الدور السياسي والإجتماعي للمرأة في حركة حماس

Spread the love

شجون عربية – بقلم: فازع صوافطة* |
تشكل المرأة الفلسطينية تقريبًا 50% من حجم المجتمع الفلسطيني، ونظرًا لأهمية مكانتها ودورها تأتي خصوصية هذه المقالة في الحديث عن وضع ومكانة المرأة في واحدة من أهم الحركات الإسلامية على مستوى العالم، وكيفية تعاملها مع المرأة الفلسطينية، في ظل حالة الإنتقاد التي توجه للحركات الإسلامية بشكل عام من إغفالها لدور المرأة وتجاهل حقوقها، حيث سنسلط الضوء على نظرة حركة حماس للمرأة فكريًا وسياسيًا، وهل أنصفت حماس المرأة في أخذ دورها كشريك للرجل في مواقع العمل الحركي والتنظيمي؟.
وهل يعبر حجم مشاركة المرأة في حماس عن الإهتمام بالمرأة ودورها أم أنه مظهر تجميلي لفكر الحركة وسلوكها إتجاه المرأة؟ وهل يعكس هذا الحضور الحجم الحقيقي لحضور المرأة الفلسطينية في أماكن صناعة القرار لدى المجتمع الفلسطيني؟ وكيف يمكن للحركة أن تمكن المرأة بشكل أكبر في مواقع صنع القرار فيها؟ هذا ما سنتناوله في هذه المقالة وسنحاول من خلاله الإجابة على هذه التساؤلات.
خلفية تاريخية:
إهتمت حركة حماس منذ نشأتها في العام 1987 بالمرأة وبدورها في النضال الوطني، وأهمية حضورها كأحد أهم روافد التربية في حلقات العلم في المساجد وما تركه ذلك من أثر إيجابي على تنشئة العديد من الأجيال الملتزمة دينيًا والتي أصبحت خزانًا بشريًا ساهم بشكل كبير في رفع مكانة الحركة تنظيميًا وسياسيًا وعسكريًا.
إنعكس هذا الإهتمام بتشريع قانوني داخلي من خلال ميثاق الحركة ومن خلال الوثيقة السياسية المعدلة لميثاق الحركة والتي صدرت في العام 2017، والتي نصت على “أن دور المرأة الفلسطينية أساس في بناء الحاضر والمستقبل، كما كان دائمًا في صناعة التاريخ الفلسطيني، وهو دور محوري في مشروع المقاومة والتحرير وبناء النظام السياسي”.
وتأصل حركة حماس لهذا الاهتمام بالمرأة، كونها كانت من اللبنات الأولى التي شاركت في النشاط الدعوي من فجر الإسلام، حيث كان لها الحضور البارز في عهد النبي صلى الله عليه وسلم من خلال بيعتي العقبة الأولى والثانية، وكذلك من خلال مشاركتها في غزوات ومعارك الإسلام في العهد النبوي، والذي أسس وشرعن حضور المرأة وأهميته في ميادين الدعوة والعمل الإسلامي.
ومن هذا المنطلق عمدت حركة حماس إلى توظيف طاقات المرأة في عملية التغيير الإجتماعي من منظور ديموغرافي بصفتها تشكل أكثر من نصف المجتمع أو من منظور تربوي حيث أنها الحاضنة التربوية والمصدر الأساسي للتربية من خلال تربيتها للطفل في السنوات الستة الأولى من عمره.
موقع المرأة ودورها في حركة حماس:
لقد برز دور المرأة التنظيمي والدعوي والسياسي في حركة حماس من خلال “الحركة الإسلامية النسائية”، التي عملت بشكل منظم ونجحت في بناء جسم نسوي دعوي كان مرجعًا لأنشطة النساء في الكتل الإسلامية في الجامعات الفلسطينية، والتي كان أبرزها مجلس الطالبات في الجامعة الاسلامية بغزة أوائل الثمانينات (أي قبل تأسيس الحركة)، حيث كان العمل السياسي والدعوي تحت مظلة “جماعة الإخوان المسلمين”، ومن خلال هذا المجلس مارست المرأة العديد من الأنشطة والفعاليات، وأصدرت العديد من المجلات، كمجلة العروة الوثقى، ومجلة الغرباء، والتي كانت توزع بشكل سري آنذاك، كما شاركت في نشر الوعي السياسي من خلال استخدام المسرحيات والأعمال الفنية والتراثية والمسابقات الثقافية.
