أردوغان يَخُوضُ حَرْبًا خَاسِرَةً في سورية

رجب طيب أردوغان
Spread the love

بقلم: توفيق المديني/

 تؤكد التطورات العسكرية في سورية منذ الانتصار الاستراتيجي في مدينة حلب، عبر تحريرها بالكامل (المدينة و ريفها الغربي)،وفتح مطارها الدولي للملاحة الجوية لأول مرّة منذ سنة 2012، حيث وجّه الجيش العربي السوري وحلفائه من حزب الله والأطراف الإقليمية والدولية متمثلة بإيران وروسيا ضربة قاصمة  للفصائل الإرهابية والتكفيرية،لا سيما “جبهة النصرة “وأخواتها ،أنّ ذلك الانتصارلمحور المقاومة قد أسفرعن تغيير كبير في موازين القوى على الأرض. ومَهَّدَ بِشَكْلٍ كَبِيرٍ للجيش العربي السوري وحلفائه  من تَحْقِيقِ الانعطافة الكبيرة في الحرب عبر تحرير المدن الاستراتيجية والأرياف في كل من حلب وإدلب بمساحة 300كيلو متر مربع خلال أسبوع واحد،والطريق الدولية التي تربط بين دمشق و حلب “إم 5” التي عَبَدَّتْ الطريق لاستكمال تحرير مدينة إدلب، في هذا الوقت بالذات يُوَاصِلُ نظام أردوغان الخارج عن الشرعية الدولية وبدعم من الإمبريالية الأمريكية و الكيان الصهيوني اعتداءاته على الأراضي السورية في محاولة لِإنْقَاذِ أدواتِهِ من المجموعاتِ الإِرْهَابِيَةِ ، وتَكْرِيسِ احْتِلَالِهِ للشمال الغربي  من سورية، ومُوَاصَلَةِ إِرْسَالِ قُوَاتِهِ العسكرية من جنودٍ وعرباتٍ مُصَفَحَةٍ ودباباتٍ ، تمهيداً لنشرها في نقاط المراقبة التركية في إدلب ومحيطها. وكانت القوات التركية قد أنشأت نقطة جديدة في قرية محمبل الواقعة على الطريق الدولي حلب – اللاذقية “إم 4″، وذلك بعد تمهيد جوي ومدفعي للجيش العربي السوري على بعض القرى الواقعة على الطريق، ما يشير إلى خوف نظام أردوغان من تقدم الجيش العربي السوري في محور الأتارب ، ما يضعه على طريق معبر باب الهوى، الأمر الذي سيجعل قرابة ثلاثة ملايين نسمة في إدلب وريفها تحت خطر الحصار شبه الكلي، ويحرم الجماعات الإرهابية التحرك بحرّية على الطرق الرئيسية، فضلاً عن سيطرة الجيش السوري على طريق  حلب -اللاذقية ، وبالتالي فصل المناطق المتبقية من إدلب إلى قسمين وقطع الاتصال بينهما.فتقدم الجيش العربي السوري بهذه الطريقة يقربه من الوصول إلى الحدود السورية التركية في كل من ريفي إدلب وحلب، وذلك للمرة الأولى منذ عام 2012، عندما فقدت الدولة الوطنية السورية السيطرة على المعابر الحدودية في المحافظتين لمصلحة فصائل ما يسمى”الجيش السوري الحر” المدعوم من الإمبريالية الأمريكية وتركيا .أردوغان و الاستعداد للحرب للبقاء في إدلب ودعم إرهابييهأمَامَ إِصْرَارِ الدولة الوطنية السورية على تحرير كامل أراضيها من رجس الإرهاب، وبسط سيادتها الكاملة على محافظة إدلب بوصفها جزءًا من أراضي الجمهورية العربية السورية، وإِصْرَارِ الحليف الروسي  على تطبيق بنود أستانا وسوتشي الموقعة بين الرئيسين: التركي، رجب طيب أردوغان والروسي، فلاديمير بوتين، في 17 سبتمبر/ أيلول 2018، والتي حدّدت منطقة خفض