المؤتمر العشرون للحزب الشيوعي الصيني: تصاعد نموذج القوة الصينية

المؤتمر العشرون للحزب الشيوعي الصيني: تصاعد نموذج القوة الصينية
Spread the love

شؤون آسيوية- بقلم: رواد بدوي

مع مطلع يوم 16 تشرين الأول / أكتوبر 2022 انطلق قطار المؤتمر العشرون للحزب الشيوعي الصيني، المؤتمر جاء في وقت كانت فيه أحداث العالم متسارعة وفي أكثر من جهة: انعكاس أزمات وباء كورونا، أزمة الاقتصادات الدولية والشحن الدولي، قضايا الإرهاب والهجرة، تصاعد ملفات الأقليات، وأبرزها حرب أوكرانيا.

وفي هذه الأجواء لا تغيب الأعين عن متابعة التحركات والسياسات الصينية واتجاهاتها، وكان انتظار نتائج المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي الصيني مصدر الاهتمام الدولي، لأنه من الدارج أن تلك المؤتمرات بمثابة خارطة الطريق للاستراتيجيات والسياسات الصينية، وتتضمن توجهات وأجندات المرحلة المقبلة وكيفية تعاطي الصين مع جميع القضايا المحلية والإقليمية والدولية، والنهج الاقتصادي لأحد أقوى اقتصاديات العالم.

رسائل إزاحة هو جنتاو من المؤتمر

في سابقة لم يشهدها الحزب سابقاً وقلما شوهدت في هكذا محافل، تم إخراج هو جنتاو الرئيس الصيني السابق وهو بهذه الصفة يتمتع بعضوية أساسية في قيادة المؤتمر، وعلى ما يبدو أراد الرئيس الحالي شي بينغ أن يختصر ويعجّل إيصال رسائل ومقررات المؤتمر للعالم وللداخل بطريقته الخاصة وهو الذي بقي متفرجاَ حيال إخراج هو جنتاو من القاعة.

درج العرف في مؤتمرات الحزب الشيوعي الصيني على حضور الرئيس السابق ليس كحضور رمزي تقديراً له، وإنما ارتباطاً بالهرمية القائمة في الحزب منذ عهد ماو تسي تونغ والتي تجعل من الرئيس السابق للبلاد رئيساً للجنة العسكرية في الحزب، وهي لجنة تكاد تكون بأهمية منصب الرئاسة. وتبدأ هذه اللجنة بتقليص صلاحياتها الرقابية في معظمها شيئاً فشيئاً لصالح دور الرئاسة كمرحلة انتقالية لتثيبت سياسات الحزب الاستراتيجية المنصوص عليها.

يتساءل المحلل السياسي في مجلة “فورين بوليسي” الأميركية، جيمس بالمير James Palmer، عماذا حدث لهو جينتاو؟ ويقول إن ما حدث في المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي الصيني من إزاحة بدت مقصودة ومرتب لها مسبقاً، باقتياد الرئيس السابق هو جنتاو إلى خارج القاعة وسط صمت وعدم اكتراث حتى من أقرب الجالسين بجواره رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء. ويرى المختصون أن تلك الخطوة مقصودة تماماً ولا يستهدف شي من ورائها هو جنتاو فقط كرئيس سابق وإنما أيضاً حلفاءه ومؤيديه، إضافة إلى نهج سياسي سابق لا يزال بعض من معالمه موجوداً.

وهنا التساؤل المهم حول فحوى تلك الرسائل التي يريد الرئيس الحالي شي أن يوصلها؟ ولمن؟ من الواضح أنه في طليعة رسائل شي إعادة صياغة نهج التوازن العام الذي ساد العلاقات بين الصين والولايات المتحدة الأميركية في مرحلة هو جنتاو وظل حاضراً وتفاوت في بعض الأحداث. فالعلاقات، برغم الحدية الناعمة في ذلك الوقت، كانت سريعاً ما تخفت من منطلق عدم الرغبة المتبادلة في توتير العلاقات بينهما.

ويبدو أن الرئيس شي لا يريد لهذا النهج أن يستمر ويريد أن يقول إن هذا الإرث أصبح مع صاحبه خارج سياسات الحزب الشيوعي الصيني.

من جهة أخرى أسس هو جنتاو لعلاقات انفتاح مستمرة مع أوروبا وهذه أيضاً يريد شي أن يعيد النظر فيها من منطلق أنه انفتاح باتجاه واحد وليس متبادلاً بل إن شي يريد من أوروبا أن تكون هي المبادرة السبّاقة له وليس كحالة متوازنة من الانفتاح على علاقتهما. ويأتي هذا من منظور وعقيدة التفوق الصيني والقومية الصاعدة على حساب الغرب.

