الانسحاب الروسي من خيرسون.. انتكاسة أم إعادة تموضع؟

Spread the love

خاص “شؤون آسيوية” – بقلم: زينب ديب* |

ما بين كر وفر تستمر الحرب الروسية الاوكرانية، حالها كحال كل المعارك والحروب. أما جديدها فهو انسحاب الجيش الروسي من خيرسون أول مدينة أوكرانية تقع تحت السيطرة الروسية منذ بدء العملية العسكرية الروسية الأوكرانية, فهل هذا الانسحاب هزيمة روسية أم للقصة تتمة؟

الانسحاب الروسي:
البداية كانت في 9 تشرين الثاني / نوفمبر عندما أصدر وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو أمراً بسحب القوات المسلحة الروسية إلى الضفة اليسرى لنهر دنيبر، حيث سيقيم الجنود خط دفاع على الضفة اليسرى للنهر، لتُعلن وزارة الدفاع الروسية، يوم الجمعة الماضي، إتمام سحب قواتها من الضفة الغربية لنهر دنيبرو، بعدما أكدت أنها اتخذت “قراراً صعباً” بالانسحاب في ظل تقدم القوات الأوكرانية.
وكان قائد قوات العملية العسكرية الروسية سيرغي سوروفكين قد أكد أنه يدرك أن هذا قرار صعب للغاية، لكنه يريد بذلك الحفاظ على أرواح الجنود الروس. هذا بالإضافة إلى الاستفادة من القوات التي سيُعاد انتشارها في العمليات الهجومية على محاور أخرى في منطقة العمليات.