التصعيد في إدلب التي استثنت التنظيمات الإرهابية من أي وقف لإطلاق النار ،منزوعة السلاح عرضها بين 15 و20 كيلومترا؛ خالية من السلاح الثقيل، وإبعاد الفصائل الإرهابية عنها ،والفصل بين الفصائل المعتدلة والإرهابية ، ومحاربة الأخيرة، خصوصا “هيئة تحرير الشام” المصنفة من الأمم المتحدة منظمة إرهابية، وفتح الطرق الدولية “إم 5″ و”إم 4” ، و أكَّدَتْ على سيادة سورية، وسلامة أراضيها ووحدتها، ولم تكن تلك التفاهمات تهدف بأيِّ حالٍ من الأحوال إلى السماح للتنظيمات الإرهابية بأن تجعل إدلب وما حولها معقلاً لها أو أن تواصل اتخاذ المدنيين هناك رهائن ودروعا بشرية،أمام هذا الإصرار السوري الوطني و الروسي، قدّم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خطابًا ، أمام الكتلة النيابية لحزب العدالة والتنمية الحاكم في أنقرة يوم الأربعاء 19فبراير/شباط2020،دعا فيه ، إلى أنَّ “عملية إدلب باتت وشيكة “، ولن نترك المنطقة للنظام السوري الذي لم يدرك بعد حزم بلادنا”. وأضاف: “سنحول إدلب إلى منطقة آمنة، ونحن جاهزون رغم استمرار المباحثات”. وكان رئيس النظام التركي أردوغان هدّدفي الخامس من فبراير/شباط الحالي، الدولة الوطنية السورية بإطلاق عملية عسكرية ضد الجيش العربي السوري في إدلب، في حال لم ينسحب مع نهاية الشهر الحالي، إلى ما وراء النقاط التركية في منطقة خفض التصعيد، التي تضم كامل إدلب، وأجزاء من أرياف حماة الشمالي، وحلب الجنوبي والغربي، واللاذقية الشرقي.في المباحثات الأخيرة التي جرت في موسكو بين الوفدين الروسي و التركي يومي الإثنين والثلاثاء الماضيين  ،أشارت مصادر مختلفة، إلى أن الروس قدموا خريطة جديدة بمساحة أقل عن تلك التي قدموها في الاجتماع الأول في أنقرة. وتعطي الخريطة الجديدة لتركيا نفوذاً لا يمتد سوى نحو 16 كيلومتراً من حدودها بعمق إدلب، فيما كانت الخريطة السابقة تمتد من الخط الحدودي وحتى الطريق الدولي حلب – اللاذقية “إم 4″، الذي يمر بمحافظة إدلب، أي بعمق 30 كيلومتراً. إلا أنَ الجانب التركي لا يزال يبدي تشدداً، لجهة مطالبته بانسحاب الجيش العربي السوري  من كامل “منطقة خفض التصعيد”، وإلا فإنَّ الحل العسكري بات على الطاولة.الموقف الوطني السوري من التهديد التركي من وجهة نظر الدولة الوطنية السورية صاحبة السيادة على كامل ترابها الوطني،ترى أنّ رئيس النظام التركي رجب أردوغان يناور في الوقت بما يخص تنفيذ التزاماته حول إدلب، فكان يلعب حينًا ويناور احيانًا كثيرة في “وقت سوتشي”، دون أن ينتبه ولو للحظة أنَّا “عقارب سوتشي” سَتَلْدَغُهُ في لَحْظَةٍ خَارِجَةٍ عن حساباته، وليصحو متأخرًا على أصوات صرخات مرتزقته من الإرهابيين  المهزومين في ادلب ويدرك أن وقت سوتشي لم يكن سوى حبات رمل افلتت من بين يده وكل الظن أنه يقبض على حجارة، فإذ بها جمر.