الشراكة “الابتكارية” بين إسرائيل والصين

Spread the love

بقلم: د. هيثم مزاحم* — بمناسبة الذكرى الخامسة والعشرين لبدء العلاقات الدبلوماسية بين إسرائيل والصين، أجرى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هذا الأسبوع زيارة للصين، عّدت ناجحة جداً وساهمت في توطيد العلاقات الاقتصادية الثنائية، من خلال توقيع 25 اتفاقية تجارية بقيمة ملياري دولار.
صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية ذكرت أن الرئيس الصيني شي جين بينغ قد أعلن خلال الزيارة عن “اعتراف الصين بإسرائيل كشريكة إستراتيجية مهمة في موضوع الابتكارات”.
تقول دراسة إسرائيلية حديثة وضعها ثلاثة باحثين في معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، هم متان فيلناي وأساف أوريون وغاليا لافين (نشرت في مجلة “مباط عال”، العدد 906، 19/3/2017)، إن “اهتمام الصين الرئيسي المعلن في إسرائيل هو في مجال الابتكار. فمن وجهة نظر الصين، تتميز إسرائيل على صغر حجمها بإنجازاتها العلمية وعدد الشركات الناشئة وعدد الحائزين على جائزة نوبل. ونظراً لحاجة الصين الماسة لتقنيات متطورة وحلول ابتكارية لتركيبتها السكانية الكبيرة الشائخة، تستثمر الصين في صناعات إسرائيل في مجالات التكنولوجيا العالية والزراعة والغذاء والمياه والتكنولوجيا الطبية والتكنولوجيا الحيوية”.
ويرى هؤلاء الخبراء أن الهدف من زيارة نتنياهو هو تحديد العلاقات بين إسرائيل والصين بوصفها “شراكة ابتكارية شاملة”، إذ أن الطرفين اتفقا على هذا التعريف، تجنباً لإطلاق صفة “استراتيجية” على شراكتهما على خلفية علاقة إسرائيل مع الولايات المتحدة من جهة، وعلاقة الصين مع دول أخرى في منطقة الشرق الأوسط (إيران، سوريا، مصر، الخ..) من جهة أخرى.
وتعتبر الدراسة أن “تركيز الصين على الجانب الاقتصادي مناسب لإسرائيل التي تربطها بالولايات المتحدة الأميركية علاقة استراتيجية تشكل حجر الزاوية لسياسة الأمن القومي الإسرائيلي”، إذ أن علاقات إسرائيل السابقة مع الصين في المجال العسكري، على غرار تصدير أنظمة أسلحة تتضمن مكونات أميركية حساسة، قد سببت توتراً بلغ حد الأزمة أحياناً مع الولايات المتحدة. لذلك حرصت إسرائيل منذ العقد الماضي على التركيز في علاقاتها مع الصين على الصعد الاقتصادية.
ويشدد الباحثون الإسرائيليون على أهمية العلاقات مع الصين كطاقة نمو للاقتصاد الإسرائيلي وعلى ضرورة زيادتها إلى الحد الأعلى الممكن. وقال وزير الاقتصاد الإسرائيلي، ايلي كوهين، الذي رافق نتنياهو، إن “الغاية في السنوات الخمس المقبلة هي زيادة حجم التجارة مع الصين ليصل إلى 20 مليار دولار. وهذه الزيارة أعطت دعماً لدفع توقيع اتفاق التجارة مع الصين الذي يتوقع أن ينتهي بعد عام”.
يُذكر أن الصين هي أكبر شريك تجاري لإسرائيل في آسيا، وثالث أكبر شريك لها على مستوى العالم بحجم تبادل تجاري يصل إلى 11 مليار دولار.
كما اتفق الجانبان خلال الزيارة على تسريع إقامة منطقة تجارة حرة بين الصين وإسرائيل، وإقامة مسار سريع للمستثمرين الإسرائيليين والصينيين. ودعا نتنياهو إلى تدشين خط طيران مباشر بين شنغهاي وتل أبيب.
وتتعلق إحدى الاتفاقيات بجلب آلاف العمال الصينيين إلى إسرائيل، وأخرى بالتعاون في مجل طب الطوارئ، وثمة اتفاقيات أخرى متعلقة بمشاريع علمية وفي مجال الطيران.
ووقعت وزارتا الزراعة الصينية والإسرائيلية على اتفاقية تسمح في المستقبل القريب بتصدير منتجات ألبان من إسرائيل إلى الصين.
وتفيد المعطيات بأن حجم الصادرات الإسرائيلية إلى الصين يبلغ ثلاثة مليارات دولار سنوياً، وأن 66% من هذه الصادرات هي من شركة “إينتل” للالكترونيات الرفيعة ومن شركة “كيل” للكيماويات.
وكان نتنياهو قد اصطحب وفداً من 90 رجل أعمال إسرائيليين، هو أكبر وفد تجاري إسرائيلي يزور الصين.
وإلى جانب لقاءاته مع المسؤولين الصينيين، التقى نتنياهو مع عدد من كبار رجال الأعمال الصينيين. وكان أحد هذه اللقاءات مع رؤساء عدد من الشركات الصينية الكبيرة، مثل “واندا” و”علي بابا” و”واها” و”لينوفو”. كما حضر مؤتمراً تجارياً اقتصادياً شارك فيه أكثر من 600 رجل أعمال إسرائيلي وصيني. ودعا نتنياهو رجال الأعمال الصينيين إلى تبني التكنولوجيا الإسرائيلية بهدف مواصلة تحسين مستوى المعيشة في الصين.
وهذه هي الزيارة الثانية لنتنياهو خلال رئاسة “شي جين بينغ” للصين، حيث قام بزيارة سابقة عام 2013.
ويرى بعض الخبراء الإسرائيليين أن زيارة نتنياهو مناسبة جيدة لدرس إمكانات نموّ العلاقات الإسرائيلية – الصينية منذ زيارته السابقة عام 2013، خصوصاً في ظل الدينامية المتصاعدة بين القوى العالمية الثلاث، الولايات المتحدة، الصين وروسيا في مستهل عهد الرئيس الأميركي دونالد ترامب.

