الحملة ضدّ اتّفاق حزب الله – “داعش” تعكّر “التحرير الثاني” للبنان

الحملة ضدّ اتّفاق حزب الله – “داعش” تعكّر “التحرير الثاني” للبنان
Spread the love

بقلم: د. هيثم مزاحم* — عكّرت الانتقادات والاتّهامات اللبنانيّة والعراقيّة والأميركيّة لصفقة حزب الله-“داعش” في شأن خروج مسلّحي الأخير من جرود القلمون الغربيّ الحدوديّة مع لبنان في اتّجاه محافظة دير الزور السوريّة، الانتصار اللبنانيّ بـ”التحرير الثاني”.

في 13 أيلول/سبتمبر الجاري، أعلن حزب الله أنّه استعاد أسيره أحمد معتوق الذي كان تنظيم “داعش” يحتجزه في محافظة دير الزور السوريّة، في مقابل إفراج الحزب عن قائد “داعش” في منطقة القلمون الغربيّ السوريّة أبو السوس، وعنصر آخر هو أبو زيد. كذلك، سمح الجيش السوريّ لقافلة مسلّحي “داعش” وعائلاتهم بالتوجّه إلى مدينة الميادين في محافظة دير الزور، بعدما كانت غارات التحالف الدوليّ بقيادة أميركا قد منعت الباصّات التي تنقلهم من الوصول إلى المحافظة، وقتلت العشرات منهم في عمليّات قصفها.
وكان الاتّفاق بين حزب الله و”داعش” قد قضى بخروج مقاتلي “داعش” وعائلاتهم من الجرود اللبنانيّة ومنطقة القلمون السوريّة، في مقابل كشفهم عن مصير الجنود اللبنانيّين الذين اختطفهم التنظيم في آب/أغسطس 2014، وتسليم أسير لحزب الله وجثامين لقتلاه يحتجزهم “داعش”.
هذا الاتّفاق الذي بدأ تنفيذه في 30 آب/أغسطس الماضي قد أثار ردود فعل لبنانيّة وعراقيّة وأميركيّة مستنكرة، متّهمة حزب الله والنظام السوريّ بإخراج مقاتلي “داعش” من منطقة الحدود اللبنانيّة-السوريّة، من دون محاكمة على جرائمهم ضدّ العسكريّين اللبنانيّين المختطفين وعمليّاتهم الإرهابيّة في لبنان، وذلك بعدما استسلم بعضهم لحزب الله وبقي بعضهم الآخر محاصراً من الجيش اللبنانيّ من جهة، ومن حزب الله والجيش السوريّ من الجهة المقابلة.
جاءت أبرز هذه الانتقادات من فريق 14 آذار وتيّار المستقبل في لبنان، حيث قال رئيس حزب القوّات اللبنانيّة سمير جعجع إنّ حزب الله مدعوماً من النظام السوريّ قد حاول حرمان الجيش اللبنانيّ من جني ثمرة النصر على “داعش” معنويّاً ومنع المحاسبة القضائيّة عن مسلّحي “داعش”، وذلك قبل ساعات من إطباق الجيش اللبنانيّ عليهم في مربّعهم الأخير. وأضاف جعجع أنّ حزب الله تفاوض مع هؤلاء المسلّحين، ثمّ سهّل خروجهم “وكأنّ لا أسرى لنا قتلوا، ولا شهداء وجرحى من الجيش اللبنانيّ والمدنيّين سقطوا، وكأنّ لا تفجيرات وقعت في القاع أو في الضاحية الجنوبيّة وراس بعلبك والبقاع”.
قال مصدر قياديّ في تيّار المستقبل طلب عدم الكشف عن اسمه لـ”شجون عربية” إنّ حزب الله كان رفض في عام 2014 التفاوض مع “داعش” لإطلاق العسكريّين عندما كانوا أحياء، واليوم قام بالتفاوض على كشف مصيرهم وهم أموات.
من جهته، اعتبر الباحث والأستاذ الجامعيّ اللبنانيّ ربيع بركات في حديث لـ”شجون عربية”أنّ الحملة التي ينظّمها خصوم حزب الله المحلّيّون والدوليّون ضدّ الصفقة مع “داعش” هدفها التصويب على الدور الذي لعبه الحزب في معارك جرود عرسال، وذلك في سياق الخلاف على شرعيّة دوره في الحرب السوريّة. وأضاف أنّ الحملة تتّصل بقلق خصوم حزب الله في لبنان من الاستثمار السياسيّ السريع للحزب لهذه المعركة٬ وكذلك بالهاجس الأميركيّ من أن تكون نتيجة الصفقة نقل مئات من مقاتلي “داعش” إلى جبهة مواجهة للقوّات الحليفة لواشنطن في الرقّة.
وعن سبب إبرام هذه الصفقة٬ رأى بركات أنّ “حزب الله كان يفضّل طيّ صفحة جرود عرسال بأقلّ خسائر ممكنة وفي أسرع وقت٬ كما أنّ مصلحته ومصلحة دمشق تقتضيان أن ينشغل حلفاء واشنطن بمزيد من المعارك، بدلاً من أن ينشغلا هما بها”.
