الظواهري ينتقد سعي “طالبان” للانضمام إلى الأمم المتحدة

Spread the love

شجون عربية – بقلم: أحمد سلطان |
ظهر أيمن الظواهري، أمير تنظيم القاعدة المركزي، والذي توارى عن الأنظار لشهرين منذ ظهوره الأخير بمناسبة الذكرى العشرين لهجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001، في فيديو وأثر الخروج عن الخط العام لـ”رسائل القاعدة الدعائية”، خلال ظهوره الأخير ضمن إصدار “نصيحة الأمة الموحدة بحقيقة الأمم المتحدة”، الذي نشرته مؤسسة السحاب في الـ24 من نوفمبر الجاري، والذي يتضمن هجومًا على حركة طالبان بعد طلبها الحصول على مقعد أفغانستان في المنظمة الأممية.
وتضمنت كلمة “الظواهري” رسائل متعددة الوجهات، هدفها النهائي إقناع قادة حركة طالبان وأنصارها، برفض مسلك الحركة الراغب في الانخراط في المجتمع الدولي، وإقامة علاقات دوليةً بناءً على القواعد والأعراف السياسية المعمول بها عالميًا.

ففي مستهل كلمته، قال الظواهري إن الانضمام إلى منظمة الأمم المتحدة يعني الانضمام إلى منظمة “علمانية تتناقض مع الشريعة الإسلامية”، لأن الدولة التي تقبل بعضوية المنظمة، ستُوقع على ميثاقها الذي ينص على التحاكم للأغلبية أو لإرادة الدول الأعضاء بالأمم المتحدة، وللقانون الدولي ولمبادئ العدالة الدولية، التي يعتبرها الجهاديون من “أحكام الجاهلية الكفرية”.
وسعى “الظواهري” لكسب تأييد مكونات حركة طالبان، وتوظيفهم للضغط على قيادة الحركة الأفغانية، فعلى سبيل المثال، ركز ، في غالب كلماته، على وصف الأمم المتحدة بأنها “منظمة كفرية يحرم الانضمام لها”- من المنظور الجهادي التقليدي-، كما صورها بأنها تتعارض مع الأعراض القبلية الأفغانية لأنها تساوي بين الرجال والنساء في سائر الحقوق والواجبات، فضلًا عن تأكيده أن الانضمام للمنظمة الأممية يعني اعتراف “طالبان” بإسرائيل كدولة ذات سيادة، (وهو ما ترفضه الحركة، حتى الآن).

وأضاف “الظواهري”: “ولتذكرة إخواني المسلمين والمجاهدين والعلماء الصادقين، فإني أود أن أوضح لهم أن كل دول العالم الإسلامي الأعضاء في الأمم المتحدة قد اعترفت بإسرائيل بتوقيعها على ميثاق الأمم المتحدة، الذي يؤكد على وحدة وسلامة أراضي كل دولة من دولها، بما فيها إسرائيل، واعترفوا -أيضا بنفس التوقيع- بترك التحاكم للشريعة، ورضوا بالتحاكم لقرارات مجلس الأمن والجمعية العامة”.

وحاول أيمن الظواهري استقطاب مجلس العلماء المحسوب على حركة طالبان- والذي يُشكل أحد مراكز الثقل والقوة داخل الحركة الأفغانية ويلعب دورًا هامًا في توجيه قيادتها رغم أنه غير مندرج بصورة رسمية في هيكلها التنظيمي- في أكثر من مناسبة، إذ قال إن الاتفاق على جعل المناهج التعليمية متفقة مع الشريعة يناقض ميثاق الأمم المتحدة، وهو بذلك يهدف لتأليب المدارس الدينية الأفغانية التي تعد الرافد الأساسي لتشكيل طالبان ضد قيادتها.

وعلاوة على ذلك، استشهد أيمن الظواهري بأحد الفتاوى الخاصة بـ”جهاد الدفع” من كتاب “مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر” للفقيه عبد الرحمن بن محمد بن سليمان المعروف بـ”شيخي زاده”، وهو أحد فقهاء المذهب الحنفي الذي تدين به حركة طالبان (المذهب الأكثر انتشارًا في أفغانستان)، وذلك للإيحاء بأن هذا المذهب الفقهي يوجب على الحركة الأفغانية دعم الحركة الجهادية المعولمة، وعدم الاكتفاء بتحرير أفغانستان فقط.