الواقع يقول أنَّ اردوغان أدرك أن لامجال للعودة الى الوراء، وبأنَّ الروسي – الضامن في سوتشي- ما عاد يؤخذ بمعسول الوعود والكلام، بل يريد أفعالاً على أرض الواقع، تترجم بالقضاء على الارهاب في إدلب وريف حلب الشمالي الغربي، فكان لا بد له من طريق أخر ينال عبره بعض المكاسب في سورية، أقله حفظ ماء الوجه، الذي سفك عند أقدام الجيش العربي السوري، فكان طريق الحروب لكلامه، والتهويل على المنابر الاعلامية، والحشد العسكري المبالغ فيه لقواته المحتلة في إدلب، مبالغ فيه لأنَّه يدرك أنَّ الجيش العربي  السوري ما قرر يومًا دخول منطقة الا وفعل، وبأنَّ جحافل قواته مهما قل أو كثر عددها وعديدها فهي قوات احتلال، وما من غطاء لها سوى جثث مرتزقة إرهابيين تتآكل بنيران الجيش السوري.كما أكد القائم بالأعمال بالنيابة لوفد سورية الدائم لدى الأمم المتحدة الوزير المستشار الدكتور لؤي فلوح أنَّ نظام أردوغان الخارج عن الشرعية الدولية يواصل بدعم دول غربية اعتداءاته على الأراضي السورية في محاولة لإنقاذ أدواته من المجموعات الإرهابية مُشَدِّدَا على أنَّ سورية تحارب الإرهاب على أراضيها وستواصل ذلك حتى تحرير كل شبر منها.وأوضح فلوح خلال جلسة لمجلس الأمن يوم الإربعاءالماضي حول الوضع في سورية أنَّ البعض يعتقد أنَّ عقد جلسات متكررة للمجلس يأتي حرصًا على مصلحة سورية وأمن ورفاه مواطنيها إلا أنَّ الحال ليست كذلك على الإطلاق ففي حين تتمسك دول أعضاء في هذا المجلس بمبادئ القانون الدولي وأحكام ميثاق الأمم المتحدة وتدافع عنها تسعى دول أعضاء أخرى لاستغلال هذا المنبر بشكل متكرر للإساءة للدولة السورية والترويج لمزاعم لا أساس لها من الصحة ،وعرقلة الإجراءات التي تتخذها للقيام بواجبها الدستوري في حماية مواطنيها من ممارسات التنظيمات الإرهابية ،لا بل إنَّ بعض الدول الأعضاء تسعى لتحويل المجلس إلى منصة لحلف الناتو والتغطية بالتالي على أعمال عدوان تنتهك الميثاق وتهدد السلم والأمن الدوليين اللذين أنيطت بهذا المجلس مهمة الحفاظ عليهما.ودعا فلوح من يُنَصِّبُ نفسه مدافعًا في مجلس الأمن عن عدوان النظام التركي إلى أن يتذكر أنَّ محافظة إدلب هي جزء من أراضي الجمهورية العربية السورية يسيطر عليها تنظيم جبهة النصرة المدرج على قائمة مجلس الأمن للكيانات الإرهابية وعليه أن يتذكر أيضًا أنَّ تفاهمات أستانا وسوتشي لخفض التصعيد في إدلب استثنت التنظيمات الإرهابية من أي وقف لإطلاق النار وتعهد بموجبها ضامنها النظام التركي بسحبهم ونزع أسلحتهم ووقف قصفهم واعتداءاتهم على المناطق المجاورة، ولم تكن تلك التفاهمات تهدف بأي حال من الأحوال إلى السماح للتنظيمات الإرهابية بأن تجعل إدلب وما حولها معقلا لها أو أن تواصل اتخاذ المدنيين هناك رهائن ودروعا بشرية.ولفت فلوح إلى أن تلك التفاهمات أكدت على حق الدولة السورية بمواصلة التصدي للإرهاب وهو الأمر الذي لن تتوانى عن القيام به حتى تحرير كل شبر من أراضيها والأهم من ذلك أن سورية تحارب الإرهاب ومن يرعى الإرهاب على أرضها وليس على أراضي الآخرين موضحا أن معاناة المواطنين السوريين في إدلب ناجمة عن قيام النظام التركي خلال الأيام الأخيرة بإدخال كميات كبيرة جدا من الأسلحة والذخائر للإرهابيين عبر ما تسمى “معابر إنسانية” وقيامه أيضا باستهداف المناطق المأهولة بالسكان وبعض النقاط العسكرية وتوفير الدعم العسكري للإرهابيين الذين يحتمون بالمدنيين لتأمين حالة تتيح لهم الاستمرار بتنفيذ مخططاتهم الإرهابية.