أما المشكلة الأكثر وضوحاً فتتمثل بالسياسة المهادنة لجنتاو في الملف التايواني، حيث كان ولا يزال من الأصوات الرافضة لاستخدام القوة في هذا الملف، وهو ما يرفضه الرئيس الحالي شي وفريقه ويتبنون سياسة معاكسة له تماماً.

وإذا ما أضفنا الملف الهندي إليه فيصبح هناك رسالة واضحة من شي تتمركز فيها القومية الصينية حول محور القوة والجيش وعقيدته المدفوعة بالإرث والحاضر والمستقبل لبلد يرى نفسه يشق بثقة وسرعة موقعه على سدة النظام الدولي.

ولا تغيب الساحة الداخلية عن استراتيجية الرئيس شي المستقبلية بحثاً عن البيئة الداخلية المواتية لتنفيذ سياساته ورؤيته للصين القادمة. فعلى الصعيد الداخلي، الرسائل باتجاهين: الأولى موجهة إلى الجيل الذي صعد مع جنتاو ومن قبله جيانغ زيمين ليقول لهم انتهى هذا العهد وإلى الأبد وعلى العالم أن يتعامل مع عهد وجيل جديدين من القادة السياسيين الصينيين المنطلقين من استراتيجية ومحددات مختلفة تماماً في مضمونها واتجاهاتها عما قبل.

والرسالة الثانية إلى المعارضين الذين من جهة قد يعملون على تعزيز نفوذهم وعلاقاتهم داخل الحزب وخارجه بالتزامن مع خطوات التقاعد القسري والاستبعاد المنظم للعديد من كوادر الحزب السابقين والموالين والمحسوبين على الرؤساء السابقين. ومن جهة أخرى من يعارضون تصاعد نهج الإدارة المركزية والسياسة المتشددة للحزب في عهد الرئيس شي جين بينغ.

فمن المعروف أن عهد جنتاو ارتفعت فيه حرية التعبير على الإنترنت، وبرز صوت جماعات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية وإن كانت بحدود صارمة. وطبعاً لم يكن ذلك بسبب أي تساوق مع الأفكار الليبرالية من جانب هو جينتاو. ولكن كما يرى بعض المختصين، اضطر لإعطاء بعض مساحة التعبير للمجتمع المدني بسبب ارتفاع وتيرة الفساد آنذاك، وهي القضية الأخطر والمثيرة بالنسبة للحزب والمجتمع. وكذلك ارتفعت التغطية العامة للفساد من قبل منظومة الحكم، وأصبح معظم أعضاء الحزب أكثر انشغالًا بجني الأموال من انشغالهم بفرض خط الحزب.

وتلك التوجهات يبدو شي جين بينغ لا يريدها أن تستمر، على الأقل كما كانت، وبالتالي فهو يحكم قبضته على الدولة والحزب والمجتمع المدني معاً ولصالح فريقه الحزبي أو بالأحرى الجيل الذي صعد مع صعوده داخل الحزب ومؤسساته ومنظماته وسيكون المنفذ لمشروعه السياسي القائم حالياً.

ماذا لدى الزعيم شي في ولايته الثالثة؟

مع تولي الرئيس الصيني الحالي شي لولايته الثالثة وفقاً للتعديل الدستوري الذي أجراه، تكون هذه المرة الأولى التي يمدد لرئيس صيني لولاية رئاسية ثالثة منذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية. حتى ماو تسي تونغ المؤسس لم يحظَ بهذه الفرصة، وهذا يشير إلى رغبة الدولة العميقة في جمهورية الصين الشعبية استمرار السياسات الراهنة وفريق العمل بقيادة شي.

في فترة ولاية شي الأولى التي امتدت لخمس سنوات كزعيم للحزب الشيوعي الصيني تعززت قبضته على الجهاز السياسي وبسط سيطرته على الجيش، وشهدت فترة ولايته الثانية التي امتدت لخمس سنوات إعادة التأكيد على سيطرة الحزب والجيش والدولة على الاقتصاد، وكذلك تشديد سيطرة بكين على مناطق طرفية متعددة -تتمتع بحكم ذاتي ظاهريًا – مثل شينجيانغ وهونغ كونغ. علاوة على ذلك، أطلق شي مبادرات طموحة لتأكيد سيطرة أكبر على مجموعة من الأراضي البحرية والقارية التي تطالب بها جمهورية الصين الشعبية.