كما أعاد “الظواهري” التذكير بدور الأمم المتحدة في الإشراف على الانتخابات الأفغانية التي جرت في ظل وجود القوات الأمريكية في البلاد، وكذلك بالحملة التي قامت بها منظمة العلوم والثقافة والتراث “اليونسكو” (تابعة للأمم المتحدة)، قبل نحو عقدين، لإنقاذ” تماثيل بوذا القديمة” التي فجرتها حركة طالبان، مدعيًا أن “اليونسكو” شنت حملة كبيرة ضد الحركة الأفغانية لإثنائها عن القيم تفجير التماثيل، (والذي تم بناءً على فتاوى من زعيم طالبان المؤسس الملا محمد عمر، وعدد من الفقهاء المحسوبين على الحركة).

المنظمة الأممية وأزمة الجهادية العالمية
غير أن رسائل أيمن الظواهري في كلمته عن “الأمم المتحدة”، تكشف، في جانب منها، عن الأزمة الكبرى التي تمر بها الحركة الجهادية وخاصةً “تنظيم القاعدة”، خلال السنوات الماضية، ففي ظل الأحداث المتلاحقة، التي طرأت على الساحة الجهادية، وجدت قيادة القاعدة نفسها في مقابل اختبارات ومحكات مفصلية لأيدولوجيتها وإستراتيجيتها الحركية العابرة للحدود الوطنية.

وساهمت سيطرة حركة طالبان على مقاليد السلطة في أفغانستان، في تعميق “جراح القاعدة” وتعزيز الأزمة التي يعيشها، فبينما صورت قيادة التنظيم تلك السيطرة بأنها “نصرٌ إلهي”، وصف منظرون جهاديون منهم أبو محمد المقدسي، وآخرين من أنصار القاعدة، الحركة الأفغانية بأنها تُقدم تنازلات تتعارض مع “جوهر التوحيد” وحقيقة “الولاء والبراء” واللذين يمثلان أحد المرتكزات الرئيسية التي قامت عليها فكرة التنظيمات المعولمة ذات الأيدولوجية السلفية الجهادية.

وأمام تلك التطورات، التي أفضت إلى خلاف “جهادي- جهادي”، حاول “الظواهري” إعادة ترتيب أوراقه التنظيمية، والعمل على إيجاد أي وسيلة لإحياء تحالف “القاعدة- طالبان” القديم، والذي يبدو أن الحركة الأفغانية تجاوزته، في الفترة الحالية، وأصبحت أكثر تركيزًا على مصالحها الذاتية، لاسيما وأنه لم تجنِ من هذا التحالف سوى خسارة سلطتها، والهزيمة والدمار.

الظواهري وطالبان: خلافات وراء الكواليس
لكن لجوء الظواهري إلى مخاطبة قيادة طالبان، في العلن عبر إصدار مرئي، يوحي بوجود خلافات وكواليس بينهما، لم يتم الإعلان عنها حتى الآن، فضلًا عن أنه قد يكون مؤشرًا على ضعف أو انقطاع قنوات الاتصال التقليدية بين التنظيم والحركة.

وتُبين المعطيات السابقة، أن تحول حركة طالبان من نمط “حركة التمرد الجهادية” إلى النمط “الدولاتي” الهادف إلى تأسيس وترسيخ حكمها في أفغانستان، أضر بتنظيم القاعدة أكثر مما نفعه، خلافًا للتوقعات التي راجت، قبيل الانسحاب الأمريكي، والتي ذهبت إلى أنه سيؤدي إلى إعادة العلاقات بين الحركة والتنظيم وستمنحه فرصة لإعادة بناء شبكته في وسط وجنوب آسيا.
وتحاول الحركة الأفغانية، مؤخرًا، أن تثبت للمجتمع الدولي أنها تخلت عن النهج القديم في دعم التنظيمات الجهادية المعولمة، وأنها تلتزام بالاتفاقيات الدولية التي أبرمتها، ومنها اتفاقية السلام مع الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك عبر الانخراط في عمليات مكافحة الإرهاب وملاحقة “شبكات الجهادية العابرة للحدود الوطنية”، كما ظهر في مقاطع مرئية بثها “إعلام طالبان”، لقوات الحركة الخاصة وهي تلاحق إرهابيين بعد الهجوم على مستشفى كابل العسكري.
ومن الواضح أن هذا النهج عزز الخلافات البينية بين الحلفاء القدامى (القاعدة وطالبان)، لأنه لا يخدم مصالح التنظيم، ويساهم في استمرار الضغط الأمني والاستخباري الواقع عليه في إطار حملات مكافحة الإرهاب الدولية والإقليمية.
ويكشف ظهور تلك الخلافات إلى العلن، كما يُفهم من الإصدار الأخير لأيمن الظواهري، أن الحركة الأفغانية مصرة على القطيعة مع الماضي، ومتمسكة بالانخراط في المجتمع الدولي والانضمام لمنظمة الأمم المتحدة، رغم أن “جهاديي القاعدة” طلبوا منها في مرات عديدة أن لا تُقدم على تلك الخطوة، بحسب ما ذكره أبو مصعب السوري، المنظر الإستراتيجي لـ”القاعدة، في كتاب “أفغانستان والطالبان ومعركة الإسلام اليوم”.