الموقف الروسي من التهديد التركيخطاب أردوغان التصعيدي، قابله ردٌّ سريعٌ من الكرملين، الذي أصدر بيانًا يوم الأربعاء19فبراير/شباط2020،ردًّاعلى التهديدات التي أطلقها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، جاء فيه:إنَّ “إمكانية تنفيذ عملية عسكرية تركية ضد النظام السوري هي السيناريو الأسوأ”، مستدركًا بقوله: “موسكو تعتزم مواصلة الاتصالات مع أنقرة، لمنع تأزم الوضع في إدلب”.وتابع البيان : “لسنا راضين عن تنفيذ اتفاق سوتشي، بسبب الهجمات على الجيش السوري ومنشآتنا العسكرية في سوريا”، بحسب تعبير وزارة الدفاع الروسية.وفي سياق متصل، قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، إنَّ “الحديث حاليا ليس عن العودة إلى ما كان عليه الوضع بإدلب قبيل عام ونصف، وإنما تنفيذ اتفاق سوتشي”.وأضاف لافروف خلال مؤتمر صحفي: “إنَّنَا لم نقدم شروطًا جديدة في المحادثات الروسية التركية بموسكو، وطلبنا فقط تنفيذ اتفاق سوتشي”، معتبرًا أنَّ “تركيا لم تنجح في فصل المعارضة الوطنية السورية عن الإرهابيين، ضمن المحددات الزمنية للاتفاق”، وفق قوله.وأعلن المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف، أنَّ بلاده عازمة على استمرار التواصل مع تركيا حتى لا تسمح بتصعيد الوضع في إدلب. وقال: “لقد شعرنا بالرضا عن الاتفاقات التي تم التوصل إليها قبل أكثر من عام في سوتشي، وهذا الرضا كان متبادلاً. وبعد الأعمال الهجومية التي شنها المسلحون والجماعات الإرهابية ضد القوات المسلحة السورية والمنشآت العسكرية الروسية في إدلب، لم نعد راضين. وهنا انتهى رضانا”.هل سيذهب أردوغان إلى حرب خاسرة مع سورية؟يؤكد المحللون في المنطقة  العربية أنَّ المواجهة العسكرية بين قوات أردوغان المحتلة لجزء من الشمال السوري ، و الجيش العربي السوري  المصمم على تحرير كل أراضي الجمهورية العربية السورية الخارجة عن السيادة الوطنية للدولة السورية، لا تخدم نظام أردوغان بالمرّة، ولغير صالحه، حتى و إن كان أردوغان يمتلك “فاض قوة” في المنطقة.لقد اختارت الدولة الوطنية السورية و حليفتها الروسية التوقيت الدقيق لخوض حرب تحرير للشمال الغربي من سورية، وفي القلب منه  أرياف حلب وحماة وإدلب و الطرق الدولية التي تربط حلب بدمشق، وحلب اللاذقية، في وقت أصبح فيه النظام التركي بقيادة أردوغان يعاني فيه من أزمة في محيطة الإقليمي و الدولي ،إذ  تورّط النظام التركي في أكثر من صراع وملف ساخن، من الاشتباك مع قبرص على خلفية التنقيب على الغاز في المياه الاقتصادية للجزيرة، تنقب في ما تعتبره المياه الاقتصادية لدولة قبرص