ومع بدء ولاية شي الثالثة كزعيم للحزب الشيوعي الصيني تبدو أن السمة الرئيسية للصين في عهده الجديد والأولوية القصوى معطاة لضمان السيطرة المركزية على جميع جوانب نشاط الدولة الحزبية والعسكرية داخلياً وخارجياً. وقد أصر شي بجرأة في تقرير عمله على أن “عجلات التاريخ تسير نحو إعادة توحيد الصين وتجديد شباب الأمة الصينية”.

كيف تم تحقيق تلك الأولويات؟

الخطوة الأهم بدأت باختيار التشكيلة الجديدة للجنة الدائمة للمكتب السياسي (PBSC) المكونة من سبعة أعضاء في مؤتمر الحزب العشرين. إن اللجنة التي تترأس المكتب السياسي مكونة من 24 عضوًا الآن (بعد أن قام شي بتخفيض حجمها بواحد). وهي نفسها الهيئة القيادية العليا للحزب الشيوعي الصيني المكون من 96 مليون عضو. وقد شهدت استبدال أربعة من أصل سبعة من أعضائها بآخرين من الموالين للرئيس شي، رئيس الوزراء الزعيم الثاني) لي كه تشيانغ)، الذي كان يُنظر إليه على نطاق واسع على أنه المنشق الرئيسي المتبقي داخل النظام، أُجبر على التقاعد، وكذلك لي وانغ يانغ، الذي توقع العديد من المراقبين أن يصبح رئيسًا للوزراء. ولكن تم إجباره على الخروج من المكتب السياسي تمامًا .كما تمت الإطاحة بهان تشنغ، الذي يعتبر حليفًا قويا للزعيم السابق جيانغ زيمين.

علاوة على ذلك، تم تعزيز المكتب السياسي بعدد كبير من الأشخاص ذوي الخلفيات في صناعات الدفاع (بمن في ذلك الخبراء مثل ما شين ري Ma Xingrui وجانغ ويتشن Zhang Guoqing ويوان جيجن Yuan Jiajun أو شركات أو وكالات حكومية للعلوم والتكنولوجيا مجاورة للجيش (بمن في ذلك (Chen Jining Li Ganjie.

ولكن ماذا يعني هذا التحرك؟

واضح أنه بذلك أصبح جزءًا كبيرًا من المكتب السياسي يتكون الآن من قوميين تقنيين متفانين، مما يشير إلى التزام الزعيم شي بمتابعة الاعتماد على الذات التكنولوجية والاقتصادية، وفصل سلاسل التوريد الصينية في المجالات الاستراتيجية.

من الواضح ان لدى شي هواجسه الأمنية إقليمياً ودولياً، فمن ناحية هناك التركيز الأميركي المستمر واللافت على الساحة الآسيوية منذ الفترة الرئاسية الثانية للرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، ومن ناحية أخرى هناك معطيات عالم ما بعد اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا، وهنا يبرز سؤال حول امتداد قوة النفوذ الصيني؟

فرغم القوى الناعمة التي تستعين بها الصين كثيراً وفي أكثر من جهة في العالم، لكن يبقى لمؤشر القوة العسكرية والأمنية الصينية معياره الأساسي عالمياً، وهو ما تحاول الصين ترسيخه في موقفها من المسألة التايوانية، خاصة بعد زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي (أنذاك) نانسي بيلوسي لتايوان.

بشكل عام، فإن الصورة الواضحة التي تظهر من المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي الصيني هي أن الحزب والدولة الصينية يتماشيان تمامًا مع رؤية شي جين بينغ القائمة على ركنين أساسيين هنا “الأمن القومي الشامل” و”الاقتصاد المحصن”، مع التركيز بشدة على الاستعداد للمواجهة الجيوسياسية والتنافس على المستقبل المنظور.

حضور اقتصادي في مؤتمر الحزب

منذ سنوات أعلنت الصين انطلاق مشروعها العالمي “مبادرة الحزام والطريق”، وهي تسعى جاهدة لتعزيز حضورها الاقتصادي وتقوية نفوذها التنافسي خاصة في قارات إفريقيا وآسيا وأميركيا اللاتينية وفي سوق الثروات المعدنية ومع الشركات الدولية ولاسيما في مجال السيارات والتكنولوجيا الفائقة.