ولم يقتصر دور المرأة في حركة حماس على قطاع غزة، حيث امتد نشاطها على كل ساحات الوطن، فكانت رافدًا مهمًا من روافد العمل الطلابي في الكتل الإسلامية في جامعات الضفة، والجمعيات النسوية، وكان لها تأثير هام في نشر الوعي السياسي في أوساط الطلبة والطالبات من خلال الأنشطة العديدة التي قامت بها في هذه الجامعات.
هذه المقدمات والمراحل التي تدرجت بها المرأة في سلم العمل التنظيمي في حركة حماس أوصلتها إلى مكانة مهمة في العمل السياسي من خلال مشاركتها في صنع القرار السياسي والتنظيمي وبرزت في صفوف الحركة أسماء لقياديات في الحركة أمثال هدى نعيم، ومريم صالح، ومنى منصور، ومريم فرحات، وغيرهن من القياديات اللاتي تموضعن في مراكز مهمة من مراكز صنع القرار داخل الحركة.
ونظرًا لخصوصية الوضع الفلسطيني وحالة الإشتباك مع الإحتلال كان للمرأة الفلسطينية في حركة حماس دور بارز في الفعاليات الوطنية والنضالية وشاركت بشكل حقيقي في أعمال المقاومة المسلحة، حيث كان من بين صفوفها الإستشهادية ريم الرياشي، وأم نضال فرحات التي ودعت أبناءها في طريقهم للقيام بعمليات عسكرية ضد الإحتلال، إضافة إلى العديد من فتيات ونساء الحركة اللاتي تم إعتقالهن في سجون الإحتلال.
وفي الانتخابات التشريعية عام 2006 وصلت عدد من النساء عن قائمة التغيير والإصلاح التابعة لحماس إلى مقاعد المجلس التشريعي، وكان لهؤلاء البرلمانيات دور بارز في حمل لواء المرأة الفلسطينية داخل المجلس التشريعي وتمثيلها بشكل لائق، كما تعرض بعضهن للإعتقال من قبل الإحتلال لدورهن في الأنشطة المقاومة للإحتلال، وواصلن دورهن حتى داخل السجون من خلال تشكيل هيئات قيادية خاصة بهن، وإعتماد الهيئة القيادية العليا لأسرى حماس مقعدًا لممثلة عن الأسيرات لتكون مشاركة وحاضرة في صناعة القرار.
شاركت المرأة في حركة حماس أيضًا في الترشح لإنتخابات المجالس المحلية في الكثير من المواقع التي ساهمت من خلالها في المشاركة المجتمعية وفي تقديم الخدمة للجمهور الفلسطيني، كما شاركت في إنتخابات النقابات المختلفة كالأطباء والمهندسين وغيرها.
ورغم هذا الإستعراض لدور المرأة المنطوية في إطار حماس ومشاركتها في الواقع السياسي والإجتماعي والوطني وإهتمام الحركة بتمكين المرأة في المجتمع، إلا أن هذا الحضور للمرأة ما يزال ضعيفُا بالرغم من حصول تطور في هذا الجانب يكمن في وصول إمرأتين إلى المكتب السياسي في الإنتخابات الأخيرة وذلك للمرة الأولى في تاريخ الحركة، حيث وصلت كل من: جميلة الشنطي، وفاطمة شراب إلى عضوية المكتب السياسي، في رسالة واضحة على إنفتاح الحركة على هذه الشريحة المهمة من شرائح المجتمع.
