الحزب الإسلامي التركستاني في سوريا: دوره ومصادر تمويله

Spread the love

بقلم: علاء حلبي* — في شهر حزيران – يونيو من العام 2014، أعلن “الحزب الإسلامي التركستاني” عن وجود مقاتليه بشكل رسمي في سوريا تحت مسمى “الحزب الإسلامي التركستاني لنصرة أهل الشام”، حيث دفعت قيادة الحزب الانفصالي الذي ينشط بآلاف المقاتلين الذين كانوا يتواجدون بشكل أساسي في باكستان وأفغانسان إلى سوريا بعد توفير ممرات آمنة عبر الأراضي التركية بشكل متتابع منذ مطلع العام 2012، مستفيدا من العلاقات الطيبة التي تربط المخابرات التركية بمقاتلي الحزب المصنف عالميا على انه “إرهابي”.

وتأسس الحزب الإسلامي التركستاني في الصين في العام 1997 على يد حسن معصوم، الذي تمكن من تجنيد آلاف المسلمين الصينيين الأويغور للقتال بحثا عن استقلال تركستان (إقليم شينغيانغ ) عن الصين، قبل أن يتحول اهتمام الحزب إلى أفغانستان فقاتل إلى جانب تنظيم “القاعدة” و”حركة طالبان” دون أن ينخرط بشكل كامل في التنظيم أو الحركة، حيث حافظ المقاتلون التركستان على انفصالهم وعلاقة “الشراكة” المتينة دون “بيعة”، وهو نهج استمر عليه الحزب للمحافظة على كيانه حتى بعد مقتل مؤسسه معصوم وتولي عبد الحق التركستاني زعامة الحزب.

مع بداية الحرب السورية في العام 2011، وتحول سوريا إلى “أرض للجهاد”، أرسل عبد الحق مجموعة من المقاتلين إلى ريف اللاذقية بداية، فاتخذوا مقرات لهم ضمت أيضا إلى جانبهم مقاتلين أوزبك وشيشان، ليتم تحويل التركستان في وقت لاحق إلى الداخل السوري وبالتحديد إلى مدينة سراقب في ريف إدلب، وإلى مناطق في ريف حماة، وفق مصدر “جهادي”، حيث كان جهد الجميع منصبا في إقامة معسكرات التدريب والتي انقسمت إلى قسمين، القسم الأول خاص بتجهيز “القادة” ووظيفته تدريس التكتيكات العسكرية وتعليم فنون تصنيع الأسلحة والألغام والقنابل، والقسم الآخر أوكلت إليه مهمة إقامة معسكرات مصغرة لتدريب المقاتلين.

تلقفت “حركة أحرار الشام” التركستان واحتضنتهم بشكل كبير فاستفادت من خبراتهم، إلا أن مشكلات تتعلق بتبعية المقاتلين للحزب وأخرى تتعلق بلغتهم حالت دون انصهارهم في صفوف “الحركة”. كذلك انتقل قسم من المقاتلين التركستان إلى مواقع في ريف حلب وأقاموا معسكرات تدريب مشتركة مع مقاتلين شيشان وآخرين عرب وسوريين كانوا يتبعون حينها إلى “جبهة النصرة” قبل ولادة تنظيم “داعش” وبدء الانشقاق “الجهادي” في سوريا.

مع مرور الوقت، وأمام تثبيت قاعدة مناسبة لنشاط الحزب الاويغوري، أعلنت قيادة الحزب ولادة فرع لها في سوريا بشكل رسمي حمل اسم “الحزب الإسلامي التركستاني في بلاد الشام” بعد أن كان مجرد “تطوع جهادي لنصرة أهل الشام”، الأمر الذي يفسر إصرار مقاتلي الحزب على العمل بشكل منفرد ورفض الاندماج الكامل في صفوف أي فصيل “جهادي” آخر في سوريا.

مع بدء ظهور تنظيم “داعش” التزمت الحزب “التركستاني” الحياد، الأمر الذي تسبب بداية بانشقاقات طفيفة في صفوف مقاتلي الحزب، حيث انضم قسم منهم إلى القتال إلى جانب تنظيم “داعش”، في حين رفض آخرون ذلك الأمر الذي دفع قيادة الحزب إلى إرسال وفد خاص زار مدينة الرقة نهاية العام 2014، وفق تأكيد مصدر “جهادي” حيث عقد اجتماعا مطولا مع قادة تنظيم “داعش” في مينى محافظة مدينة الرقة، دون أن تسرب أية معلومات دقيقة عن فحوى الاجتماع والنتائج الذي توصلت إليه.

