بحر الصين الجنوبي… أهم المعابر البحرية في العالم

Spread the love

شؤون آسيوية-إعداد : رشا النقري
مكانة بحر الصين الجنوبي الجيوستراتيجية جعلته يحظى بأهمية كبيرة ويعود ذلك الى:
-موقعه الجغرافي: يقع غرب المحيط الهادي، ويطل على بحار كبيرة ومهمة تشغل قيمة استراتيجية في العالم منها بحر بوهاي والبحر الأصفر وبحر الصين الشرقي.
ويربطه مضيق تايوان وقناة باشي بالمحيط الهادي ومضيق ملقا بالمحيط الهندي، مساحته نحو 3.5 مليون كيلومتر.
كما يطل هذا البحر على دول عدة هي ماليزيا وبروناي وفيتنام والفلبين وتايلاند وكمبوديا وسنغافورة والصين التي تمتلك أكبر إطلالة بحرية عليه، وتسمّي البحر باسمها.
يوجد في البحر أكبر وأكثر الموانئ حداثة في العالم وهما ميناءا سنغافورة وهونغ كونغ، وتشكل منطقة البحر مئات الجزر والشعب المرجانية والأرصفة البحرية.
عدا عن أهميته الاقتصادية والحيوية التي تكمن في اعتباره ممراً لنقل الطاقة الى العالم وملتقى لخطوط التجارة الدولية الأكثر ازدحاماً في العالم، فهو يحتفظ بثلث التنوع البيولوجي البحري في العالم من ثروات معدنية وسمكية هائلة.
برغم اختلاف التقديرات الإجمالية، يحوي البحر على احتياطات ضخمة من الطاقة والنفط والغاز والبترول عدا عن الاحتياطات التي يكتنزها في قعره نظراً لغنى البحر بالرواسب المعدنية.
الأهمية الإستراتيجية: يعتبر بحر الصين الجنوبي أحد المناطق الإستراتيجية المهمة في آسيا والعالم، ولهذه المنطقة تأثير كبير في العلاقات الإقليمية والدولية فهو نقطة تلاقي المصالح التنافسية على نطاق دولي. وتحول في الأونة الأخيرة الى أكثر خطوط النقل البحرية الدولية ازدحاماً حيث يمر عبر مضائق ملقا وولومبوك وسوندا المهمة أكثر من نصف الشحن العالمي.
وأهم جزر البحر باراسيل وجزيرة سبراتلي والحدود البحرية في خليج مونكين، وهي تشكل محطات مهمة لنشر قواعد عسكرية وتسهيلات مختلفة للمراقبة وجمع المعلومات.
ومن هنا يأتي بحر الصين الجنوبي في المرتبة الثاني من حيث الأهمية بعد مضيق هرمز ،في ظل مايشغله من دور في خريطة التجارة البحرية عبر العالم.
النزاع حول منطقة بحر الصين الجنوبي
النزاع حول منطقة بحر الصين الجنوبي ليس بجديد. ففي عام 1947 أصدرت الصين حدودها التاريخية بما يسمى خط الفواصل التسعة الذي يغطي 80% من منطقة البحر وحقوقها ومصالحها في بحر الصين الجنوبي على أساس تاريخي قديم عندما كانت جزر بارسيل وسبراتلي جزءاً من الأمة الصينية، وفي نفس الوقت تطالب الدول المجاورة بحقوق سيادة على أجزاء من المياه، وترتب على ذلك تبعات قانونية فيما يتعلق بالممارسات المختلفة للأنشطة العسكرية، والتجارية البحرية، والاقتصادية والسياحية، فتحولت منطقة البحر الى مسرح للنزاعات الإقليمية بشأن أحقية الملكية.
ولجأت الدول المطلة على البحر إلى المحاكم الدولية والاحتكام إلى القانون الدولي للبحار. فقد رفعت جمهورية الفلبين قضية تحكيم في لاهاي في كانون الثاني / يناير 2013 إذ قضت المحكمة بأنه لا يوجد أساس قانوني لمطالبة الصين بحقوق تاريخية داخل ما يسمى خط القطاعات التسعة الذي يغطي معظم أجزاء بحر الصين الجنوبي.
وكانت بكين قد رفضت قرار التحكيم وأكدت أن شعب الصين لديه تاريخ يمتد لأكثر من ألفي عام في منطقة البحر ولم تتحرك الفلبين لتنفيذ القرار لأنها الطرف الأضعف. وحاولت كل من الصين والفلبين التفاهم حول مصالح الدولتين سلمياً ومن دون استفزاز.
وفي إطار الصعود الصيني المتنامي، لجأت الصين الى تعزيز وجودها في المنطقة وحماية أمنها البحري عن طريق استصلاح الأراضي وبناء جزر صناعية وقواعد عسكرية وهو ما أثار الجدل وأدى الى زيادة التوتر الإقليمي.