وعليه يمكن تحديد معيقات تمكين المرأة في أطر حركة حماس في العديد من الأسباب الأساسية التالية:
الفهم الخاطئ لدى بعض قيادات الحركة في الحكم الشرعي لمشاركة المرأة في الحياة السياسية، وذلك إنطلاقًا من تفسير لبعض الآيات والأحاديث النبوية بشكل مجرد بعيدًا عن الربط السليم لمناسبة نزول هذه الآيات أو لرواية هذه الاحاديث، وإقتصار دور المرأة في نظرهم على تربية أبنائها والقيام بواجباتها المنزلية، وفي هذا الإطار يشير المفكر الإسلامي راشد الغنوشي إلى “عدم وجود مشكلة بالإسلام في موضوع المرأة، والأصل فيما نفهمه من الإسلام أن النظر للمرأة ينطلق من مبدأ المساواة”.
النزعة الذكورية والبيئة الإجتماعية السائدة في المجتمع الفلسطيني، والتي تنظر للمرأة سواء كانت من حماس أو غيرها من الحركات والمنظمات نظرة محدودة، ولا تستوعب حضورها ومشاركتها للرجل في الحياة السياسية.
غياب الوازع الذاتي لدى النساء عن العمل السياسي وتفضيلهن للعمل الإجتماعي البعيد نسبيًا عن الإحتكاك المباشر مع الرجل، بسبب الحاجز النفسي الذي صنعته العادات والتقاليد، إضافة إلى قلة النساء المؤهلات علمياً ومجتمعياً لتحمل أعباء العمل السياسي.
وجود الإحتلال والخشية لدى الكثير من النساء من الملاحقة والإعتقال وما يترتب على ذلك من مشاكل إجتماعية نتيجة غياب المرأة عن بيتها وعائلتها.
إن إهتمام حركة حماس بالمرأة والعمل على تمكينها سياسيًا وإجتماعيًا من خلال إشراكها في كل مؤسسات صنع القرار في الحركة، وتعزيز ذلك قانونيًا من خلال ميثاق الحركة، وفتح الباب أمامها للمشاركة في المجالس المحلية والمجلس التشريعي والوزارات هو تطور في فكر وسلوك حماس إتجاه المرأة، ويعكس أهمية تضافر الجهود بين الرجل والمرأة في خدمة المجتمع، والمشاركة في عملية البناء والتحرير.
أثبتت المرأة في حركة حماس أنها قادرة على مشاركة الرجل في الحياة السياسية، وأبدعت في شتى مجالات العمل السياسي والحركي والنضالي، وكان لها دور بارز في تحقيق النجاحات في الإنتخابات بشكل عام وفي إنتخابات المجلس التشريعي عام 2006 بشكل خاص، وكانت وما زالت سندًا وجنبًا إلى جنب مع الرجل في نضاله ومقاومته للإحتلال.
لا تزال المرأة تواجه العديد من المعيقات التي تقف في طريق تمكينها من المشاركة في الحياة السياسية الفلسطينية والمتمثلة بالنظرة المجتمعية السلبية المنطلقة من العادات والتقاليد، إضافة إلى غياب التشريعات التي تعزز من مكانة المرأة ودورها في المجتمع، إذ لا بد من تعديل نظام الكوتة النسائية وزيادة نسبة مشاركة المرأة في المؤسسات السياسية والخدمية سواء على المستوى الفلسطيني العام، أو على مستوى الأحزاب والتنظيمات والمؤسسات العامة والخاصة.
لا يختلف حجم مشاركة المرأة في حركة حماس كثيراً عن حجم مشاركة المرأة في الحركات والأحزاب الأخرى في الحياة السياسية والتنظيمية، الأمر الذي يعزز من القناعة بأن هناك مشكلة حقيقية في تعاطي المجتمع ككل مع المرأة، وأن هناك حاجة لتضافر الجهود من أجل تمكين المرأة وفتح الباب واسعًا أمامها لأخذ دورها في الحياة السياسية الفلسطينية.
يمكن القول أنه من حق المرأة الذي قد يرقى إلى مستوى الواجب في مشاركتها في الحياة السياسية على أساس المساواة الكاملة غير المنقوصة، وأن يتم تشريع القوانين التي تضمن هذه المشاركة لأنها حق طبيعي وليست منة من أحد.

*باحث في دراسات الشرق الأوسط، الجامعة العربية الأميركية فلسطين

Optimized by Optimole