هل تدخل تركيا الرقة؟

Spread the love

turkish-tanks

بقلم: د. هيثم مزاحم* — فاجأ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الصحافيين أمس بقوله إن بلاده على استعداد للتدخل بالاشتراك مع الولايات المتحدة ضد تنظيم “داعش” وطرده من معقله الرئيس مدينة الرقة، شرق سوريا. وكشف أردوغان أن نظيره الأميركي باراك أوباما طرح فكرة “العمل المشترك” ضد مسلحي التنظيم، وذلك أثناء مشاركتهما في قمة مجموعة العشرين في الصين.
وقال أردوغان: “إن تركيا لا تمانع في القيام بعملية مشتركة من هذا النوع وإنه في هذه الحالة يجب على المسؤولين العسكريين من كلا البلدين أن يجتمعوا ويقرروا ما المطلوب فعله لتحقيق هذا الهدف، وأن ما يمكن القيام به بشأن عملية مشتركة سيتقرر بناء على تلك المحادثات”.
وكان الجيش التركي قد أطلق عملية عسكرية أسماها “درع الفرات” فى شمال سوريا في 24 آب – أغسطس الماضي في مدينة جرابلس في ريف حلب الشمالي، قال إنه يستهدف من خلال توغله عناصر تنظيم “داعش”، بينما كان هذا التدخل يستهدف بالدرجة الأولى الأكراد من قوات حماية الشعب الكردية، وقوات سوريا الديمقراطية.
وتسعى تركيا بذلك لإقامة منطقة عازلة في شمال سوريا تفصل بين المناطق التي يسيطر عليه الأكراد لمنع قيام إقليم كردي بين شرق نهر الفرات وغربه من جهة، ولإنشاء منطقة آمنة” طالما طالبت أنقرة حلفاءها الغربيين بقيامها، لكن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لم يتحمسا لها وعارضاها فيما أفشل هذه الخطط التدخل الروسي في أيلول – سبتمبر 2015.
من هنا جاء الرد الروسي أمس ليعبّر عن قلق بالغ من هذه الخطط التركية – الأميركية. أعربت وزارة الخارجية الروسية عن قلقها البالغ من هذا الأمر، مشيرة إلى إلى أن هذه العمليات العسكرية تجري بلا تنسيق مع السلطات السورية الشرعية، ومن دون تفويض من مجلس الأمن الدولي. وقال بيان وزارة الخارجية الروسية: “بذلك توضع سيادة الجمهورية العربية السورية ووحدة أراضيها في خانة الشك”.
وأكد على أن التوغل التركي سيؤثر سلباً على الجهود الدولية الرامية إلى وضع قاعدة للتسوية السورية وإيصال المساعدات الإنسانية بلا انقطاع. وتعليقاً على النيات التركية بالتدخل في الرقة، ذكرت وكالة “سبوتنيك” الروسية أن واشنطن وأنقرة لن يمكنهما تحرير الرقة من دون موافقة روسيا وإيران.
ونقلت الوكالة عن الخبير الروسي بوريس دولغوف قوله إن تركيا لا يمكنها التحرك داخل الأراضي السورية “سواء في شمال البلاد أو في الرقة”، من دون موافقة الحكومة السورية. وأضاف بوريس أن القوات الجوية الروسية تسيطر على المجال الجوي السوري جزئياً، لهذا يجب التنسيق مع الجانب الروسي.
لا شك أن التدخل التركي الأخير في جرابلس ومحيطها والخطط التركية للتدخل في الرقة وغيرها من المدن والمناطق السورية الحدودية قد زاد المشهد السوري تعقيداً وخلط الأوراق مجدداً، خصوصاً بعد التضليل السياسي والإعلامي الذي قامت به تركيا إثر محاولة الانقلاب الفاشلة التي قام بها قسم من الجيش التركي من جماعة فتح الله غولن في 15 تموز – يوليو الماضي.