أمّا المحلّل السياسيّ اللبنانيّ داود رمال فقد تحدّث إلى “شجون عربية” عن ظروف هذا الاتّفاق، فقال إنّ ما تبقّى من عناصر “داعش” قد تعمّدوا، بعدما أحكم الحصار عليهم في الجرود، وضع عائلاتهم من الأطفال والنساء داخل الكهوف والمواقع التي تحصّنوا فيها، “وكأنّ المطلوب ارتكاب مجزرة في حقّ هؤلاء لإثارة جمعيّات حقوق الإنسان ضدّ حزب الله والجيش اللبنانيّ، وحتّى منتقدو الاتّفاق كانوا سيكونون أوّل المنتقدين لاستهداف هؤلاء المدنيّين”.
وبالنسبة إلى عدم تسليم مسلّحي “داعش” إلى القضاء اللبنانيّ، رأى رمال أنّ عمليّة فجر الجرود قد “حدّدت بهدفين هما كشف مصير العسكريّين المختطفين لدى “داعش”، وإخراج “داعش” من الأرض اللبنانيّة، وقد تمّ ذلك بأقلّ خسائر ممكنة، كما أنّ القيادات المتورّطة في عمليّة إعدام العسكريّين موجودة في سجن رومية اللبنانيّ بحسب اعترافاتهم أمام المحكمة العسكريّة اللبنانيّة”.
وعن اتّهام البعض حزب الله بإبرام الصفقة منفرداً مع “داعش”، أوضح رمال أنّ الحكومة اللبنانيّة أناطت بالمدير العامّ للأمن العامّ اللواء عبّاس ابراهيم ملفّ العسكريّين المختطفين ولم تبرم وثيقة استسلام “داعش”، إلّا بعد موافقة السلطات اللبنانيّة الرسميّة.
وكان حزب الله قد ردّ على انتقاد رئيس الوزراء حيدر العبادي نقل مسلّحي “داعش” إلى محافظة دير الزور، ببيان شرح ظروف نقلهم من جرود القلمون السوريّة، إلى أرض سوريّة أخرى هي دير الزور، معتبراً أنّ الحزب يقاتل “داعش” هناك أيضاً، وبالتالي فإنّ نقلهم لأسباب تكتيكيّة تتعلّق بأولويّات المعركة.
وكان لافتاً ظهور قياديّ عسكريّ من حزب الله على التلفزيون يدعى أبو مصطفى، في 9 أيلول/سبتمبر، وهي المرّة الأولى في تاريخ الحزب الذي يتحدّث فيها مسؤول ميدانيّ أمام الكاميرات من دون أن يخفي وجهه، إذ تحدّث في نقل مباشر من دير الزور عن دور الحزب في فكّ حصار “داعش” للمدينة، حيث حرص إعلام الحزب والإعلام القريب منه على إظهار هذا المسؤول، وهو يقاتل هناك، في رسالة ردّ مباشرة على السياسيّين العراقيّين واللبنانيّين والأميركيّين والإعلام المعادي لحزب الله، الذين حاولوا تصوير صراع حزب الله مع “داعش” بأنّه مسرحيّة.
لا شكّ في أنّ قيادة حزب الله لم تتوقّع أن يواجه هذا الاتّفاق بينه وبين “داعش” كلّ هذه الانتقادات التي عكّرت صفو الانتصار، الذي أعلنه أمينه العامّ السيّد حسن نصر الله في 29 آب/أغسطس تحت عنوان “التحرير الثاني” للبنان من التكفيريّين، بعد التحرير الأوّل له من الاحتلال الإسرائيليّ في 25 أيّار/مايو 2000. لذلك، حرص نصرالله على الظهور مرّتين لتوضيح هذا الاتّفاق، الذي استكمل تحرير الجرود اللبنانيّة من التكفيريّين، ليكون لبنان الدولة الأولى في المنطقة التي تطهّر أراضيها من “داعش” وجبهة النصرة.
وقد كان مفاجئاً أنّ القوى اللبنانيّة وكذلك واشنطن، لم تعترض على اتّفاق حزب الله مع جبهة النصرة في 29 تمّوز/يوليو 2017، والذي أخرج مقاتلي الجبهة من جرود عرسال إلى محافظة إدلب السوريّة، مقابل تسليم أسرى لمقاتلي حزب الله وجثث لهم، وذلك حقناً للدماء، بينما بالغت هذه القوى في انتقاد الاتّفاق مع “داعش” الذي هدف إلى النتيجة نفسها، أي إخراج هؤلاء الإرهابيّين من جرود لبنان، وتجنّب معركة قاسية معهم كانت ستؤدّي إلى سقوط مزيد من الخسائر في صفوف الجيش اللبنانيّ وحزب الله من جهة، وسقوط مدنيّين بين عائلات مقاتلي “داعش” من جهة أخرى.

*د. هيثم مزاحم رئيس مركز بيروت لدراسات الشرق الأوسط.

Optimized by Optimole