مآلات الحزب الإسلامي التركستاني بين سوريا وأفغانستان

مآلات الحزب الإسلامي التركستاني بين سوريا وأفغانستان
Spread the love

دراسة خاصة بمركز الدراسات الآسيوية والصينية – بقلم: مصطفى زهران* |

المقال مخصص لتحليل تاريخ التنظيم، وتطور أيديولوجيته، وكذلك الأساليب والتكتيكات التي يستخدمها متطرفو الإيغور في المرحلة الحالية

انطلاقًا من إطارها القومي، تحوّلت الحركة الإسلامية لتركستان الشرقية إلى واحدة من أبرز الحركات المتطرفة في المنطقة، ارتكازًا على ما أثير عن علاقتها- في مهدها- بتنظيم القاعدة وزعيمه آنذاك أسامة بن لادن، قبل أن تنخرط بشكل أبرز في الحرب السورية، متخذة صف تركيا والفصائل الجهادية، بيد أنّ طابعها الخاص المختلف نسبيًا عن بقية الفصائل الأخرى، جعل أرضيتها تتسع خاصة لدى السكان المحليين في سورية، إلى أن وصلت إلى قمة توهجها، لتصبح صداعًا في رأس المنطقة.
ورغم كونها منظمة مسلحة قومية انفصالية، تدعو إلى إنشاء دولة إسلامية في إقليم شينجيانغ، شمال غرب الصين، لكن مشاركتها في الحرب السورية كـمرتزقة، وضعها تحت الميكروسكوب، لمعرفة أهدافها ومنطلقاتها، ومستقبلها. ورغم كونها الأقرب للأطراف المناؤية للصين دوليًا وإقليميًا، إلا أنَّ واشنطن استعملتها كورقة في صراعها مع بكين، وهو ما جعل الحركة سلاحًا موجهًا ضد خصوم الصين، حتى تلاشت تدريجيًا القاعدة الانفصالية التي أنشئت على أساسها.
بيد أن نقاط الالتقاء التي جمعت مقاتلي التركستان والتنظيمات السلفية “الجهادية”، هو موضوع الجهاد، غير أن الأولى لا تزال تحتفظ بالبعد القومي، في قضيتها، لكن أساليبهم في بعض المناطق لم تختلف عن بقية التنظيمات الجهادية الأخرى، خاصة قضية الإتاوات، ففي مايو 2018، فرض الحزب التركستاني إتاوات على صيادي السمك في قرية القرقور بريف حماة الغربي.