فقد صعدت أنقرة من خطابها المعادي للغرب واتهمت الولايات المتحدة الأميركية بالوقوف وراء الانقلاب الفاشل وطالبتها بتسليم غولن المقيم في أميركا. بذلك أصبحت واشنطن في موقف دفاعي يريد استرضاء تركيا فقام نائب الرئيس الأميركي جو بايدن بزيارتها الشهر الماضي، حيث قامت القوات التركية بالتدخل في جرابلس في اليوم نفسه، حيث بدا الأمر كأنه يحظى بغطاء أميركي أو على الأقل بتفهم واشنطن المحرجة بمسألة تسليم غولن واتهام استخباراتها بدعم الانقلاب الفاشل.
على المقلب الآخر، قام اردوغان بزيارة روسيا في التاسع من آب – أغسطس الماضي حيث عقد قمة مصالحة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، هو الاجتماع الأول للزعيمين منذ إسقاط المقاتلات التركية للطائرة العسكرية الروسية فوق سوريا في تشرين الثاني – نوفمبر 2015.
وكان سبق اعتذار اردوغان عن إسقاط الطائرة الروسية في رسالة إلى بوتين أعرب فيها عن “التعاطف والعزاء” لأسرة الطيار الروسي الذي قتل في الحادث. بذلك، تمكنت أنقرة من فتح صفحة جديدة مع موسكو وبدأت في تطبيع للعلاقات معها، بينما بدأت بعض وسائل الإعلام الغربية والعربية تتحدث عن استدارة تركية نحو محور “الممانعة” وقيام تحالف تركي – روسي – إيراني وعن تحول في الموقف التركي من سوريا.
وقد ساهمت تصريحات رئيس الوزراء التركي علي بن يلدريم المكررة والملتبسة حول أن بلاده قامت بتطبيع العلاقات مع روسيا وإسرائيل وأنها سوف تقوم بتطبيع العلاقات مع سوريا ومصر. ولعل هذه التصريحات قد لاقت ارتياحاً لدى البعض في محور سوريا – إيران – روسيا، فراهن البعض على هذه الاستدارة التركية المرتقبة. وهو ما تجلى في الصمت الإيراني والروسي والتنديد السوري الخجول لدى التدخل التركي في جرابلس، حيث بدا الأمر كقبول ضمني بأي تحرك ضد قوات حماية الشعب الكردية التي تمادت في خططها الانفصالية بعد طردها الجيش السوري من مدينة الحسكة.
ويبرز السؤال هنا: هل تعمدت أنقرة هذا التضليل السياسي والإعلامي واللعب على الحبلين بين واشنطن وموسكو لتمرير تدخلها في شمال سوريا من دون اعتراض أي من الأطراف الفاعلة؟ لكن المؤمن لا يٌلدغ من جحر مرتين! وعليه، سيشكّل التدخل التركي في الرقة بالاشتراك مع الولايات المتحدة و”التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب” تحدياً للدورين الروسي والإيراني في سوريا، وللسيادة السورية على أراضيها.
وقد نشهد في وقت قريب في حال وصول تركيا إلى مدينة الباب أو إلى الرقة تماساً مع الجيش السوري وحلفائه، ما ينذر باشتباك مباشر بين الطرفين. هذا ما حاول الخبير الروسي بوريس دولغوف قوله إن تركيا لا يمكنها التحرك داخل الأراضي السورية “سواء في شمال البلاد أو في الرقة”، من دون التنسيق مع الجانب الروسي الذي يسيطر على المجال الجوي السوري جزئياً. يشار إلى أن مدينة الرقة سقطت في أيدي داعش” في عام 2013، وأصبحت بذلك أول مدينة رئيسية تقع بالكامل خارج سيطرة القوات الحكومية، وفي صيف 2014 أعلنها التنظيم عاصمة للخلافة.