الاستثمار الصيني في مشاريع إسرائيلية

تشارك الصين في مشاريع بنى تحتية في إسرائيل، مثل حفر “أنفاق الكرمل”، وتنفيذ مشروع “القطار الخفيف” في تل أبيب، وتوسيع ميناءي أسدود وحيفا. كما بدأت تنخرط في مجال تشييد المباني السكنية.
ووفقاً لتقديرات وزارة الاقتصاد الإسرائيلية، فقد بلغ مجموع استثمارات الصين في إسرائيل عام 2015 أكثر من نصف مليار دولار. كما تشجع الصين إقامة منشآت إسرائيلية ابتكارية في الصين، مثل مشروع “مدينة المياه شوغوانغ”، الذي يشمل استخدام تقنيات مياه إسرائيلية، ومشروع إقامة معهد أكاديمي تكنولوجي في “مقاطعة غواندونغ” بمساعدة معهد “التخنيون”، الممول بمبلغ تبرع به الملياردير الصيني لي كا شينغ يبلغ 130 مليون دولار.
ومنذ عام 2013، استقبلت إسرائيل عدداً من الوفود من قطاع الأعمال الصيني ضمت مهتمين بالابتكار في مجالات تحظى بأولوية واهتمام الحكومة الصينية، وفي عام 2016 وحده أصدرت السفارة الإسرائيلية في بكين أكثر من عشرة آلاف تأشيرة لرجال أعمال صينيين.
وقررت حكومة نتنياهو أن تبذل جهداً شاملاً لتعزيز العلاقات الاقتصادية بين إسرائيل والصين للتوصل إلى تحقيق الطاقة الاقتصادية الكامنة في العلاقات الثنائية، وقد نجحت في رفع حجم التبادل التجاري بين الجانبين من 8 مليار دولار عام 2013 إلى 11 مليار دولار عام 2016. وقد بلغ العجز التجاري الإسرائيلي مع الصين نحو 3.386 مليار دولار في عام 2015، أي بزيادة نسبتها 12% قياساً لعام 2010.
وعلى الرغم من النمو الكبير في العلاقات الاقتصادية الثنائية، تعاني إسرائيل من ضعف نسبي على صعيد البحث الأكاديمي والتطبيقي حول الصين وعدم توافر قاعدة معلومات ضرورية وندرة الخبراء في شؤون الصين في الاقتصاد وإدارة الأعمال والقانون والعلاقات الخارجية وغيرها. ومن أجل تطوير علاقات اقتصادية واسعة النطاق وطويلة الأمد مع الصين، تحتاج الحكومة والسوق الإسرائيليان إلى مزيد من الخبراء في هذه الشؤون الصينية في الوزارات والأوساط الأكاديمية.