البدايات والتأسيس

في نظرة إلى البدايات، فإن الحركة الإسلامية لتركستان الشرقية، أو الحزب الإسلامي لتركستان، هي منظمة إرهابية مسلحة تهدف إلى إنشاء دولة إسلامية أصولية في تركستان الشرقية في منطقة شينجيانغ الويغورية المتمتعة بالحكم الذاتي في الصين. تقف الحركة وراء التحضير لهجمات إرهابية بارزة وتنفيذها على أراضي جمهورية الصين الشعبية في أواخر عام 2013 وأوائل عام 2014. وتعتبر وزارة الخارجية في جمهورية الصين الشعبية أن الحركة “تمثل التحدي الأمني الأكثر إلحاحًا وواقعية في الصين”.
أما الخلفية الدينية للجيل الأول، فقد درس أحد مؤسسي حركة تركستان الشرقية الإسلامية حسن مخزوم Hassan Makhsum ، قبل إعلان الجهاد ضد الحكومة الصينية، في مدرسة نظمها الزعيم السابق للحزب الإسلامي التركستاني، عبد الحكيم مخدوم، بعد أن أطلق سراحه من السجن عام 1979. كان حسن مخزوم Hassan Makhsum وعدين بن يوسف اللذان نظما أولى الأعمال الهامة لحركة تركستان الشرقية الإسلامية – انتفاضة بارين وياركند في عام 1990، في كوتشي عام 1991، وانفجارات الحافلات والمتاجر والفنادق والأسواق في أورومتشي وكاشغر وكوتشي وأكسو في عام 1992.
في عام 1996-1997، بعد إطلاق سراحه من سجن صيني، زار مخزوم باكستان والمملكة العربية السعودية وتركيا، حيث التقى ممثلي القاعدة وطالبان. بعد ذلك، على مدى السنوات الخمس التالية، كان هناك أكثر من خمسين هجومًا إرهابيًا، بما في ذلك أكثر من 10 اغتيالات لمسؤولين سياسيين ودينيين وحكوميين، وأكثر من 15 حريقًا متعمدًا، بما في ذلك استخدام مواد كيميائية سامة، و16 تفجيرًا في أماكن عامة، وعدة هجمات، ضد المؤسسات والوفود الصينية في الخارج، بما في ذلك السفارة الصينية في تركيا، واختطاف السياح ورجال الأعمال الصينيين، وثلاث حالات كبيرة من أعمال الشغب الضخمة المناهضة للحكومة.
على وقع هذه الأحداث، أجبرت إجراءات مكافحة الإرهاب التي اتخذتها الحكومة الصينية قادة الحركة الإسلامية في تركستان الشرقية ونشطاءها على الهجرة إلى أفغانستان، حيث انضموا إلى طالبان وحافظوا على روابطهم مع القاعدة مع الاستمرار في تجنيد وتدريب المؤيدين والبحث عن حلفاء. وعلى وجه الخصوص، أعلن أحد أمراء الحركة، عبد القريدزي، عن اتصالاته المستمرة بأسامة بن لادن ومشاركة مقاتليه في عمليات القاعدة. في الوقت نفسه، كانت حركة طالبان والقاعدة بطيئين في مساعدة قادة الحركة في قتالهم ضد الصين، حيث رفض الملا عمر، وفقًا لمذكرات عبد السلام ضيف، مساعدة مخزوم، ودم مشاركة أهدافه المعادية للصين وعدم رغبته في القتال على عدة جبهات.
وبعد 11 سبتمبر 2001، لقيت أنشطة حركة تركستان الشرقية الإسلامية زخمًا جديدًا، عندما وصل الصراع بين الأصولية الإسلامية والعالم الغربي إلى مستوى جديد، على خلفية دعم الصين للولايات المتحدة في “محاربة الإرهاب العالمي”، وهو ما وفّر للقاعدة وطالبان مواردهما للحركة، وحلَّ الأويغور في المقابل مكانهم في صفوف المجاهدين الجهاديين.
وتسببت وفاة حسن مخسوم في أكتوبر 2003 خلال عملية مشتركة للقوات المسلحة الباكستانية والولايات المتحدة بالقرب من بلدة أنغور آدا في جنوب وزيرستان؛ في توقف كبير لأنشطة حركة تركستان الشرقية الإسلامية. ولكن في عام 2005، أصبح عبد الحق زعيم الحركة، وعضوًا في شورى القاعدة، واقترح أيضًا عدة تغييرات سياسية، حيث جرى إعلان اسم جديد – الحزب الإسلامي لتركستان، وإصلاح الهيكل السياسي للحزب. بدأت بعدها الحركة في إصدار مجلة “تركستان الإسلامية” وأعادت تنظيم الأنشطة الإرهابية، وجرى توجيه الهجمات الإرهابية بشكل أساسي ضد المسؤولين الحكوميين وضد البنية التحتية الصناعية الصينية، حيث وقع أكثر من 30 هجوماً بين عامي 2001 و2012، بما في ذلك تفجيرات في مصانع في قوانغتشو وشنغهاي وفوتشو، وهجمات على الشرطة في خوتان وأكسو وكاشغر، وعمليات اختطاف وهجمات في الخارج في قيرغيزستان وكازاخستان.
في فبراير 2010، قُتل عبد الحق بواسطة طائرة مسيرة تابعة للتحالف الغربي في شمال وزيرستان، واحتل عبد الشكور التركستاني مكانه على رأس الحزب الإسلامي لتركستان. من المعروف عنه أنه في 1996-1998 درس في معسكر التدريب في باكستان، وفي 2001-2005 نظم معسكرات لتدريب المسلحين. وفي هذا المعسكر التدريبي في شمال وزيرستان قُتل عبد الشكور التركستاني في غارة جوية أمريكية في أغسطس 2012، وحل محله عبد الله منصور، رئيس تحرير مجلة تركستان الإسلامية.
في 2013-2014، بدأت مرحلة جديدة في نضال الحزب الإسلامي لتركستان، لا ترتبط فقط بتكثيف وتحسين التخطيط للأنشطة الإرهابية، ولكن أيضًا بانتشار نشاط حركة الأويغور في جميع أنحاء العالم الإسلامي، وكذلك مع بعض التنويع والتطور المقابل للأيديولوجيا؛ إذ أحدثت أيديولوجية حركة الأويغور تطورًا معينًا من بناء هوية محلية قائمة على الإسلام إلى إدراك نفسها كجزء لا يتجزأ من العالم الإسلامي العام. ومع ذلك، باتت دلائل على أن الأيديولوجية لديها فرصة للعودة إلى القومية، وتنمية الوعي الوطني، ليس بسبب الجهود القمعية للسلطات الصينية فحسب، بل ساعدت أيضًا الخلافات بين الحركات الراديكالية التي شارك فيها مسلحو الإيغور في 2013-2018 كثيرًا.

*باحث مصري مختص بالحركات الإسلامية والجهادية.

لتحميل الدراسة كاملة مآلات الحزب الإسلامي التركستاني

 

Optimized by Optimole