ومع تفشي “فيروس كوفيد” عالمياً، كانت الصين أول ضحاياه، فإلى جانب أخطار الأزمة الصحة على المواطنين برزت أزمة الحاويات والنقل البحري بما يمثله من عماد للاقتصاد الصيني، والحديث هنا يدور عن امتلاك الصين لأكبر أسطول من حاويات النقل الاقتصادي عالمياً. فمع انتشار الوباء عالمياً، تقلص الإبحار بين الدول لمواجهة عدوى كورونا. أدى هذا إلى رسو حاويات النقل البحري على أرصفة الموانئ الموجودة فيها والتي كان النصيب الأكبر منها لتجارة الصين.

ومع السيطرة البارزة للحكومة الصينية على الوباء ومحاصرته – وفقاً للإعلان الرسمي الصيني -حتى الوصول في مواجهته إلى نسبة “صفر حالات كوفيد”، عاد موضوع التعافي الاقتصادي مجدداً إلى الواجهة وبدأت المعالجات الصينية له من أكثر من مدخل، وحمل المؤتمر العشرون للحزب رؤية اقتصادية متجددة وإن كانت لم تقدم جديداً مطلقاً خارج الحدود الأساسية التي يسير ضمنها الاقتصاد الصيني.

فقد أعرب الحزب الشيوعي الصيني في أجندات مؤتمره الوطني العشرين، عن خطته لبناء جمهورية الصين الاشتراكية الحديثة، واعتماد خطة خمسية شاملة قادمة. وفي كلمته خلال الجلسة الافتتاحية للمؤتمر، قال شي إن “السنوات الخمس المقبلة حاسمة لبذل الجهود وتحقيق بداية جيدة لعملية بناء دولة اشتراكية حديثة على نحو شامل”.

وحدد ثلاثة إنجازات رئيسية للحزب وقال إن الحزب انطلق نحو عصر جديد من الاشتراكية ذات الخصائص الصينية، وتخلص من الفقر المدقع، وأكمل بناء مجتمع رغيد الحياة على نحو شامل، وبالتالي تم إكمال الهدف المئوي الأول، واصفاً الأحداث الرئيسية الثلاثة تلك بأنها “انتصار تاريخي”.

وتابع شي أنه يجب تطوير الماركسية لدمجها مع الحقائق الخاصة بالصين، وهذا لا يعني التعامل معها على أنها عقيدة جامدة فقط، وإنما بالتجذر في التربة التاريخية والثقافية الغنية للصين. وبذلك يمكن أن تزدهر حقيقة الماركسية. ولم يغيب عن بال الزعيم شي تعزيز مجلس قيادة الحزب بمن يعمل على هذا (البعث الجديد) لاشتراكية الصين الجديدة، فجاء تعيين وانغ هونينغ Wang Huning 67) عاماً). وهو أكاديمي سابق ويعتبر كبير الأيديولوجيين في عهد شي جين بينغ، ومستشاره في الإيديولوجيا والدعاية والسياسة الدولية. ويبدو منذ نشر أفكار شي حول الأيديولوجيا في ثلاثة مجلدات أنه يقدم نفسه حامياً وحكماً على نقاء العقيدة الماركسية للصين.

الخلاصة

أعطى انطلاق المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي الصيني تصوراً واضحاً حول تنامي القومية الصينية وانعكاس تأثيراتها على بنية الدولة والحزب، واستعداد بكين التام لتكون أكثر قدرة ورغبة على تنامي مزيد من قوتها وحضورها العالمي وتوظيف تأثيره لخدمة مشروع الصين كقوة عالمية راسخة.

إن الاستراتيجية الصينية الراهنة تعمل في نطاق تصاعد عقيدة الصراعات الدولية، وهو ما يستدعي منها تعزيز قدراتها ونفوذها إقليمياً ودولياً، وهو ما يتضح من أجندات المؤتمر التي ركزت على الأبعاد السياسية والعسكرية والاقتصادية وتطويرها.

الهوامش

1. James Palmer, what the hell just happened to Hu Jintao? https://foreignpolicy.com, OCTOBER 22, 2022.

2. June Teufel Dreyer, The Chinese Communist Party’s 20th Party Congress: What Happened…and didn’t.

The Foreign Policy Research Institute- October25, 2022.

3. Françoise NICOLAS, Whither China after 10 Years of Economic Policies Guided by Xi? – www.ifri.org 15 Oct 2022.

4. Andrew Scobell, China after the Party Congress: Welcome to Xi’s People’s Republic. The United States Institute of Peace

www.usip.org October 26, 2022.

5. Group of experts, decoding the 20th Party Congress SEARCH,

ASIA SOCIETY POLICY INSTITUTE – ww.asiasociety.org,

OCTOBER 22, 2022

Optimized by Optimole