رؤية إسرائيل الاستراتيجية للعلاقات مع الصين

تأتي زيارة نتنياهو للصين على خلفية تنامي العلاقات الاقتصادية بين الدولتين واهتمام بكين المتزايد بمنطقة الشرق الأوسط. فقد استقبلت الصين قبل أيام العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز حيث تم توقيع العديد من الاتفاقات، بلغت قيمتها 65 مليار دولار.
يطالب الإسرائيليون أن تُشمل إسرائيل بـ”مبادرة حزام وواحد وطريق واحد”، واقتراح حلول إسرائيلية ومشاركة في مجالات ريادية على صلة بتعزيز المبادرة، مثل الأمن ومكافحة الإرهاب والاتصالات، وتشجيع مزيد من الاستثمارات الصينية في مشاريع بنية تحتية في إسرائيل. كما يوصون بالتشديد على أهمية زيارة زعيم صيني كبير لإسرائيل (مثل الرئيس نفسه أو رئيس الوزراء)، وذلك في ضوء الفجوة الصارخة على مستوى التمثيل في زيارات الصين الرسمية لإسرائيل مقارنة مع زيارات صينية رسمية لدول إقليمية أخرى.
كما توصي الدراسة الإسرائيلية بتوسيع تبادل وفود كبار رجال الأعمال وتشجيع زيارات كبار أعضاء مجتمع الأعمال الصيني إلى إسرائيل، وتعزيز المعرفة والتعلم المتبادل الرامي إلى تسريع نموّ العلاقات، وتوسيع الحوار بين مراكز الأبحاث ومجموعات التفكير) بتشجيع من الحكومة.
وتحاول إسرائيل الترويج نفسها أمام الصين بأنها جزيرة من الاستقرار والأمن في منطقة الشرق الأوسط المضطربة، حيث يشكل عدم الاستقرار الأساسي وانعدام الأمن في المنطقة عقبتين أمام انخراط الصين في مشاريع تشييد بنى تحتية اقتصادية والنقل. وتوصي الدراسة بتشجيع الصين على المساعدة في تعزيز العلاقات الإسرائيلية – الفلسطينية من خلال استثمار ودعم مشاريع بنى تحتية في مناطق السلطة الفلسطينية وقطاع غزة بمباركة إسرائيل وضمانها للأمن وإرساء “سلام اقتصادي” مع الفلسطينيين. كما يمكن تشييد بنى تحتية من شأنها أن تقدم خدمات لقطاع غزة (أيضاً على أراضي إسرائيلية، يمكن إدراجها ضمن تبادل أراض في المستقبل)، مثل الطاقة المتجددة والبنى التحتية للنقل البحري ومحطات تحلية مياه البحر. وكذلك تشييد بنى تحتية للنقل البري ومناطق صناعية وتجارية (تشمل التكنولوجيا العالية) في الضفة الغربية.

مصالح الصين في الشرق الأوسط

لا شك أن للصين مصالح كبيرة في الشرق الأوسط فهي تعتمد سياسة بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وتتجنب المخاطر العسكرية والأمنية والمواجهات السياسية، وتسعى لصداقة الجميع في العالم، وبخاصة في الشرق الأوسط، حيث تستورد منه نصف حاجتها من النفط الخام، إضافة إلى صادرتها إلى أسواق المنطقة. من هنا تعمل الصين ما أمكنها على استقرار المنطقة، ومحاولة تجنب الحروب فيها.
ولذلك نجد أن معظم النشاط الصيني في الشرق الأوسط هو نشاط اقتصادي، فتدخّلها السياسي هامشي، ووجودها العسكري ضئيل وموقوف على المشاركة في بعثات قوات حفظ السلام الدولية. لكنها أولت الأزمة السورية اهتماماً كبيراً بسبب تأثيرها على الأمن الصيني والعالمي، لجهة تصاعد الإرهاب من تنظيمات تكفيرية في سوريا والعراق، بينها الحزب الإسلامي التركستاني، من عرقية الأويغور الذي يسعى لانفصال إقليم شنغيانغ أو تركستان الشرقية عن الصين، ويشن حملة إرهاب ضدها.
وتستثمر الصين بكثافة في تطوير البنى التحتية للنقل البري والبحري، مثل: طرق، وسكك حديد، وموانئ بحرية، في إطار “مبادرة حزام واحد وطريق حد”، التي تهدف إلى ربط الصين بأسواق أوروبية وأفريقية. ففي عام 2015 وحده استثمرت الصين ما يقارب 5.7 مليار دولار في مشاريع بنى تحتية في الشرق الأوسط وأفريقيا. وفي عام 2016 قفز هذا المبلغ إلى 21.5 مليار دولار.
وعلى الرغم من كون سياسة الصين في الشرق الأوسط قائمة على الحفاظ على علاقات طيبة في آن معاً مع أعداء ألداء (إيران، السعودية، وإسرائيل)، تعرب تل أبيب عن قلقها إزاء تعاون الصين العسكري مع إيران، وبخاصة المساعدة الصينية للصناعات العسكرية الإيرانية في تصنيع نماذج صواريخ معدلة عن أنظمة صواريخ صينية، مثل الصاروخ المضاد للسفن من طراز C802.

الصين والقضية الفلسطينية

يرى بعض الباحثين العرب أن ارتباط الموقف الصيني بمصالح عسكرية وأمنية مع إسرائيل واقتصادية مع الولايات المتحدة يجعلها تكاد لا تبدي موقفاً مستقلاً مؤثراً في السياسة الدولية أو في قرارات مجلس الأمن الدولي إزاء قضايا الصراع العربي – الإسرائيلي أو إزاء العدوان الإسرائيلي، فيما يقول الصينيون إن بلادهم لم تتراجع عن دعم القضية الفلسطينة برغم إقامتها علاقات مع إسرائيل وإنما باتت تدعمها وفق آلية جديدة بعد توقيع المعاهدات العربية – الإسرائيلية (اتفاق أوسلو عام 1993 واتفاق وادي عربة عام 1994). فالصين قدمت سابقاً أسلحة وتدريباً للمقاومين الفلسطينيين، لكنها توقفت عن دعم المقاومة ضد إسرايئل بعد التسويات العربية المتعددة مع إسرائيل.

*رئيس مركز بيروت لدراسات الشرق الأوسط

المصدر: الميادين نت

Optimized by Optimole