التركية التي لا يعترف بها سوى تركيا من بين كل الدول، إلى الاشتباك مع اليونان على خلفية الخلاف على حدود المياه الاقتصادية، وعدم اعتراف تركيا بمياه اقتصادية لجزر بحر إيجة التابعة لليونان، والاشتباك مع دول منتدى شرق المتوسط الذي يضم مصر وقبرص واليونان والكيان الصهيوني على حدود المياه الاقتصادية، وعلى مد خط أنابيب لنقل الغاز من شرق المتوسط إلى دول جنوب أوروبا، والانخراط في نزاع سياسي مع دول أوروبية، على خلفية تدخل تركيا في ليبيا، عبر عقد مذكرتي تفاهم مع حكومة الوفاق الليبية بقيادة فايز السراج ، المعترف بها دوليا: واحدة لتخطيط حدود المياه الاقتصادية بين الدولتين، وأخرى لتقديم دعم عسكري للحكومة الليبية لتثبيت حكم الإخوان المسلمين في طرابلس ، وصدَ هجوم قوات اللواء المتقاعد، خليفة حفتر، على طرابلس، العاصمة السياسية والمالية للبلاد، والانخراط في معارك سياسية وإعلامية مع محور مصر والسعودية والإمارات والبحرين، على خلفية تبنّي تركيا جماعة الإخوان المسلمين، وتقديم دعم سياسي وإعلامي لها، وتأييد موقف قطر في مواجهة الحصار الذي فرضته هذه الدول عليها؛ ودعم هذا الرباعي قوات سوريا الديمقراطية (قسد) سياسيا وماليا، والانخراط في الصراع الصومالي، عبر دعم النظام القائم في مواجهة حركة الشباب الإسلامية المتطرّفة، دعمًا عسكريًا واستثماريًا وإقامة قاعدة عسكرية دائمة، نزاع سياسي مع الولايات المتحدة حول دعم الأخيرة “قسد”، والشكوك حول موقفها من محاولة الانقلاب الفاشلة، وعدم تقيد تركيا بالعقوبات الأميركية على إيران. وهذا مع تطوير علاقاتها مع روسيا عبر عقود استثمارية وتجارية، خط أنابيب “السيل التركي” لنقل الغاز الروسي إلى دول أوروبا، والاتفاق معها على بناء مفاعل نووي لتوليد الكهرباء وشراء أنظمة صواريخ إس 400، وانحياز الإدارة الأميركية لليونان ودول منتدى المتوسط للغاز، ما عمّق التناقضات بينهما وطبع العلاقة بالسلبية محققا رغبة روسية دقّ إسفين بينها وكل من الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي (الناتو) على أمل حصول قطيعة دائمة) حسب رأي محلل سوري لصحيفة العربي الجديد بتاريخ 18فبراير2020).لهذه الأسباب مجتمعة، فإنَّ دخول أردوغان الحرب مع الجيش العربي السوري في محافظة إدلب، ليست في صالح تركيا، لأنَّ موازين القوى على الأرض  شهدتْ تغييراً كبيراً خلال السنوات القليلة الماضية، بعد أن تدخلت روسيا عسكريًا في الحرب منذ 30ستمبر 2015، فأي تدخل عسكري تركي واسع النطاق ،سيجد نفسه وجهاً لوجه مع قوة عسكرية عظمى، هي روسيا، والتي توفر غطاء جوياً لتقدّم قوات الجيش العربي السوري نحو إدلب. ورغم مطالبة تركيا  الولايات المتحدة الأمريكية بنشر بطاريات صواريخ باتريوت على أراضيها لمواجهة الطيران السوري و الروسي، فإِنَّه لا الولايات المتحدة، ولا حلف شمال الأطلسي (الناتو)، في وارد تقديم دعم عسكري لها، في حال اشتعال شرارة حرب بينها وبين الجيش العربي السوري السوري،وبالتالي