“للحياة معنى”

“للحياة معنى”
Spread the love

راندا خالد محمد/
كان يومًا ممطرًا كعادة ذلك الوقت من السنة ،
لم أشعر ببرودة أو بهطول الأمطار الشديد ،ولم أشعر حتى بثقل قدماي، حتى بعد مرور ست ساعات من السير المتواصل دون انقطاع؛ فاليوم تركت العمل – أو بالمعني الأصدق – طُردت من العمل الثاني في غضون أسبوعين…..!
ست ساعات كاملة دون هدى أو وجهة محددة، فقط أسير أفكر في حل للمعضلة: معضلة كانت تسحبني إلى بحورها لأجد إجابة وحيدة فقط …
لماذا أحيا ..؟ّ!
لم أحصل على وظيفة أحلامي، وحتى أني لم أحقق حلمًا ذات يوم، وكأن الأحلام شمسا أبت أن تشرق في حياتي ذات مرة! لم أتوقف عن التفكير بدلاً من “لماذا آحيا” إلى “لماذا لا أموت؟ ” حتي ولو كان الموت هو نجاحي الوحيد بدلاً من كل ما أعانيه من فشل! هل أكتب رسالة لإنتحاري كما فعل العديد من قبلي؟ هل أكتب لهم وأخبرهم كم عانيت من فشل ،رفض ،طموحات وأحلام لم تُحقق؟ هل أخبرهم كم كنت مقاتلًا حينما أشق طريقًا جديدًا كل مرة وأنني حينما أسير أسقط وأجد نفسي عند نقطة البداية؟ هل أخبرهم كم عانيت؟ حتى رسالة الانتحار لم أرد أن أكتبها؛ لا أحد يستحق أن يشعر بما عانيته فيندم أو يحزن .
توقفت عند احدى الطرق السريعة أنظر نحو السيارات المارة بسرعة، وأتنهد .. دقائق وسينتهي ذلك العذاب الى الأبد! أردت الابتعاد قليلًا عن من بجوارى؛ حتى لا يراني ويمنعني .. أغمضت عيناي وأنا أتخيل ما سيحدث بعد قليل .. فتحتهما وعزمت على فعل ما أردته .. ولكن ! …هو من توجه مسرعًا نحو الطريق .. وقف وأغمض عينيه ،ولم يستمع الى أبواق السيارة القادمة بسرعة، كانت على وشك صدمه أو صدمته .. لا أعلم ! كل ما شعرت به أني توجهت مسرعاً وأمسكته وأبعدته ووقعنا سويًا على الأرض الصلبة .. أبعدني عنه بسرعة، أخذ يصرخ ويلعن على إنقاذي له وبعد ذلك أخذ يبكي بشدة وكأنه طفلًا صغيرًا تائهًا من أمه ! كيف يبكي بكل ذلك الحزن وهو الذي كان واقفًا بهدوء تام بجواري منذ ثواني! حاولت التهدئة من روعه، كل ما أردته أن يعود عما كان ناويًا على فعله فيكفي يائسًا واحدًا يموت اليوم ..!
بدأ يحكي لي عن نفسه وعن حياته وعن يأسه وعن كراهيته لتلك الحياة، كان يحكي وأنا أعيد مشاهدتي لحياتي مرة أخرى …
حكى لي عن أمه المريضة التي يخشي فقدانها، عن كراهيته لدراسته، خوفه من الفشل، خوفه من أن يلقبه أحدًا بفاشل، عن أصدقائه الذين يسخرون منه دائماً لحبه للكتابة ، يسخرون من شكله ومن حياته ،حكى عن حياة من الصعب أن يشق فيها طريقًا، عن أحلام لا يستطيع الوصول إليها ، عن بوصلة حياته التائهة التي لا تستقر علي اتجاه.
نظرت له .. يشبهني إلى حد كبير ! صمتُّ قليلًا أستوعب ذلك الموقف ،أعيد تلك اللحظات مرة أخرى .. ربتُّ على كتفه، كان قد توقف عن البكاء قليلًا، ابتسمت بمرارة وأخذت أحكي له أنا الآخر عن تلك الحياة
،عن وظيفتي ومجالي : لم أحبهما ذات يوم ولكني أكملت حتى لا يلقبوني بفاشل ! عن ابتعادي عن أصدقاء طفولتي وسخريتي منهم دائمًا ومن طموحاتهم البسيطة، قصصت له حكايات سقوطي وتعثري وفشلي كما أظن ولكني سقطت ، وهنا سألته لم لا نصنع طريقًا آخر وثانيًا وثالثًا حتي نصل ؟!

اشتريت له زجاجة مياة، أخذت أهديء من روعه، وأخبره ببعض كلمات كنت في أشد الحاجة لمواجهة نفسي بها: لماذا لا نحاول مرة أخرى ؟! لماذا لا نرى إلا الجانب السيء فقط؟ بالتأكيد هناك شيئًا حلوًا نستحق أن نعيش من أجله …
حاولت أن أمزح معه قليلاً، علمت أنه من مشجعي فريقي المفضل، تبادلنا أرقام الهواتف وقمت بإيصاله الى منزله على وعد بلقاء قريب حتى نبحث عن حلم لنا سويًا ..
تركته وأنا أفكر: هل كلانا فرصة للأخر حتى يسعى ويقاتل مرة أخرى؟ هل كلانا فرصة حتى نرى كل تلك النعم التي نعيش فيها ونحن في أمس الحاجة للشعور بها …؟
وصلت إلى منزلي وأنا مبتسم ، كم من نعمة كلانا يعيش فيها ولا يدري! على الأقل نحن نحيا كل يوم لدينا فرصة لنصل ..تذكرت كل ذلك بعد مكالمة هاتفية بيننا يذكرني فيها بموعدنا اليوم على الغداء؛ حتى نناقش خطة عملنا الجديدة سويًا، فعلى الأقل وجدنا معنى لحياتنا، معنى نحبه ، معنى لا يعلم سوى الشغف والإخلاص والتحدي .. أرى بعض التغيرات في شكل حياته وفي نفسه وفي علاقاته مع اسرته .. هو فقط كان في حاجة إلي طريق! الى دفعة إلى اطمئنان إلي أحد يخبره كم هو ناجح وقوي، ولكن في حاجة إلي الصبر .
أنظر في المرآة لأرى كم كنت ساذجًا لأنهي حياتي بتلك الطريقة .. أبتسم وأنا أعلم بأن هناك طريقاً آخر سأصنعه وأسير فيه مرة أخرى .. هناك العديد من الآلام التي نعانيها ،والعديد من العقبات التي تواجهنا ولكن ما هي فائدة التوقف امامها دون البحث عن حل وطريق جديد ..؟!
لحياتنا معني ،نحن لم نُخلق عبثًا ولم نُخلق لنشقى ..لا أحد يقاتل معك، أنت وحدك في هذه الحرب .. كل من حولك لن يتقاسموا آلامك وأحزانك! تغلّب عليها، تأكد بأن الله معك.. يعاونك، بأن لكل عواقبك نهاية .. أنت تستحق أن ترى نفسك جميلًا، وتقاتل من أجل نفسك مرة أخرى، أنت ذو معنى .. فقاتل من أجله
تمت.. .

Optimized by Optimole