ووفقًا لـ”السوري” فإن قيادات طالبان البارزين كإحسان الله إحسان، الرجل الثالث في الحركة، حتى مقتله في مايو/ آيار 1997، وغلام متقي، وزير إعلام طالبان (سابقًا)، ظهروا مستهينين بمخاوف “الجماعات الجهادية” المؤيدة لطالبان من الانضمام للأمم المتحدة، لأنهم يرغبون في الحصول على مقعد أفغانستان في المنظمة الأممية، لضمان الاعتراف الدولي بحكومتهم، والاستفادة بالمساعدات التي تقدمها المنظمة للبلاد.

وعلى صعيد متصل، يبدو أن تنظيم القاعدة يتخوف من المسار حركة طالبان الحالي والذي يتضمن وقف القتال والانخراط بشكل أكبر في التفاهمات السياسية، خاصةً في ظل توجه الحركة الأفغانية الرامي لإنهاء القتال بين الفرع الباكستاني لطالبان “تحريك طالبان/ طالبان باكستان”، والحكومة الباكستانية، بعد إبرام هدنة بين الطرفين، منتصف نوفمبر الجاري، بوساطة من قيادة طالبان.

ولعل المثير للاهتمام في الهدنة الحالية بين الحكومة الباكستانية وتحريك طالبان، هو الدور الذي لعبه سراج حقاني، وزير الداخلية في حكومة طالبان الحالية، وزعيم شبكة حقاني الطالبانية (التي كانت أكثر ارتباطًا بتنظيم القاعدة، قبل ذلك)، في إبرام اتفاق الهدنة، وهو ما يعني وجود اتجاه لدى الشبكة، الموصوفة بأنها أكثر تطرفًا، لوقف نشاط المجموعات ذات الطابع الجهادي في مناطق الحدود الأفغانية الباكستانية وإنهاء التمرد الجهادي في باكستان، بناءً على تفاهمات مع الجيش والاستخبارات في الدولة الأخيرة، وهو ما يعني الاتجاه لـ”تصفية القاعدة” وإنهاء نشاطها في المنطقة التي تتمركز فيها العديد من الشبكات التابعة للتنظيم المركزي “قاعدة خراسان”.

انتصار مزعوم بطعم الهزيمة
ومن الممكن أن تؤدي التفاهمات الأخيرة بين الجماعات والتنظيمات الجهادية في أفغانستان وباكستان، لتحفيز باقي أفرع تنظيم القاعدة على الانخراط في مسار تفاوضي مع الحكومات المحلية، والدول الإقليمية، سعيًا للتوصل إلى اتفاقات مناسبة لوقف القتال الذي استنزف المجموعات المرتبطة بالقاعدة، طوال سنوات، خاصةً مع ضعف السيطرة المركزية لـ”قاعدة خراسان” على الأفرع الخارجية.

وتؤكد البيانات الإعلامية الصادرة عن عدد من الجماعات الجهادية، وفي مقدمتها جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، فرع تنظيم القاعدة الرسمي في منطقة الساحل والصحراء الإفريقية، استعدادها للتفاوض مع الحكومة المالية للتوصل إلى حل للصراع الدائر في داخل البلاد، منذ فترة.

ويُحتمل أن تُساهم المتغيرات الراهنة في تشتت شمل المجموعات الجهادية المرتبطة بالقاعدة، و افتراق مسارات التنظيم المركزي، عن أفرعه التي دفعت ثمنًا باهظًا لارتباطها بعلامة التنظيم الجهادية التي أصبحت مشوهة بشكل كامل، في ظل عجز أيمن الظواهري ومن خلفه قيادة القاعدة العليا المتوارية في خراسان وإيران، عن الحفاظ على “ما تبقى من القاعدة”، في مواجهة حملة التآكل الداخلي والملاحقة الدولية/ الخارجية التي يواجهها.

وفي حين، يمضي التنظيم إلى الفصل الأخير من روايته، يبقى أميره الهَرِم”أيمن الظواهري” في موقعه الذي لازمه منذ وقت طويل، فيما تتساقط “أوراق التنظيم” المتبقية، معلنةً طي الصفحات الأخيرة من “حقبة القاعدة” المخضبة بالدماء.

المصدر: أخبار الآن

Optimized by Optimole