قد تجد نفسها وحيدة أمام روسيا. وتدرك تركيا جيدًّا المعطيات السابقة، ولكنها تجد نفسها عالقةً في فخٍ محكم، وهو ما يحدّ من مرونة حركتها ويضيق من خياراتها. فزمام المبادرة في الحرب، هو بيد الجيش العربي السوري، الذي يريد تحرير مدينة إدلب،لا سيما بعد هرب قرابة مليون مدني سوري نحو الحدود التركية الجنوبية،لكنَّ  ما يخيف نظام أردوغان هو سيطرة الجيش العربي السوري على الحدود المشتركة بين سورية وتركيا ، من دون تفاهمات مسبقة، وهو ما قد يترتب عليه تهديد مباشر لأمنها القومي. فإمكان الدولة الوطنية السورية أنْ تُفَجِّرَ الحربَ في عفرين،لا سيما بعد ما تحدثت عدة أوساط سياسية  خلال الأيام القليلة الماضية في شرق الفرات، تُفِيدُ بِوُجُودِ تَنْسِيقٍ عَالِي  المستوى، بين قوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي يهيمن عليها كوادر حزب العمال الكردستاني، وقوات الحكومة السورية ، برعاية روسية، لزجّ أعدادٍ كبيرةٍ من مقاتلي “قسد” في معركة كسر عظم مع تركيا، بمجرّد أن تتمكّن قوات الجيش العربي السوري من بلوغ حدود عفرين، أو المنطقة الجبلية المتاخمة لباب الهوى، مع وعود بمنح غطاء جوي، وبمضادّات الطائرات المحمولة على الكتف، لتخفيف وطأة تأثير الضربات الجوية التركية، ومع احتمال نشوب اشتباك جوي بين الطيران السوري   والطيران التركي، في حال اقتضى الأمر. أما لماذا عفرين، فبعد عمليتي درع الفرات، يوم 24 أغسطس/ آب 2016، وغصن الزيتون يوم 20 يناير/ كانون الثاني 2018، إذ سيطرت القوات التركية في الأولى على مثلث جرابلس أعزاز الباب، وفي الثانية على منطقة عفرين، وفصلت بالأولى بين كانتوني عين العرب/ كوباني وعفرين. وقضت في الثانية على كانتون عفرين.  وبعد هزيمة حزب العمال الكردستاني في ذلك الجيب الجبلي المنيع، وتهجير مئات الآلاف من السكان الأكراد، اتخذت قضية عفرين بعداً رمزياً ضاغطاً على قياداته، ليس فقط لناحية خسارة هذا المعقل الاستراتيجي، بل أيضا لضغط عشرات آلاف حمّلوا الحزب مسؤولية اقتلاعهم من ديارهم وتشريدهم ربما إلى الأبد. ومع ازدياد وتائر توطين المهجّرين هناك، فإنَّ قيادة “الكردستاني” وكوادره مستعدون لتقديم أي ثمن لاسترجاع هذه المنطقة من غريمهم التاريخي، الدولة التركية. وسيكون فتح معركة عفرين، التي تحظى بتعاطف عالمي واضح، مدعوماً بقوى شعبية ورسمية واسعة، تعجز أنقرة عن مواجهتها والتصدّي لها جميعها، خصوصا في ظل الجفاء المعلن مع واشنطن، والمماحكة المتواصلة مع أوروبا، بل إنَّ أطرافاً إقليمية لن تتوانى عن دعم القوات الكردية بكل ما يلزم، لكسر شوكة أنقرة هناك. وهناك معلومات تشير إلى حصول الأكراد فعلياً على وعود من هذا النوع، في زيارة رئيسة الهيئة التنفيذية لمجلس سورية الديمقراطية، إلهام أحمد، ورفاقها، أخيرا، إلى القاهرة .أي حرب يدخلها أردوغان ضد الجيش العربي السوري و الحليف السوري، تحتاج إلى دعم من حلف شمال الأطلسي، بما أنَّ تركيا عضو فيه ، لكنَّ مصدرًا ديبلوماسيًا في حلف الناتو ، نفى وجود خطط لدعم أنقرة عسكريا في حال أطلقت عملية جديدة شمال غرب سوريا.