“هايبرسيميثيا”

Spread the love

الكاتبة الجزائرية فاطمة حفيظ/

قمت بتغيير طريقي إلى المكتبة، أخذت كتابا منسيا مطليا بالغبار من الرف الخامس على اليمين ونبضات قلبي مثل طبول حرب جنكيز خان. كنت أخفي وجهي داخل صفحات الكتاب، إنه يوم سبت، … لا يكف رجلي الذي أحببته عن الخروج واصطياد عشيقاته من الورق القديم. لا تزال وصمات عطره تلاحقني، لا أستطيع إزالة ضوء عينيه على ثيابي، ولا حتى إبرام هدنة وجيزة مع تفاصيله المتصوفة بمحرابي.

لا يزال يرج قدمه حين يطيل الجلوس ويحك عيناه حتى تصبح نظراته المنكسرة صرحا ممتدا عكس نظرات النساء المتطايرة كالرماح الهلالية. أدرت الكرسي الدوار إلى الجدار، و كانت عيناي قد أخذت قرارا مختلفا، وبقيت تحدق خلف رأسي، لقد زادت وسامته وتفكك جبروته بعد أن تركني. يبدو أنه لا يعي أن كل جزء مما أخفيه يعشقه إلى حد إبادة جميع رجال الأرض، وربما إبادة الكبرياء أيضا. وللنسوة طبع غبي، إنهن يشتمن عشاقهن حين يزداد اشتياقهن لهم و يصرخن، بل ويمزقن خصلات شعورهن كما يفعلن حين تنتابهن آلام الطمث.

لما أطال البقاء بالمكتبة يا ترى؟ ، لا تزال تلك الموسيقى التي يحدثها حذاءه تثير أعصابي وارتباكي، فأنا لست بالبيت كي أبكي ويختلط كحلي وحمرتي كي ينجبان لون الجنون إلى الأيام، أنا الآن سيدة هادئة ومتزنة، هيا ابتعد، ابتعد، عد أدراجك، سيراني أحد غيرك إبكي، المكان مزدحم، لا تقترب، وحاول ارتداء ساعة جديدة رجاء، لقد سئمت عدد شعر يدك الممتد تحت ساعتك التي تبدد بعض من لونها الفضي … لن يستطيع أحد أبدا أن يرسم تأملات العشاق على تلك اليد البيضاء الهادئة والتي تهتف بقصيدة جسدية عنيفة ودروح تتكبد عناء اللامبالاة.

لن يتحرك هذا الكرسي الدوار الآن أبدا، إنه يوم السبت، لن أبرح مكاني، من هو كي يحاصرني وتعبث أغلاله بخاصرتي؟، إنه شخص بارد، لا يفقه شيئا مما تريده عاشقته، ولا يريد سوى العبث بجنونها والاستمتاع به كعرض من عروض القوات الخاصة…، من يحسب نفسه كي يضع كفه على كتفي أمام الجميع؟، لقد بالغ كثيرا هذه المرة، سأذهب نحوه وأوقفه…
قمت غاضبة من الكرسي الدوار، استدرت، وتلاشى معشوقي. لقد تحول رجلي إلى أفكار وتحولت أنا إلى مرتع للهايبرثيميسيا.

Optimized by Optimole