وكان الجيش السوري قد أعلن قبل أشهر عن عزمه تحرير الرقة في سباق مع “قوات سوريا الديمقراطية” المدعومة أميركياً، وقد توجه بداية إلى مدينة الطبقة، لكن استعار المعارك في مدينة حلب وريفها الجنوبي قد جعله يجمد العملية. ويعتزم الأميركيون وضع خططٍ لمهاجمة الرقة، حيث طلبت وزارة الدفاع الأميركية، مع بداية الهجوم التركي على جرابلس، من “وحدات حماية الشعب” الكردية الانسحاب من غرب الفرات، والاستعداد لمهاجمة الرقة.
وأعلن المتحدث باسم قوى التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة ضد تنظيم “داعش”، الكولونيل جون داريون، قبل أسبوعين أن “قوات سوريا الديمقراطية” عبرت نهر الفرات استعداداً لتحرير الرقة، حيث انسحب جزء من هذه القوات نحو شرق نهر الفرات، بعد سيطرتها على مدينة منبج وطرد “داعش” من المدينة.
لكن الهجوم على الرقة يتطلب مشاركة واسعة النطاق للقوات التركية والنجاح في الرقة مستحيل من دون تدخل مباشر من الجيش التركي.واقتراح الرئيس التركي بالمساهمة في تحرير المدينة يسعى للقول إن تركيا يمكنها أن تحل محل “قوات سوريا الديمقراطية”، التي تتشكل معظمها من القوات الكردية وبعض أفراد العشائر العربية.
يأتي كل ذلك وسط فشل الجانبين الروسي والأميركي في التوصل إلى اتفاق جديد على وقف الأعمال العدائية في سوريا وعلى هدنة في حلب وفتح طريق لمرور المساعدات الإنسانية إلى المدينة، إذ يبدو أن تفاؤل بوتين بالتوصل إلى اتفاق ما قد أحبطته شروط واشنطن التعجيزية والتي تسعى لتأمين ممر آمن للفصائل “الجهادية” والتكفيرية في حلب، التي تصنّف بعضها بالإرهابية، وخاصة جبهة النصرة. فوزير الدفاع الأميركي أشتون كارتر قال أمس إن دبلوماسيين أميركيين يحاولون إقناع روسيا باتخاذ خطوات نحو الاتفاق على وقف حقيقي لإطلاق النار في سوريا، ودفع النظام السوري باتجاه التحول السياسي، لكن الأنباء الواردة من سوريا «غير مشجعة».
وأضاف: “الخيار لروسيا.. والعواقب هي التي ستتحمل مسؤوليتها.” وزاد الطين بلة اجتماع وزراء خارجية دول «أصدقاء الشعب السوري» الأربعاء في لندن، حيث قدمت الهيئة التفاوضية العليا للمعارضة السورية رؤيتها للمرحلة الانتقالية السياسية في سوريا والتي تنص على تشكيل هيئة الحكم الانتقالي تستوجب رحيل الرئيس السوري بشار الأسد، في عودة إلى المربع الأول، ووضع الشروط المسبقة لمفاوضات الحل السياسي في جنيف، وفي إطار تفسير أحادي لبيان جنيف 2012.
كل هذه المؤشرات تنبئ بتراجع احتمالات التسوية السياسية في سوريا وفشل التفاهم الأميركي – الروسي والرهان الأميركي على التصعيد في سوريا وكسب المزيد من الأوراق سواء في احتلال مناطق يسيطر عليها تنظيم “داعش” أو في احتلال مناطق يسيطر عليها الجيش السوري.
واضح أن إدارة أوباما ليست مستعجلة في نهاية عهدها، وقبل شهرين من الانتخابات الأميركية، في تقديم تنازلات للروس والإيرانيين في سوريا. كل ما يريده أوباما أن يختم به ولايته الثانية هو تحقيق إنجازات عسكرية ميدانية ضد تنظيم “داعش” في الرقة وربما في الموصل، تضاف إلى سجله التاريخي، وتساعد في فوز مرشحة الحزب الديمقراطي للرئاسة، هيلاري كلينتون.

*د. هيثم مزاحم رئيس مركز بيروت لدراسات الشرق الأوسط.

المصدر: الميادين نت

Optimized by Optimole