واعتبر الدبلوماسي أن مقتل الجنود الأتراك “مأساوي”، لكنه وقع خلال تحرك عسكري أحادي الجانب على أراض أجنبية، وهو ما يتجاوز محددات المادة الخامسة من معاهدة تأسيس الناتو، والتي تقضي بتحرك جماعي لحماية أي عضو يتعرض لاعتداء.وأضاف أنَّ هذا الأمر واضح حتى بالنسبة لأنقرة، لافتا إلى أنها لم تحاول بدء مشاورات في أروقة الحلف بهذا الخصوص.ولفت هذا الديبوماسي إلى أنَّ بعض تلك الدول لا تتفق مع أهداف أنقرة في سورية وليبيا، وأنَّ تقديم دعم عسكري لها لم يطرح في اجتماع وزراء دفاع الدول الأعضاء، الذي عقد قبل أيام في بروكسل.يأتي ذلك وسط تصعيد غير مسبوق بين تركيا والدولة الوطنية السورية المدعومة من روسيا وإيران، وتحرير الجيش العربي السوري مساحات واسعة في ريفي حلب وإدلب.وكان الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، قد أعلن أنَّ حصيلة خسائر بلاده في إدلب، خلال الأسابيع القليلة الماضية، قد بلغت  14 قتيلا و45 جريحًا، بنيران الجيش العربي السوري ، محذرًاالرئيس  الأسد من مغبة عدم التراجع إلى ما وراء نقاط المراقبة حتى نهاية شباط/ فبراير 2019، وسط حشد عسكري تركي متواصل في إدلب وعلى الحدود بين البلدين. وقالت وزارة الدفاع التركية ، يوم الخميس 20فبراير/شباط 2020، إنَّ غارة جوية تسببت في مقتل جنديين تركيين وإصابة خمسة آخرين في إدلب، لافتة إلى أنه تم القضاء على العشرات من قوات الجيش العربي السوري وتدمير خمس دبابات وناقلتي جنود وعربة “بيك آب” مزودة بسلاح رشاش.وأوضحت وزارة الدفاع التركية في بيان، نشرته وكالة “الأناضول”، أن القوات التركية ضربت أهدافاً محددة بعد ضربات جوية قتلت جنوداً في إدلب السورية. وانتقدت أنقرة مرارا “تلكؤ” الناتو في تقديم الدعم لها، حيث قال أردوغان في تشرين الأول/ أكتوبر 2019أنَّ المادة الخامسة تَنُصُّ على إِلْزَامِ الدول الحليفة بدعم بلاده في حربها ضد حزب العمال الكردستاني والمجموعات المشابهة، على اعتبار أنَّها اعتدت مرارًا على تركيا وجنودها ومصالحها.وتساءل أردوغان عما إذا كانت ستقف دول الناتو إلى جانب بلاده أم في طرف من وصفهم بـ”الإرهابيين”، مُشِيرًا إلى أنَّه لا يفهم ما الذي تريده هذه الدول.وختم حديثه قائلا: “ربما لأن تركيا الدولة الإسلامية الوحيدة في الناتو؟”.خاتمة: في الحرب على الإرهاب ، حقق الجيش العربي السوري انتصاراتٍ استراتيجيةٍ كبيرةٍ خلال السنتين الماضيتين ، حين هَزَمَ مخطط الولايات المتحدة الأمريكية و الدول الأوروبية ،والكيان الصهيوني، وتركيا والدول الخليجية، بشكلٍ كبيرٍ في إطلاق عملية زعزعة الاستقرار، وإسقاط  الدولة الوطنية السورية ، من خلال توظيفه لتيارات الإسلام السياسي و الحركات الإرهابية والتكفيرية  التي ترفع شعار العودة إلى الدين وتعتمده أداة من أدوات المعركة، لكنّه إنتاج شعار مخادع، كبديل للدولة الوطنية السورية،بعد القبول بمنطق تقسيمها،والعودة الحقيقية إلى البنى التقليدية التي كانت تستند في جزء كبير منها إلى الشرعية الدينية، وقد انهارت من دون رجعة.