظر في جوازها منذ منتصف التسعينيات بتأثير من كتابات أبي عبدالله المهاجر، صاحب الكتاب الشهير “مسائل في فقه الجهاد”. وبعد هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001 أصبحت العمليات الانتحارية معتمدة كاستراتيجية أساسية في هذا المجال، ويعتبر الزرقاوي الأكثر توسعاً في استخدامها، والأول في دمجه النساء ضمن العمل الاستشهادي الانتحاري، ولتنتظم بعد ذلك مع تنظيم الدولة الإسلامية، وتصبح الظاهرة النسائية الجهادية جزءاً بنيوياً في منظومته الجهادية.

الخاتمة

تتصف الظاهرة الجهادية النسائية بأنها شديدة الارتباط بالسياقات السياسية والاجتماعية، التي صاحبت بروزها، وهي اتخذت أشكالاً متنوعة تطورت خلالها منذ ظهور الجماعات الجهادية، بدءاً من تنظيم القاعدة وصولاً إلى تنظيم الدولة الاسلامية، ومروراً بالمراحل والتجارب التأسيسية التي رافقت مشاركتها في حركة الإخوان المسلمين. يعني ذلك أن المسألة تتخطى المنهج الفقهي للإسلاميين وإجتهاداتهم بخصوص مسألة المرأة والجهاد، وأدوارها المحددة في ضوء نصوص موروثة، لتطال الحيثيات السوسيولوجية والسياسية التي أثرت في خيارات تلك الجماعات، ودفعتها تحت إكراهات الواقع لتبني مواقف واتجاهات جديدة ساهمت في بروز الظاهرة الجهادية النسائية بأشكالها الجديدة، والتي لم يعد معها جهاد النفس على رأس اهتمام هذه الفئة من النساء، وما عادت الدعوة بالكلمة والقدوة الحسنة والخدمة الإنسانية والاجتماعية، بل وحتى العمرة والحجّ وغيرها من الأنشطة تعادل “الجهاد” في نظرهنّ، وإنّما صار ” النفير” إلى الميدان وساحات الجهاد هو الغاية.  

   المسارات كانت معقدة ومتشابكة، فمنذ أن تمحور دور المرأة حول الخدمات الإنسانية والاجتماعية والتربية الروحية والعائلة، مع تجربة الإخوان المسلمين والإسلام السياسي، اكتشف الفاعلون والحركيون، وخصوصاً مع نمو التيار القطبي، أن المسألة تتطلب أدواراً جديدة للمرأة تتجاوز المجالات الدعوية والاجتماعية وحتى التربوية، لتطال جوانب أمنية ولوجستية. النقلة النوعية حدثت عملياً في مرحلة الجهاد الأفغاني والتي فتحت الباب لمشاركة المرأة في مساحات جهادية جديدة، تتجاوز البيئة المحلية التي نشأت فيها، والتي بدأ معها تنظير جديد أسس مع فتاوى عبد الله عزام و”الدكتور فضل” (عبد القادر بن عبد العزيز) لجواز خروج المرأة للجهاد دون إذن زوجها، وتحديداً حين يصبح الجهاد “فرض عين”، مع ذلك بقيت التحفظات الفقهية بين الجهاديين قائمة حول حدود هذا الدور ومجالاته، والتي ذهبت باتجاه مزيدٍ من التوسع في مرحلة أبي مصعب الزرقاوي وشبكة جماعة التوحيد والجهاد، وصراعها الدامي في العراق لتشمل العمليات الاستشهادية التي شاركت بها المرأة بشكل متزايد منذ ذلك الحين.    

    مع ما يسمّى “تنظيم الدولة الإسلامية” وبروز “نساء الخلافة”، بدأت مرحلة مختلفة فرضتها وقائع سياسية وسوسيولوجية وعسكرية جديدة؛ فقد أصبحت “المرأة الجهادية” أكثر تموضعاً داخل هياكل الجهاد المعولم، صحيح أن تموضعها تركز في صلب المؤسسات الأيديولوجية والإعلامية والتربوية، بحكم أنها أساس التجنيد والاستقطاب والتعبئة، إلا أنه لم يكتفِ بذلك، بل ذهبت إلى مجال الحسبة والدواوين والأمن والاستطلاع، فإلى جانب “الجهادية الفقيهة” و “الطبيبة الجهادية” و ” الشاعرة الجهادية ” برزت القائدة والاستشهادية الميدانية في مشهد جديد لم تستطع أي مجموعة جهادية القيام به من قبل.

– انظر نماذج للمشاركة النسائية (مقالات – صور – تقارير..) في رابط شامل لكل ما نشرته سرية حفيدات عائشة (2015)

انظر: مجلة دابق، أم سمية المهاجرة “أسبايا أم بغايا؟”، العدد التاسع، شعبان 1436، ص44.

انظر: أم سمية المهاجرة “شقائق المهاجرين”، مجلة دابق، العدد الثامن، جمادى الآخرة 1436، ص32. وأيضاً “لا هنّ حلّ لهم ولا هم يحلّون لهن”، مجلة دابق، العدد العاشر، رمضان، 1436، ص42. ومقالها “جهاد لا قتال فيه”، مجلة دابق، العدد الحادي عشر، ذو القعدة، 1436، ص40.

انظر: نماذج من مقالات وكتابات هؤلاء في “عاشقات الشهادة”. محمد أبو رمان وحسن أبو هنية، المرجع السابق، ص146، وما بعدها.

– المرجع السابق، ص148-149.

انظر: النصرة الحييّة للدولة الإسلامية عام 2014،

انظر: داعش يعدم جاسوسة روسية تسببت بمقتل عشرة من عناصره بينهم زوجها، 12 مايو ( أيار) 2016،

محمد أبو رمان وحسن هنية، مرجع سابق، ص153

المصدر: مركز المسبار للدراسات والبحوث

Optimized by Optimole