فيتنام هي من أكثر الدول تضرراً من تزايد النفوذ الصيني، ففيتنام لها تاريخ طويل في مقاومة التجرؤات الصينية ولكن في نفس الوقت فإن اقتصادها لا يمكن أن يعمل من دون الصين.
أما ماليزيا فهي منشغلة كثيراً بتناقضاتها الداخلية والتي تبعدها عن التركيز بالتهديدات الخارجية، فهي بخلاف فيتنام ذات الوطنية المفرطة لا تسعى الى أي نزاع مع الصين.
بينما سنغافورة منزعجة من الصين، ولكن مخاوفها ليست حادة كجيرانها، فالنخبة في سنغافورة تجد نفسها مرتاحة أكثر مع أعداء جادين بدلاً من أصدقاء غير جادين.
وفضلاً عن صراع القوى تنامى النزاع بوتيرة متسارعة مع دخول الولايات المتحدة الأميركية الى ساحة التنافس لأهمية المنطقة الاستراتيجية والاقتصادية والسياسية، ولإحباط سعي الصين لاكتساب مكانة إقليمية ومنع سيطرتها على المياه الدولية تحت مسمى سلامة الملاحة البحرية في المنطقة من دون مراعاة قانون البحار الذي يعطي لكل دولة منطقة مياه اقتصادية حصرية مقابل أراضيها.
وأصبحت المنطقة تشغل حيزاً مهماً في استراتيجيات القوى الكبرى كالولايات المتحدة والصين.
فالولايات المتحدة ترفض سيادة الصين على المياه الغنية بالموارد وتؤكد أن الصين ليس لديها أي أساس قانوني في مطالبها التي تشكل أكبر تهديد لحرية البحار في العصر الحديث، والواقع ان هذا التهديد يصبح أكثر دقة عندما يستخدم لوصف وجود أميركا العسكري المتزايد في المنطقة،وقيامها بالتدريبات المنافسة.
وتدخلت منظمة الآسيان للحفاظ على السلم في المنطقة وتخفيف التوتر والصراع بين كل من بكين وواشنطن فكان لها دور مركزي في البنية الإقليمية من خلال مبادرات التكامل الاقتصادي في المنطقة وقدرتها على توفير منصة للحوار .
وركزت قادة دول أعضاء في “آسيان” جهودهم على دعم التعاون الاقتصادي والصناعي والتجاري من دون الانصراف الى الشؤون السياسية.
ونجحت الصين والدول المحيطة بالبحر بالسيطرة على النزاع والحيلولة دون تصعيده من خلال الحوار والنقاشات. وأكدت الصين رفضها إجراء محادثات متعددة الأطراف وتدخل دول خارج المنطقة بالأمر، وأعلنت أن المساعدة في حل النزاع يكون بطريقة إيجابية من دون تحريض أو تدخل من أجل تكامل أقوى مع الاقتصاديات الإقليمية.
فحرية الملاحة تخدم مصالح جميع الأطراف بما في ذلك الصين. فهي تحافظ على السلام والاستقرار في الإقليم وقنوات الملاحة. وهذا ما يضمن التطور الاقتصادي في المنطقة وأكد على ذلك البيان المشترك في قمة 25 الأخيرة بين الصين وآسيان في كمبوديا.
أسباب التوتر الأخير
بين الحين والآخر يتصاعد التوتر في بحر الصين الجنوبي والمستفز الأول هو الولايات المتحدة التي تحاول تأكيد هيمنتها على العالم باستمرار. فواشنطن تستمر بتعزيز جهودها الدبلوماسية وتعاونها مع دول الجوار المناهضة للصين للتدخل في قضايا السيادة الصينية، وتسعى عبر سياسة الاحتواء الى تأجيج صراع دائم بين الصين ودول المنطقة تحت ذريعة حماية حلفائها في الإقليم.
وفي السياق ذاته.. رغم أن أستراليا ليست طرفاً في نزاع بحر الصين الجنوبي والدول المجاورة، لكن الولايات المتحدة دفعتها الى دائرة النزاع لتشكل معها تحالف ثلاثي الى جانب بريطانيا.
وتزامن التوتر مع إرسال سفنها وطائراتها العسكرية الى المناطق القريبة من الأراضي الصينية بطريقة استفزازية وعدوانية فيما أسمته حرية الملاحة البحرية
وكان أخرها دخول السفينة الأميركية بشكل غير قانوني الى المياه القريبة من جزر سبراتلي في بحر الصين الجنوبي والتي أبعدتها الصين بواسطة طراد صواريخ معتبرة ذلك انتهاكاً للسيادة والأمن الصينيين.
في النهاية نجد أن النزاع لم يتم حله بالكامل وستبقى هذه المنطقة الاقتصادية الهامة محور اهتمام دولي لاستقرار آسيا ولخدمة السوق العالمية.

Optimized by Optimole