انسحاب أم فخ؟
ولا يستبعد خبراء عسكريون من جانبهم، أن يندرج الانسحاب في إطار إعادة الانتشار والإعداد لهجوم مضاد، ونصب فخ للقوات الأوكرانية بغية استدراجها ومحاصرتها، في مدينة كانت من أول المدن الاستراتيجية التي سقطت بيد الروس في بداية الحرب، وبأن انسحاب القوات الروسية من خيرسون له معنى تكتيكي وليس استراتيجياً.
ووفقاً لقائد العملية العسكرية الروسية الخاصة، فإن هذه الخطوة ستسمح بتعزيز العمليات الهجومية وإعادة الانتشار على محاور أخرى في منطقة العمليات.
كان القائد الجديد للقوات الروسية في أوكرانيا يريد البدء من الصفر بحيث يجهز خطاً دفاعياً بهندسة عسكرية متينة على الضفة اليسرى للنهر، قاطعاً الطريق أمام القوات الأوكرانية لمهاجمة مناطق أخرى والتي في حال محاولتها التقدم نحو الضفة اليسرى، فإنها ستكون تحت مرمى نيران القوات الروسية بشكل مباشر.
وهكذا فبقاء الروس في الضفة اليمنى كان مخاطرة كبيرة ومجازفة بأرواحهم ومعداتهم العسكرية، لكن مع هذا الانسحاب فالجيش الأوكراني سيتقدم بداهة نحو المنطقة التي أخلاها الجيش الروسي، وهكذا يكون الأوكرانيون في موقع ضعيف ومكشوف عسكرياً وليس العكس، ويصبحون عرضة سهلة للصواريخ والمدافع الروسية في حال نيتهم التقدم أكثر.
الموقف الروسي
أعلن الكرملين أن مقاطعة خيرسون بأكملها وعاصمتها تشكلان جزءاً من روسيا والانسحاب منها لا يعني أي تغيير بحالة خيرسون القانونية ضمن قوام الدولة الروسية، وبأن خيرسون جزء من روسيا وهذا ما أكدت عليه نتائج الاستفتاء الروسي المزعوم.
بينما أوضحت وزارة الدفاع الروسية أن الجيش الروسي يدمر ويقضي على القوات الأوكرانية ومعداتها العسكرية على الضفة اليمنى من نهر دنيبر في مقاطعة خيرسون الروسية. وأكدت الوزارة أنه تم نقل أكثر من 30 ألف عسكري روسي وحوالى 5000 قطعة من الأسلحة والمعدات العسكرية، بالإضافة إلى الممتلكات المادية، إلى الضفة اليسرى لنهر دنيبر.
أما المتحدث باسم الرئاسة الروسية دميتري بيسكوف فقد صرّح أن روسيا غير نادمة على قبولها منطقة خيرسون في قوام الدولة، وستبقى منطقة خيرسون جزءاً من الاتحاد الروسي، ولا توجد ولا يمكن إجراء أي تغييرات.
بينما كشف قائد قوات العملية العسكرية الروسية سيرغي سوروفكين بأن القوات الأوكرانية تتكبد خسائر فادحة على محور خيرسون وأن القوات الروسية ستحافظ على خطوط ومواقع دفاعية معدة بشروط هندسية على الضفة اليسرى لنهر دنيبر. كما أن خسائر القوات المسلحة الروسية في اتجاه خيرسون أقل بـ7-8 مرات من خسائر القوات المسلحة الأوكرانية.
وينبغي التذكير بأن القوات المسلحة للاتحاد الروسي نجحت في صد محاولات هجوم القوات المسلحة الأوكرانية في اتجاه خيرسون، من آب / أغسطس إلى تشرين الأول / أكتوبر، حيث فقدت القوات الأوكرانية أكثر من 9.5 ألف شخص هناك، وأن الوضع في منطقة العملية الخاصة مستقر، كما أن القدرات القتالية للقوات الروسية زادت بسبب التعبئة والمتطوعين.
وأكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تجاوز عدد الجنود الملتحقين بالتعبئة أكثر من ثلاثمة ألف بفضل زيادة المتطوعين، ودعا إلى نقل سكان خيرسون من مناطق القتال الخطرة، وإخلاء السكان الذين يعيشون بمناطق الحرب في خيرسون وألا يشعر المدنيون بالمعاناة وجدد التأكيد على أن النزاع العسكري مع نظام النازييين الجدد في أوكرانيا كان أمراً حتمياً.
وبذلك نلاحظ أن الكرملين يعطي التعليمات العامة فيما يتعلق بالعمليات العسكرية في أوكرانيا، لكن يحق لقائد العملية هناك تحديد التحركات العسكرية والأهداف في الميدان، بعد الرجوع لوزير الدفاع، وهو ما حصل مع طلب قائد العملية الجنرال سيرغي سوروفيكين، الإذن من الوزير سيرغي شويغو، بتنفيذ الانسحاب من الضفة اليمنى لنهر دنيبرو، والوزير طبعاً هو على اتصال مستمر مع الرئيس بوتين، وهذا يعني أن ثمة تنسيقاً كاملاً بين الكرملين والقيادة العسكرية.

الرواية الأوكرانية
دخلت القوات الأوكرانية، الجمعة، مدينة خيرسون مع استكمال انسحاب القوات الروسية منها. ووفق تقارير أوكرانية ومسؤولين استقبل سكان المدينة، القوات الأوكرانية بفرحة عارمة، ونشر وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا على حسابه على موقع “تويتر” مقطع فيديو يظهر قيام بعض الأفراد بإزالة لافتة من أحد الشوراع عليها العلم الروسي، ووصف الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي دخول قواته إلى مدينة خيرسون، بعد انسحاب القوات الروسية منها، بأنه “يوم تاريخي”. ورسم الأوكرانيون صورة لانسحاب فوضوي ترك خلاله جنود روس زيهم العسكري الرسمي وغرق آخرون خلال محاولة الفرار، عكس ما قالته روسيا التي أكدت أنها أكملت الانسحاب عبر نهر دنيبرو دون خسارة جندي واحد.
فبينما تقول روسيا إنها انسحبت من أوكرانيا من دون خسارة جندي واحد بينما يقول الأوكرانيون إنهم تسلّموا زمام الأمور من الروس من دون إطلاق رصاصة واحدة.