إنَّه رهان خاسر من جانب أمريكا وحلفاؤها من النظام التركي والأنظمة الخليجية المتضهينة  ،لأن التنظيمات الإرهابية على اختلاف مسمياتها لا تؤمن بالدولة الوطنية القائمة على التنوع،وبالتالي فإنّ المراهنة على تلك التيارات الجهادية التي تستقطب الأتباع والأنصار بدعوى الثأر لتلك البنى التقليدية ما قبل الدولة الوطنية ، وباستعمال الشعارات القائمة على تمثلات طوباوية للماضي،مثل شعارات”الإسلام هو الحل”و”الدولة الإسلامية”و”الاقتصاد الإسلامي” و “البديل الإسلامي”،من أجل أن تكون بديلاًللنخب الحاكمة في سورية وغيرها من الدول العربية،لا يعني فحسب ،إعادة إنتاج سياسات إقصاء تنتحل سمة القداسة، ولكن يعني أيضا، وبشكل أكثر خطورة، أنَّ هذه التنظيمات الإرهابية لاتقدم أي بديل واضح  لماهو سائد، ويمكن بسهولة أن تتخذ مطية لاستبداله بالأسوأ،فضلاً عن إهدارها لمعنى الدولة الوطنية بتنوعها، مما يعبد الطريق لمزيد من الحروب الأهلية، وانهيار الدول الوطنية، وانتشار التطرف و الإرهاب.من هذا المنطلق ،النظام التركي بزعامة أردوغان فشل فشلاً ذريعًا في تحقيق أهداف المخطط الأمريكي -الصهيوني في سورية ، وهو الآن يعاني من العزلة في محيطه الإقليمي،و في علاقاته مع الدول الأوروبية و الأمريكية ،و العلاقة الوحيدة التي يحظى فيها أردوغان بالرضى و القبول ، هي مع الكيان الصهيوني ، اعتبارها علاقة تحالفية بين طرفين معاديين للدولة الوطنية السورية بوصفها  التجسيد الواقعي لخيار المقاومة العربية  ضد المخطط الأمريكي -الصهيوني الذي يستهدف تصفية الصراع العربي- الصهيوني، وبالتالي تصفية القضية الفلسطينية. فلا تزال سورية بوصفها آخر معقل  للحركة القومية العربية ومعها حزب الله ، و إيران ، يمثلون جميعاً خيارالمقاومة للإمبريالية الأمريكية والكيان الصهيوني.ولا بد من التأكيد أن سورية أصبحت متموضعة على خريطة اقتسام الأدوار بين القوى الإقليمية والدولية الكبرى،وتقع في بؤرة الصراع بين القوى الإقليمية والدولية، لا سيما بعد الإنخراط الروسي العسكري في سورية، والذي ينطلق من حسابات الأمن القومي الروسي في ظل تنامي الحركات الإرهابية في منطقة الشرق الأوسط،ومن مقتضيات المواجهة بين روسيا وحلف الناتو على خلفية الأزمة الأوكرانية، وما تتطلع إليه موسكو من  استعادة روسيا مكانتها كقوة كبرى فاعلة ومؤثرة في الأزمة السورية، في سبيل تحويل النظام الدولي من الأحادية القطبية، التي تهيمن عليه الولايات المتحدة الأميركية، إلى نظام دولي تعددي تلعب فيه روسيا وعدد من القوى الإقليمية الصاعدة دورًا محوريًا وموازيًا للدورالأمريكي.

مجلة البلاد اللبنانية:تصدر أسبوعيًا عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان ، العدد رقم 220، تاريخ الجمعة 21فبراير2020

Optimized by Optimole