بعد الاجتماع، غادر قسم من مقاتلي الحزب التركستاني مدينة الرقة نحو ريف حماة، في حين انصهر آخرون في صفوف تنظيم “داعش” وبايعوه. ويفرق المصدر “الجهادي” خلال حديثه بين “التركستان” وبين “مقاتلي الحزب التركستاني” فليس كل تركستاني يتبع بالضرورة إلى الحزب الإسلامي “في دولة الخلافة عدد كبير من المهاجرين التركستان بعضهم أتوا بصحبة عائلاتهم وهم لا ينتمون للحزب الإسلامي التركستاني”.
بالتزامن مع ذلك كثف مقاتلو الحزب الناشطون في ريفي حماة وإدلب، بعد عودة قسم من المقاتلين من “دولة الخلافة” من معسكراتهم التدريبية على جبهات قتال بعيدة عن تنظيم “داعش”، ليعلن فيما بعد عن تشكيل “لواء الفتح” بدعم تركي ويشكل عباءة ضمت مقاتلين من مختلف التنظيمات، بينها “جبهة النصرة” و “حركة أحرار الشام” ومقاتلو “الحزب التركستاني” وغيرهم، فشنوا هجوما عنيفا على مدينة إدلب وسيطروا عليها في شهر آذار من العام الماضي. وبرز دور المقاتلين التركستان بشكل رئيسي في معركة جسر الشغور بعد نحو شهر من سقوط مدينة إدلب، حيث تولى التركستان عمليات الاقتحام الأولى للمدينة، وبعدها اقتحموا أريحا، وتمكنوا من السيطرة على مطار ابو الضهور العسكري الذي كان عصيا على مقاتلي “جبهة النصرة” وأحرار الشام” لأكثر من عامين، الأمر الذي سلط الأضواء عليهم بشكل كبير ورفع من نجوميتهم في الأواسط الجهادية.

في الوقت الحالي، ينتشر مقاتلو الحزب التركستاني بشكل رئيسي في منطقة سهل الغاب التابعة لحماة وسط سوريا، وفي بعض مناطق ريفي حلب وإدلب، بالإضافة إلى بعض مناطق ريف اللاذقية، وينشرون بشكل دوري إصدارات مرئية خاصة بهم، بعد أن تمكنوا من حجز مساحة خاصة بهم على “أرض الملاحم” وفق التسمية التي أطلقوها على سوريا في أحد إصداراتهم المرئية، مكملين بذلك المشوار الذي بدأوه في أفغانستان، متبعين ذات السياسة التي اعتمدها مؤسس الحزب عن طريق الحرص على العمل بشكل منفرد وإقامة علاقات متوازنة وغير تبعية مع التنظيمات “الجهادية” الأخرى، وهو أمر تمايز به التركستان عن أقرانهم الشيشان ومقاتلي الحركة الإسلامية في أوزبكستان الذين أفل نجمم بعد انصهارهم في “جبهة النصرة” و”داعش.

مؤخرا وبعد أن ثبتت أقدام “الحزب التركستاني” في سوريا، خرج زعيم الحزب عبد الحق التركستاني ليعلن في لقاء وزعه القسم الإعلامي في الحزب، الشهر الماضي، عدم شرعية “الدولة الإسلامية” داعيا إلى إقامة “دولة إسلامية بشروط شرعية صحيحة”، الأمر الذي يؤكد أن الحزب التركستاني يسعى جاهداً لضمان حصته في “الدولة الإسلامية” المنشودة كشريك لا كتابع.

مطلع عام 2012 دخلت مجموعة صغيرة من القاتلين الآسيويين، اختارت ريف اللاذقية الشمالي مقراً لها، لم يكن يعرف المقاتلون المحليون حينها الكثير عن هؤلاء المقاتلين، معظمهم لا يتقن اللغة العربية، يرافقهم مترجم بشكل دائم، يتحدثون لغة قريبة من لغة التركمان.

أظهر المقاتلون الأويغور من الحزب الإسلامي التركستاني حينها شراسة كبيرة في القتال، بالتزامن مع بدء ضخ الأموال الخليجية عبر الجانب التركي إلى الداخل السوري والفصائل الجهادية المسلحة المتنامية به. في ذلك الوقت وصل الداعية السعودي عبد الله المحيسني، استقر بداية في ريف اللاذقية، واستفاد من الملايين التي كانت تصله بشكل متتابع في تأسيس نواة مشروعه “دعاة الجهاد”، والذي تدور فكرته حول تنشئة جيل “جهادي” كامل من المراحل العمرية الأولى وصولاً إلى العمليات الانتحارية.

فاضت أموال المحيسني من بعض المصادر السلفية الخليجية على الفصائل الموجودة في ريف اللاذقية حينها، وكان للتركستان نصيب الأسد، إذ وجد المحيسني في الفصيل المقرب من تركيا، والشرس في الميدان “سنداً” قوياً له في مشروعه، خصوصاً أن معظم المقاتلين الذين وصلوا بداية كانوا فقراء بكل ما تعنيه الكلمة من معنى. تفرغ المحيسني لتجهيز عدد كبير منهم، وتأمين تكاليف استقدام بعض القياديين، كسب بذلك ود مقاتلين شرسين في الميدان، مهدوا له فيما بعد الطريق إلى التوسع في إدلب ومناطق شمال سوريا.