الانسحاب لصالح من؟
الانسحاب من خيرسون لم يكن مفاجئاً بالنسبة للروس، بسبب التحذيرات الجدية من أن سد كاخوفكا في حال تفجيره من قبل كييف، فإن القوات الروسية على الضفة اليمنى لنهر دنيبرو ستكون محاصرة تماماً، ولهذا تم اتخاذ هذا القرار الصعب.
كما أن هذه الخطوة هدفها الحفاظ على حياة الجنود الروس، كما أن تجمع القوات على الضفة اليمنى وفي منطقة محدودة، لا جدوى منه. ووفقاً لقائد العملية العسكرية الروسية الخاصىة، فإن هذه الخطوة ستسمح بتعزيز العمليات الهجومية وإعادة الانتشار على محاور أخرى في منطقة العمليات.
بينما يرى البعض أن سيطرة الأوكرانيين على “رئة القرم” خيرسون سيحرم الروس من الممر البري الذي يربط شبه الجزيرة بالبحر الأسود. كما أنه يعني اقتراب المدفعية الأوكرانية بعيدة المدى من شبه جزيرة القرم، التي تعتبرها موسكو ذات أهمية حيوية لمصالحها. بالإضافة لتعرض إمدادات المياه العذبة لشبه الجزيرة للخطر، حيث تحتاج روسيا هذه المياه من أجل السكان ومنشآتها العسكرية العديدة، وري الأراضي القاحلة في المنطقة.
ويرى البعض الآخر في انسحاب روسيا من خيرسون تطوراً إيجابياً ربما يشكل علامة على وجود ما يشبه تفاهمات سرية وترتيبات للبدء بالمفاوضات، وتقديم التنازلات المتبادلة لإنهاء الحرب.

مواقف دولية
توالت التصريحات الدولية، حيث أشاد البيت الأبيض، السبت، بما اعتبر أنّه “نصر استثنائي” لأوكرانيا بعد استعادة قوّاتها مدينة خيرسون (جنوب) إثر انسحاب الجيش الروسي. وقال الرئيس الأميركي جو بايدن إن “هذه لحظة عظيمة وهي نتيجة مثابرة ومهارة مُذهلتَين لدى الأوكرانيّين، بدعم موحّد ومتواصل من حلفائهم في الولايات المتحدة الأميركية”.
واعتبر البعض الانسحاب بهذا المعنى ذا دوافع سياسية بالدرجة الأولى ورسالة حسن نية غير معلنة من قبل الروس، في سياق توافر قناعة لدى مختلف أطراف النزاع بعد شهور دموية عاصفة، أن لا حل عسكرياً للأزمة وأنه لا بديل من الركون لمنطق الحوار والدبلوماسية.
وجاء موقف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في هذا السياق، حيث اعتبر أن الخطوة التي اتخذتها موسكو بخصوص خيرسون إيجابية جداً، ونتوقع أن تكون لها آثار إيجابية على الملف بشكل عام .
أما المتحدث باسم الرئاسة الروسية دميتري بيسكوف فنفى أنه من الممكن تحقيق أهداف العملية العسكرية الخاصة من خلال المفاوضات.
وصرّح أمين عام حلف شمال الأطلسي (الناتو) ينس ستولتنبرغ بأنه علينا أن نترقب كيف ستتطور الأوضاع على الأرض خلال الأيام القادمة بشأن التطورات في خيرسون.
لا يتعين علينا الحكم على مآلات الحرب في أوكرانيا بسبب الانسحاب من خيرسون فقط، فإن نجح الجيش الروسي في السيطرة قريباً على مدن وبلدات جديدة على جبهات القتال مع أوكرانيا، فإن الرأي العام قد يعتبر الانسحاب المؤقت من خيرسون مبرراً، وكجزء من الاستراتيجية العسكرية.
وفي حال عدم تحقق ذلك، فقد يتسبب هذا في قلب المزاج الشعبي الروسي الداعم للعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، والمطالب بتحقيق إنجازات ومكاسب ميدانية، وبالتالي تراجع الحاضنة المجتمعية لتلك العملية، وتراجع التأييد لها.

*كاتبة سورية.

Optimized by Optimole