أموال المحيسني المتدفقة على الحزب “التركستاني”، والدعم التركي المتواصل لهذا الفصيل مكنته من تشكيل النواة الملائمة لظهوره في ميادين القتال، تمتع الفصيل في سوريا بعلاقات “طيبة” مع معظم الفصائل الأخرى، مع احترام رغبته بعدم التبعية لأي جهة بعينها (فضل المقاتلون الأويغور أن تبقى التبعية لقيادة الحزب التركستاني)، خصوصاً وأن مقاتليه اختاروا دوماً القتال في الصفوف المتقدمة في معظم “الغزوات”.

مع اتساع نفوذ “التركستاني” في سوريا، تحول قسم كبير من مقاتليه إلى القتال في ريف إدلب المتصل بتركيا، وفي تلك المعارك أظهر “المكحلون”، وهو لقبهم في أواسط القتال في سوريا بسبب وضعهم الكحل على عيونهم، قوة كبيرة، ساهموا في السيطرة على جسر الشغور، إحدى أكبر المدن في ريف إدلب، واخترقوا مطار أبو الضهور وسيطروا عليه، كما تولوا جبهات القتال المتقدمة في سهل الغاب في ريف حماة.

لقد أحاط المقاتلون القادمون من الصين أنفسهم بهالة من الغموض والقوة، سمحت لهم بالتفرد في مناطق سيطرتهم، المناطق التي يضعون أيديهم عليها هي لهم ولا يجرؤ أي فصيل على الاعتراض.

خلقت هذه الحالة مناخاً ملائما للتركستاني لاستثمار “الجهادي” والاستفادة من “الغنائم”. فككوا سكك القطارات في جسر الشغور، ووضعوا أيديهم على أراضٍ تضم كنوزاً أثرية بينها تل القرقور الأثري في وادي نهر العاصي جنوب جسر الشغور وقاموا بعمليات التنقيب بأنفسهم، كما وضعا أيديهم على مصانع ومنشآت كبيرة، بينها محطة زيزون الحرارية لتوليد الطاقة الكهربائية، ومعمل السكر في جسر الشغور، ومئات المنشآت الأخرى.

ووثق ناشطون عمليات سرقة نفذها الحزب الإسلامي التركستاني في ريفي حماة وإدلب، إلا أنه تمت “لفلفة” الموضوع، ولم يستطع أي فصيل موجود في هذه المناطق أن “يزاحم” “التركستاني” على “غنائهم”.

وأمام ما تقدم يمكن تحديد ثلاثة موارد تمويل رئيسية لنشاط “التركستاني” في سوريا:

– تركيا التي ساهمت وموّلت عمليات انتقال المسلحين، برغم أن تكاليف انتقال بعض العناصر قد كلّف أكثر من 10 آلاف دولار، بالإضافة إلى تقديم الأسلحة والعتاد.

– الأموال الخليجية التي وصلت عن طريق المحيسني ومركز دعاة الجهاد الذي يديره.

– “غنائم الحرب”، أو السرقات التي قاموا بتنفيذها في مناطق نفوذهم وسيطرتهم في ريفي إدلب وحماة بشكل خاص حيث بيعت المعامل والمصانع في تركيا وفق ناشطين معارضين. وتقدر بعض الأواسط “الجهادية” الثروات التي جمعها التركستاني من عمليات السرقة وحدها بملايين الدولارات.

في الوقت الحالي، يشيع فيه بعض الناشطين أن أزمة مالية حادة يعاني منها الحزب التركستاني، إلا أن متابعين للوسط “الجهادي” في سوريا يؤكدون أن التركستاني من أكثر الفصائل التي كسبت من الحرب، صحيح أن الدعم التركي انقطع وتوقف، وصحيح أن الدعم الخليجي تناقص تدريجياً، إلا أن عمليات الاتجار بالآثار السورية، وسرقة المصانع حققت مداخيل مرتفعة جداً لهذا الفصيل، يضاف إلى ذلك الأموال التي يتمكنون من الحصول عليها عبر داعمين خليجيين، على شكل مال أو أسلحة وعتاد، بالتزامن وبعد أية معركة يخوضونها، وآخرها المعارك التي وقعت في ريف حماة قبل نحو ثلاثة أسابيع.

يحيط المقاتلون التركستان الموجودون في سوريا أنفسهم بنوع من الغموض، لغتهم الغريبة ساعدتهم بشكل كبير في الابتعاد عن عيون المراقبين، إلا أن الأكيد أن ملايين الدولارات دخل جيوب هؤلاء المقاتلين، وبعضها تم تهريبه عبر تركيا، ضمن عمليات تحويل معقدة، وهو أمر يصعب توثيقه أو تعقبه، وأياً كان مستقبل الحزب التركستاني في سوريا، المرجح أنهم في طريقهم للمغادرة، فإنهم قد ضمنوا خلال سنوات الحرب الخمسة (منذ قدومهم إلى سوريا) أموالاً ستمكنهم من متابعة استثمارهم “الجهادي” أياً كانت البقعة الجغرافية التي سيستثمرون فيها.

*علاء حلبي صحافي ومراسل سوري.

Optimized by Optimole